الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الثَّانِيَةُ- التَّسْبِيحُ وَالْحَمْدُ وَالتَّهْلِيلُ قَدْ يُسَمَّى دُعَاءً، رَوَى مُسْلِمٌ وَالْبُخَارِيُّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كان يَقُولُ عِنْدَ الْكَرْبِ:(لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ الْعَظِيمُ الْحَلِيمُ. لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ. لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ رَبُّ السموات وَرَبُّ الْأَرْضِ وَرَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ). قَالَ الطَّبَرِيُّ: كَانَ السَّلَفُ يَدْعُونَ بِهَذَا الدُّعَاءِ وَيُسَمُّونَهُ دُعَاءَ الْكَرْبِ. وَقَالَ ابْنُ عُيَيْنَةَ وَقَدْ سُئِلَ عَنْ هَذَا فَقَالَ: أَمَا عَلِمْتَ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَقُولُ (إِذَا شَغَلَ عَبْدِي ثَنَاؤُهُ عَنْ مَسْأَلَتِي أَعْطَيْتُهُ أَفْضَلَ مَا أُعْطِيَ السَّائِلِينَ). وَالَّذِي يَقْطَعُ النِّزَاعَ وَأَنَّ هَذَا يُسَمَّى دُعَاءً وَإِنْ لَمْ يكن فيه من معنى الدعاء شي وَإِنَّمَا هُوَ تَعْظِيمٌ لِلَّهِ تَعَالَى وَثَنَاءٌ عَلَيْهِ ما رواه النسائي عن سعد ابن أَبِي وَقَّاصٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: (دعوة ذي النون إذا دَعَا بِهَا فِي بَطْنِ الْحُوتِ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ فإنه لن يدعو بها مسلم في شي إِلَّا اسْتُجِيبَ لَهُ (. الثَّالِثَةُ- مِنَ السُّنَّةِ لِمَنْ بَدَأَ بِالْأَكْلِ أَنْ يُسَمِّيَ اللَّهَ عِنْدَ أَكْلِهِ وَشُرْبِهِ وَيَحْمَدَهُ عِنْدَ فَرَاغِهِ اقْتِدَاءً بِأَهْلِ الْجَنَّةِ، وَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: (إِنَّ اللَّهَ لَيَرْضَى عَنِ الْعَبْدِ أَنْ يَأْكُلَ الْأَكْلَةَ فَيَحْمَدَهُ عَلَيْهَا أَوْ يَشْرَبَ الشَّرْبَةَ فَيَحْمَدَهُ عَلَيْهَا). الرَّابِعَةُ- يُسْتَحَبُّ لِلدَّاعِي أَنْ يَقُولَ فِي آخِرِ دُعَائِهِ كَمَا قَالَ أَهْلُ الْجَنَّةِ: وَآخِرُ دَعْوَاهُمْ أَنِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، وَحَسُنَ أَنْ يَقْرَأَ آخِرَ" وَالصَّافَّاتِ"«1» فَإِنَّهَا جَمَعَتْ تَنْزِيهَ الْبَارِئِ تَعَالَى عَمَّا نُسِبَ إِلَيْهِ، وَالتَّسْلِيمَ عَلَى الْمُرْسَلِينَ، وَالْخَتْمَ بِالْحَمْدِ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ.
[سورة يونس (10): آية 11]
وَلَوْ يُعَجِّلُ اللَّهُ لِلنَّاسِ الشَّرَّ اسْتِعْجالَهُمْ بِالْخَيْرِ لَقُضِيَ إِلَيْهِمْ أَجَلُهُمْ فَنَذَرُ الَّذِينَ لَا يَرْجُونَ لِقاءَنا فِي طُغْيانِهِمْ يَعْمَهُونَ (11)
(1). راجع ج 15 ص 140.
قَوْلُهُ تَعَالَى: (وَلَوْ يُعَجِّلُ اللَّهُ لِلنَّاسِ الشَّرَّ اسْتِعْجالَهُمْ بِالْخَيْرِ لَقُضِيَ إِلَيْهِمْ أَجَلُهُمْ) فِيهِ ثَلَاثُ مَسَائِلَ: الْأُولَى- قَوْلُهُ تَعَالَى: (وَلَوْ يُعَجِّلُ اللَّهُ لِلنَّاسِ الشَّرَّ) قِيلَ: مَعْنَاهُ وَلَوْ عَجَّلَ اللَّهُ لِلنَّاسِ الْعُقُوبَةَ كَمَا يَسْتَعْجِلُونَ الثَّوَابَ وَالْخَيْرَ لَمَاتُوا، لِأَنَّهُمْ خُلِقُوا فِي الدُّنْيَا خَلْقًا ضَعِيفًا، وَلَيْسَ هُمْ كَذَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ، لِأَنَّهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يُخْلَقُونَ لِلْبَقَاءِ. وَقِيلَ: الْمَعْنَى لَوْ فَعَلَ اللَّهُ مَعَ النَّاسِ فِي إِجَابَتِهِ إِلَى الْمَكْرُوهِ مِثْلَ مَا يُرِيدُونَ فِعْلَهُ مَعَهُمْ فِي إِجَابَتِهِ إِلَى الْخَيْرِ لَأَهْلَكَهُمْ، وَهُوَ مَعْنَى" لَقُضِيَ إِلَيْهِمْ أَجَلُهُمْ". وقيل: إنه خاص بالكافر، أي ولو يجعل اللَّهُ لِلْكَافِرِ الْعَذَابَ عَلَى كُفْرِهِ كَمَا عَجَّلَ لَهُ خَيْرَ الدُّنْيَا مِنَ الْمَالِ وَالْوَلَدِ لَعَجَّلَ له قضاء أجله ليتعجل عذاب الآخرة، قاله ابْنُ إِسْحَاقَ. مُقَاتِلٌ: هُوَ قَوْلُ النَّضْرِ بْنِ الْحَارِثِ: اللَّهُمَّ إِنْ كَانَ هَذَا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةً مِنَ السَّمَاءِ، فَلَوْ عُجِّلَ لَهُمْ هَذَا لَهَلَكُوا. وَقَالَ مُجَاهِدٌ: نَزَلَتْ فِي الرَّجُلِ يَدْعُو عَلَى نَفْسِهِ أَوْ مَالِهِ أَوْ وَلَدِهِ إِذَا غَضِبَ: اللَّهُمَّ أَهْلِكْهُ، اللَّهُمَّ لَا تُبَارِكْ لَهُ فِيهِ وَالْعَنْهُ، أَوْ نَحْوَ هَذَا، فَلَوِ اسْتُجِيبَ ذَلِكَ مِنْهُ كَمَا يُسْتَجَابُ الْخَيْرُ لَقُضِيَ إِلَيْهِمْ أَجَلُهُمْ. فَالْآيَةُ نَزَلَتْ ذَامَّةً لِخُلُقٍ ذَمِيمٍ هُوَ فِي بَعْضِ النَّاسِ يَدْعُونَ فِي الْخَيْرِ فَيُرِيدُونَ تَعْجِيلَ الْإِجَابَةِ ثُمَّ يَحْمِلُهُمْ أَحْيَانًا سُوءُ الْخُلُقِ عَلَى الدُّعَاءِ فِي الشَّرِّ، فَلَوْ عُجِّلَ لَهُمْ لَهَلَكُوا. الثَّانِيَةُ- وَاخْتُلِفَ فِي إِجَابَةِ هَذَا الدُّعَاءِ، فَرُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَالَ:(إِنِّي سَأَلْتُ اللَّهَ عز وجل أَلَّا يَسْتَجِيبَ دُعَاءَ حبيب على حبيبه). وقال شهر ابن حَوْشَبٍ: قَرَأْتُ فِي بَعْضِ الْكُتُبِ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَقُولُ لِلْمَلَائِكَةِ الْمُوَكَّلِينَ بِالْعَبْدِ: لَا تَكْتُبُوا عَلَى عَبْدِي فِي حَالِ ضَجَرِهِ شَيْئًا، لُطْفًا مِنَ اللَّهِ تَعَالَى عَلَيْهِ. قَالَ بَعْضُهُمْ: وَقَدْ يُسْتَجَابُ ذَلِكَ الدُّعَاءُ، وَاحْتَجَّ بِحَدِيثِ جَابِرٍ الَّذِي رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ آخِرَ الْكِتَابِ، قَالَ جَابِرٌ: سِرْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي غَزْوَةِ بَطْنِ بُوَاطٍ «1» وَهُوَ يطلب المجدي بن عمرو الجهني
(1). بواط (بضم أوله): جبل من جبال جهينة بناحية رضوى (جبل بالمدينة عند ينبع) غزاة النبي صلى الله عليه وسلم في شهر ربيع الأول في السنة الثانية من الهجرة يريد قريشا. [ ..... ]
وَكَانَ النَّاضِحُ يَعْتَقِبُهُ «1» مِنَّا الْخَمْسَةُ وَالسِّتَّةُ وَالسَّبْعَةُ، فَدَارَتْ عُقْبَةُ رَجُلٍ مِنَ الْأَنْصَارِ عَلَى نَاضِحٍ لَهُ فَأَنَاخَهُ فَرَكِبَ، ثُمَّ بَعَثَهُ فَتَلَدَّنَ «2» عَلَيْهِ بَعْضَ التَّلَدُّنِ، فَقَالَ لَهُ: شَأْ، لَعَنَكَ اللَّهِ! فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:(مَنْ هَذَا اللَّاعِنُ بَعِيرَهُ)؟ قَالَ: أَنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ:(انْزِلْ عَنْهُ فَلَا تَصْحَبْنَا بِمَلْعُونٍ لَا تَدْعُوا عَلَى أَنْفُسِكُمْ وَلَا تَدْعُوا عَلَى أَوْلَادِكُمْ وَلَا تَدْعُوا عَلَى أَمْوَالِكُمْ لَا تُوَافِقُوا مِنَ اللَّهِ سَاعَةً يُسْأَلُ فِيهَا عَطَاءً فَيَسْتَجِيبَ لَكُمْ (. فِي غَيْرِ [كِتَابِ] «3» مُسْلِمٍ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم كَانَ فِي سفر فلعن رجل ناقته فقال:) أبن الَّذِي لَعَنَ نَاقَتَهُ (؟ فَقَالَ الرَّجُلُ: أَنَا هَذَا يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَقَالَ:) أَخِّرْهَا عَنْكَ فَقَدْ أُجِبْتَ فِيهَا) ذَكَرَهُ الْحَلِيمِيُّ فِي مِنْهَاجِ الدِّينِ." شَأْ" يُرْوَى بِالسِّينِ وَالشِّينِ، وَهُوَ زَجْرٌ لِلْبَعِيرِ بِمَعْنَى سِرْ. الثَّالِثَةُ- قَوْلُهُ تَعَالَى:" وَلَوْ يُعَجِّلُ اللَّهُ" قَالَ الْعُلَمَاءُ: التَّعْجِيلُ مِنَ اللَّهِ، وَالِاسْتِعْجَالُ مِنَ الْعَبْدِ. وَقَالَ أَبُو عَلِيٍّ: هُمَا مِنَ اللَّهِ، وَفِي الْكَلَامِ حَذْفٌ، أَيْ وَلَوْ يُعَجِّلُ اللَّهُ لِلنَّاسِ الشَّرَّ تَعْجِيلًا مِثْلَ اسْتِعْجَالِهِمْ بِالْخَيْرِ، ثُمَّ حَذَفَ تَعْجِيلًا وَأَقَامَ صِفَتَهُ مَقَامَهُ، ثُمَّ حَذَفَ صِفَتَهُ وَأَقَامَ الْمُضَافَ إِلَيْهِ مَقَامَهُ، هَذَا مَذْهَبُ الْخَلِيلِ وَسِيبَوَيْهِ. وَعَلَى قَوْلِ الْأَخْفَشِ وَالْفَرَّاءِ كَاسْتِعْجَالِهِمْ، ثُمَّ حَذَفَ الْكَافَ وَنَصَبَ. قَالَ الْفَرَّاءُ: كَمَا تَقُولُ ضَرَبْتُ زَيْدًا ضَرْبَكَ، أَيْ كَضَرْبِكَ. وَقَرَأَ ابْنُ عَامِرٍ" لَقُضِيَ إِلَيْهِمْ أَجَلُهُمْ". وَهِيَ قِرَاءَةٌ حَسَنَةٌ، لِأَنَّهُ مُتَّصِلٌ بِقَوْلِهِ:" وَلَوْ يُعَجِّلُ اللَّهُ لِلنَّاسِ الشَّرَّ". قوله تعالى: (فَنَذَرُ الَّذِينَ لَا يَرْجُونَ لِقاءَنا) أَيْ لَا يُعَجِّلُ لَهُمُ الشَّرَّ فَرُبَّمَا يَتُوبُ مِنْهُمْ تَائِبٌ، أَوْ يَخْرُجُ مِنْ أَصْلَابِهِمْ مُؤْمِنٌ. (فِي طُغْيانِهِمْ يَعْمَهُونَ) أَيْ يَتَحَيَّرُونَ. وَالطُّغْيَانُ: الْعُلُوُّ وَالِارْتِفَاعُ، وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي" الْبَقَرَةِ" «4». وَقَدْ قِيلَ: إِنَّ الْمُرَادَ بِهَذِهِ الْآيَةِ أَهْلُ مَكَّةَ، وَإِنَّهَا نَزَلَتْ حِينَ قَالُوا:" اللَّهُمَّ إِنْ كانَ هَذَا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ"[الأنفال: 32] الآية، على ما تقدم «5» والله أعلم.
(1). أي يتعاقبونه في الركوب واحد بعد واحد. والعقبة: النوبة.
(2)
. تلدن: تلكأ وتوقف ولم ينبعث.
(3)
. من ع وهـ.
(4)
. راجع ج 1 ص 209.
(5)
. ج 7 ص 398.