الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الْبَقَاءَ فِي نَعِيمِهَا عَلَى النَّعِيمِ فِي الْآخِرَةِ، وَصَدَّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ- أَيْ صَرَفَ النَّاسَ عَنْهُ وَهُوَ دِينُ اللَّهِ، الَّذِي جَاءَتْ بِهِ الرُّسُلُ، فِي قَوْلِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَغَيْرِهِ- فَهُوَ دَاخِلٌ فِي هَذِهِ الْآيَةِ، وَقَدْ قَالَ صلى الله عليه وسلم:" إِنَّ أَخْوَفَ مَا أَخَافُ عَلَى أُمَّتِي الْأَئِمَّةُ الْمُضِلُّونَ" وَهُوَ حَدِيثٌ صَحِيحٌ. وَمَا أَكْثَرَ مَا هُمْ فِي هَذِهِ الْأَزْمَانِ، وَاللَّهُ الْمُسْتَعَانُ. وَقِيلَ:" يَسْتَحِبُّونَ" أَيْ يَلْتَمِسُونَ الدُّنْيَا مِنْ غَيْرِ وَجْهِهَا، لِأَنَّ نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُلْتَمَسُ إِلَّا بِطَاعَتِهِ دُونَ مَعْصِيَتِهِ. (وَيَبْغُونَها عِوَجاً) أَيْ يَطْلُبُونَ لَهَا زَيْغًا وَمَيْلًا لِمُوَافَقَةِ أَهْوَائِهِمْ، وَقَضَاءِ حَاجَاتِهِمْ وَأَغْرَاضِهِمْ. وَالسَّبِيلُ تُذَكَّرُ وَتُؤَنَّثُ. وَالْعِوَجُ بكسر العين في الدين والأمر والأرضي، وَفِي كُلِّ مَا لَمْ يَكُنْ قَائِمًا، وَبِفَتْحِ الْعَيْنِ فِي كُلِّ مَا كَانَ قَائِمًا، كَالْحَائِطِ وَالرُّمْحِ وَنَحْوَهُ، وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي" آلِ عِمْرَانَ"«1» وَغَيْرِهَا. (أُولئِكَ فِي ضَلالٍ بَعِيدٍ) أَيْ ذَهَابٌ عن الحق بعيد عنه.
[سورة إبراهيم (14): آية 4]
وَما أَرْسَلْنا مِنْ رَسُولٍ إِلَاّ بِلِسانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ فَيُضِلُّ اللَّهُ مَنْ يَشاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشاءُ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (4)
قَوْلُهُ تَعَالَى: (وَما أَرْسَلْنا مِنْ رَسُولٍ) أَيْ قَبْلَكَ يَا محمد (إِلَّا بِلِسانِ قَوْمِهِ) أي بلغتهم، ليبينوا لَهُمْ أَمْرَ دِينِهِمْ، وَوَحَّدَ اللِّسَانَ وَإِنْ أَضَافَهُ إِلَى الْقَوْمِ لِأَنَّ الْمُرَادَ اللُّغَةُ، فَهِيَ اسْمُ جِنْسٍ يَقَعُ عَلَى الْقَلِيلِ وَالْكَثِيرِ، وَلَا حُجَّةَ لِلْعَجَمِ وَغَيْرِهِمْ فِي هَذِهِ الْآيَةِ، لِأَنَّ كُلَّ مَنْ تُرْجِمَ لَهُ مَا جَاءَ بِهِ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم تَرْجَمَةً يَفْهَمُهَا لَزِمَتْهُ الْحُجَّةُ، وَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى:" وَما أَرْسَلْناكَ إِلَّا كَافَّةً لِلنَّاسِ بَشِيراً وَنَذِيراً"«2» [سبأ: 28]. وَقَالَ صلى الله عليه وسلم:" أُرْسِلَ كُلُّ نَبِيٍّ إِلَى أُمَّتِهِ بِلِسَانِهَا وَأَرْسَلَنِي اللَّهُ إِلَى كُلِّ أَحْمَرَ وَأَسْوَدَ مِنْ خَلْقِهِ". وَقَالَ صلى الله عليه وسلم:" وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَا يَسْمَعُ بِي أَحَدٌ مِنْ هَذِهِ الْأُمَّةِ يَهُودِيٌّ وَلَا نَصْرَانِيٌّ ثُمَّ لَمْ يُؤْمِنْ بِالَّذِي أُرْسِلْتُ بِهِ إِلَّا كَانَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ". خَرَّجَهُ مُسْلِمٌ، وَقَدْ تَقَدَّمَ. (فَيُضِلُّ اللَّهُ مَنْ يَشاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشاءُ) رَدٌّ عَلَى الْقَدَرِيَّةِ فِي نُفُوذِ الْمَشِيئَةِ، وَهُوَ مُسْتَأْنَفٌ، وَلَيْسَ بِمَعْطُوفٍ عَلَى
(1). راجع ج 4 ص 154.
(2)
. راجع ج 14 ص 300.