الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
كَيْفَ أَنْتُمْ؟ وَسَأَلَهَا عَنْ عَيْشِهِمْ وَهَيْئَتِهِمْ فَقَالَتْ: نَحْنُ بِخَيْرٍ وَسَعَةٍ وَأَثْنَتْ عَلَى اللَّهِ. قَالَ: مَا طَعَامُكُمْ؟ قَالَتِ: اللَّحْمُ. قَالَ فَمَا شَرَابُكُمْ؟ قَالَتِ: الْمَاءُ. قَالَ: اللَّهُمَّ بَارِكْ لَهُمْ فِي اللَّحْمِ وَالْمَاءِ. قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم:" وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ يَوْمئِذٍ حَبٌّ وَلَوْ كَانَ لَهُمْ دَعَا لَهُمْ فِيهِ". قَالَ: فَهُمَا لَا يَخْلُو «1» عَلَيْهِمَا أَحَدٌ بِغَيْرِ مَكَّةَ إِلَّا لَمْ يُوَافِقَاهُ، وَذَكَرَ الْحَدِيثَ. وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: قَوْلَ إِبْرَاهِيمَ" فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ" سَأَلَ أَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ النَّاسَ يَهْوُونَ السُّكْنَى بِمَكَّةَ، فَيَصِيرُ بَيْتًا مُحَرَّمًا، وَكُلُّ ذَلِكَ كَانَ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ. وَأَوَّلُ مَنْ سَكَنَهُ جُرْهُمُ. فَفِي الْبُخَارِيِّ- بَعْدَ قَوْلِهِ: وَإِنَّ اللَّهَ لَا يُضَيِّعُ أَهْلَهُ- وَكَانَ الْبَيْتُ مُرْتَفِعًا مِنَ الْأَرْضِ كَالرَّابِيَةِ تَأْتِيهِ السُّيُولُ فَتَأْخُذُ عَنْ يَمِينِهِ وَعَنْ شِمَالِهِ، وَكَذَلِكَ حَتَّى مَرَّتْ بِهِمْ رُفْقَةٌ مِنْ جُرْهُمَ قَافِلِينَ مِنْ طَرِيقِ كَذَا، فَنَزَلُوا بِأَسْفَلِ مَكَّةَ، فَرَأَوْا طَائِرًا عَائِفًا «2» فَقَالُوا: إِنَّ هَذَا الطَّائِرَ لَيَدُورُ عَلَى مَاءٍ! لَعَهْدُنَا بِهَذَا الْوَادِي وَمَا فِيهِ مَاءٌ، فَأَرْسِلُوا جَرِيًّا أَوْ جَرِيَّيْنِ «3» فَإِذَا هُمْ بِالْمَاءِ، فَأَخْبَرُوهُمْ بِالْمَاءِ فَأَقْبَلُوا. قَالَ: وَأُمُّ إِسْمَاعِيلَ عِنْدَ الْمَاءِ، فَقَالُوا: أَتَأْذَنِينَ لَنَا أَنْ نَنْزِلَ عِنْدَكِ؟ قَالَتْ: نَعَمْ وَلَكِنْ لَا حَقَّ لَكُمْ فِي الْمَاءِ. قَالُوا: نَعَمْ. قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم:" [فَأَلْفَى] "«4» ذَلِكَ أُمَّ إِسْمَاعِيلَ وَهِيَ تُحِبُّ الْأُنْسَ" فَنَزَلُوا وَأَرْسَلُوا إِلَى أَهْلِهِمْ فَنَزَلُوا مَعَهُمْ حَتَّى إِذَا كَانَ بِهَا أَهْلُ أَبْيَاتٍ مِنْهُمْ، شَبَّ الْغُلَامُ، وَمَاتَتْ أُمُّ إِسْمَاعِيلَ، فَجَاءَ إِبْرَاهِيمُ بَعْدَ مَا تَزَوَّجَ إِسْمَاعِيلُ يُطَالِعُ تَرِكَتَهُ، الْحَدِيثَ.
[سورة إبراهيم (14): الآيات 38 الى 41]
رَبَّنا إِنَّكَ تَعْلَمُ مَا نُخْفِي وَما نُعْلِنُ وَما يَخْفى عَلَى اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ فِي الْأَرْضِ وَلا فِي السَّماءِ (38) الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي وَهَبَ لِي عَلَى الْكِبَرِ إِسْماعِيلَ وَإِسْحاقَ إِنَّ رَبِّي لَسَمِيعُ الدُّعاءِ (39) رَبِّ اجْعَلْنِي مُقِيمَ الصَّلاةِ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي رَبَّنا وَتَقَبَّلْ دُعاءِ (40) رَبَّنَا اغْفِرْ لِي وَلِوالِدَيَّ وَلِلْمُؤْمِنِينَ يَوْمَ يَقُومُ الْحِسابُ (41)
(1). في و: عنهما.
(2)
. العائف هنا هو الذي يتردد على الماء ولا يمضى.
(3)
. الجري: الرسول.
(4)
. ألفى أي وجد ذلك الحي الجرهمي أم إسماعيل، أو ألفى استئذان جرهم بالنزول أم إسماعيل والحال أنها تحب الأنس، ففاعل ألفى (ذلك) و (ذلك) إشارة إلى الاستئذان.
قَوْلُهُ تَعَالَى: (رَبَّنا إِنَّكَ تَعْلَمُ مَا نُخْفِي وَما نُعْلِنُ) أي، ليس يخفي عليك شي مِنْ أَحْوَالِنَا. وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَمُقَاتِلٌ: تَعْلَمُ جَمِيعَ مَا أُخْفِيهِ وَمَا أُعْلِنُهُ مِنَ الْوَجْدِ بِإِسْمَاعِيلَ وَأُمِّهِ حَيْثُ أُسْكِنَا بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ. (وَما يَخْفى عَلَى اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ فِي الْأَرْضِ وَلا فِي السَّماءِ) قِيلَ: هُوَ مِنْ قَوْلِ إِبْرَاهِيمَ. وَقِيلَ: هُوَ مِنْ قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى لَمَّا قَالَ إِبْرَاهِيمُ:" رَبَّنا إِنَّكَ تَعْلَمُ مَا نُخْفِي وَما نُعْلِنُ" قَالَ اللَّهُ:" وَما يَخْفى عَلَى اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ فِي الْأَرْضِ وَلا فِي السَّماءِ". (الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي وَهَبَ لِي عَلَى الْكِبَرِ) أَيْ عَلَى كِبَرِ سِنِّي وَسِنِّ امْرَأَتِي، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: وُلِدَ لَهُ إِسْمَاعِيلُ وَهُوَ ابْنُ تِسْعٍ وَتِسْعِينَ سَنَةً. وَإِسْحَاقُ وَهُوَ ابْنُ مِائَةٍ وَاثْنَتَيْ عَشْرَةَ سَنَةً. وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ: بُشِّرَ إِبْرَاهِيمُ بِإِسْحَاقَ بَعْدَ عَشْرٍ وَمِائَةِ سَنَةٍ. (إِنَّ رَبِّي لَسَمِيعُ الدُّعاءِ). قوله تعالى: (رَبِّ اجْعَلْنِي مُقِيمَ الصَّلاةِ) أَيْ مِنَ الثَّابِتِينَ عَلَى الْإِسْلَامِ وَالْتِزَامِ أَحْكَامِهِ. (وَمِنْ ذُرِّيَّتِي) أَيْ وَاجْعَلْ مِنْ ذُرِّيَّتِي مَنْ يُقِيمُهَا. (رَبَّنا وَتَقَبَّلْ دُعاءِ) أَيْ عِبَادَتِي كَمَا قَالَ:" وَقالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ"«1» [غافر: 60]. وَقَالَ عليه السلام:" الدُّعَاءُ مُخُّ الْعِبَادَةِ" وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي" الْبَقَرَةِ"«2» . (رَبَّنَا اغْفِرْ لِي وَلِوالِدَيَّ وَلِلْمُؤْمِنِينَ) قِيلَ: اسْتَغْفَرَ إِبْرَاهِيمُ لِوَالِدَيْهِ قَبْلَ أَنْ يَثْبُتَ عِنْدَهُ أَنَّهُمَا عَدُوَّانِ لِلَّهِ. قَالَ الْقُشَيْرِيُّ: وَلَا يَبْعُدُ أَنْ تَكُونَ أُمُّهُ مُسْلِمَةً لِأَنَّ اللَّهَ ذَكَرَ عُذْرَهُ فِي اسْتِغْفَارِهِ لِأَبِيهِ دُونَ أُمِّهِ. قُلْتُ: وَعَلَى هَذَا قِرَاءَةُ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ،" رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِوالِدَيَّ" يَعْنِي. أَبَاهُ. وَقِيلَ: اسْتَغْفَرَ لَهُمَا طَمَعًا فِي إِيمَانِهِمَا. وَقِيلَ: اسْتَغْفَرَ لَهُمَا بِشَرْطٍ أَنْ يُسْلِمَا وَقِيلَ: أَرَادَ آدَمَ وَحَوَّاءَ. وَقَدْ رُوِيَ أَنَّ الْعَبْدَ إِذَا قَالَ: اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدِيَّ وَكَانَ أَبَوَاهُ قَدْ مَاتَا كَافِرَيْنِ انْصَرَفَتِ الْمَغْفِرَةُ إِلَى آدَمَ وَحَوَّاءَ لِأَنَّهُمَا وَالِدَا الْخَلْقِ أَجْمَعَ. وَقِيلَ: إِنَّهُ أَرَادَ وَلَدَيْهِ إِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ. وَكَانَ إِبْرَاهِيمُ النَّخَعِيَّ يَقْرَأُ:" وَلِوَلَدَيَّ" يَعْنِي ابْنَيْهِ، وَكَذَلِكَ قَرَأَ يَحْيَى بْنُ يَعْمَرَ، ذَكَرَهُ الْمَاوَرْدِيُّ وَالنَّحَّاسُ. (وَلِلْمُؤْمِنِينَ) قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: مِنْ أُمَّةِ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم. وَقِيلَ:" لِلْمُؤْمِنِينَ" كُلِّهِمْ وَهُوَ أَظْهَرُ. (يَوْمَ يَقُومُ الْحِسابُ) أَيْ يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ للحساب.
(1). راجع ج 15 ص 326.
(2)
. راجع ج 2 ص 309 فما بعد.