المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌[سورة إبراهيم (14): الآيات 48 الى 52] - تفسير القرطبي = الجامع لأحكام القرآن - جـ ٩

[القرطبي]

فهرس الكتاب

- ‌تفسير سُورَةُ هُودٍ عليه السلام

- ‌[سورة هود (11): الآيات 1 الى 4]

- ‌[سورة هود (11): آية 5]

- ‌[سورة هود (11): آية 6]

- ‌[سورة هود (11): آية 7]

- ‌[سورة هود (11): آية 8]

- ‌[سورة هود (11): الآيات 9 الى 11]

- ‌[سورة هود (11): الآيات 12 الى 13]

- ‌[سورة هود (11): آية 14]

- ‌[سورة هود (11): آية 15]

- ‌[سورة هود (11): آية 16]

- ‌[سورة هود (11): آية 17]

- ‌[سورة هود (11): الآيات 18 الى 19]

- ‌[سورة هود (11): آية 20]

- ‌[سورة هود (11): الآيات 21 الى 22]

- ‌[سورة هود (11): آية 23]

- ‌[سورة هود (11): آية 24]

- ‌[سورة هود (11): الآيات 25 الى 26]

- ‌[سورة هود (11): آية 27]

- ‌[سورة هود (11): الآيات 28 الى 31]

- ‌[سورة هود (11): الآيات 32 الى 35]

- ‌[سورة هود (11): الآيات 36 الى 37]

- ‌[سورة هود (11): الآيات 38 الى 40]

- ‌[سورة هود (11): الآيات 41 الى 44]

- ‌[سورة هود (11): الآيات 45 الى 47]

- ‌[سورة هود (11): آية 48]

- ‌[سورة هود (11): آية 49]

- ‌[سورة هود (11): الآيات 50 الى 60]

- ‌[سورة هود (11): آية 61]

- ‌[سورة هود (11): الآيات 62 الى 68]

- ‌[سورة هود (11): الآيات 69 الى 71]

- ‌[سورة هود (11): آية 72]

- ‌[سورة هود (11): آية 73]

- ‌[سورة هود (11): الآيات 74 الى 76]

- ‌[سورة هود (11): الآيات 77 الى 83]

- ‌[سورة هود (11): الآيات 84 الى 95]

- ‌[سورة هود (11): الآيات 96 الى 99]

- ‌[سورة هود (11): الآيات 100 الى 109]

- ‌[سورة هود (11): آية 110]

- ‌[سورة هود (11): آية 111]

- ‌[سورة هود (11): آية 112]

- ‌[سورة هود (11): آية 113]

- ‌[سورة هود (11): آية 114]

- ‌[سورة هود (11): الآيات 115 الى 116]

- ‌[سورة هود (11): الآيات 117 الى 119]

- ‌[سورة هود (11): آية 120]

- ‌[سورة هود (11): الآيات 121 الى 123]

- ‌سورة يوسف عليه السلام

- ‌[سورة يوسف (12): آية 1]

- ‌[سورة يوسف (12): آية 2]

- ‌[سورة يوسف (12): آية 3]

- ‌[سورة يوسف (12): آية 4]

- ‌[سورة يوسف (12): آية 5]

- ‌[سورة يوسف (12): آية 6]

- ‌[سورة يوسف (12): الآيات 7 الى 9]

- ‌[سورة يوسف (12): آية 10]

- ‌[سورة يوسف (12): الآيات 11 الى 12]

- ‌[سورة يوسف (12): الآيات 13 الى 14]

- ‌[سورة يوسف (12): آية 15]

- ‌[سورة يوسف (12): آية 16]

- ‌[سورة يوسف (12): آية 17]

- ‌[سورة يوسف (12): آية 18]

- ‌[سورة يوسف (12): آية 19]

- ‌[سورة يوسف (12): آية 20]

- ‌[سورة يوسف (12): آية 21]

- ‌[سورة يوسف (12): آية 22]

- ‌[سورة يوسف (12): الآيات 23 الى 24]

- ‌[سورة يوسف (12): آية 25]

- ‌[سورة يوسف (12): الآيات 26 الى 29]

- ‌[سورة يوسف (12): الآيات 30 الى 32]

- ‌[سورة يوسف (12): الآيات 33 الى 34]

- ‌[سورة يوسف (12): آية 35]

- ‌[سورة يوسف (12): الآيات 36 الى 38]

- ‌[سورة يوسف (12): الآيات 39 الى 40]

- ‌[سورة يوسف (12): آية 41]

- ‌[سورة يوسف (12): آية 42]

- ‌[سورة يوسف (12): آية 43]

- ‌[سورة يوسف (12): آية 44]

- ‌[سورة يوسف (12): الآيات 45 الى 46]

- ‌[سورة يوسف (12): آية 47]

- ‌[سورة يوسف (12): آية 48]

- ‌[سورة يوسف (12): آية 49]

- ‌[سورة يوسف (12): الآيات 50 الى 51]

- ‌[سورة يوسف (12): الآيات 52 الى 53]

- ‌[سورة يوسف (12): آية 54]

- ‌[سورة يوسف (12): آية 55]

- ‌[سورة يوسف (12): الآيات 56 الى 57]

- ‌[سورة يوسف (12): آية 58]

- ‌[سورة يوسف (12): الآيات 59 الى 61]

- ‌[سورة يوسف (12): آية 62]

- ‌[سورة يوسف (12): الآيات 63 الى 65]

- ‌[سورة يوسف (12): آية 66]

- ‌[سورة يوسف (12): آية 67]

- ‌[سورة يوسف (12): الآيات 68 الى 70]

- ‌[سورة يوسف (12): الآيات 71 الى 72]

- ‌[سورة يوسف (12): الآيات 73 الى 75]

- ‌[سورة يوسف (12): آية 76]

- ‌[سورة يوسف (12): الآيات 77 الى 79]

- ‌[سورة يوسف (12): آية 80]

- ‌[سورة يوسف (12): آية 81]

- ‌[سورة يوسف (12): آية 82]

- ‌[سورة يوسف (12): آية 83]

- ‌[سورة يوسف (12): آية 84]

- ‌[سورة يوسف (12): الآيات 85 الى 86]

- ‌[سورة يوسف (12): آية 87]

- ‌[سورة يوسف (12): آية 88]

- ‌[سورة يوسف (12): الآيات 89 الى 93]

- ‌[سورة يوسف (12): الآيات 94 الى 99]

- ‌[سورة يوسف (12): آية 100]

- ‌[سورة يوسف (12): آية 101]

- ‌[سورة يوسف (12): الآيات 102 الى 104]

- ‌[سورة يوسف (12): الآيات 105 الى 108]

- ‌[سورة يوسف (12): الآيات 109 الى 110]

- ‌[سورة يوسف (12): آية 111]

- ‌تفسير سورة الرعد

- ‌[سورة الرعد (13): آية 1]

- ‌[سورة الرعد (13): آية 2]

- ‌[سورة الرعد (13): آية 3]

- ‌[سورة الرعد (13): آية 4]

- ‌[سورة الرعد (13): آية 5]

- ‌[سورة الرعد (13): الآيات 6 الى 7]

- ‌[سورة الرعد (13): الآيات 8 الى 9]

- ‌[سورة الرعد (13): آية 10]

- ‌[سورة الرعد (13): آية 11]

- ‌[سورة الرعد (13): الآيات 12 الى 13]

- ‌[سورة الرعد (13): آية 14]

- ‌[سورة الرعد (13): آية 15]

- ‌[سورة الرعد (13): آية 16]

- ‌[سورة الرعد (13): الآيات 17 الى 19]

- ‌[سورة الرعد (13): آية 20]

- ‌[سورة الرعد (13): الآيات 21 الى 24]

- ‌[سورة الرعد (13): الآيات 25 الى 26]

- ‌[سورة الرعد (13): الآيات 27 الى 28]

- ‌[سورة الرعد (13): آية 29]

- ‌[سورة الرعد (13): آية 30]

- ‌[سورة الرعد (13): آية 31]

- ‌[سورة الرعد (13): الآيات 32 الى 34]

- ‌[سورة الرعد (13): آية 35]

- ‌[سورة الرعد (13): آية 36]

- ‌[سورة الرعد (13): آية 37]

- ‌[سورة الرعد (13): آية 38]

- ‌[سورة الرعد (13): آية 39]

- ‌[سورة الرعد (13): الآيات 40 الى 41]

- ‌[سورة الرعد (13): الآيات 42 الى 43]

- ‌تفسير سورة إبراهيم

- ‌[سورة إبراهيم (14): آية 1]

- ‌[سورة إبراهيم (14): الآيات 2 الى 3]

- ‌[سورة إبراهيم (14): آية 4]

- ‌[سورة إبراهيم (14): آية 5]

- ‌[سورة إبراهيم (14): الآيات 6 الى 7]

- ‌[سورة إبراهيم (14): الآيات 8 الى 9]

- ‌[سورة إبراهيم (14): آية 10]

- ‌[سورة إبراهيم (14): الآيات 11 الى 12]

- ‌[سورة إبراهيم (14): الآيات 13 الى 14]

- ‌[سورة إبراهيم (14): الآيات 15 الى 17]

- ‌[سورة إبراهيم (14): الآيات 18 الى 20]

- ‌[سورة إبراهيم (14): الآيات 21 الى 22]

- ‌[سورة إبراهيم (14): آية 23]

- ‌[سورة إبراهيم (14): الآيات 24 الى 25]

- ‌[سورة إبراهيم (14): آية 26]

- ‌[سورة إبراهيم (14): آية 27]

- ‌[سورة إبراهيم (14): الآيات 28 الى 30]

- ‌[سورة إبراهيم (14): آية 31]

- ‌[سورة إبراهيم (14): الآيات 32 الى 34]

- ‌[سورة إبراهيم (14): الآيات 35 الى 36]

- ‌[سورة إبراهيم (14): آية 37]

- ‌[سورة إبراهيم (14): الآيات 38 الى 41]

- ‌[سورة إبراهيم (14): الآيات 42 الى 43]

- ‌[سورة إبراهيم (14): آية 44]

- ‌[سورة إبراهيم (14): الآيات 45 الى 46]

- ‌[سورة إبراهيم (14): آية 47]

- ‌[سورة إبراهيم (14): الآيات 48 الى 52]

الفصل: ‌[سورة إبراهيم (14): الآيات 48 الى 52]

عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَهُوَ كَقَوْلِهِ تَعَالَى:" وَمَكَرُوا مَكْراً كُبَّاراً"«1» [نوح: 22] وَالْجِبَالُ لَا تَزُولُ وَلَكِنَّ الْعِبَارَةَ عَنْ تَعْظِيمِ الشيء هكذا تكون.

[سورة إبراهيم (14): آية 47]

فَلا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ مُخْلِفَ وَعْدِهِ رُسُلَهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ ذُو انتِقامٍ (47)

قَوْلُهُ تَعَالَى: (فَلا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ مُخْلِفَ وَعْدِهِ رُسُلَهُ) اسْمُ اللَّهِ تَعَالَى وَ" مُخْلِفَ" مَفْعُولَا تَحْسِبَ، وَ" رُسُلَهُ" مَفْعُولُ" وَعْدِهِ" وَهُوَ عَلَى الِاتِّسَاعِ، وَالْمَعْنَى: مُخْلِفٌ وَعْدَهُ رُسُلَهُ، قَالَ الشَّاعِرُ:

تَرَى الثَّوْرَ فِيهَا مُدْخِلَ الظِّلِّ رَأْسَهُ

وَسَائِرَهُ بَادٍ إِلَى الشَّمْسِ أَجْمَعُ «2»

قَالَ الْقُتَبِيُّ: هُوَ مِنَ الْمُقَدَّمِ الَّذِي يُوَضِّحُهُ التَّأْخِيرُ، وَالْمُؤَخَّرِ الَّذِي يُوَضِّحُهُ التَّقْدِيمُ، وَسَوَاءٌ فِي قَوْلِكَ: مُخْلِفَ وَعْدِهِ رُسُلَهُ، وَمُخْلِفَ رُسُلِهِ وَعْدَهُ. (إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ ذُو انتِقامٍ) أَيْ مِنْ أَعْدَائِهِ. وَمِنْ أَسْمَائِهِ الْمُنْتَقِمُ وَقَدْ بَيَّنَّاهُ فِي" الْكِتَابِ الْأَسْنَى فِي شَرْحِ أَسْمَاءِ اللَّهِ الحسنى".

[سورة إبراهيم (14): الآيات 48 الى 52]

يَوْمَ تُبَدَّلُ الْأَرْضُ غَيْرَ الْأَرْضِ وَالسَّماواتُ وَبَرَزُوا لِلَّهِ الْواحِدِ الْقَهَّارِ (48) وَتَرَى الْمُجْرِمِينَ يَوْمَئِذٍ مُقَرَّنِينَ فِي الْأَصْفادِ (49) سَرابِيلُهُمْ مِنْ قَطِرانٍ وَتَغْشى وُجُوهَهُمُ النَّارُ (50) لِيَجْزِيَ اللَّهُ كُلَّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسابِ (51) هَذَا بَلاغٌ لِلنَّاسِ وَلِيُنْذَرُوا بِهِ وَلِيَعْلَمُوا أَنَّما هُوَ إِلهٌ واحِدٌ وَلِيَذَّكَّرَ أُولُوا الْأَلْبابِ (52)

قَوْلُهُ تَعَالَى: (يَوْمَ تُبَدَّلُ الْأَرْضُ غَيْرَ الْأَرْضِ) أَيِ اذْكُرْ يَوْمَ تُبَدَّلُ الْأَرْضُ، فَتَكُونُ مُتَعَلِّقَةً بِمَا قَبْلَهُ. وَقِيلَ: هُوَ صِفَةٌ لِقَوْلِهِ:" يَوْمَ يَقُومُ الْحِسابُ"[إبراهيم: 41]. واختلف في كيفية تبديل

(1). راجع ج 18 ص 306.

(2)

. يصف الشاعر هاجرة قد ألجأت الثيران إلى كنسها، فترى الثور مدخلا رأسه في ظل كناسة لما يجده من الحرارة، وسائره بارز للشمس.

ص: 382

الْأَرْضِ، فَقَالَ كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ: إِنَّ تَبَدُّلَ الْأَرْضِ عِبَارَةٌ عَنْ تَغَيُّرِ صِفَاتِهَا، وَتَسْوِيَةِ آكَامِهَا، وَنَسْفِ جِبَالِهَا، وَمَدِّ أَرْضِهَا، وَرَوَاهُ ابْنُ مَسْعُودٍ رضي الله عنه، خَرَّجَهُ ابْنُ مَاجَهْ فِي سُنَنِهِ وَذَكَرَهُ ابْنُ الْمُبَارَكِ مِنْ حَدِيثِ شَهْرِ بْنِ حَوْشَبٍ، قَالَ حَدَّثَنِي ابْنُ عَبَّاسُ قَالَ: إِذَا كَانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ مُدَّتِ الْأَرْضُ مَدَّ الْأَدِيمِ وَزِيدَ فِي سَعَتِهَا كَذَا وَكَذَا، وَذَكَرَ الْحَدِيثَ. وَرُوِيَ مَرْفُوعًا مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قال:" تُبَدَّلُ الْأَرْضُ غَيْرَ الْأَرْضِ فَيَبْسُطُهَا وَيَمُدُّهَا مَدَّ الأديم العكاظي «1» لا ترى فيها عوجا وأمتا ثُمَّ يَزْجُرُ اللَّهُ الْخَلْقَ زَجْرَةً فَإِذَا هُمْ فِي الثَّانِيَةِ فِي مِثْلِ مَوَاضِعِهِمْ مِنَ الْأُولَى مَنْ كَانَ فِي بَطْنِهَا فَفِي بَطْنِهَا وَمَنْ كَانَ عَلَى ظَهْرِهَا كَانَ عَلَى ظَهْرِهَا «2» " ذَكَرَهُ الْغَزْنَوِيُّ. وَتَبْدِيلُ السَّمَاءِ تَكْوِيرُ شَمْسِهَا وَقَمَرِهَا، وَتَنَاثُرُ نجومها، قاله ابْنُ عَبَّاسٍ. وَقِيلَ: اخْتِلَافُ أَحْوَالِهَا، فَمَرَّةٌ كَالْمُهْلِ «3» وَمَرَّةٌ كَالدِّهَانِ «4» ، حَكَاهُ ابْنُ الْأَنْبَارِيِّ، وَقَدْ ذَكَرْنَا هَذَا الْبَابَ مُبَيَّنًا فِي كِتَابِ" التَّذْكِرَةِ" وَذَكَرْنَا مَا لِلْعُلَمَاءِ فِي ذَلِكَ، وَأَنَّ الصَّحِيحَ إِزَالَةُ هَذِهِ الْأَرْضِ حَسَبَ مَا ثَبَتَ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم. رَوَى مُسْلِمٌ عَنْ ثَوْبَانَ مَوْلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: كُنْتُ قَائِمًا عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَجَاءَهُ حَبْرٌ مِنْ أَحْبَارِ الْيَهُودِ فَقَالَ: السَّلَامُ عَلَيْكَ، وَذَكَرَ الْحَدِيثَ، وَفِيهِ، فَقَالَ الْيَهُودِيُّ أَيْنَ يَكُونُ النَّاسُ يَوْمَ تُبَدَّلُ الْأَرْضُ غَيْرَ الأرض والسموات؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:" فِي الظُّلْمَةِ دُونَ الْجِسْرِ"«5» . وَذَكَرَ الْحَدِيثَ. وَخَرَّجَ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: سُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَنْ قَوْلِهِ:" يَوْمَ تُبَدَّلُ الْأَرْضُ غَيْرَ الْأَرْضِ وَالسَّماواتُ" فَأَيْنَ يَكُونُ النَّاسُ يَوْمئِذٍ؟ قَالَ" عَلَى الصِّرَاطِ". خَرَّجَهُ ابْنُ مَاجَهْ بِإِسْنَادِ مُسْلِمٍ سَوَاءً، وَخَرَّجَهُ التِّرْمِذِيُّ عَنْ عَائِشَةَ وَأَنَّهَا هِيَ السَّائِلَةُ، قَالَ: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صحيح، فهذه الأحاديث تنص على أن السموات وَالْأَرْضَ تُبَدَّلُ وَتُزَالُ، وَيَخْلُقُ اللَّهُ أَرْضًا أُخْرَى يَكُونُ النَّاسُ عَلَيْهَا بَعْدَ كَوْنِهِمْ عَلَى الْجِسْرِ. وَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ

(1). أديم عكاظي: منسوب إلى عكاظ، وهو مما حمل إليها فبيع فيها. وعكاظ: اسم سوق من أسواق الجاهلية مشهورة كانت بقرب مكة. والأمت: المكان المرتفع والتلال الصغار والانخفاض والارتفاع.

(2)

. عبارة الأصل هنا ناقصة ومحرفة، والزيادة والتصويب من تفسير الطبري وكتاب "التذكرة" للمؤلف.

(3)

. راجع ج 18 ص 284.

(4)

. راجع ج 17 ص 173.

(5)

. الجسر: الصراط. [ ..... ]

ص: 383

وَسَلَّمَ:" يُحْشَرُ النَّاسُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَى أَرْضٍ بَيْضَاءَ عَفْرَاءَ كَقُرْصَةِ النَّقِيِّ «1» لَيْسَ فِيهَا عَلَمٌ لِأَحَدٍ". وَقَالَ جَابِرٌ: سَأَلْتُ أَبَا جَعْفَرٍ مُحَمَّدَ بْنَ عَلِيٍّ عَنْ قَوْلِ اللَّهِ عز وجل:" يَوْمَ تُبَدَّلُ الْأَرْضُ غَيْرَ الْأَرْضِ

" قَالَ تُبَدَّلُ خُبْزَةً يَأْكُلُ مِنْهَا الْخَلْقُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، ثُمَّ قَرَأَ:" وَما جَعَلْناهُمْ جَسَداً لَا يَأْكُلُونَ الطَّعامَ «2» ". وَقَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ: إِنَّهَا تُبَدَّلُ بِأَرْضٍ غَيْرَهَا بيضاء لَمْ يُعْمَلْ عَلَيْهَا خَطِيئَةٌ. وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: بِأَرْضٍ مِنْ فِضَّةٍ بَيْضَاءَ. وَقَالَ عَلِيٌّ رضي الله عنه: تُبَدَّلُ الْأَرْضُ يَوْمئِذٍ مِنْ فِضَّةٍ وَالسَّمَاءُ مِنْ ذَهَبٍ وَهَذَا تَبْدِيلٌ لِلْعَيْنِ، وَحَسْبُكَ. (وَبَرَزُوا لِلَّهِ الْواحِدِ الْقَهَّارِ) أَيْ مِنْ قُبُورِهِمْ، وَقَدْ تَقَدَّمَ. قَوْلُهُ تَعَالَى:(وَتَرَى الْمُجْرِمِينَ) وَهُمُ الْمُشْرِكُونَ. (يَوْمَئِذٍ) أَيْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ. (مُقَرَّنِينَ) أَيْ مَشْدُودِينَ (فِي الْأَصْفادِ) وَهِيَ الْأَغْلَالُ وَالْقُيُودُ وَاحِدُهَا صَفْدٌ وَصَفَدٌ. وَيُقَالُ: صَفَدْتُهُ صَفْدًا أَيْ قَيَّدْتُهُ وَالِاسْمُ الصَّفَدُ، فَإِذَا أَرَدْتَ التَّكْثِيرَ قُلْتَ: صَفَّدْتُهُ تصفيدا، قال عمر بْنُ كُلْثُومٍ:

فَآبُوا بِالنِّهَابِ وَبِالسَّبَايَا

وَأُبْنَا بِالْمُلُوكِ مُصَفَّدِينَا

أَيْ مُقَيَّدِينَا. وَقَالَ حَسَّانُ:

مِنْ كُلِّ مَأْسُورٍ يُشَدُّ صِفَادُهُ

صَقْرٍ إِذَا لَاقَى الْكَرِيهَةَ حَامِ

أَيْ غُلُّهُ، وَأَصْفَدْتُهُ إِصْفَادًا أَعْطَيْتُهُ. وَقِيلَ: صَفَدْتُهُ وَأَصْفَدْتُهُ جَارِيَانِ فِي الْقَيْدِ وَالْإِعْطَاءِ جَمِيعًا، قَالَ النَّابِغَةُ:

فَلَمْ أُعَرِّضْ أَبَيْتَ اللَّعْنَ «3» بِالصَّفَدِ

فَالصُّفَدُ الْعَطَاءُ، لِأَنَّهُ يُقَيِّدُ وَيُعْبِدُ، قَالَ أَبُو الطَّيِّبِ:

وَقَيَّدْتُ نَفْسِي فِي ذَرَاكَ «4» مَحَبَّةً

وَمَنْ وجد الإحسان قيدا تقيدا

(1). النقي: الدقيق الحوارى. والحوارى: ما حور أي بيض. والعلم الأثر

(2)

. راجع ج 11 ص 272.

(3)

. معنى أبيت اللعن: أي أبيت أن تأتى شيئا تلعن عليه، وصدر البيت:

هذا الثناء فإن تسمع لقائله.

(4)

. الذرا (بالفتح): الدار ونواحيها، وكل ما استترت به، تقول: أنا في ذرا فلان أي في كنفه وستره.

ص: 384

قِيلَ: يُقْرَنُ كُلُّ كَافِرٍ مَعَ شَيْطَانٍ فِي غُلٍّ، بَيَانُهُ قَوْلُهُ:" احْشُرُوا الَّذِينَ ظَلَمُوا وَأَزْواجَهُمْ"«1» يَعْنِي قُرَنَاءَهُمْ مِنَ الشَّيَاطِينِ. وَقِيلَ إِنَّهُمُ الْكُفَّارُ يُجْمَعُونَ فِي الْأَصْفَادِ كَمَا اجْتَمَعُوا فِي الدُّنْيَا عَلَى الْمَعَاصِي. (سَرابِيلُهُمْ مِنْ قَطِرانٍ) أَيْ قُمُصُهُمْ، عَنِ ابْنِ دُرَيْدٍ وَغَيْرِهِ، وَاحِدُهَا سِرْبَالٌ، وَالْفِعْلُ تَسَرْبَلْتُ وَسَرْبَلْتُ غَيْرِي، قَالَ كَعْبُ بْنُ مَالِكٍ:

تَلْقَاكُمُ عَصَبٌ حَوْلَ النَّبِيِّ لَهُمْ

مِنْ نَسْجِ داود في الهيجا سراويل

" مِنْ قَطِرانٍ" يَعْنِي قَطِرَانَ الْإِبِلِ الَّذِي تُهْنَأُ بِهِ «2» ، قَالَهُ الْحَسَنُ. وَذَلِكَ أَبْلَغُ لِاشْتِعَالِ النَّارِ فِيهِمْ وَفِي الصَّحِيحِ: أَنَّ النَّائِحَةَ إِذَا لَمْ تَتُبْ قَبْلَ مَوْتِهَا تُقَامُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَعَلَيْهَا سِرْبَالٌ مِنْ قَطِرَانٍ وَدِرْعٌ مِنْ جَرَبٍ. وَرُوِيَ عَنْ حَمَّادٍ أَنَّهُمْ قَالُوا: هُوَ النُّحَاسُ. وَقَرَأَ عِيسَى بْنُ عُمَرَ" قَطْرَانٍ" بِفَتْحِ الْقَافِ وَتَسْكِينِ الطَّاءِ. وَفِيهِ قِرَاءَةٌ ثَالِثَةٌ: كَسْرُ الْقَافِ وَجَزْمُ الطَّاءِ، وَمِنْهُ قَوْلُ أَبِي النَّجْمِ:

جَوْنٌ كَأَنَّ الْعَرَقَ الْمَنْتُوحَا «3»

لَبَّسَهُ الْقِطْرَانَ وَالْمُسُوحَا

وَقِرَاءَةٌ رَابِعَةٌ:" مِنْ قَطِرانٍ"«4» رُوِيَتْ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَأَبِي هُرَيْرَةَ وَعِكْرِمَةَ وَسَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ وَيَعْقُوبَ، وَالْقِطْرُ النُّحَاسُ وَالصُّفْرُ الْمُذَابُ، وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى:" آتُونِي أُفْرِغْ عَلَيْهِ قِطْراً"«5» . وَالْآنُ: الَّذِي قَدِ انْتَهَى إِلَى حَرِّهِ، وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى:" وَبَيْنَ حَمِيمٍ آنٍ"«6» . (وَتَغْشى) أَيْ تَضْرِبُ (وُجُوهَهُمُ النَّارُ) فَتُغَشِّيهَا. (لِيَجْزِيَ اللَّهُ كُلَّ نَفْسٍ ما كَسَبَتْ) أي بما اكتسبت. (إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسابِ) تقدم. قَوْلُهُ تَعَالَى: (هَذَا بَلاغٌ لِلنَّاسِ) أَيْ هَذَا الَّذِي أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ بَلَاغٌ، أَيْ تَبْلِيغٌ وَعِظَةٌ. (وَلِيُنْذَرُوا بِهِ) أَيْ لِيُخَوَّفُوا عِقَابَ اللَّهِ عز وجل، وقرى." وَلِيَنْذَرُوا" بِفَتْحِ الْيَاءِ وَالذَّالِ، يُقَالُ: نَذِرْتُ بِالشَّيْءِ أَنْذَرُ إِذَا عَلِمْتُ بِهِ فَاسْتَعْدَدْتُ لَهُ، وَلَمْ يَسْتَعْمِلُوا مِنْهُ مَصْدَرًا كَمَا لَمْ يَسْتَعْمِلُوا مِنْ عَسَى وَلَيْسَ، وَكَأَنَّهُمُ اسْتَغْنَوْا بِأَنْ وَالْفِعْلِ كَقَوْلِكَ: سرني أن نذرت بالشيء.

(1). راجع ج 25 ص 72.

(2)

. تهنأ به: ترهن.

(3)

. نتح العرق خرج من الجلد.

(4)

." قطر" ضبطه في" روح المعاني" بفتح القاف وكسر الطاء وتنوين الراء، ومثله في" البحر المحيط"، وضبط بفتح القاف وكسرها مع سكون الطاء، ففيه ثلاث لغات.

(5)

. راجع ج 11 ص 62.

(6)

. راجع ج 17 ص 175.

ص: 385

(وَلِيَعْلَمُوا أَنَّما هُوَ إِلهٌ واحِدٌ) أَيْ وَلِيَعْلَمُوا وَحْدَانِيَّةَ اللَّهِ بِمَا أَقَامَ مِنَ الْحُجَجِ وَالْبَرَاهِينِ. (وَلِيَذَّكَّرَ أُولُوا الْأَلْبابِ) أَيْ وَلِيَتَّعِظَ أَصْحَابُ الْعُقُولِ. وَهَذِهِ اللَّامَّاتُ فِي "وَلِيُنْذِرُوا"" وَلِيَعْلَمُوا""وَلِيَذَّكَّرَ" مُتَعَلِّقَةٌ بِمَحْذُوفٍ، التَّقْدِيرُ: وَلَذَلِكَ أَنْزَلْنَاهُ. وَرَوَى يَمَانُ بْنُ رِئَابٍ أَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ نَزَلَتْ فِي أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ رضي الله عنه. وسيل بَعْضُهُمْ هَلْ لِكِتَابِ اللَّهِ عُنْوَانٌ؟ فَقَالَ: نَعَمْ، قِيلَ: وَأَيْنَ هُوَ؟ قَالَ قَوْلَهُ تَعَالَى:" هَذَا بَلاغٌ لِلنَّاسِ وَلِيُنْذَرُوا بِهِ" إِلَى آخِرِهَا. تَمَّ تَفْسِيرُ سُورَةِ إِبْرَاهِيمَ عليه السلام وَالْحَمْدُ لِلَّهِ.

محققه أبو إسحاق إبراهيم أطفيش

تم الجزء التاسع مِنْ تَفْسِيرِ الْقُرْطُبِيِّ يَتْلُوهُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تعالى الجزء العاشر، وأوله: سورة" الحجر"

ص: 386