المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌[سورة يوسف (12): الآيات 23 الى 24] - تفسير القرطبي = الجامع لأحكام القرآن - جـ ٩

[القرطبي]

فهرس الكتاب

- ‌تفسير سُورَةُ هُودٍ عليه السلام

- ‌[سورة هود (11): الآيات 1 الى 4]

- ‌[سورة هود (11): آية 5]

- ‌[سورة هود (11): آية 6]

- ‌[سورة هود (11): آية 7]

- ‌[سورة هود (11): آية 8]

- ‌[سورة هود (11): الآيات 9 الى 11]

- ‌[سورة هود (11): الآيات 12 الى 13]

- ‌[سورة هود (11): آية 14]

- ‌[سورة هود (11): آية 15]

- ‌[سورة هود (11): آية 16]

- ‌[سورة هود (11): آية 17]

- ‌[سورة هود (11): الآيات 18 الى 19]

- ‌[سورة هود (11): آية 20]

- ‌[سورة هود (11): الآيات 21 الى 22]

- ‌[سورة هود (11): آية 23]

- ‌[سورة هود (11): آية 24]

- ‌[سورة هود (11): الآيات 25 الى 26]

- ‌[سورة هود (11): آية 27]

- ‌[سورة هود (11): الآيات 28 الى 31]

- ‌[سورة هود (11): الآيات 32 الى 35]

- ‌[سورة هود (11): الآيات 36 الى 37]

- ‌[سورة هود (11): الآيات 38 الى 40]

- ‌[سورة هود (11): الآيات 41 الى 44]

- ‌[سورة هود (11): الآيات 45 الى 47]

- ‌[سورة هود (11): آية 48]

- ‌[سورة هود (11): آية 49]

- ‌[سورة هود (11): الآيات 50 الى 60]

- ‌[سورة هود (11): آية 61]

- ‌[سورة هود (11): الآيات 62 الى 68]

- ‌[سورة هود (11): الآيات 69 الى 71]

- ‌[سورة هود (11): آية 72]

- ‌[سورة هود (11): آية 73]

- ‌[سورة هود (11): الآيات 74 الى 76]

- ‌[سورة هود (11): الآيات 77 الى 83]

- ‌[سورة هود (11): الآيات 84 الى 95]

- ‌[سورة هود (11): الآيات 96 الى 99]

- ‌[سورة هود (11): الآيات 100 الى 109]

- ‌[سورة هود (11): آية 110]

- ‌[سورة هود (11): آية 111]

- ‌[سورة هود (11): آية 112]

- ‌[سورة هود (11): آية 113]

- ‌[سورة هود (11): آية 114]

- ‌[سورة هود (11): الآيات 115 الى 116]

- ‌[سورة هود (11): الآيات 117 الى 119]

- ‌[سورة هود (11): آية 120]

- ‌[سورة هود (11): الآيات 121 الى 123]

- ‌سورة يوسف عليه السلام

- ‌[سورة يوسف (12): آية 1]

- ‌[سورة يوسف (12): آية 2]

- ‌[سورة يوسف (12): آية 3]

- ‌[سورة يوسف (12): آية 4]

- ‌[سورة يوسف (12): آية 5]

- ‌[سورة يوسف (12): آية 6]

- ‌[سورة يوسف (12): الآيات 7 الى 9]

- ‌[سورة يوسف (12): آية 10]

- ‌[سورة يوسف (12): الآيات 11 الى 12]

- ‌[سورة يوسف (12): الآيات 13 الى 14]

- ‌[سورة يوسف (12): آية 15]

- ‌[سورة يوسف (12): آية 16]

- ‌[سورة يوسف (12): آية 17]

- ‌[سورة يوسف (12): آية 18]

- ‌[سورة يوسف (12): آية 19]

- ‌[سورة يوسف (12): آية 20]

- ‌[سورة يوسف (12): آية 21]

- ‌[سورة يوسف (12): آية 22]

- ‌[سورة يوسف (12): الآيات 23 الى 24]

- ‌[سورة يوسف (12): آية 25]

- ‌[سورة يوسف (12): الآيات 26 الى 29]

- ‌[سورة يوسف (12): الآيات 30 الى 32]

- ‌[سورة يوسف (12): الآيات 33 الى 34]

- ‌[سورة يوسف (12): آية 35]

- ‌[سورة يوسف (12): الآيات 36 الى 38]

- ‌[سورة يوسف (12): الآيات 39 الى 40]

- ‌[سورة يوسف (12): آية 41]

- ‌[سورة يوسف (12): آية 42]

- ‌[سورة يوسف (12): آية 43]

- ‌[سورة يوسف (12): آية 44]

- ‌[سورة يوسف (12): الآيات 45 الى 46]

- ‌[سورة يوسف (12): آية 47]

- ‌[سورة يوسف (12): آية 48]

- ‌[سورة يوسف (12): آية 49]

- ‌[سورة يوسف (12): الآيات 50 الى 51]

- ‌[سورة يوسف (12): الآيات 52 الى 53]

- ‌[سورة يوسف (12): آية 54]

- ‌[سورة يوسف (12): آية 55]

- ‌[سورة يوسف (12): الآيات 56 الى 57]

- ‌[سورة يوسف (12): آية 58]

- ‌[سورة يوسف (12): الآيات 59 الى 61]

- ‌[سورة يوسف (12): آية 62]

- ‌[سورة يوسف (12): الآيات 63 الى 65]

- ‌[سورة يوسف (12): آية 66]

- ‌[سورة يوسف (12): آية 67]

- ‌[سورة يوسف (12): الآيات 68 الى 70]

- ‌[سورة يوسف (12): الآيات 71 الى 72]

- ‌[سورة يوسف (12): الآيات 73 الى 75]

- ‌[سورة يوسف (12): آية 76]

- ‌[سورة يوسف (12): الآيات 77 الى 79]

- ‌[سورة يوسف (12): آية 80]

- ‌[سورة يوسف (12): آية 81]

- ‌[سورة يوسف (12): آية 82]

- ‌[سورة يوسف (12): آية 83]

- ‌[سورة يوسف (12): آية 84]

- ‌[سورة يوسف (12): الآيات 85 الى 86]

- ‌[سورة يوسف (12): آية 87]

- ‌[سورة يوسف (12): آية 88]

- ‌[سورة يوسف (12): الآيات 89 الى 93]

- ‌[سورة يوسف (12): الآيات 94 الى 99]

- ‌[سورة يوسف (12): آية 100]

- ‌[سورة يوسف (12): آية 101]

- ‌[سورة يوسف (12): الآيات 102 الى 104]

- ‌[سورة يوسف (12): الآيات 105 الى 108]

- ‌[سورة يوسف (12): الآيات 109 الى 110]

- ‌[سورة يوسف (12): آية 111]

- ‌تفسير سورة الرعد

- ‌[سورة الرعد (13): آية 1]

- ‌[سورة الرعد (13): آية 2]

- ‌[سورة الرعد (13): آية 3]

- ‌[سورة الرعد (13): آية 4]

- ‌[سورة الرعد (13): آية 5]

- ‌[سورة الرعد (13): الآيات 6 الى 7]

- ‌[سورة الرعد (13): الآيات 8 الى 9]

- ‌[سورة الرعد (13): آية 10]

- ‌[سورة الرعد (13): آية 11]

- ‌[سورة الرعد (13): الآيات 12 الى 13]

- ‌[سورة الرعد (13): آية 14]

- ‌[سورة الرعد (13): آية 15]

- ‌[سورة الرعد (13): آية 16]

- ‌[سورة الرعد (13): الآيات 17 الى 19]

- ‌[سورة الرعد (13): آية 20]

- ‌[سورة الرعد (13): الآيات 21 الى 24]

- ‌[سورة الرعد (13): الآيات 25 الى 26]

- ‌[سورة الرعد (13): الآيات 27 الى 28]

- ‌[سورة الرعد (13): آية 29]

- ‌[سورة الرعد (13): آية 30]

- ‌[سورة الرعد (13): آية 31]

- ‌[سورة الرعد (13): الآيات 32 الى 34]

- ‌[سورة الرعد (13): آية 35]

- ‌[سورة الرعد (13): آية 36]

- ‌[سورة الرعد (13): آية 37]

- ‌[سورة الرعد (13): آية 38]

- ‌[سورة الرعد (13): آية 39]

- ‌[سورة الرعد (13): الآيات 40 الى 41]

- ‌[سورة الرعد (13): الآيات 42 الى 43]

- ‌تفسير سورة إبراهيم

- ‌[سورة إبراهيم (14): آية 1]

- ‌[سورة إبراهيم (14): الآيات 2 الى 3]

- ‌[سورة إبراهيم (14): آية 4]

- ‌[سورة إبراهيم (14): آية 5]

- ‌[سورة إبراهيم (14): الآيات 6 الى 7]

- ‌[سورة إبراهيم (14): الآيات 8 الى 9]

- ‌[سورة إبراهيم (14): آية 10]

- ‌[سورة إبراهيم (14): الآيات 11 الى 12]

- ‌[سورة إبراهيم (14): الآيات 13 الى 14]

- ‌[سورة إبراهيم (14): الآيات 15 الى 17]

- ‌[سورة إبراهيم (14): الآيات 18 الى 20]

- ‌[سورة إبراهيم (14): الآيات 21 الى 22]

- ‌[سورة إبراهيم (14): آية 23]

- ‌[سورة إبراهيم (14): الآيات 24 الى 25]

- ‌[سورة إبراهيم (14): آية 26]

- ‌[سورة إبراهيم (14): آية 27]

- ‌[سورة إبراهيم (14): الآيات 28 الى 30]

- ‌[سورة إبراهيم (14): آية 31]

- ‌[سورة إبراهيم (14): الآيات 32 الى 34]

- ‌[سورة إبراهيم (14): الآيات 35 الى 36]

- ‌[سورة إبراهيم (14): آية 37]

- ‌[سورة إبراهيم (14): الآيات 38 الى 41]

- ‌[سورة إبراهيم (14): الآيات 42 الى 43]

- ‌[سورة إبراهيم (14): آية 44]

- ‌[سورة إبراهيم (14): الآيات 45 الى 46]

- ‌[سورة إبراهيم (14): آية 47]

- ‌[سورة إبراهيم (14): الآيات 48 الى 52]

الفصل: ‌[سورة يوسف (12): الآيات 23 الى 24]

وَزَعَمَ أَبُو عُبَيْدٍ أَنَّهُ لَا وَاحِدَ لَهُ مِنْ لَفْظِهِ عِنْدَ الْعَرَبِ، وَمَعْنَاهُ اسْتِكْمَالُ الْقُوَّةِ ثُمَّ يَكُونُ النُّقْصَانُ بَعْدُ. وَقَالَ مُجَاهِدٌ وَقَتَادَةُ: الْأَشُدُّ ثَلَاثٌ وَثَلَاثُونَ سَنَةً. وَقَالَ رَبِيعَةُ وَزَيْدُ بْنُ أَسْلَمَ وَمَالِكُ بْنُ أَنَسٍ: الْأَشُدُّ بُلُوغُ الْحُلُمِ، وَقَدْ مَضَى مَا لِلْعُلَمَاءِ فِي هَذَا فِي" النِّسَاءِ" «1» وَ" الْأَنْعَامِ" «2» مُسْتَوْفًى. (آتَيْناهُ حُكْماً وَعِلْماً) قِيلَ: جَعَلْنَاهُ الْمُسْتَوْلِي عَلَى الْحُكْمِ، فَكَانَ يَحْكُمُ فِي سُلْطَانِ الْمَلِكِ، أَيْ وَآتَيْنَاهُ عِلْمًا بِالْحُكْمِ. وَقَالَ مُجَاهِدٌ: الْعَقْلُ وَالْفَهْمُ وَالنُّبُوَّةُ. وَقِيلَ: الْحُكْمُ النُّبُوَّةُ، وَالْعِلْمُ عِلْمُ الدِّينِ، وَقِيلَ: عِلْمُ الرُّؤْيَا، وَمَنْ قَالَ: أُوتِيَ النُّبُوَّةَ صَبِيًّا قَالَ: لَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ زِدْنَاهُ فَهْمًا وَعِلْمًا. (وَكَذلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ) يَعْنِي الْمُؤْمِنِينَ. وَقِيلَ: الصَّابِرِينَ عَلَى النَّوَائِبِ كَمَا صَبَرَ يُوسُفُ، قَالَهُ الضَّحَّاكُ. وَقَالَ الطَّبَرِيُّ: هَذَا وَإِنْ كَانَ مَخْرَجُهُ ظَاهِرًا عَلَى كُلِّ مُحْسِنٍ فَالْمُرَادُ بِهِ مُحَمَّدٌ صلى الله عليه وسلم، يَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى: كَمَا فَعَلْتُ هَذَا بِيُوسُفَ بَعْدَ أَنْ قَاسَى مَا قَاسَى ثُمَّ أَعْطَيْتُهُ مَا أَعْطَيْتُهُ، كَذَلِكَ أُنْجِيكَ مِنْ مُشْرِكِي قَوْمِكَ الَّذِينَ يَقْصِدُونَكَ بِالْعَدَاوَةِ، وَأُمَكِّنُ لَكَ في الأرض.

[سورة يوسف (12): الآيات 23 الى 24]

وَراوَدَتْهُ الَّتِي هُوَ فِي بَيْتِها عَنْ نَفْسِهِ وَغَلَّقَتِ الْأَبْوابَ وَقالَتْ هَيْتَ لَكَ قالَ مَعاذَ اللَّهِ إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوايَ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ (23) وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِها لَوْلا أَنْ رَأى بُرْهانَ رَبِّهِ كَذلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشاءَ إِنَّهُ مِنْ عِبادِنَا الْمُخْلَصِينَ (24)

قَوْلُهُ تَعَالَى: (وَراوَدَتْهُ الَّتِي هُوَ فِي بَيْتِها عَنْ نَفْسِهِ) وَهِيَ امْرَأَةُ الْعَزِيزِ، طَلَبَتْ مِنْهُ أَنْ يُوَاقِعَهَا. وَأَصْلُ الْمُرَاوَدَةِ الْإِرَادَةُ وَالطَّلَبُ بِرِفْقٍ وَلِينٍ. وَالرَّوْدُ وَالرِّيَادُ طَلَبُ الْكَلَأِ، وَقِيلَ: هِيَ مِنْ رُوَيْدٍ، يُقَالُ: فُلَانٌ يَمْشِي رُوَيْدًا، أَيْ بِرِفْقٍ، فالمراودة الرفق في الطلب، يقال

(1). راجع ج 5 ص 34 فما بعد.

(2)

. راجع ج 7 ص 134 فما بعد.

ص: 162

فِي الرَّجُلِ: رَاوَدَهَا عَنْ نَفْسِهَا، وَفِي الْمَرْأَةِ رَاوَدَتْهُ عَنْ نَفْسِهِ. وَالرَّوْدُ التَّأَنِّي، يُقَالُ: أَرْوَدَنِي أَمْهَلَنِي. (وَغَلَّقَتِ الْأَبْوابَ) غَلَّقَ لِلْكَثِيرِ، وَلَا يُقَالُ: غَلَقَ الْبَابَ، وَأَغْلَقَ يَقَعُ لِلْكَثِيرِ وَالْقَلِيلِ، كَمَا قَالَ الْفَرَزْدَقُ فِي أَبِي عَمْرِو بْنِ الْعَلَاءِ:

مَا زِلْتُ أُغْلِقُ أَبْوَابًا وَأَفْتَحُهَا

حَتَّى أَتَيْتُ أَبَا عَمْرِو بْنَ عَمَّارٍ

يُقَالُ: إِنَّهَا كَانَتْ سَبْعَةَ أَبْوَابٍ غَلَّقَتْهَا ثُمَّ دَعَتْهُ إِلَى نَفْسِهَا. (وَقالَتْ هَيْتَ لَكَ) أَيْ هَلُمَّ وَأَقْبِلْ وَتَعَالَ، وَلَا مَصْدَرَ لَهُ وَلَا تَصْرِيفَ. قَالَ النَّحَّاسُ: فِيهَا سَبْعُ قِرَاءَاتٍ، فَمِنْ أَجَلِّ مَا فِيهَا وَأَصَحِّهِ إِسْنَادًا مَا رَوَاهُ الْأَعْمَشُ عَنْ أَبِي وَائِلٍ قَالَ: سَمِعْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ مَسْعُودٍ يَقْرَأُ" هَيْتَ لَكَ" قَالَ فَقُلْتُ: إِنَّ قَوْمًا يَقْرَءُونَهَا" هِيتَ لَكَ" فَقَالَ: إِنَّمَا أَقْرَأُ كَمَا عُلِّمْتُ. قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: وَبَعْضُهُمْ يَقُولُ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، وَلَا يَبْعُدُ ذَلِكَ، لِأَنَّ قَوْلَهُ: إِنَّمَا أَقْرَأُ كَمَا عُلِّمْتُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ مَرْفُوعٌ، وَهَذِهِ الْقِرَاءَةُ بِفَتْحِ التَّاءِ وَالْهَاءِ هِيَ الصَّحِيحَةُ مِنْ قِرَاءَةِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَسَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ وَالْحَسَنِ وَمُجَاهِدٍ وَعِكْرِمَةَ، وَبِهَا قَرَأَ أَبُو عَمْرِو بْنُ الْعَلَاءِ وَعَاصِمٌ وَالْأَعْمَشُ وَحَمْزَةُ والكسائي. قال عبد الله ابن مَسْعُودٍ: لَا تَقْطَعُوا فِي الْقُرْآنِ، فَإِنَّمَا هُوَ مِثْلُ، قَوْلِ أَحَدُكُمْ: هَلُمَّ وَتَعَالَ. وَقَرَأَ ابْنُ أَبِي إِسْحَاقَ النَّحْوِيُّ" قَالَتْ هَيْتِ لَكَ" بِفَتْحِ الْهَاءِ وَكَسْرِ التَّاءِ. وَقَرَأَ أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ السُّلَمِيُّ وَابْنُ كَثِيرٍ" هَيْتُ لَكَ" بِفَتْحِ الْهَاءِ وَضَمِّ التَّاءِ، قَالَ طَرَفَةُ:

لَيْسَ قَوْمِي بِالْأَبْعَدِينَ إذا ما

وقال دَاعٍ مِنَ الْعَشِيرَةِ هَيْتُ

فَهَذِهِ ثَلَاثُ قِرَاءَاتٍ الْهَاءُ فِيهِنَّ مَفْتُوحَةٌ. وَقَرَأَ أَبُو جَعْفَرٍ وَشَيْبَةُ وَنَافِعٌ" وَقَالَتْ هِيتَ لَكَ" بِكَسْرِ الْهَاءِ وَفَتْحِ التَّاءِ. وَقَرَأَ يَحْيَى بْنُ وَثَّابٍ" وَقَالَتْ هِيتُ لَكَ" بِكَسْرِ الْهَاءِ وَبَعْدَهَا يَاءٌ سَاكِنَةٌ وَالتَّاءُ مَضْمُومَةٌ. وَرُوِيَ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رضي الله عنه وَابْنِ عَبَّاسٍ وَمُجَاهِدٍ وَعِكْرِمَةَ:" وقالت هيت، لَكَ" بِكَسْرِ الْهَاءِ وَبَعْدَهَا هَمْزَةٌ سَاكِنَةٌ وَالتَّاءُ مَضْمُومَةٌ. وَعَنِ ابْنِ عَامِرٍ وَأَهْلِ الشَّامِ:" وَقَالَتْ هيت" بِكَسْرِ الْهَاءِ وَبِالْهَمْزَةِ وَبِفَتْحِ التَّاءِ، قَالَ أَبُو جعفر:" هَيْتَ لَكَ" بِفَتْحِ التَّاءِ لِالْتِقَاءِ السَّاكِنَيْنِ، لِأَنَّهُ صَوْتٌ نَحْوُ مَهْ وَصَهْ يَجِبُ أَلَّا يُعْرَبَ،

ص: 163

وَالْفَتْحُ خَفِيفٌ، لِأَنَّ قَبْلَ التَّاءِ يَاءً مِثْلُ، أَيْنَ وَكَيْفَ، وَمَنْ كَسَرَ التَّاءَ فَإِنَّمَا كَسَرَهَا لِأَنَّ الْأَصْلَ الْكَسْرُ، لِأَنَّ السَّاكِنَ إِذَا حُرِّكَ حُرِّكَ إِلَى الْكَسْرِ، وَمَنْ ضَمَّ فَلِأَنَّ فِيهِ مَعْنَى الْغَايَةِ، أَيْ قَالَتْ: دُعَائِي لَكَ، فَلَمَّا حُذِفَتِ الْإِضَافَةُ بُنِيَ عَلَى الضَّمِّ، مِثْلُ حَيْثُ وَبَعْدُ. وَقِرَاءَةُ أَهْلِ الْمَدِينَةِ فِيهَا قَوْلَانِ: أَحَدُهُمَا- أَنْ يَكُونَ الْفَتْحُ لِالْتِقَاءِ السَّاكِنَيْنِ كَمَا مَرَّ. والآخر- أن يكون فعلا من هاء يهيئ مثل جاء يجئ، فَيَكُونُ الْمَعْنَى فِي" هِئْتُ" أَيْ حَسُنَتْ هَيْئَتُكَ، وَيَكُونُ" لَكَ" مِنْ كَلَامٍ آخَرَ، كَمَا تَقُولُ: لَكَ أَعْنِي. وَمَنْ هَمَزَ وَضَمَّ التَّاءَ فَهُوَ فِعْلٌ بِمَعْنَى تَهَيَّأْتُ لَكَ، وَكَذَلِكَ مَنْ قَرَأَ" هِيتُ لَكَ". وَأَنْكَرَ أَبُو عَمْرٍو هَذِهِ الْقِرَاءَةَ، قَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ- مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى: سُئِلَ أَبُو عَمْرٍو عَنْ قِرَاءَةِ مَنْ قَرَأَ بِكَسْرِ الْهَاءِ وَضَمِّ التَّاءِ مَهْمُوزًا فَقَالَ أَبُو عَمْرٍو: بَاطِلٌ، جَعَلَهَا مِنْ تَهَيَّأْتُ! اذْهَبْ فَاسْتَعْرِضِ الْعَرَبَ حَتَّى تَنْتَهِيَ إِلَى الْيَمَنِ هَلْ تَعْرِفُ أَحَدًا يَقُولُ هَذَا؟! وَقَالَ الْكِسَائِيُّ أَيْضًا: لَمْ تُحْكَ" هئت" عن العرب. قال عكرمة:" هيت لَكَ" أَيْ تَهَيَّأْتُ لَكَ وَتَزَيَّنْتُ وَتَحَسَّنْتُ، وَهِيَ قِرَاءَةٌ غَيْرُ مَرْضِيَّةٍ، لِأَنَّهَا لَمْ تُسْمَعْ فِي الْعَرَبِيَّةِ. قَالَ النَّحَّاسُ: وَهِيَ جَيِّدَةٌ عِنْدَ الْبَصْرِيِّينَ، لأنه يقال: هاء الرجل يهاء ويهيئ هيأة فهاء يهيئ مثل جاء يجئ وهيت مِثْلُ جِئْتُ. وَكَسْرُ الْهَاءِ فِي" هَيْتَ" لُغَةٌ لِقَوْمٍ يُؤْثِرُونَ كَسْرَ الْهَاءِ عَلَى فَتْحِهَا. قَالَ الزَّجَّاجُ: أَجْوَدُ الْقِرَاءَاتِ" هَيْتَ" بِفَتْحِ الْهَاءِ وَالتَّاءِ، قَالَ طَرَفَةُ:

لَيْسَ قَوْمِي بِالْأَبْعَدِينَ إِذَا مَا

وقال دَاعٍ مِنَ الْعَشِيرَةِ هَيْتَ

بِفَتْحِ الْهَاءِ وَالتَّاءِ. وَقَالَ الشَّاعِرُ فِي عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رضي الله عنه:

أبلغ أمير المؤمن

ين أَخَا الْعِرَاقِ إِذَا أَتَيْتَا

إِنَّ الْعِرَاقَ وَأَهْلَهُ

سِلْمٌ إِلَيْكَ فَهَيْتَ هَيْتَا

قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَالْحَسَنُ:" هَيْتَ" كَلِمَةٌ بِالسُّرْيَانِيَّةِ تَدْعُوهُ إِلَى نَفْسِهَا. وَقَالَ السُّدِّيُّ: مَعْنَاهَا بِالْقِبْطِيَّةِ «1» هَلُمَّ لَكَ. قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: كَانَ الْكِسَائِيُّ يَقُولُ: هِيَ لُغَةٌ لِأَهْلِ حَوْرَانَ وَقَعَتْ إِلَى أَهْلِ الْحِجَازِ مَعْنَاهُ تَعَالَ، قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: فَسَأَلْتُ شَيْخًا عَالِمًا من حوران فذكر أنها

(1). في عين النبطية.

ص: 164

لُغَتُهُمْ، وَبِهِ قَالَ عِكْرِمَةُ. وَقَالَ مُجَاهِدٌ وَغَيْرُهُ: هِيَ لُغَةٌ عَرَبِيَّةٌ تَدْعُوهُ بِهَا إِلَى نَفْسِهَا، وَهِيَ كَلِمَةُ حَثٍّ وَإِقْبَالٍ عَلَى الْأَشْيَاءِ، قَالَ الْجَوْهَرِيُّ: يُقَالُ هَوَّتَ بِهِ وَهَيَّتَ بِهِ إِذَا صَاحَ بِهِ وَدَعَاهُ، قَالَ:

قَدْ رَابَنِي أَنَّ الْكَرِيَّ أَسْكَتَا

لَوْ كَانَ مَعْنِيًّا بِهَا لَهَيَّتَا

أَيْ صَاحَ، وَقَالَ آخَرُ:

يَحْدُو بِهَا كُلُّ فَتًى هَيَّاتِ

قَوْلُهُ تَعَالَى: (قالَ مَعاذَ اللَّهِ) أَيْ أَعُوذُ بِاللَّهِ وَأَسْتَجِيرُ بِهِ مِمَّا دَعَوْتِنِي إِلَيْهِ، وَهُوَ مَصْدَرٌ، أَيْ أَعُوذُ بِاللَّهِ مَعَاذًا، فَيُحْذَفُ الْمَفْعُولُ وَيَنْتَصِبُ الْمَصْدَرُ بِالْفِعْلِ الْمَحْذُوفِ، وَيُضَافُ الْمَصْدَرُ إِلَى اسْمِ اللَّهِ كَمَا يُضَافُ الْمَصْدَرُ إِلَى الْمَفْعُولِ، كَمَا تَقُولُ: مَرَرْتُ بِزَيْدٍ مُرُورَ عَمْرٍو أَيْ كَمُرُورِي بِعَمْرٍو. (إِنَّهُ رَبِّي) يَعْنِي زَوْجَهَا، أَيْ هُوَ سَيِّدِي أَكْرَمَنِي فَلَا أَخُونُهُ، قَالَهُ مُجَاهِدٌ وَابْنُ إِسْحَاقَ وَالسُّدِّيُّ. وَقَالَ الزَّجَّاجُ: أَيْ إِنَّ اللَّهَ رَبِّي تَوَلَّانِي بِلُطْفِهِ، فَلَا أَرْتَكِبُ مَا حَرَّمَهُ. (إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ) وَفِي الْخَبَرِ أَنَّهَا قَالَتْ لَهُ: يَا يُوسُفُ! مَا أَحْسَنَ صُورَةَ وَجْهِكَ! قَالَ: فِي الرَّحِمِ صَوَّرَنِي رَبِّي، قَالَتْ: يَا يُوسُفُ مَا أَحْسَنَ شعرك! قال: هو أول شي يَبْلَى مِنِّي فِي قَبْرِي، قَالَتْ: يَا يُوسُفُ! مَا أَحْسَنَ عَيْنَيْكَ؟ قَالَ: بِهِمَا أَنْظُرُ إِلَى رَبِّي. قَالَتْ: يَا يُوسُفُ! ارْفَعْ بَصَرَكَ فَانْظُرْ فِي وَجْهِي، قَالَ: إِنِّي أَخَافُ الْعَمَى فِي آخِرَتِي. قَالَتْ يَا يُوسُفُ! أَدْنُو مِنْكَ وَتَتَبَاعَدُ مِنِّي؟! قَالَ: أُرِيدَ بِذَلِكَ الْقُرْبَ مِنْ رَبِّي. قَالَتْ: يَا يُوسُفُ! الْقَيْطُونُ «1» [فَرَشْتُهُ لَكَ «2»] فَادْخُلْ مَعِي، قَالَ: الْقَيْطُونُ لَا يَسْتُرُنِي مِنْ رَبِّي. قَالَتْ: يَا يُوسُفُ! فِرَاشُ الْحَرِيرِ قَدْ فَرَشْتُهُ لَكَ، قُمْ فَاقْضِ حَاجَتِي، قَالَ: إِذًا يَذْهَبُ مِنَ الْجَنَّةِ نَصِيبِي، إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ كَلَامِهَا وَهُوَ يُرَاجِعُهَا، إِلَى أَنْ هَمَّ بِهَا. وَقَدْ ذَكَرَ بَعْضُهُمْ مَا زَالَ النِّسَاءُ يَمِلْنَ إِلَى يُوسُفَ مَيْلَ شَهْوَةٍ حَتَّى نَبَّأَهُ اللَّهُ، فَأَلْقَى عَلَيْهِ هَيْبَةَ النُّبُوَّةِ، فَشَغَلَتْ هَيْبَتُهُ كُلَّ مَنْ رَآهُ عَنْ حُسْنِهِ. وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي هَمِّهِ. وَلَا خِلَافَ أَنَّ هَمَّهَا كَانَ الْمَعْصِيَةَ، وأما يوسف فهم بها

(1). القيطون: المخدع، أعجمي، وقيل: بلغة أهل مصر والبربر.

(2)

. من ى. [ ..... ]

ص: 165

(لَوْلا أَنْ رَأى بُرْهانَ رَبِّهِ) وَلَكِنْ لَمَّا رَأَى الْبُرْهَانَ مَا هَمَّ، وَهَذَا لِوُجُوبِ الْعِصْمَةِ لِلْأَنْبِيَاءِ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى:(كَذلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشاءَ إِنَّهُ مِنْ عِبادِنَا الْمُخْلَصِينَ) فَإِذَا فِي الْكَلَامِ تَقْدِيمٌ وَتَأْخِيرٌ، أَيْ لَوْلَا أَنْ رَأَى بُرْهَانَ «1» رَبِّهِ هَمَّ بِهَا. قَالَ أَبُو حَاتِمٍ: كُنْتُ أَقْرَأُ غَرِيبَ الْقُرْآنِ عَلَى أَبِي عُبَيْدَةَ فَلَمَّا أَتَيْتُ عَلَى قَوْلِهِ:" وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِها" الْآيَةَ، قَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ: هَذَا عَلَى التَّقْدِيمِ وَالتَّأْخِيرِ، كَأَنَّهُ أَرَادَ وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَلَوْلَا أَنْ رَأَى بُرْهَانَ رَبِّهِ لَهَمَّ بِهَا. وَقَالَ أَحْمَدُ بْنُ يَحْيَى: أَيْ هَمَّتْ زَلِيخَاءُ بِالْمَعْصِيَةِ وَكَانَتْ مُصِرَّةً، وَهَمَّ يُوسُفُ وَلَمْ يُوَاقِعْ مَا هَمَّ بِهِ، فَبَيْنَ الْهَمَّتَيْنِ فَرْقٌ، ذَكَرَ هَذَيْنِ الْقَوْلَيْنِ الْهَرَوِيُّ فِي كِتَابِهِ. قَالَ جَمِيلٌ:

هَمَمْتُ بِهَمٍّ مِنْ بُثَيْنَةَ لَوْ بَدَا

شَفَيْتُ غَلِيلَاتِ الْهَوَى مِنْ فُؤَادِيَا

آخَرُ:

هَمَمْتُ وَلَمْ أَفْعَلْ وَكِدْتُ وَلَيْتَنِي

تَرَكْتُ عَلَى عُثْمَانَ تَبْكِي حَلَائِلُهُ

فَهَذَا كُلُّهُ حَدِيثُ نَفْسٍ مِنْ غَيْرِ عَزْمٍ. وَقِيلَ: هَمَّ بِهَا تَمَنَّى زَوْجِيَّتَهَا. وَقِيلَ: هَمَّ بِهَا أَيْ بِضَرْبِهَا «2» وَدَفْعِهَا عَنْ نَفْسِهِ، وَالْبُرْهَانُ كَفُّهُ عَنِ الضَّرْبِ، إِذْ لَوْ ضَرَبَهَا لَأَوْهَمَ أَنَّهُ قَصَدَهَا بِالْحَرَامِ فَامْتَنَعَتْ فَضَرَبَهَا. وَقِيلَ: إِنَّ هَمَّ يُوسُفَ كَانَ مَعْصِيَةً، وَأَنَّهُ جَلَسَ مِنْهَا مَجْلِسَ الرَّجُلِ مِنَ امْرَأَتِهِ، وَإِلَى هَذَا الْقَوْلِ ذَهَبَ مُعْظَمُ الْمُفَسِّرِينَ وَعَامَّتُهُمْ، فِيمَا ذَكَرَ الْقُشَيْرِيُّ أَبُو نَصْرٍ، وَابْنُ الْأَنْبَارِيِّ وَالنَّحَّاسُ والماوردي وغيرهم. فال ابْنُ عَبَّاسٍ: حَلَّ الْهِمْيَانَ «3» وَجَلَسَ مِنْهَا مَجْلِسَ الْخَاتِنِ، وَعَنْهُ: اسْتَلْقَتْ عَلَى قَفَاهَا وَقَعَدَ بَيْنَ رِجْلَيْهَا يَنْزِعُ ثِيَابَهُ. وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ: أَطْلَقَ تِكَّةَ سَرَاوِيلِهِ. وَقَالَ مُجَاهِدٌ: حَلَّ السَّرَاوِيلَ حَتَّى بَلَغَ الْأَلْيَتَيْنِ، وَجَلَسَ مِنْهَا مَجْلِسَ الرَّجُلِ مِنَ امْرَأَتِهِ. قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: وَلَمَّا قَالَ:" ذلِكَ لِيَعْلَمَ أَنِّي لَمْ أَخُنْهُ بِالْغَيْبِ"[يوسف: 52] قَالَ لَهُ جِبْرِيلُ: وَلَا حِينَ هَمَمْتَ بِهَا يَا يُوسُفُ؟! فَقَالَ عِنْدَ ذَلِكَ:" وَما أُبَرِّئُ نَفْسِي"[يوسف: 53]. قَالُوا: وَالِانْكِفَافُ فِي مِثْلِ هَذِهِ الْحَالَةِ دَالٌّ على الإخلاص، وأعظم للثواب.

(1). في ع: رأى البرهان برهان.

(2)

. هذا هو اللائق بالمعصوم دون سواه من المعاني.

(3)

. الهيمان شداد السراويل.

ص: 166

قُلْتُ: وَهَذَا كَانَ سَبَبَ ثَنَاءِ اللَّهِ تَعَالَى عَلَى ذِي الْكِفْلِ حَسَبَ، مَا يَأْتِي بَيَانُهُ فِي" ص"«1» إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. وَجَوَابُ" ذَلُولًا" على هذا محذوف، اي لولا أن بُرْهَانَ رَبِّهِ لَأَمْضَى مَا هَمَّ بِهِ، وَمِثْلُهُ" كَلَّا لَوْ تَعْلَمُونَ عِلْمَ الْيَقِينِ" «2» [التكاثر: 5] وَجَوَابَهُ لَمْ تَتَنَافَسُوا، قَالَ ابْنُ عَطِيَّةَ: رُوِيَ هَذَا الْقَوْلُ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَجَمَاعَةٍ مِنَ السَّلَفِ، وَقَالُوا: الْحِكْمَةُ فِي ذَلِكَ أَنْ يَكُونَ مَثَلًا لِلْمُذْنِبِينَ لِيَرَوْا أَنَّ تَوْبَتَهُمْ تَرْجِعُ إِلَى عَفْوِ اللَّهِ تَعَالَى كَمَا رَجَعَتْ مِمَّنْ هُوَ خَيْرٌ مِنْهُمْ، وَلَمْ يُوبِقْهُ الْقُرْبُ مِنَ الذَّنْبِ، وَهَذَا كُلُّهُ عَلَى أَنَّ هَمَّ يُوسُفَ بَلَغَ فِيمَا رَوَتْ هَذِهِ الْفِرْقَةُ إِلَى أَنْ جَلَسَ بَيْنَ رِجْلَيْ زَلِيخَاءَ وَأَخَذَ فِي حَلِّ ثِيَابِهِ وَتِكَّتِهِ وَنَحْوِ ذَلِكَ، وَهِيَ قَدِ اسْتَلْقَتْ لَهُ، حَكَاهُ الطَّبَرِيُّ. وَقَالَ أَبُو عُبَيْدٍ الْقَاسِمُ بْنُ سَلَّامٍ: وَابْنُ عَبَّاسٍ وَمَنْ دُونَهُ لَا يَخْتَلِفُونَ فِي أَنَّهُ هَمَّ بِهَا، وَهُمْ أَعْلَمُ بِاللَّهِ وَبِتَأْوِيلِ كِتَابِهِ، وَأَشَدُّ تَعْظِيمًا لِلْأَنْبِيَاءِ مِنْ أَنْ يَتَكَلَّمُوا فِيهِمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ. وَقَالَ الْحَسَنُ: إِنَّ اللَّهَ عز وجل لَمْ يَذْكُرْ مَعَاصِي الْأَنْبِيَاءِ لِيُعَيِّرَهُمْ بِهَا، وَلَكِنَّهُ ذَكَرَهَا لِكَيْلَا تَيْأَسُوا مِنَ التَّوْبَةِ. قَالَ الْغَزْنَوِيُّ: مَعَ أَنَّ لِزَلَّةِ الْأَنْبِيَاءِ حِكَمًا: زِيَادَةُ الْوَجَلِ، وَشِدَّةُ الْحَيَاءِ بِالْخَجَلِ، وَالتَّخَلِّي عَنْ عُجْبِ الْعَمَلِ، وَالتَّلَذُّذُ بِنِعْمَةِ الْعَفْوِ بَعْدَ الْأَمَلِ، وَكَوْنُهُمْ أَئِمَّةَ رَجَاءِ أَهْلِ الزَّلَلِ. قَالَ الْقُشَيْرِيُّ أَبُو نَصْرٍ: وَقَالَ قَوْمٌ جَرَى مِنْ يُوسُفَ هَمٌّ، وَكَانَ ذَلِكَ [الْهَمُّ «3»] حَرَكَةَ طَبْعٍ مِنْ غَيْرِ تَصْمِيمٍ لِلْعَقْدِ عَلَى الْفِعْلِ، وَمَا كَانَ مِنْ هَذَا الْقَبِيلِ لَا يُؤْخَذُ بِهِ الْعَبْدُ، وَقَدْ يَخْطِرُ بِقَلْبِ الْمَرْءِ وَهُوَ صَائِمٌ شُرْبُ الْمَاءِ الْبَارِدِ، وَتَنَاوُلُ الطَّعَامِ اللَّذِيذِ، فَإِذَا لَمْ يَأْكُلْ وَلَمْ يَشْرَبْ، وَلَمْ يُصَمِّمْ عَزْمُهُ عَلَى الْأَكْلِ وَالشُّرْبِ لَا يُؤَاخَذُ بِمَا هَجَسَ فِي النَّفْسِ، وَالْبُرْهَانُ صَرَفَهُ عَنْ هَذَا الْهَمِّ حَتَّى لَمْ يَصِرْ عَزْمًا مُصَمَّمًا. قُلْتُ: هَذَا قَوْلٌ حَسَنٌ، وَمِمَّنْ قَالَ بِهِ الْحَسَنُ. قَالَ ابْنُ عَطِيَّةَ: الَّذِي أَقُولُ بِهِ فِي هَذِهِ الْآيَةِ إِنَّ كَوْنَ يُوسُفَ نَبِيًّا فِي وَقْتِ هَذِهِ النَّازِلَةِ لَمْ يَصِحَّ، وَلَا تَظَاهَرَتْ بِهِ رِوَايَةٌ، وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ فَهُوَ مُؤْمِنٌ قَدْ أُوتِيَ حُكْمًا وَعِلْمًا، وَيَجُوزُ عَلَيْهِ الْهَمُّ الَّذِي هُوَ إِرَادَةُ الشَّيْءِ دُونَ مُوَاقَعَتِهِ وَأَنْ يَسْتَصْحِبَ الْخَاطِرَ الرَّدِيءَ عَلَى مَا فِي ذَلِكَ مِنَ الْخَطِيئَةِ، وَإِنْ فَرَضْنَاهُ نَبِيًّا فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ فَلَا يَجُوزُ عَلَيْهِ عِنْدِي إِلَّا الْهَمُّ الَّذِي هو خاطر، ولا يصح عليه شي مما ذكر من حل تكته

(1). راجع ج 15 ص 218 وج 11 ص 327.

(2)

. راجع ج 20 ص 173.

(3)

. من ع وك وو.

ص: 167

وَنَحْوِهِ، لِأَنَّ الْعِصْمَةَ مَعَ النُّبُوَّةِ. وَمَا رُوِيَ مِنْ أَنَّهُ قِيلَ لَهُ:" تَكُونُ فِي دِيوَانِ الْأَنْبِيَاءِ وَتَفْعَلُ فِعْلَ السُّفَهَاءِ". فَإِنَّمَا مَعْنَاهُ الْعِدَّةُ بِالنُّبُوَّةِ فِيمَا بَعْدُ. قُلْتُ: مَا ذَكَرَهُ مِنْ [هذا «1»] التفصيل صحيح، لكن قول تعالى:" وَأَوْحَيْنا إِلَيْهِ"[يوسف: 15] يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ كَانَ نَبِيًّا عَلَى مَا ذَكَرْنَاهُ، وَهُوَ قَوْلُ جَمَاعَةٍ مِنَ الْعُلَمَاءِ، وَإِذَا كَانَ نَبِيًّا فَلَمْ يَبْقَ إِلَّا أَنْ يَكُونَ الْهَمُّ الَّذِي هَمَّ بِهِ مَا يَخْطِرُ فِي النَّفْسِ وَلَا يَثْبُتُ فِي الصَّدْرِ، وَهُوَ الَّذِي رَفَعَ اللَّهُ فِيهِ الْمُؤَاخَذَةَ عَنِ الْخَلْقِ، إِذْ لَا قُدْرَةَ لِلْمُكَلَّفِ عَلَى دَفْعِهِ، وَيَكُونُ قَوْلُهُ:" وَما أُبَرِّئُ نَفْسِي"[يوسف: 53]- إِنْ كَانَ مِنْ قَوْلِ يُوسُفَ- أَيْ مِنْ هَذَا الْهَمِّ، أَوْ يَكُونُ ذَلِكَ مِنْهُ عَلَى طَرِيقِ التَّوَاضُعِ وَالِاعْتِرَافِ، لِمُخَالَفَةِ النَّفْسِ لِمَا زُكِّيَ بِهِ قَبْلُ وَبُرِّئَ، وَقَدْ أَخْبَرَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْ حَالِ يُوسُفَ مِنْ حِينِ بُلُوغِهِ فَقَالَ:" وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ آتَيْناهُ حُكْماً وَعِلْماً"[يوسف: 22] عَلَى مَا تَقَدَّمَ بَيَانُهُ، وَخَبَرُ اللَّهِ تَعَالَى صِدْقٌ، وَوَصْفُهُ صَحِيحٌ، وَكَلَامُهُ حَقٌّ، فَقَدْ عَمِلَ يوسف بما علمه الله من تحريم الزنى وَمُقَدِّمَاتِهِ، وَخِيَانَةِ السَّيِّدِ وَالْجَارِ وَالْأَجْنَبِيِّ فِي أَهْلِهِ، فَمَا تَعَرَّضَ لِامْرَأَةِ الْعَزِيزِ، وَلَا أَجَابَ إِلَى الْمُرَاوَدَةِ، بَلْ أَدْبَرَ عَنْهَا وَفَرَّ مِنْهَا، حِكْمَةً خُصَّ بِهَا، وَعَمَلًا بِمُقْتَضَى مَا عَلَّمَهُ اللَّهُ. وَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:" قَالَتِ الْمَلَائِكَةُ رَبِّ ذَاكَ عَبْدُكَ يُرِيدُ أَنْ يَعْمَلَ سَيِّئَةً وَهُوَ أَبْصَرُ بِهِ فَقَالَ ارْقُبُوهُ فَإِنْ عَمِلَهَا فَاكْتُبُوهَا لَهُ بِمِثْلِهَا وَإِنْ تَرَكَهَا فَاكْتُبُوهَا لَهُ حَسَنَةً إِنَّمَا تَرَكَهَا مِنْ جَرَّاي"»

. وَقَالَ عليه السلام مُخْبِرًا عَنْ رَبِّهِ:" إِذَا هَمَّ عَبْدِي بِسَيِّئَةٍ فَلَمْ يَعْمَلْهَا كُتِبَتْ حَسَنَةً". فَإِنْ كَانَ مَا يَهُمُّ بِهِ الْعَبْدُ مِنَ السَّيِّئَةِ يُكْتَبُ لَهُ بِتَرْكِهَا حَسَنَةً فَلَا ذَنْبَ، وَفِي الصَّحِيحِ:" إِنَّ اللَّهَ تَجَاوَزَ لِأُمَّتِي عَمَّا حَدَّثَتْ بِهِ أَنْفُسَهَا مَا لَمْ تَعْمَلْ أَوْ تَكَلَّمْ بِهِ" وَقَدْ تَقَدَّمَ. قَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ: كَانَ بِمَدِينَةِ السَّلَامِ إِمَامٌ مِنْ أَئِمَّةِ الصُّوفِيَّةِ،- وَأَيُّ إِمَامٍ- يُعْرَفُ بِابْنِ عَطَاءٍ! تَكَلَّمَ يَوْمًا عَلَى يُوسُفَ وَأَخْبَارِهِ حَتَّى ذَكَرَ تَبْرِئَتَهُ مِمَّا نُسِبَ إِلَيْهِ مِنْ مَكْرُوهٍ، فَقَامَ رَجُلٌ مِنْ آخِرِ مَجْلِسِهِ وَهُوَ مَشْحُونٌ بِالْخَلِيقَةِ مِنْ كُلِّ طَائِفَةٍ فَقَالَ: يَا شَيْخُ! يَا سَيِّدَنَا! فَإِذًا يُوسُفُ هَمَّ وَمَا تَمَّ؟ قَالَ: نَعَمْ! لِأَنَّ الْعِنَايَةَ مِنْ ثَمَّ. فَانْظُرْ إِلَى حَلَاوَةِ الْعَالِمِ وَالْمُتَعَلِّمِ، وَانْظُرْ إِلَى فِطْنَةِ العامي في سؤاله،

(1). من ع.

(2)

. من جراى: أي من أجلى، وفى نسخة من صحيح مسلم" من جرائي".

ص: 168

وَجَوَابِ الْعَالِمِ فِي اخْتِصَارِهِ وَاسْتِيفَائِهِ، وَلِذَلِكَ قَالَ عُلَمَاءُ الصُّوفِيَّةِ: إِنَّ فَائِدَةَ قَوْلِهِ:" وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ آتَيْناهُ حُكْماً وَعِلْماً"[يوسف: 22] إِنَّمَا أَعْطَاهُ ذَلِكَ إِبَّانَ غَلَبَةِ الشَّهْوَةِ لِتَكُونَ لَهُ سَبَبًا لِلْعِصْمَةِ. قُلْتُ: وَإِذَا تَقَرَّرَتْ عِصْمَتُهُ وَبَرَاءَتُهُ بِثَنَاءِ اللَّهِ تَعَالَى عَلَيْهِ فَلَا يَصِحُّ مَا قَالَ مُصْعَبُ بْنُ عُثْمَانَ: إِنَّ سُلَيْمَانَ بْنَ يَسَارٍ كَانَ مِنْ أَحْسَنِ النَّاسِ وَجْهًا، فَاشْتَاقَتْهُ امْرَأَةٌ فَسَامَتْهُ نَفْسَهَا فَامْتَنَعَ عَلَيْهَا وَذَكَّرَهَا، فَقَالَتْ: إِنْ لَمْ تَفْعَلْ لَأُشَهِّرَنَّكَ، فَخَرَجَ وَتَرَكَهَا، فَرَأَى فِي مَنَامِهِ يُوسُفَ الصِّدِّيقَ عليه السلام جَالِسًا فَقَالَ: أَنْتَ يُوسُفُ؟ فَقَالَ: أَنَا يُوسُفُ الَّذِي هَمَمْتُ، وَأَنْتَ سُلَيْمَانُ الَّذِي لَمْ تَهِمَّ؟! فَإِنَّ هَذَا يَقْتَضِي أَنْ تَكُونَ دَرَجَةُ الْوِلَايَةِ أَرْفَعَ مِنْ دَرَجَةِ النُّبُوَّةِ وَهُوَ مُحَالٌ، وَلَوْ قَدَّرْنَا يُوسُفَ غَيْرَ نَبِيٍّ فَدَرَجَتُهُ الْوِلَايَةُ، فَيَكُونُ مَحْفُوظًا كَهُوَ، وَلَوْ غُلِّقَتْ عَلَى سُلَيْمَانَ الْأَبْوَابُ، وَرُوجِعَ فِي الْمَقَالِ وَالْخِطَابِ، وَالْكَلَامِ وَالْجَوَابِ مَعَ طُولِ الصُّحْبَةِ لَخِيفَ عَلَيْهِ الْفِتْنَةُ، وَعَظِيمُ الْمِحْنَةِ، والله أعلم. قوله تعالى:(لَوْلا أَنْ رَأى بُرْهانَ رَبِّهِ)[" أَنْ" فِي مَوْضِعِ رَفْعٍ أَيْ لَوْلَا رُؤْيَةُ بُرْهَانِ رَبِّهِ «1»] وَالْجَوَابُ مَحْذُوفٌ لَعَلِمَ السَّامِعِ، أَيْ لَكَانَ مَا كَانَ. وَهَذَا الْبُرْهَانُ غَيْرُ مَذْكُورٍ فِي الْقُرْآنِ، فَرُوِيَ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رضي الله عنه أَنَّ زَلِيخَاءَ قَامَتْ إِلَى صَنَمٍ مُكَلَّلٍ بِالدُّرِّ وَالْيَاقُوتِ فِي زَاوِيَةِ الْبَيْتِ فَسَتَرَتْهُ بِثَوْبٍ، فَقَالَ: مَا تَصْنَعِينَ؟ قَالَتْ: أَسْتَحِي مِنْ إِلَهِي هَذَا أَنْ يَرَانِي فِي «2» هَذِهِ الصُّورَةِ، فَقَالَ يُوسُفُ: أَنَا أَوْلَى أَنْ أَسْتَحِيَ مِنَ اللَّهِ، وَهَذَا أَحْسَنُ مَا قِيلَ فِيهِ، لِأَنَّ فِيهِ إِقَامَةُ الدَّلِيلِ. وَقِيلَ: رَأَى مَكْتُوبًا فِي سَقْفِ البيت" وَلا تَقْرَبُوا الزِّنى إِنَّهُ كانَ فاحِشَةً وَساءَ سَبِيلًا"«3» [الإسراء: 32]. وَقَالَ «4» ابْنُ عَبَّاسٍ: بَدَتْ كَفٌّ مَكْتُوبٌ عَلَيْهَا" وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحافِظِينَ"«5» [الانفطار: 10] وَقَالَ قَوْمٌ: تَذَّكَّرَ عَهْدَ. اللَّهِ وَمِيثَاقَهُ. وَقِيلَ: نُودِيَ يَا يُوسُفُ! أَنْتَ مَكْتُوبٌ فِي [دِيوَانِ «6»] الْأَنْبِيَاءِ وَتَعْمَلُ عَمَلَ السُّفَهَاءِ؟! وَقِيلَ: رَأَى صُورَةَ يَعْقُوبَ عَلَى الْجُدْرَانِ عَاضًّا عَلَى أُنْمُلَتِهِ يَتَوَعَّدُهُ فسكن، وخرجت شهوته من أنامله، قال قَتَادَةُ وَمُجَاهِدٌ وَالْحَسَنُ وَالضَّحَّاكُ وَأَبُو صَالِحٍ وَسَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ. وَرَوَى الْأَعْمَشُ عَنْ مُجَاهِدٍ قَالَ: حَلَّ سَرَاوِيلَهُ فَتَمَثَّلَ لَهُ يَعْقُوبُ، وَقَالَ لَهُ:

(1). من ع، ك.

(2)

. في ع وك: على.

(3)

. راجع ج 10 ص 253.

(4)

. في ع: وعن.

(5)

. راجع ج 19 ص 245.

(6)

. من ع. [ ..... ]

ص: 169