الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فَاسْتَنْفِقْهَا وَلْتَكُنْ وَدِيعَةً عِنْدَكَ فَإِنْ جَاءَ صَاحِبُهَا يَوْمًا مِنَ الدَّهْرِ فَأَدِّهَا إِلَيْهِ" فِي رِوَايَةٍ" ثُمَّ كُلْهَا فَإِنْ جَاءَ صَاحِبُهَا فَأَدِّهَا إِلَيْهِ" خَرَّجَهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ. وَأَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ عَلَى أَنَّ صَاحِبَهَا مَتَى جَاءَ فَهُوَ أَحَقُّ بِهَا، إِلَّا مَا ذَهَبَ إِلَيْهِ دَاوُدُ مِنْ أَنَّ الْمُلْتَقِطَ يَمْلِكُ اللُّقَطَةَ بَعْدَ التَّعْرِيفِ، لِتِلْكَ الظَّوَاهِرِ، وَلَا الْتِفَاتَ لِقَوْلِهِ، لِمُخَالَفَةِ النَّاسِ، وَلِقَوْلِهِ عليه السلام:" فأدها إليه".
[سورة يوسف (12): الآيات 11 الى 12]
قالُوا يَا أَبانا مَا لَكَ لَا تَأْمَنَّا عَلى يُوسُفَ وَإِنَّا لَهُ لَناصِحُونَ (11) أَرْسِلْهُ مَعَنا غَداً يَرْتَعْ وَيَلْعَبْ وَإِنَّا لَهُ لَحافِظُونَ (12)
قَوْلُهُ تَعَالَى: (قالُوا يَا أَبانا مَا لَكَ لَا تَأْمَنَّا عَلى يُوسُفَ) قِيلَ لِلْحَسَنِ: أَيَحْسُدُ الْمُؤْمِنُ؟ قَالَ: مَا أَنْسَاكَ بِبَنِي يَعْقُوبَ! وَلِهَذَا قِيلَ: الْأَبُ جَلَّابٌ وَالْأَخُ سَلَّابٌ، فَعِنْدَ ذَلِكَ أَجْمَعُوا عَلَى التَّفْرِيقِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ وَلَدِهِ بِضَرْبٍ مِنَ الِاحْتِيَالِ. وَقَالُوا لِيَعْقُوبَ:" يَا أَبانا مَا لَكَ لَا تَأْمَنَّا عَلى يُوسُفَ" وَقِيلَ: لَمَّا تَفَاوَضُوا وَافْتَرَقُوا عَلَى رَأْيِ الْمُتَكَلِّمِ الثَّانِي عَادُوا إِلَى يَعْقُوبَ عليه السلام وَقَالُوا هَذَا الْقَوْلُ. وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُمْ سَأَلُوهُ قَبْلَ ذَلِكَ أَنْ يُخْرِجَ مَعَهُمْ يُوسُفَ فَأَبَى عَلَى مَا يَأْتِي. قَرَأَ يَزِيدُ بْنُ الْقَعْقَاعِ وَعَمْرُو بْنُ عُبَيْدٍ وَالزُّهْرِيُّ" لَا تَأْمَنَّا" بِالْإِدْغَامِ، وَبِغَيْرِ إِشْمَامٍ وَهُوَ الْقِيَاسُ، لِأَنَّ سَبِيلَ مَا يُدْغَمُ أَنْ يَكُونَ سَاكِنًا. وَقَرَأَ طَلْحَةُ بْنُ مُصَرِّفٍ" لَا تَأْمَنُنَا" بِنُونَيْنِ ظَاهِرَتَيْنِ عَلَى الْأَصْلِ. وَقَرَأَ يَحْيَى بْنُ وَثَّابٍ وَأَبُو رَزِينٍ- وَرُوِيَ عَنِ الْأَعْمَشِ-" وَلَا تِيمَنَّا" بِكَسْرِ التَّاءِ، وَهِيَ لُغَةُ تَمِيمٍ، يَقُولُونَ: أَنْتَ تِضْرِبُ، وَقَدْ تَقَدَّمَ. وَقَرَأَ سَائِرُ النَّاسِ بِالْإِدْغَامِ وَالْإِشْمَامِ لِيَدُلَّ عَلَى حَالِ الْحَرْفِ قَبْلَ إِدْغَامِهِ. (وَإِنَّا لَهُ لَناصِحُونَ) أَيْ فِي حِفْظِهِ [وَحَيْطَتِهِ «1»] حَتَّى نَرُدَّهُ إِلَيْكَ. قَالَ مُقَاتِلٌ: فِي الْكَلَامِ تَقْدِيمٌ وَتَأْخِيرٌ، وَذَلِكَ أَنَّ إِخْوَةُ يُوسُفَ قَالُوا لِأَبِيهِمْ:" أَرْسِلْهُ مَعَنا غَداً" الْآيَةَ، فَحِينَئِذٍ قَالَ أَبُوهُمْ:" إِنِّي لَيَحْزُنُنِي أَنْ تَذْهَبُوا بِهِ"[يوسف: 13] فقالوا حينئذ جوابا لقول:" مَا لَكَ لَا تَأْمَنَّا عَلى يُوسُفَ" الْآيَةَ. (أَرْسِلْهُ مَعَنا غَداً) إلى الصحراء. (يَرْتَعْ وَيَلْعَبْ)" غَداً" ظَرْفٌ، وَالْأَصْلُ عِنْدَ سِيبَوَيْهِ غَدْوٌ، وَقَدْ نَطَقَ بِهِ عَلَى الْأَصْلِ، قَالَ النَّضْرُ بْنُ شُمَيْلٍ: مَا بَيْنَ الْفَجْرِ وَصَلَاةِ الصُّبْحِ يُقَالُ له غدوة،
(1). من ع وى. وفى اوو: وغفلته.
وَكَذَا بُكْرَةً." نَرْتَعْ وَنَلْعَبْ" بِالنُّونِ وَإِسْكَانِ الْعَيْنِ قِرَاءَةُ أَهْلِ الْبَصْرَةِ. وَالْمَعْرُوفُ مِنْ قِرَاءَةِ أَهْلِ مَكَّةَ." نَرْتَعِ" بِالنُّونِ وَكَسْرِ الْعَيْنِ. وَقِرَاءَةِ أَهْلِ الْكُوفَةِ." يَرْتَعْ وَيَلْعَبْ" بِالْيَاءِ وَإِسْكَانِ الْعَيْنِ. وَقِرَاءَةِ أَهْلِ الْمَدِينَةِ بِالْيَاءِ وَكَسْرِ الْعَيْنِ، الْقِرَاءَةُ الْأُولَى مِنْ قَوْلِ الْعَرَبِ رَتَعَ الْإِنْسَانُ وَالْبَعِيرُ إِذَا أَكَلَا كَيْفَ شَاءَا، وَالْمَعْنَى: نَتَّسِعْ فِي الْخِصْبِ، وَكُلُّ مُخْصِبٍ رَاتِعٌ، قَالَ:
فَارْعَيْ فَزَارَةُ لَا هَنَاكِ الْمَرْتَعْ
وَقَالَ آخَرُ «1» :
تَرْتَعُ مَا غَفَلَتْ حَتَّى إِذَا ادَّكَرْتَ
…
فَإِنَّمَا هِيَ إِقْبَالٌ وَإِدْبَارٌ
وَقَالَ آخَرُ «2» :
أَكُفْرًا بَعْدَ رَدِّ الْمَوْتِ عَنِّي
…
وَبَعْدَ عَطَائِكَ الْمِائَةَ الرِّتَاعَا
أَيِ الرَّاتِعَةَ لِكَثْرَةِ الْمَرْعَى. وَرَوَى مَعْمَرٌ عَنْ قَتَادَةَ" تَرْتَعُ" تَسْعَى، قَالَ النَّحَّاسُ: أَخَذَهُ مِنْ قَوْلِهِ:" إِنَّا ذَهَبْنا نَسْتَبِقُ" لِأَنَّ الْمَعْنَى: نَسْتَبِقُ فِي الْعَدْوِ إِلَى غَايَةٍ بِعَيْنِهَا، وَكَذَا" يَرْتَعْ" بِإِسْكَانِ الْعَيْنِ، إِلَّا أَنَّهُ لِيُوسُفَ وَحْدَهُ صلى الله عليه وسلم. وَ" يَرْتَعِ" بِكَسْرِ الْعَيْنِ مِنْ رَعْيِ الْغَنَمِ، أَيْ لِيَتَدَرَّبَ بِذَلِكَ وَيَتَرَجَّلُ، فَمَرَّةً يَرْتَعُ، وَمَرَّةً يَلْعَبُ لِصِغَرِهِ. وَقَالَ الْقُتَبِيُّ" نَرْتَعُ" نَتَحَارَسُ وَنَتَحَافَظُ، وَيَرْعَى بَعْضُنَا بَعْضًا، مِنْ قَوْلِكَ: رَعَاكَ اللَّهُ، أَيْ حَفِظَكَ." وَنَلْعَبُ" مِنَ اللَّعِبِ وَقِيلَ لِأَبِي عَمْرِو بْنِ الْعَلَاءِ: كَيْفَ قَالُوا" وَنَلْعَبُ" وَهُمْ أَنْبِيَاءُ؟ فَقَالَ: لَمْ يَكُونُوا يَوْمئِذٍ أَنْبِيَاءَ. وَقِيلَ: الْمُرَادُ بِاللَّعِبِ الْمُبَاحُ مِنَ الِانْبِسَاطِ، لَا اللَّعِبُ الْمَحْظُورُ الَّذِي هُوَ ضِدَّ الْحَقِّ، وَلِذَلِكَ لَمْ يُنْكِرْ يَعْقُوبُ قَوْلَهُمْ" وَنَلْعَبُ". وَمِنْهُ قَوْلُهُ عليه السلام:" فهلا بكرا تلاعبها وتلاعبك"«3» .
(1). البيت للخنساء ترثى بها أخاها صخرا. ومعنى: (ترتع) ترعى. تصف ناقة أو بقرة فقدت ولدها، فكلما غفلت عنه رتعت، فإذا ادكرته حنت إليه فأقبلت وأدبرت، فضربتها مثلا لفقدها أخاها صخرا.
(2)
. هو القطامي.
(3)
. الخطاب لجابر بن عبد الله، وذكر ملا على عن القرطبي: أن الملاعبة عبارة عن الألفة التامة، فأن الثيب قد تكون معلقة القلب بالزوج الأول، فلم تكن محبتها كاملة، بخلاف البكر. ويروى: تداعبها وتداعبك. والدعابة الممازجة.