الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الدَّرَاهِمِ تَعَلَّقَتِ الدَّنَانِيرُ بِذِمَّةِ صَاحِبِهَا، وَالدَّرَاهِمُ بِذِمَّةِ صَاحِبِهَا، وَلَوْ تَعَيَّنَتْ ثُمَّ تَلِفَتْ لَمْ يَتَعَلَّقْ بذمتهما شي، وَبَطَلَ الْعَقْدُ كَبَيْعِ الْأَعْيَانِ مِنَ الْعُرُوضِ وَغَيْرِهَا. الرَّابِعَةُ- رُوِيَ عَنِ الْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ رضي الله عنهما أَنَّهُ قَضَى، فِي اللَّقِيطِ أَنَّهُ حُرٌّ، وَقَرَأَ:" وَشَرَوْهُ بِثَمَنٍ بَخْسٍ دَراهِمَ مَعْدُودَةٍ" وَقَدْ مَضَى، الْقَوْلُ فِيهِ. الْخَامِسَةُ- قَوْلُهُ تَعَالَى:(وَكانُوا فِيهِ مِنَ الزَّاهِدِينَ) قِيلَ: الْمُرَادُ إِخْوَتُهُ. وَقِيلَ: السَّيَّارَةُ. وَقِيلَ: الْوَارِدَةُ، وَعَلَى أَيِّ تَقْدِيرٍ فَلَمْ يَكُنْ عِنْدَهُمْ غَبِيطًا، لَا عِنْدَ الْإِخْوَةِ، لِأَنَّ الْمَقْصِدَ زَوَالُهُ عَنْ أَبِيهِ لَا مَالُهُ، وَلَا عِنْدَ السَّيَّارَةِ لِقَوْلِ الْإِخْوَةِ إِنَّهُ عَبْدٌ أَبَقَ مِنَّا- وَالزُّهْدُ قِلَّةُ الرَّغْبَةِ- وَلَا عِنْدَ الْوَارِدَةِ لِأَنَّهُمْ خَافُوا اشْتَرَاكَ أَصْحَابِهِمْ مَعَهُمْ، وَرَأَوْا أَنَّ الْقَلِيلَ مِنْ ثَمَنِهِ فِي الِانْفِرَادِ أَوْلَى. السَّادِسَةُ- فِي هَذِهِ الْآيَةِ دَلِيلٌ وَاضِحٌ عَلَى جَوَازِ شِرَاءِ الشَّيْءِ الْخَطِيرِ بِالثَّمَنِ الْيَسِيرِ، وَيَكُونُ الْبَيْعُ لَازِمًا، وَلِهَذَا قَالَ مَالِكٌ: لَوْ بَاعَ دُرَّةً ذَاتَ خَطَرٍ عَظِيمٍ بِدِرْهَمٍ ثُمَّ قَالَ لَمْ أَعْلَمْ أَنَّهَا دُرَّةٌ وَحَسِبْتُهَا مَخْشَلَبَةً «1» لَزِمَهُ الْبَيْعُ وَلَمْ يُلْتَفَتْ إِلَى قَوْلِهِ وَقِيلَ:" وَكانُوا فِيهِ مِنَ الزَّاهِدِينَ" أَيْ فِي حُسْنِهِ، لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى وَإِنْ أَعْطَى يُوسُفَ شَطْرَ الْحُسْنِ صَرَفَ عَنْهُ دَوَاعِي نُفُوسِ الْقَوْمِ إِلَيْهِ إِكْرَامًا لَهُ. وَقِيلَ:" وَكانُوا فِيهِ مِنَ الزَّاهِدِينَ" لَمْ يَعْلَمُوا مَنْزِلَتَهُ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى. وَحَكَى سِيبَوَيْهِ والكسائي: زهدت وزهدت بكسر الهاء وفتحها.
[سورة يوسف (12): آية 21]
وَقالَ الَّذِي اشْتَراهُ مِنْ مِصْرَ لامْرَأَتِهِ أَكْرِمِي مَثْواهُ عَسى أَنْ يَنْفَعَنا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَداً وَكَذلِكَ مَكَّنَّا لِيُوسُفَ فِي الْأَرْضِ وَلِنُعَلِّمَهُ مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحادِيثِ وَاللَّهُ غالِبٌ عَلى أَمْرِهِ وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ (21)
(1). المخشلبة: خرز أبيض يشاكل اللؤلؤ.
قَوْلُهُ تَعَالَى: (وَقالَ الَّذِي اشْتَراهُ مِنْ مِصْرَ لِامْرَأَتِهِ أَكْرِمِي مَثْواهُ) قِيلَ: الِاشْتِرَاءُ هُنَا بِمَعْنَى الاستبدال، أذا لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ عَقْدًا، مِثْلُ:" أُولئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الضَّلالَةَ بِالْهُدى "«1» [البقرة: 16]. وَقِيلَ: إِنَّهُمْ ظَنُّوهُ فِي ظَاهِرِ الْحَالِ اشْتِرَاءً، فَجَرَى هَذَا اللَّفْظُ عَلَى ظَاهِرِ الظَّنِّ. قَالَ الضَّحَّاكُ: هَذَا الَّذِي اشْتَرَاهُ مَلِكُ مِصْرَ، وَلَقَبُهُ الْعَزِيزُ. السُّهَيْلِيُّ: وَاسْمُهُ قِطْفِيرُ. وَقَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: إِطْفِيرُ بْنُ رُوَيْحِبٍ اشْتَرَاهُ لِامْرَأَتِهِ رَاعِيلَ، ذَكَرَهُ الْمَاوَرْدِيُّ. وَقِيلَ: كَانَ اسْمُهَا زَلِيخَاءَ. وَكَانَ اللَّهُ أَلْقَى مَحَبَّةَ يُوسُفَ عَلَى قَلْبِ الْعَزِيزِ، فَأَوْصَى بِهِ أَهْلَهُ، ذَكَرَهُ الْقُشَيْرِيُّ. وَقَدْ ذَكَرَ الْقَوْلَيْنِ فِي اسْمِهَا الثَّعْلَبِيُّ وَغَيْرُهُ. وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: إِنَّمَا اشْتَرَاهُ قِطْفِيرُ وَزِيرُ مَلِكِ مِصْرَ، وَهُوَ الرَّيَّانُ بْنُ الْوَلِيدِ. وَقِيلَ: الْوَلِيدُ بْنُ الرَّيَّانِ، وَهُوَ رَجُلٌ مِنَ الْعَمَالِقَةِ. وَقِيلَ: هُوَ فِرْعَوْنُ مُوسَى، لِقَوْلِ مُوسَى:" وَلَقَدْ جاءَكُمْ يُوسُفُ مِنْ قَبْلُ بِالْبَيِّناتِ"[غافر: 34] وَأَنَّهُ عَاشَ أَرْبَعَمِائَةِ سَنَةٍ. وَقِيلَ: فِرْعَوْنُ مُوسَى مِنْ أَوْلَادِ فِرْعَوْنِ يُوسُفَ، عَلَى مَا يَأْتِي فِي" غَافِرٍ"«2» بَيَانُهُ. وَكَانَ هَذَا الْعَزِيزُ الَّذِي اشْتَرَى يُوسُفَ عَلَى خَزَائِنِ الْمَلِكِ، وَاشْتَرَى يُوسُفَ مِنْ مَالِكِ بْنِ دُعْرٍ بِعِشْرِينَ دِينَارًا، وَزَادَهُ حُلَّةً وَنَعْلَيْنِ. وَقِيلَ: اشْتَرَاهُ مِنْ أَهْلِ الرُّفْقَةِ. وَقِيلَ: تَزَايَدُوا فِي ثَمَنِهِ فَبَلَغَ أَضْعَافُ وَزْنِهِ مسكا وعنبرا وحريرا وورقا وذهبا ولآلي وَجَوَاهِرَ لَا يَعْلَمُ قِيمَتَهَا إِلَّا اللَّهُ، فَابْتَاعَهُ قِطْفِيرُ مِنْ مَالِكٍ بِهَذَا الثَّمَنِ، قَالَهُ وَهْبُ بْنُ مُنَبِّهٍ. وَقَالَ وَهْبٌ أَيْضًا وَغَيْرُهُ: وَلَمَّا اشْتَرَى مَالِكُ بْنُ دُعْرٍ يُوسُفَ مِنْ إِخْوَتِهِ كَتَبَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَهُ كِتَابًا: هَذَا مَا اشْتَرَى مَالِكُ بْنُ دُعْرٍ مِنْ بَنِي يَعْقُوبَ، وَهُمْ فُلَانٌ وَفُلَانٌ مَمْلُوكًا لَهُمْ بِعِشْرِينَ دِرْهَمًا، وَقَدْ شَرَطُوا لَهُ أَنَّهُ آبِقٌ، وَأَنَّهُ لَا يَنْقَلِبُ بِهِ إِلَّا مُقَيَّدًا مُسَلْسَلًا، وَأَعْطَاهُمْ عَلَى ذَلِكَ عَهْدَ اللَّهِ. قَالَ: فَوَدَّعَهُمْ يُوسُفَ عِنْدَ ذَلِكَ، وَجَعَلَ يَقُولُ: حَفِظَكُمُ اللَّهُ وَإِنْ ضَيَّعْتُمُونِي، نَصَرَكُمُ اللَّهُ وَإِنْ خَذَلْتُمُونِي، رَحِمَكُمُ اللَّهُ وَإِنْ لَمْ تَرْحَمُونِي، قَالُوا: فَأَلْقَتِ الْأَغْنَامُ مَا فِي بُطُونِهَا دَمًا عَبِيطًا «3» لِشِدَّةِ هَذَا التَّوْدِيعِ، وَحَمَلُوهُ عَلَى قَتَبٍ بِغَيْرِ غِطَاءٍ وَلَا وِطَاءٍ، مُقَيَّدًا مُكَبَّلًا مُسَلْسَلًا، فَمَرَّ عَلَى مَقْبَرَةِ آلِ كَنْعَانَ فَرَأَى قَبْرَ أُمِّهِ- وَقَدْ كَانَ وُكِّلَ بِهِ أَسْوَدُ يَحْرُسُهُ فَغَفَلَ الْأَسْوَدُ- فَأَلْقَى يُوسُفُ نَفْسَهُ عَلَى قبر أمه فجعل يتمرغ
(1). راجع ج 1 ص 21. [ ..... ]
(2)
. راجع ج 15 ص 312.
(3)
. الدم العبيط: الطري.
وَيَعْتَنِقُ الْقَبْرَ وَيَضْطَرِبُ وَيَقُولُ: يَا أُمَّاهُ! ارْفَعِي رَأْسَكَ تَرَيْ وَلَدَكَ مُكَبَّلًا مُقَيَّدًا مُسَلْسَلًا مَغْلُولًا، فَرَّقُوا بَيْنِي وَبَيْنَ وَالِدِي، فَاسْأَلِي اللَّهَ أَنْ يَجْمَعَ بَيْنَنَا فِي مُسْتَقَرِّ رَحْمَتِهِ إِنَّهُ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ، فَتَفَقَّدَهُ الْأَسْوَدُ عَلَى الْبَعِيرِ فَلَمْ يَرَهُ، فَقَفَا أَثَرَهُ، فَإِذَا هُوَ بَيَاضٌ عَلَى قَبْرٍ، فَتَأَمَّلَهُ فَإِذَا هُوَ إِيَّاهُ، فَرَكَضَهُ بِرِجْلِهِ فِي التُّرَابِ وَمَرَّغَهُ وَضَرَبَهُ ضَرْبًا وَجِيعًا، فَقَالَ لَهُ: لَا تَفْعَلُ! وَاللَّهِ مَا هَرَبْتُ وَلَا أَبَقْتُ وَإِنَّمَا مَرَرْتُ بِقَبْرِ أُمِّي فَأَحْبَبْتُ أَنْ أُوَدِّعَهَا، وَلَنْ أَرْجِعَ إِلَى مَا تَكْرَهُونَ، فَقَالَ الْأَسْوَدُ: وَاللَّهِ إِنَّكَ لَعَبْدُ سُوءٍ، تَدْعُو أَبَاكَ مَرَّةً وَأُمَّكَ أُخْرَى! فَهَلَّا كَانَ هَذَا عِنْدَ مَوَالِيكَ، فَرَفَعَ يَدَيْهِ إِلَى السَّمَاءِ وَقَالَ: اللَّهُمَّ إِنْ كَانَتْ لِي عِنْدَكَ خَطِيئَةٌ أَخَلَقْتَ بِهَا وَجْهِي فَأَسْأَلُكَ بِحَقِ آبَائِي إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ أَنْ تَغْفِرَ لِي وَتَرْحَمَنِي، فَضَجَّتِ الْمَلَائِكَةُ فِي السَّمَاءِ، وَنَزَلَ جِبْرِيلُ فَقَالَ لَهُ: يَا يُوسُفُ! غُضَّ صَوْتَكَ فَلَقَدْ أَبْكَيْتَ مَلَائِكَةَ السَّمَاءِ! أَفَتُرِيدُ أَنْ أَقْلِبَ الْأَرْضَ فَأَجْعَلُ عَالِيَهَا سَافِلَهَا؟ قَالَ: تَثَبَّتْ يَا جِبْرِيلُ، فَإِنَّ اللَّهَ حَلِيمٌ لَا يَعْجَلُ، فَضَرَبَ الْأَرْضَ بِجَنَاحِهِ فَأَظْلَمَتْ، وَارْتَفَعَ الْغُبَارُ، وَكَسَفَتِ الشَّمْسُ، وَبَقِيَتِ الْقَافِلَةُ لَا يَعْرِفُ بَعْضُهَا بَعْضًا، فَقَالَ رَئِيسُ الْقَافِلَةِ: مَنْ أَحْدَثَ مِنْكُمْ حَدَثًا؟ - فَإِنِّي أُسَافِرُ مُنْذُ كَيْتَ وَكَيْتَ مَا أَصَابَنِي قَطُّ مِثْلُ هَذَا- فَقَالَ الْأَسْوَدُ: أَنَا لَطَمْتُ ذَلِكَ الْغُلَامَ الْعِبْرَانِيَّ فَرَفَعَ يَدَهُ إِلَى السَّمَاءِ وَتَكَلَّمَ بِكَلَامٍ لَا أَعْرِفُهُ، وَلَا أَشُكُّ أَنَّهُ دَعَا عَلَيْنَا، فَقَالَ لَهُ: مَا أَرَدْتَ إِلَّا هَلَاكَنَا! ايتَنَا بِهِ، فَأَتَاهُ بِهِ، فَقَالَ لَهُ: يَا غُلَامُ! لَقَدْ لَطَمَكَ فَجَاءَنَا مَا رَأَيْتَ، فَإِنْ كُنْتَ تَقْتَصُّ فَاقْتَصَّ مِمَّنْ شِئْتَ، وَإِنْ كُنْتَ تَعْفُو فَهُوَ الظَّنُّ بِكَ، قَالَ: قَدْ عَفَوْتُ رَجَاءَ أَنْ يَعْفُوَ اللَّهُ عَنِّي، فَانْجَلَتِ الْغَبَرَةُ، وَظَهَرَتِ الشَّمْسُ، وَأَضَاءَ مَشَارِقُ الْأَرْضِ وَمَغَارِبُهَا، وَجَعَلَ التَّاجِرُ يَزُورُهُ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ وَيُكْرِمُهُ، حَتَّى وَصَلَ إِلَى مِصْرَ فَاغْتَسَلَ فِي نِيلِهَا وَأَذْهَبَ اللَّهُ عَنْهُ كَآبَةَ السَّفَرِ، وَرَدَّ عَلَيْهِ جَمَالَهُ، وَدَخَلَ بِهِ الْبَلَدُ نَهَارًا فَسَطَعَ نُورُهُ عَلَى الْجُدَرَانِ، وَأَوْقَفُوهُ لِلْبَيْعِ فَاشْتَرَاهُ قِطْفِيرُ وَزِيرُ الْمَلِكِ، قَالَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ عَلَى مَا تَقَدَّمَ. وَقِيلَ: إِنَّ هَذَا الْمَلِكَ لَمْ يَمُتْ حَتَّى آمَنَ وَاتَّبَعَ يُوسُفَ عَلَى دِينِهِ، ثُمَّ مَاتَ الْمَلِكُ وَيُوسُفُ يَوْمئِذٍ عَلَى خَزَائِنِ الْأَرْضِ، فَمَلَكَ بَعْدَهُ قَابُوسُ وَكَانَ كَافِرًا، فَدَعَاهُ يُوسُفُ إِلَى الْإِسْلَامِ فَأَبَى. (أَكْرِمِي مَثْواهُ) أَيْ مَنْزِلَهُ وَمَقَامَهُ بِطِيبِ الْمَطْعَمِ وَاللِّبَاسِ الْحَسَنِ، وَهُوَ
مَأْخُوذٌ مِنْ ثَوَى بِالْمَكَانِ أَيْ أَقَامَ بِهِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي" آلِ عِمْرَانَ" «1» وَغَيْرِهِ. (عَسى أَنْ يَنْفَعَنا) أَيْ يَكْفِيَنَا بَعْضَ الْمُهِمَّاتِ إِذَا بَلَغَ. (أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَداً) قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: كَانَ حَصُورًا لَا يُولَدُ لَهُ، وَكَذَا قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: كَانَ قِطْفِيرُ لَا يَأْتِي النِّسَاءَ وَلَا يُولَدُ لَهُ. فَإِنْ قِيلَ: كَيْفَ قَالَ" أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَداً" وَهُوَ مِلْكُهُ، وَالْوَلَدِيَّةُ مَعَ الْعَبْدِيَّةِ تَتَنَاقَضُ؟ قِيلَ لَهُ: يُعْتِقُهُ ثُمَّ يَتَّخِذُهُ وَلَدًا بِالتَّبَنِّي، وَكَانَ التَّبَنِّي فِي الْأُمَمِ مَعْلُومًا عِنْدَهُمْ، وَكَذَلِكَ كَانَ فِي أَوَّلِ الْإِسْلَامِ، عَلَى مَا يَأْتِي بَيَانُهُ فِي" الْأَحْزَابِ" «2» إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ: أَحْسَنُ النَّاسِ فِرَاسَةً ثَلَاثَةٌ، الْعَزِيزُ حِينَ تَفَرَّسَ فِي يُوسُفَ فَقَالَ:" عَسى أَنْ يَنْفَعَنا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَداً" وَبِنْتُ شُعَيْبٍ حِينَ قَالَتْ لِأَبِيهَا فِي مُوسَى" اسْتَأْجِرْهُ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ"«3» [القصص: 26]، وَأَبُو بَكْرٍ حِينَ اسْتَخْلَفَ عُمَرَ. قَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ: عَجَبًا لِلْمُفَسِّرِينَ فِي اتِّفَاقِهِمْ عَلَى جَلْبِ هَذَا الْخَبَرِ! وَالْفِرَاسَةُ هِيَ عِلْمٌ غَرِيبٌ عَلَى مَا يَأْتِي بَيَانُهُ فِي سُورَةِ" الْحِجْرِ"«4» وَلَيْسَ كَذَلِكَ فِيمَا نَقَلُوهُ، لِأَنَّ الصِّدِّيقَ إِنَّمَا وَلَّى عُمَرَ بِالتَّجْرِبَةِ فِي الْأَعْمَالِ، وَالْمُوَاظَبَةِ عَلَى الصُّحْبَةِ وَطُولِهَا، وَالِاطِّلَاعِ عَلَى مَا شَاهَدَ مِنْهُ مِنَ الْعِلْمِ وَالْمِنَّةِ، وَلَيْسَ ذَلِكَ مِنْ طَرِيقِ الْفِرَاسَةِ، وَأَمَّا بِنْتُ شُعَيْبٍ فَكَانَتْ مَعَهَا الْعَلَامَةُ الْبَيِّنَةُ عَلَى مَا يَأْتِي بَيَانُهُ فِي" الْقَصَصِ"«5» . وَأَمَّا أَمْرُ الْعَزِيزِ فَيُمْكِنُ أَنْ يُجْعَلَ فِرَاسَةً، لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ مَعَهُ عَلَامَةٌ ظَاهِرَةٌ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ. قَوْلُهُ تَعَالَى:(وَكَذلِكَ مَكَّنَّا لِيُوسُفَ فِي الْأَرْضِ) الْكَافُ فِي مَوْضِعِ نَصْبٍ، أَيْ وَكَمَا أَنْقَذْنَاهُ مِنْ إِخْوَتِهِ وَمِنَ الْجُبِّ فَكَذَلِكَ مَكَّنَّا لَهُ، أَيْ عَطَّفْنَا عَلَيْهِ قَلْبَ الْمَلِكِ الَّذِي اشْتَرَاهُ حَتَّى تَمَكَّنَ مِنَ الْأَمْرِ وَالنَّهْيِ فِي الْبَلَدِ الَّذِي الْمَلِكُ مُسْتَوْلٍ عَلَيْهِ. (وَلِنُعَلِّمَهُ مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحادِيثِ) أَيْ فَعَلْنَا ذَلِكَ تَصْدِيقًا لِقَوْلِ يَعْقُوبَ:" وَيُعَلِّمُكَ مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحادِيثِ". وَقِيلَ: الْمَعْنَى مَكَّنَّاهُ لِنُوحِيَ إِلَيْهِ بِكَلَامٍ مِنَّا، وَنُعَلِّمَهُ تَأْوِيلَهُ وَتَفْسِيرَهُ، وَتَأْوِيلَ الرُّؤْيَا، وَتَمَّ الْكَلَامُ. (وَاللَّهُ غالِبٌ عَلى أَمْرِهِ) الْهَاءُ رَاجِعَةٌ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى، أَيْ لا يغلب الله شي، بل هو الغالب على أمر
(1). راجع ج 4 ص 233.
(2)
. راجع ج 14 ص 118 فما بعد وص 188 فما بعد.
(3)
. ج 10 ص 42 فما بعد.
(4)
. راجع ج 13 ص 271.
(5)
. راجع ج 13 ص 271.