المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌[سورة يوسف (12): آية 55] - تفسير القرطبي = الجامع لأحكام القرآن - جـ ٩

[القرطبي]

فهرس الكتاب

- ‌تفسير سُورَةُ هُودٍ عليه السلام

- ‌[سورة هود (11): الآيات 1 الى 4]

- ‌[سورة هود (11): آية 5]

- ‌[سورة هود (11): آية 6]

- ‌[سورة هود (11): آية 7]

- ‌[سورة هود (11): آية 8]

- ‌[سورة هود (11): الآيات 9 الى 11]

- ‌[سورة هود (11): الآيات 12 الى 13]

- ‌[سورة هود (11): آية 14]

- ‌[سورة هود (11): آية 15]

- ‌[سورة هود (11): آية 16]

- ‌[سورة هود (11): آية 17]

- ‌[سورة هود (11): الآيات 18 الى 19]

- ‌[سورة هود (11): آية 20]

- ‌[سورة هود (11): الآيات 21 الى 22]

- ‌[سورة هود (11): آية 23]

- ‌[سورة هود (11): آية 24]

- ‌[سورة هود (11): الآيات 25 الى 26]

- ‌[سورة هود (11): آية 27]

- ‌[سورة هود (11): الآيات 28 الى 31]

- ‌[سورة هود (11): الآيات 32 الى 35]

- ‌[سورة هود (11): الآيات 36 الى 37]

- ‌[سورة هود (11): الآيات 38 الى 40]

- ‌[سورة هود (11): الآيات 41 الى 44]

- ‌[سورة هود (11): الآيات 45 الى 47]

- ‌[سورة هود (11): آية 48]

- ‌[سورة هود (11): آية 49]

- ‌[سورة هود (11): الآيات 50 الى 60]

- ‌[سورة هود (11): آية 61]

- ‌[سورة هود (11): الآيات 62 الى 68]

- ‌[سورة هود (11): الآيات 69 الى 71]

- ‌[سورة هود (11): آية 72]

- ‌[سورة هود (11): آية 73]

- ‌[سورة هود (11): الآيات 74 الى 76]

- ‌[سورة هود (11): الآيات 77 الى 83]

- ‌[سورة هود (11): الآيات 84 الى 95]

- ‌[سورة هود (11): الآيات 96 الى 99]

- ‌[سورة هود (11): الآيات 100 الى 109]

- ‌[سورة هود (11): آية 110]

- ‌[سورة هود (11): آية 111]

- ‌[سورة هود (11): آية 112]

- ‌[سورة هود (11): آية 113]

- ‌[سورة هود (11): آية 114]

- ‌[سورة هود (11): الآيات 115 الى 116]

- ‌[سورة هود (11): الآيات 117 الى 119]

- ‌[سورة هود (11): آية 120]

- ‌[سورة هود (11): الآيات 121 الى 123]

- ‌سورة يوسف عليه السلام

- ‌[سورة يوسف (12): آية 1]

- ‌[سورة يوسف (12): آية 2]

- ‌[سورة يوسف (12): آية 3]

- ‌[سورة يوسف (12): آية 4]

- ‌[سورة يوسف (12): آية 5]

- ‌[سورة يوسف (12): آية 6]

- ‌[سورة يوسف (12): الآيات 7 الى 9]

- ‌[سورة يوسف (12): آية 10]

- ‌[سورة يوسف (12): الآيات 11 الى 12]

- ‌[سورة يوسف (12): الآيات 13 الى 14]

- ‌[سورة يوسف (12): آية 15]

- ‌[سورة يوسف (12): آية 16]

- ‌[سورة يوسف (12): آية 17]

- ‌[سورة يوسف (12): آية 18]

- ‌[سورة يوسف (12): آية 19]

- ‌[سورة يوسف (12): آية 20]

- ‌[سورة يوسف (12): آية 21]

- ‌[سورة يوسف (12): آية 22]

- ‌[سورة يوسف (12): الآيات 23 الى 24]

- ‌[سورة يوسف (12): آية 25]

- ‌[سورة يوسف (12): الآيات 26 الى 29]

- ‌[سورة يوسف (12): الآيات 30 الى 32]

- ‌[سورة يوسف (12): الآيات 33 الى 34]

- ‌[سورة يوسف (12): آية 35]

- ‌[سورة يوسف (12): الآيات 36 الى 38]

- ‌[سورة يوسف (12): الآيات 39 الى 40]

- ‌[سورة يوسف (12): آية 41]

- ‌[سورة يوسف (12): آية 42]

- ‌[سورة يوسف (12): آية 43]

- ‌[سورة يوسف (12): آية 44]

- ‌[سورة يوسف (12): الآيات 45 الى 46]

- ‌[سورة يوسف (12): آية 47]

- ‌[سورة يوسف (12): آية 48]

- ‌[سورة يوسف (12): آية 49]

- ‌[سورة يوسف (12): الآيات 50 الى 51]

- ‌[سورة يوسف (12): الآيات 52 الى 53]

- ‌[سورة يوسف (12): آية 54]

- ‌[سورة يوسف (12): آية 55]

- ‌[سورة يوسف (12): الآيات 56 الى 57]

- ‌[سورة يوسف (12): آية 58]

- ‌[سورة يوسف (12): الآيات 59 الى 61]

- ‌[سورة يوسف (12): آية 62]

- ‌[سورة يوسف (12): الآيات 63 الى 65]

- ‌[سورة يوسف (12): آية 66]

- ‌[سورة يوسف (12): آية 67]

- ‌[سورة يوسف (12): الآيات 68 الى 70]

- ‌[سورة يوسف (12): الآيات 71 الى 72]

- ‌[سورة يوسف (12): الآيات 73 الى 75]

- ‌[سورة يوسف (12): آية 76]

- ‌[سورة يوسف (12): الآيات 77 الى 79]

- ‌[سورة يوسف (12): آية 80]

- ‌[سورة يوسف (12): آية 81]

- ‌[سورة يوسف (12): آية 82]

- ‌[سورة يوسف (12): آية 83]

- ‌[سورة يوسف (12): آية 84]

- ‌[سورة يوسف (12): الآيات 85 الى 86]

- ‌[سورة يوسف (12): آية 87]

- ‌[سورة يوسف (12): آية 88]

- ‌[سورة يوسف (12): الآيات 89 الى 93]

- ‌[سورة يوسف (12): الآيات 94 الى 99]

- ‌[سورة يوسف (12): آية 100]

- ‌[سورة يوسف (12): آية 101]

- ‌[سورة يوسف (12): الآيات 102 الى 104]

- ‌[سورة يوسف (12): الآيات 105 الى 108]

- ‌[سورة يوسف (12): الآيات 109 الى 110]

- ‌[سورة يوسف (12): آية 111]

- ‌تفسير سورة الرعد

- ‌[سورة الرعد (13): آية 1]

- ‌[سورة الرعد (13): آية 2]

- ‌[سورة الرعد (13): آية 3]

- ‌[سورة الرعد (13): آية 4]

- ‌[سورة الرعد (13): آية 5]

- ‌[سورة الرعد (13): الآيات 6 الى 7]

- ‌[سورة الرعد (13): الآيات 8 الى 9]

- ‌[سورة الرعد (13): آية 10]

- ‌[سورة الرعد (13): آية 11]

- ‌[سورة الرعد (13): الآيات 12 الى 13]

- ‌[سورة الرعد (13): آية 14]

- ‌[سورة الرعد (13): آية 15]

- ‌[سورة الرعد (13): آية 16]

- ‌[سورة الرعد (13): الآيات 17 الى 19]

- ‌[سورة الرعد (13): آية 20]

- ‌[سورة الرعد (13): الآيات 21 الى 24]

- ‌[سورة الرعد (13): الآيات 25 الى 26]

- ‌[سورة الرعد (13): الآيات 27 الى 28]

- ‌[سورة الرعد (13): آية 29]

- ‌[سورة الرعد (13): آية 30]

- ‌[سورة الرعد (13): آية 31]

- ‌[سورة الرعد (13): الآيات 32 الى 34]

- ‌[سورة الرعد (13): آية 35]

- ‌[سورة الرعد (13): آية 36]

- ‌[سورة الرعد (13): آية 37]

- ‌[سورة الرعد (13): آية 38]

- ‌[سورة الرعد (13): آية 39]

- ‌[سورة الرعد (13): الآيات 40 الى 41]

- ‌[سورة الرعد (13): الآيات 42 الى 43]

- ‌تفسير سورة إبراهيم

- ‌[سورة إبراهيم (14): آية 1]

- ‌[سورة إبراهيم (14): الآيات 2 الى 3]

- ‌[سورة إبراهيم (14): آية 4]

- ‌[سورة إبراهيم (14): آية 5]

- ‌[سورة إبراهيم (14): الآيات 6 الى 7]

- ‌[سورة إبراهيم (14): الآيات 8 الى 9]

- ‌[سورة إبراهيم (14): آية 10]

- ‌[سورة إبراهيم (14): الآيات 11 الى 12]

- ‌[سورة إبراهيم (14): الآيات 13 الى 14]

- ‌[سورة إبراهيم (14): الآيات 15 الى 17]

- ‌[سورة إبراهيم (14): الآيات 18 الى 20]

- ‌[سورة إبراهيم (14): الآيات 21 الى 22]

- ‌[سورة إبراهيم (14): آية 23]

- ‌[سورة إبراهيم (14): الآيات 24 الى 25]

- ‌[سورة إبراهيم (14): آية 26]

- ‌[سورة إبراهيم (14): آية 27]

- ‌[سورة إبراهيم (14): الآيات 28 الى 30]

- ‌[سورة إبراهيم (14): آية 31]

- ‌[سورة إبراهيم (14): الآيات 32 الى 34]

- ‌[سورة إبراهيم (14): الآيات 35 الى 36]

- ‌[سورة إبراهيم (14): آية 37]

- ‌[سورة إبراهيم (14): الآيات 38 الى 41]

- ‌[سورة إبراهيم (14): الآيات 42 الى 43]

- ‌[سورة إبراهيم (14): آية 44]

- ‌[سورة إبراهيم (14): الآيات 45 الى 46]

- ‌[سورة إبراهيم (14): آية 47]

- ‌[سورة إبراهيم (14): الآيات 48 الى 52]

الفصل: ‌[سورة يوسف (12): آية 55]

فِي الْمَاءِ، إِذْ هَبَّتْ رِيحٌ فَذَرَّتِ الْأَوْرَاقَ مِنَ الْيَابِسَاتِ السُّودِ عَلَى الْخُضْرِ الْمُثْمِرَاتِ، فَأَشْعَلَتْ فِيهِنَّ النَّارَ فَأَحْرَقَتْهُنَّ، فَصِرْنَ سُودًا مُغْبَرَّاتٍ، فَانْتَبَهْتَ مَذْعُورًا أَيُّهَا الْمَلِكُ، فَقَالَ الْمَلِكُ: وَاللَّهِ مَا شَأْنُ هَذِهِ الرُّؤْيَا وَإِنْ كَانَ عَجَبًا بِأَعْجَبَ مِمَّا سَمِعْتُ مِنْكَ! فَمَا تَرَى فِي رُؤْيَايَ»

أَيُّهَا الصِّدِّيقُ؟ فَقَالَ يُوسُفُ: أَرَى أَنْ تَجْمَعَ الطَّعَامَ، وَتَزْرَعَ زَرْعًا كَثِيرًا فِي هَذِهِ السِّنِينَ الْمُخْصِبَةِ، فَإِنَّكَ لَوْ زَرَعْتَ عَلَى حَجَرٍ أَوْ مَدَرٍ لَنَبَتَ، وَأَظْهَرَ اللَّهُ فِيهِ النَّمَاءَ وَالْبَرَكَةَ، ثُمَّ تَرْفَعُ الزَّرْعَ فِي قَصَبِهِ وَسُنْبُلِهِ تَبْنِي لَهُ الْمَخَازِنَ الْعِظَامَ «2» ، فَيَكُونُ الْقَصَبُ وَالسُّنْبُلُ عَلَفًا لِلدَّوَابِّ، وَحَبَّهُ لِلنَّاسِ، وَتَأْمُرُ النَّاسَ فَيَرْفَعُونَ مِنْ طَعَامِهِمْ إِلَى أَهْرَائِكَ «3» الْخُمُسَ، فَيَكْفِيكَ مِنَ الطَّعَامِ الَّذِي جَمَعْتَهُ لِأَهْلِ مِصْرَ وَمَنْ حَوْلَهَا، وَيَأْتِيكَ الْخَلْقُ مِنَ النَّوَاحِي يَمْتَارُونَ مِنْكَ، وَيَجْتَمِعُ عِنْدَكَ مِنَ الْكُنُوزِ مَا لَمْ يَجْتَمِعْ لِأَحَدٍ قَبْلَكَ، فَقَالَ الْمَلِكُ: وَمَنْ لِي بِتَدْبِيرِ هَذِهِ الْأُمُورِ؟ وَلَوْ جَمَعْتُ أَهْلَ مِصْرَ جَمِيعًا مَا أَطَاقُوا، وَلَمْ يَكُونُوا فِيهِ أُمَنَاءَ، فَقَالَ يُوسُفُ عليه السلام [عِنْدَ ذَلِكَ «4»]:" اجْعَلْنِي عَلى خَزائِنِ الْأَرْضِ"[يوسف: 55] أَيْ عَلَى خَزَائِنِ أَرْضِكَ، وَهِيَ جَمْعُ خِزَانَةٍ، وَدَخَلَتِ الْأَلِفُ وَاللَّامُ عِوَضًا مِنَ الْإِضَافَةِ، كَقَوْلِ النَّابِغَةُ:

لَهُمْ شِيمَةٌ لَمْ يُعْطِهَا اللَّهُ غَيْرَهُمْ

مِنَ الْجُودِ وَالْأَحْلَامِ غَيْرُ كَوَاذِبِ

قَوْلُهُ تَعَالَى: (أَسْتَخْلِصْهُ لِنَفْسِي) جُزِمَ لِأَنَّهُ جَوَابُ الْأَمْرِ، وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ قَوْلَهُ:" ذلِكَ لِيَعْلَمَ أَنِّي لَمْ أَخُنْهُ بِالْغَيْبِ" جَرَى فِي السِّجْنِ. وَيَحْتَمِلُ أَنَّهُ جَرَى عِنْدَ الْمَلِكِ ثُمَّ قَالَ فِي مجلس آخر:" ائْتُونِي بِهِ"[يوسف: 50] تَأْكِيدًا" أَسْتَخْلِصْهُ لِنَفْسِي" أَيْ أَجْعَلُهُ خَالِصًا لِنَفْسِي، أُفَوِّضُ إِلَيْهِ أَمْرَ مَمْلَكَتِي، فَذَهَبُوا فَجَاءُوا بِهِ، ودل على هذا:(فَلَمَّا كَلَّمَهُ) أَيْ كَلَّمَ الْمَلِكُ يُوسُفَ، وَسَأَلَهُ عَنِ الرُّؤْيَا فَأَجَابَ يُوسُفُ، فَ (قالَ) الْمَلِكُ:(إِنَّكَ الْيَوْمَ لَدَيْنا مَكِينٌ أَمِينٌ) أَيْ مُتَمَكِّنٌ نافذ القول،" أَمِينٌ" لا تخاف غدرا.

[سورة يوسف (12): آية 55]

قالَ اجْعَلْنِي عَلى خَزائِنِ الْأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ (55)

(1). في ع: فما ترى في هذه الرؤيا.

(2)

. في ع: العظمى.

(3)

. كذا في ع وى وك: هو بيت كبير يجمع فيه طعام السلطان. وهى مخازن الحبوب اليوم. وفي اوح أمرائك.

(4)

. من ع وى.

ص: 212

فِيهِ أَرْبَعُ مَسَائِلَ: الْأُولَى- قَوْلُهُ تَعَالَى: (قالَ اجْعَلْنِي عَلى خَزائِنِ الْأَرْضِ) قَالَ سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ: سَمِعْتُ مَالِكَ بْنَ أَنَسٍ يَقُولُ: مِصْرُ خِزَانَةُ الْأَرْضِ، أَمَا سَمِعْتَ إِلَى قَوْلِهِ:" اجْعَلْنِي عَلى خَزائِنِ الْأَرْضِ" أَيْ عَلَى حِفْظِهَا، فَحَذَفَ الْمُضَافَ. (إِنِّي حَفِيظٌ) لِمَا وُلِّيتُ (عَلِيمٌ) بِأَمْرِهِ. وَفِي التَّفْسِيرِ: إِنِّي حَاسِبٌ كَاتِبٌ، وَأَنَّهُ أَوَّلُ مَنْ كَتَبَ فِي الْقَرَاطِيسِ. وَقِيلَ:" حَفِيظٌ" لِتَقْدِيرِ الْأَقْوَاتِ" عَلِيمٌ" بِسِنِي الْمَجَاعَاتِ. قَالَ جُوَيْبِرٌ عَنِ الضَّحَّاكِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:" رَحِمَ اللَّهُ أَخِي يُوسُفَ لَوْ لَمْ يَقُلِ اجْعَلْنِي عَلَى خزائن الأرض لاستعمله من ساعته ولكن أخر ذَلِكَ عَنْهُ سَنَةً". قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: لَمَّا انْصَرَمَتِ السَّنَةُ مِنْ يَوْمِ سَأَلَ الْإِمَارَةَ دَعَاهُ الْمَلِكُ فَتَوَجَّهَ وَرَدَّاهُ «1» بِسَيْفِهِ، وَوَضَعَ لَهُ سَرِيرًا مِنْ ذَهَبٍ، مُكَلَّلًا بِالدُّرِّ وَالْيَاقُوتِ، وَضَرَبَ عَلَيْهِ حُلَّةً مِنْ إِسْتَبْرَقٍ، وَكَانَ طُولَ السَّرِيرِ ثَلَاثِينَ ذِرَاعًا وَعَرْضُهُ عَشَرَةُ أَذْرُعٍ، عَلَيْهِ ثَلَاثُونَ فِرَاشًا وَسِتُّونَ مِرْفَقَةً «2» ، ثُمَّ أَمَرَهُ أَنْ يَخْرُجَ، فَخَرَجَ مُتَوَّجًا، لَوْنُهُ كَالثَّلْجِ، وَوَجْهُهُ كَالْقَمَرِ، يَرَى النَّاظِرُ وَجْهَهُ مِنْ صَفَاءِ لَوْنِ وَجْهِهِ، فَجَلَسَ عَلَى السَّرِيرِ وَدَانَتْ لَهُ الْمُلُوكُ، وَدَخَلَ الْمَلِكُ بَيْتَهُ مَعَ نِسَائِهِ، وَفَوَّضَ إِلَيْهِ أَمْرَ مِصْرَ، وَعَزْلَ قِطْفِيرَ عَمَّا كَانَ عَلَيْهِ وَجَعَلَ يُوسُفَ مَكَانَهُ. قَالَ ابْنُ زَيْدٍ: كَانَ لِفِرْعَوْنَ مَلِكِ مِصْرَ خَزَائِنُ كَثِيرَةٌ غَيْرَ الطَّعَامِ، فَسَلَّمَ سُلْطَانَهُ كُلَّهُ إِلَيْهِ، وَهَلَكَ قِطْفِيرُ تِلْكَ اللَّيَالِي، فَزَوَّجَ الْمَلِكُ يُوسُفَ رَاعِيلَ امْرَأَةَ الْعَزِيزِ، فَلَمَّا دَخَلَ عَلَيْهَا قَالَ: أَلَيْسَ هَذَا خَيْرًا مِمَّا كُنْتِ تُرِيدِينَ؟! فَقَالَتْ: أَيُّهَا الصِّدِّيقُ لَا تَلُمْنِي، فَإِنِّي كُنْتُ امْرَأَةً حَسْنَاءَ نَاعِمَةً كَمَا تَرَى، وَكَانَ صَاحِبِي لَا يَأْتِي النِّسَاءَ، وَكُنْتَ كَمَا جَعَلَكَ اللَّهُ مِنَ الْحُسْنِ فَغَلَبَتْنِي نَفْسِي. فَوَجَدَهَا يُوسُفُ عَذْرَاءَ فَأَصَابَهَا فَوَلَدَتْ لَهُ رَجُلَيْنِ: إِفْرَاثِيمَ بْنَ يُوسُفَ، ومنشا بْنَ يُوسُفَ. وَقَالَ وَهْبُ بْنُ مُنَبِّهٍ: إِنَّمَا كَانَ تَزْوِيجُهُ زَلِيخَاءَ امْرَأَةَ الْعَزِيزِ بَيْنَ دَخْلَتَيِ الْإِخْوَةِ، وَذَلِكَ أَنَّ زَلِيخَاءَ مَاتَ زَوْجُهَا وَيُوسُفُ فِي السِّجْنِ، وَذَهَبَ مَالُهَا وَعَمِيَ بَصَرُهَا بُكَاءً عَلَى يُوسُفَ، فَصَارَتْ تَتَكَفَّفُ النَّاسَ، فَمِنْهُمْ من يرحمها ومنهم من لا يرحمها،

(1). رداه بسيفه: قلده به.

(2)

. المرفقة (بالكسر): المتكأ والمخدة [ ..... ]

ص: 213

وَكَانَ يُوسُفُ يَرْكَبُ فِي كُلِّ أُسْبُوعٍ مَرَّةً فِي مَوْكِبٍ زُهَاءَ مِائَةِ أَلْفٍ مِنْ عُظَمَاءِ قَوْمِهِ، فَقِيلَ لَهَا: لَوْ تَعَرَّضْتِ لَهُ لَعَلَّهُ يُسْعِفُكِ بِشَيْءٍ، ثُمَّ قِيلَ لَهَا: لَا تَفْعَلِي، فَرُبَّمَا ذَكَرَ بَعْضَ مَا كَانَ مِنْكِ مِنَ الْمُرَاوَدَةِ وَالسِّجْنِ فَيُسِيءُ إِلَيْكِ، فَقَالَتْ: أَنَا أَعْلَمُ بِخُلُقِ حَبِيبِي مِنْكُمْ، ثُمَّ تَرَكْتَهُ حَتَّى إِذَا رَكِبَ فِي مَوْكِبِهِ، [قَامَتْ] «1» فَنَادَتْ بِأَعْلَى صَوْتِهَا: سُبْحَانَ مَنْ جَعَلَ الْمُلُوكَ عَبِيدًا بِمَعْصِيَتِهِمْ، وَجَعَلَ الْعَبِيدَ مُلُوكًا بِطَاعَتِهِمْ، فَقَالَ يُوسُفُ: مَا هَذِهِ؟ فَأَتَوْا بِهَا، فَقَالَتْ: أَنَا الَّتِي كُنْتُ أَخْدُمُكَ «2» عَلَى صُدُورِ قَدَمِي، وَأُرَجِّلُ جُمَّتَكَ بِيَدِي، وَتَرَبَّيْتَ فِي بَيْتِي، وَأَكْرَمْتُ مَثْوَاكَ، لَكِنْ فَرَطَ مَا فَرَطَ مِنْ جَهْلِي وَعُتُوِّي فَذُقْتُ وَبَالَ أَمْرِي، فَذَهَبَ مَالِي، وَتَضَعْضَعَ رُكْنِي، وَطَالَ ذُلِّي، وَعَمِيَ بصري، وبعد ما كُنْتُ مَغْبُوطَةَ أَهْلِ مِصْرَ صِرْتُ مَرْحُومَتَهُمْ، أَتَكَفَّفُ النَّاسَ، فَمِنْهُمْ مَنْ يَرْحَمُنِي، وَمِنْهُمْ مَنْ لَا يَرْحَمُنِي، وَهَذَا جَزَاءُ الْمُفْسِدِينَ، فَبَكَى يُوسُفُ بُكَاءً شَدِيدًا، ثُمَّ قَالَ لَهَا: هَلْ بَقِيتِ تَجِدِينَ مِمَّا كَانَ فِي نَفْسِكِ مِنْ حُبِّكِ لِي شَيْئًا؟ فَقَالَتْ: وَاللَّهِ لَنَظْرَةٌ إِلَى وَجْهِكَ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنَ الدُّنْيَا بِحَذَافِيرِهَا، لَكِنْ نَاوِلْنِي صَدْرَ سَوْطِكَ، فَنَاوَلَهَا فَوَضَعَتْهُ عَلَى صَدْرِهَا، فَوَجَدَ لِلسَّوْطِ فِي يَدِهِ اضْطِرَابًا وَارْتِعَاشًا مِنْ خَفَقَانِ قَلْبِهَا، فَبَكَى ثُمَّ مَضَى إِلَى مَنْزِلِهِ فَأَرْسَلَ إِلَيْهَا رَسُولًا: إِنْ كُنْتِ أَيِّمًا تَزَوَّجْنَاكِ، وَإِنْ كُنْتِ ذَاتَ بَعْلٍ أَغْنَيْنَاكِ، فَقَالَتْ لِلرَّسُولِ: أَعُوذُ بِاللَّهِ أَنْ يَسْتَهْزِئَ بِي الْمَلِكُ! لَمْ يُرِدْنِي أَيَّامَ شَبَابِي وَغِنَايَ وَمَالِي وَعِزِّي أَفَيُرِيدُنِي الْيَوْمَ وَأَنَا عَجُوزٌ عَمْيَاءُ فَقِيرَةٌ؟! فَأَعْلَمَهُ الرَّسُولُ بِمَقَالَتِهَا، فَلَمَّا رَكِبَ فِي الْأُسْبُوعِ الثَّانِي تَعَرَّضَتْ لَهُ، فَقَالَ لَهَا: أَلَمْ يَبْلُغْكِ الرَّسُولُ؟ فَقَالَتْ: قَدْ أَخْبَرْتُكَ أَنَّ نَظْرَةً وَاحِدَةً إِلَى وَجْهِكَ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنَ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا، فَأَمَرَ بِهَا فَأُصْلِحَ مِنْ شَأْنِهَا وَهُيِّئَتْ، ثُمَّ زُفَّتْ إِلَيْهِ، فَقَامَ يُوسُفُ يُصَلِّي وَيَدْعُو اللَّهَ، وَقَامَتْ وَرَاءَهُ، فَسَأَلَ اللَّهَ تَعَالَى أَنْ يُعِيدَ إِلَيْهَا شَبَابَهَا وَجَمَالَهَا وَبَصَرَهَا، فَرَدَّ اللَّهُ عَلَيْهَا شَبَابَهَا وَجَمَالَهَا وَبَصَرَهَا حَتَّى عَادَتْ أَحْسَنَ مَا كَانَتْ يَوْمَ رَاوَدَتْهُ، إِكْرَامًا لِيُوسُفَ عليه السلام لَمَّا عَفَّ عَنْ مَحَارِمِ اللَّهِ، فَأَصَابَهَا فَإِذَا هِيَ عَذْرَاءُ، فَسَأَلَهَا، فَقَالَتْ: يَا نَبِيَّ اللَّهِ إِنَّ زَوْجِي كَانَ عِنِّينًا لَا يَأْتِي النِّسَاءَ، وَكُنْتَ أَنْتَ مِنَ الْحُسْنِ وَالْجَمَالِ بِمَا لَا يُوصَفُ، قَالَ: فَعَاشَا فِي خَفْضِ «3» عَيْشٍ، فِي كُلِّ يَوْمٍ يُجَدِّدُ اللَّهُ لَهُمَا خَيْرًا، وَوَلَدَتْ لَهُ وَلَدَيْنِ، إِفْرَاثِيمَ ومنشأ. وفيما روي

(1). من ع، ك، ى.

(2)

. في ع: أقدمك على صدور قومي.

(3)

. خفض عيش: في سعة وراحة.

ص: 214

أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَلْقَى فِي قَلْبِ يُوسُفَ مِنْ مَحَبَّتِهَا أَضْعَافَ مَا كَانَ فِي قَلْبِهَا، فَقَالَ لَهَا: مَا شَأْنُكِ لَا تُحِبِّينَنِي كَمَا كُنْتِ فِي أَوَّلِ مَرَّةٍ؟ فَقَالَتْ [لَهُ]«1» : لَمَّا ذُقْتُ مَحَبَّةَ اللَّهِ تَعَالَى شَغَلَنِي ذَلِكَ عَنْ كل شي. الثَّانِيَةُ- قَالَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ: فِي هَذِهِ الْآيَةِ مَا يُبِيحُ لِلرَّجُلِ الْفَاضِلِ أَنْ يَعْمَلَ لِلرَّجُلِ الْفَاجِرِ، وَالسُّلْطَانِ الْكَافِرِ، بِشَرْطِ أَنْ يَعْلَمَ أَنَّهُ يُفَوِّضُ إِلَيْهِ فِي فِعْلٍ لَا يُعَارِضُهُ فِيهِ، فَيُصْلِحُ مِنْهُ مَا شَاءَ، وَأَمَّا إِذَا كَانَ عَمَلُهُ بِحَسَبِ اخْتِيَارِ الْفَاجِرِ وَشَهَوَاتِهِ وَفُجُورِهِ فَلَا يَجُوزُ ذَلِكَ. وَقَالَ قَوْمٌ: إِنَّ هَذَا كَانَ لِيُوسُفَ خَاصَّةً، وَهَذَا الْيَوْمُ غَيْرُ جَائِزٍ، وَالْأَوَّلُ أَوْلَى إِذَا كَانَ عَلَى الشَّرْطِ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ. قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: فَإِنْ كَانَ الْمُوَلِّي ظَالِمًا فَقَدِ اخْتَلَفَ النَّاسُ فِي جَوَازِ الْوِلَايَةِ مِنْ قِبَلِهِ عَلَى قَوْلَيْنِ: أَحَدُهُمَا- جَوَازُهَا إِذَا عَمِلَ بِالْحَقِّ فِيمَا تَقَلَّدَهُ، لِأَنَّ يُوسُفَ وُلِّيَ مِنْ قِبَلِ فِرْعَوْنَ، وَلِأَنَّ الِاعْتِبَارَ فِي حَقِّهِ بِفِعْلِهِ لَا بِفِعْلِ غَيْرِهِ. الثَّانِي- أَنَّهُ لَا يَجُوزُ ذَلِكَ، لِمَا فِيهِ مِنْ تَوَلِّي الظَّالِمِينَ بِالْمَعُونَةِ لَهُمْ، وَتَزْكِيَتِهِمْ بِتَقَلُّدِ أَعْمَالِهِمْ، فَأَجَابَ مَنْ ذَهَبَ إِلَى هَذَا الْمَذْهَبِ عَنْ وِلَايَةِ يُوسُفَ مِنْ قِبَلِ فِرْعَوْنَ بِجَوَابَيْنِ: أَحَدُهُمَا- أَنَّ فِرْعَوْنَ يُوسُفَ كَانَ صَالِحًا، وَإِنَّمَا الطَّاغِي فِرْعَوْنُ مُوسَى. الثَّانِي- أَنَّهُ نَظَرَ فِي أَمْلَاكِهِ دُونَ أَعْمَالِهِ، فَزَالَتْ عَنْهُ التَّبِعَةُ فِيهِ. قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَالْأَصَحُّ مِنْ إِطْلَاقِ هَذَيْنَ الْقَوْلَيْنِ أَنْ يُفَصَّلَ مَا يَتَوَلَّاهُ مِنْ جِهَةِ الظَّالِمِ عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْسَامٍ: أَحَدُهَا- مَا يَجُوزُ لِأَهْلِهِ فِعْلُهُ مِنْ غَيْرِ اجْتِهَادٍ فِي تَنْفِيذِهِ كَالصَّدَقَاتِ وَالزَّكَوَاتِ، فَيَجُوزُ تَوَلِّيهِ مِنْ جِهَةِ الظَّالِمِ، لِأَنَّ النَّصَّ عَلَى مُسْتَحِقِّهِ قَدْ أَغْنَى عَنِ الِاجْتِهَادِ فِيهِ، وَجَوَازُ تَفَرُّدِ أَرْبَابِهِ بِهِ قَدْ أَغْنَى عَنِ التَّقْلِيدِ. وَالْقِسْمُ الثَّانِي- مَا لَا يَجُوزُ أَنْ يَتَفَرَّدُوا بِهِ وَيَلْزَمُ الِاجْتِهَادُ فِي مَصْرِفِهِ كَأَمْوَالِ الْفَيْءِ، فَلَا يَجُوزُ تَوَلِّيهِ مِنْ جِهَةِ الظَّالِمِ، لِأَنَّهُ يَتَصَرَّفُ بِغَيْرِ حَقٍّ، وَيَجْتَهِدُ فِيمَا لَا يَسْتَحِقُّ. وَالْقِسْمُ الثَّالِثُ- مَا يَجُوزُ أَنْ يَتَوَلَّاهُ لِأَهْلِهِ، وَلِلِاجْتِهَادِ فِيهِ مَدْخَلٌ كَالْقَضَايَا وَالْأَحْكَامِ، فَعَقْدُ التَّقْلِيدِ مَحْلُولٌ، فَإِنْ كَانَ النَّظَرُ تَنْفِيذًا لِلْحُكْمِ بَيْنَ مُتَرَاضِيَيْنِ، وَتَوَسُّطًا بَيْنَ مَجْبُورَيْنِ جَازَ، وَإِنْ كَانَ إِلْزَامُ إِجْبَارٍ لَمْ يَجُزْ. الثَّالِثَةُ- وَدَلَّتِ الْآيَةُ أَيْضًا عَلَى جَوَازِ أَنْ يَخْطُبَ الْإِنْسَانُ عَمَلًا يَكُونُ لَهُ أَهْلًا، فَإِنْ قِيلَ: فَقَدْ رَوَى مُسْلِمٌ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ سَمُرَةَ قَالَ قَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:

(1). من ع.

ص: 215

" يَا عَبْدَ الرَّحْمَنِ لَا تَسْأَلِ الْإِمَارَةَ فَإِنَّكَ إِنْ أُعْطِيتَهَا عَنْ مَسْأَلَةٍ وُكِلْتَ إِلَيْهَا وَإِنْ أُعْطِيتَهَا عَنْ غَيْرِ مَسْأَلَةٍ أُعِنْتَ عَلَيْهَا". وَعَنْ أَبِي بُرْدَةَ قَالَ قَالَ أَبُو مُوسَى: أَقْبَلْتُ إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَمَعِي رَجُلَانِ مِنَ الْأَشْعَرِيِّينَ، أَحَدُهُمَا عَنْ يَمِينِي وَالْآخَرُ عَنْ يَسَارِي، فَكِلَاهُمَا سَأَلَ الْعَمَلَ، وَالنَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يَسْتَاكُ، فَقَالَ:" مَا تَقُولُ يَا أَبَا مُوسَى- أَوْ يَا عَبْدَ اللَّهِ بْنَ قَيْسٍ". قَالَ قُلْتُ: وَالَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ ما أطلعاني علما فِي أَنْفُسِهِمَا، وَمَا شَعَرْتُ أَنَّهُمَا يَطْلُبَانِ الْعَمَلَ، قَالَ: وَكَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَى سِوَاكِهِ تَحْتَ شَفَتِهِ وقد قلصت «1» ، فقال:" لن- أولا نَسْتَعْمِلُ عَلَى عَمَلِنَا مَنْ أَرَادَهُ" وَذَكَرَ الْحَدِيثَ، خَرَّجَهُ مُسْلِمٌ أَيْضًا وَغَيْرُهُ، فَالْجَوَابُ: أَوَّلًا- أَنَّ يُوسُفَ عليه السلام إِنَّمَا طَلَبَ الْوِلَايَةَ لِأَنَّهُ عَلِمَ أَنَّهُ لَا أَحَدَ يَقُومُ مَقَامَهُ فِي الْعَدْلِ وَالْإِصْلَاحِ وَتَوْصِيلِ الْفُقَرَاءِ إِلَى حُقُوقِهِمْ فَرَأَى أَنَّ ذَلِكَ فَرْضٌ مُتَعَيِّنٌ عَلَيْهِ فَإِنَّهُ لَمْ يَكُنْ هُنَاكَ غَيْرُهُ، وَهَكَذَا الْحُكْمُ الْيَوْمَ، لَوْ عَلِمَ إِنْسَانٌ مِنْ نَفْسِهِ أَنَّهُ يَقُومُ بِالْحَقِّ فِي الْقَضَاءِ أَوِ الْحِسْبَةِ وَلَمْ يَكُنْ هُنَاكَ مَنْ يَصْلُحُ وَلَا يَقُومُ مَقَامَهُ لَتَعَيَّنَ ذَلِكَ عَلَيْهِ، وَوَجَبَ أَنْ يَتَوَلَّاهَا وَيَسْأَلُ ذَلِكَ، وَيُخْبِرُ بِصِفَاتِهِ الَّتِي يَسْتَحِقُّهَا بِهِ مِنَ الْعِلْمِ وَالْكِفَايَةِ وَغَيْرِ ذَلِكَ، كَمَا قَالَ يُوسُفُ عليه السلام، فَأَمَّا لَوْ كَانَ هُنَاكَ مَنْ يَقُومُ بِهَا وَيَصْلُحُ لَهَا وَعَلِمَ بِذَلِكَ فَالْأَوْلَى أَلَّا يَطْلُبَ، لقول عليه السلام لِعَبْدِ الرَّحْمَنِ:" لَا تَسْأَلِ الْإِمَارَةَ"[وَأَيْضًا]«2» فَإِنَّ فِي سُؤَالِهَا وَالْحِرْصِ عَلَيْهَا مَعَ العلم بكثرة آفاتها وصعوبة التخلص منها دليل عَلَى أَنَّهُ يَطْلُبُهَا لِنَفْسِهِ وَلِأَغْرَاضِهِ، وَمَنْ كَانَ هَكَذَا يُوشِكُ أَنْ تَغْلِبَ عَلَيْهِ نَفْسُهُ فَيَهْلِكُ، وَهَذَا مَعْنَى قَوْلِهِ عليه السلام:" وُكِلَ إِلَيْهَا" وَمَنْ أَبَاهَا لِعِلْمِهِ بِآفَاتِهَا، وَلِخَوْفِهِ مِنَ التَّقْصِيرِ فِي حُقُوقِهَا فَرَّ مِنْهَا، ثُمَّ إِنِ ابْتُلِيَ بِهَا فَيُرْجَى لَهُ التَّخَلُّصُ مِنْهَا، وَهُوَ مَعْنَى قَوْلِهِ:" أُعِينَ عَلَيْهَا". الثَّانِي- أَنَّهُ لَمْ يَقُلْ: إِنِّي حَسِيبٌ كَرِيمٌ، وَإِنْ كَانَ كَمَا قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم:" الْكَرِيمُ ابْنُ الْكَرِيمِ ابْنِ الْكَرِيمِ [ابْنِ الْكَرِيمِ] «3» يُوسُفُ بْنُ يَعْقُوبَ بْنِ إِسْحَاقَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ" وَلَا قَالَ: إِنِّي جَمِيلٌ مَلِيحٌ، إِنَّمَا قَالَ:" إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ" فَسَأَلَهَا بِالْحِفْظِ وَالْعِلْمِ، لَا بِالنَّسَبِ وَالْجَمَالِ. الثَّالِثُ- إِنَّمَا قَالَ ذَلِكَ عِنْدَ مَنْ لَا يَعْرِفُهُ فَأَرَادَ تَعْرِيفَ نَفْسِهِ، وَصَارَ ذَلِكَ مُسْتَثْنًى

(1). قلصت: انقبضت وانزوت.

(2)

. من ع.

(3)

. من ع وى.

ص: 216