الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الشَّيْءَ أَيْ حَصَّلْتُهُ، وَمِنْهُ جَبَيْتُ الْمَاءَ فِي الحوض، قال النَّحَّاسُ. وَهَذَا ثَنَاءٌ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى عَلَى يُوسُفَ عليه السلام، وَتَعْدِيدٌ فِيمَا عَدَّدَهُ عَلَيْهِ مِنَ النِّعَمِ الَّتِي أَتَاهُ اللَّهُ تَعَالَى، مِنَ التَّمْكِينِ فِي الْأَرْضِ، وَتَعْلِيمِ تَأْوِيلِ الْأَحَادِيثِ، وَأَجْمَعُوا أَنَّ ذَلِكَ فِي تَأْوِيلِ الرُّؤْيَا. قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ شَدَّادِ بْنِ الْهَادِ: كَانَ تَفْسِيرُ رُؤْيَا يُوسُفَ صلى الله عليه وسلم بَعْدَ أَرْبَعِينَ سَنَةٍ، وَذَلِكَ مُنْتَهَى الرُّؤْيَا. وَعَنَى بِالْأَحَادِيثِ مَا يَرَاهُ النَّاسُ فِي الْمَنَامِ، وَهِيَ مُعْجِزَةٌ لَهُ، فَإِنَّهُ لَمْ يَلْحَقْهُ فِيهَا خَطَأٌ. وَكَانَ يُوسُفُ عليه السلام أَعْلَمَ النَّاسِ بِتَأْوِيلِهَا، وَكَانَ نَبِيُّنَا صلى الله عليه وسلم نَحْوَ ذَلِكَ، وَكَانَ الصِّدِّيقُ رضي الله عنه مِنْ أَعْبَرِ النَّاسِ لَهَا، وَحَصَلَ لِابْنِ سِيرِينَ فِيهَا التَّقَدُّمُ الْعَظِيمُ، وَالطَّبْعُ وَالْإِحْسَانُ، وَنَحْوُهُ أَوْ قَرِيبٌ مِنْهُ كان سعيد بن المسيب فيما ذكروا. وقد قيل في تأويل قوله:(وَيُعَلِّمُكَ مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحادِيثِ) أَيْ أَحَادِيثِ الْأُمَمِ وَالْكُتُبِ وَدَلَائِلِ التَّوْحِيدِ، فَهُوَ إِشَارَةٌ إِلَى النُّبُوَّةِ، وَهُوَ الْمَقْصُودُ بِقَوْلِهِ:(وَيُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ) أَيْ بِالنُّبُوَّةِ. وَقِيلَ: بِإِخْرَاجِ إِخْوَتِكَ، إِلَيْكَ، وَقِيلَ: بِإِنْجَائِكَ مِنْ كُلِّ مَكْرُوهٍ. (كَما أَتَمَّها عَلى أَبَوَيْكَ مِنْ قَبْلُ إِبْراهِيمَ) بِالْخُلَّةِ، وَإِنْجَائِهِ مِنَ النَّارِ. (وَإِسْحاقَ) بِالنُّبُوَّةِ. وَقِيلَ: مِنَ الذَّبْحِ «1» ، قَالَهُ عِكْرِمَةُ. بما يعطيك. وَأَعْلَمُهُ اللَّهُ تَعَالَى بِقَوْلِهِ:" وَعَلى آلِ يَعْقُوبَ" أَنَّهُ سَيُعْطِي بَنِي يَعْقُوبَ كُلَّهُمُ النُّبُوَّةَ، قَالَهُ جَمَاعَةٌ مِنَ الْمُفَسِّرِينَ. (إِنَّ رَبَّكَ عَلِيمٌ) بِمَا يعطيك. (حَكِيمٌ) في فعله بك.
[سورة يوسف (12): الآيات 7 الى 9]
لَقَدْ كانَ فِي يُوسُفَ وَإِخْوَتِهِ آياتٌ لِلسَّائِلِينَ (7) إِذْ قالُوا لَيُوسُفُ وَأَخُوهُ أَحَبُّ إِلى أَبِينا مِنَّا وَنَحْنُ عُصْبَةٌ إِنَّ أَبانا لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ (8) اقْتُلُوا يُوسُفَ أَوِ اطْرَحُوهُ أَرْضاً يَخْلُ لَكُمْ وَجْهُ أَبِيكُمْ وَتَكُونُوا مِنْ بَعْدِهِ قَوْماً صالِحِينَ (9)
قَوْلُهُ تَعَالَى: (لَقَدْ كانَ فِي يُوسُفَ وَإِخْوَتِهِ آياتٌ لِلسَّائِلِينَ) يَعْنِي، مَنْ سَأَلَ عَنْ حَدِيثِهِمْ. وَقَرَأَ أَهْلُ مَكَّةَ" آيَةٌ" عَلَى التَّوْحِيدِ، وَاخْتَارَ أَبُو عُبَيْدٍ" آياتٌ" عَلَى الْجَمْعِ، قَالَ: لِأَنَّهَا خَيْرٌ كَثِيرٌ. قَالَ النَّحَّاسُ: وَ" آيَةٌ" هُنَا قِرَاءَةٌ حَسَنَةٌ، أَيْ لَقَدْ كَانَ لِلَّذِينَ سألوا عن خبر
(1). تقدم أن الذبيح هو إسماعيل وهو الحق وسيأتي في" والصافات" أيضا، وفى ع: والفدا من الذبح.
يُوسُفَ آيَةٌ فِيمَا خُبِّرُوا بِهِ، لِأَنَّهُمْ سَأَلُوا النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم وَهُوَ بِمَكَّةَ فَقَالُوا: أَخْبِرْنَا عَنْ رَجُلٍ مِنَ الْأَنْبِيَاءِ كَانَ بِالشَّامِ أُخْرِجَ ابْنُهُ إِلَى مِصْرَ، فَبَكَى عَلَيْهِ حَتَّى عَمِيَ؟ - وَلَمْ يَكُنْ بِمَكَّةَ أَحَدٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ، وَلَا مَنْ يَعْرِفُ خَبَرَ الْأَنْبِيَاءِ، وَإِنَّمَا وَجَّهَ الْيَهُودُ [إِلَيْهِمْ]«1» مِنَ الْمَدِينَةِ يَسْأَلُونَهُ عَنْ هَذَا- فَأَنْزَلَ اللَّهُ عز وجل سُورَةَ" يُوسُفَ" جُمْلَةً وَاحِدَةً، فِيهَا كُلُّ مَا فِي التَّوْرَاةِ مِنْ خَبَرٍ وَزِيَادَةٍ، فَكَانَ ذَلِكَ آيَةً لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، بِمَنْزِلَةِ إِحْيَاءِ عِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ عليه السلام الْمَيِّتَ." آياتٌ"«2» مَوْعِظَةٍ، وَقِيلَ: عِبْرَةٌ. وَرُوِيَ أَنَّهَا فِي بَعْضِ الْمَصَاحِفِ" عِبْرَةٌ". وَقِيلَ: بَصِيرَةٌ. وَقِيلَ: عَجَبٌ، تَقُولُ فُلَانٌ آيَةٌ فِي الْعِلْمِ وَالْحُسْنِ أَيْ عَجَبٌ. قَالَ الثَّعْلَبِيُّ فِي تَفْسِيرِهِ: لَمَّا بَلَغَتِ الرُّؤْيَا إِخْوَةُ يُوسُفَ حَسَدُوهُ، وَقَالَ ابْنُ زَيْدٍ: كَانُوا أَنْبِيَاءَ، وَقَالُوا: مَا يَرْضَى أَنْ يَسْجُدَ لَهُ إِخْوَتُهُ حَتَّى يَسْجُدَ لَهُ أَبَوَاهُ! فَبَغَوْهُ بِالْعَدَاوَةِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ رَدُّ هَذَا الْقَوْلِ. قَالَ اللَّهُ تَعَالَى:(لَقَدْ كانَ فِي يُوسُفَ وَإِخْوَتِهِ) وَأَسْمَاؤُهُمْ: رُوبِيلُ وَهُوَ أَكْبَرُهُمْ، وَشَمْعُونُ وَلَاوِي وَيَهُوذَا وزيالون ويشجر، وَأُمُّهُمْ ليا بِنْتُ ليان، وَهِيَ بِنْتُ خَالِ يَعْقُوبَ، وَوُلِدَ لَهُ مِنْ سُرِّيَّتَيْنِ أَرْبَعَةُ نَفَرٍ، دان ونفتالي وجاد وآشر، ثُمَّ تُوُفِّيَتْ ليا فَتَزَوَّجَ يَعْقُوبُ أُخْتَهَا رَاحِيلَ، فَوَلَدَتْ لَهُ يُوسُفَ وَبِنْيَامِينَ، فَكَانَ بَنُو يَعْقُوبَ اثْنَيْ عَشَرَ رَجُلًا. قَالَ السُّهَيْلِيُّ: وَأُمُّ يَعْقُوبَ اسْمُهَا رفقا، وَرَاحِيلُ مَاتَتْ فِي نِفَاسِ بِنْيَامِينَ، وليان بْنُ نَاهِرَ بْنِ آزَرَ هُوَ خَالُ يَعْقُوبَ. وَقِيلَ: فِي اسْمِ الْأَمَتَيْنِ ليا وتلتا، كَانَتْ إِحْدَاهُمَا لراحيل، والأخرى لأختها ليا، وكانتا قد وهبناهما لِيَعْقُوبَ، وَكَانَ يَعْقُوبُ قَدْ جَمَعَ بَيْنَهُمَا، وَلَمْ يَحِلَّ لِأَحَدٍ بَعْدَهُ، لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى:" وَأَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ إِلَّا مَا قَدْ سَلَفَ"«3» [النساء: 23]. وَقَدْ تَقَدَّمَ الرَّدُّ عَلَى مَا قَالَهُ ابْنُ زَيْدٍ، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ. قَوْلُهُ تَعَالَى:(إِذْ قالُوا لَيُوسُفُ)" لَيُوسُفُ" رُفِعَ بِالِابْتِدَاءِ، وَاللَّامُ لِلتَّأْكِيدِ، وَهِيَ الَّتِي يُتَلَقَّى بِهَا الْقَسَمُ، أَيْ وَاللَّهِ لَيُوسُفُ. (وَأَخُوهُ) عَطْفٌ عَلَيْهِ. (أَحَبُّ إِلى أَبِينا مِنَّا) خَبَرُهُ، وَلَا يُثَنَّى وَلَا يُجْمَعُ لِأَنَّهُ بِمَعْنَى الْفِعْلِ، وَإِنَّمَا قَالُوا هَذَا لِأَنَّ خَبَرَ الْمَنَامِ بَلَغَهُمْ فَتَآمَرُوا فِي كَيْدِهِ. (وَنَحْنُ عُصْبَةٌ) أَيْ جَمَاعَةٌ، وَكَانُوا عَشَرَةً. وَالْعُصْبَةُ مَا بَيْنَ الْوَاحِدِ إِلَى الْعَشَرَةِ، وَقِيلَ: إِلَى الْخَمْسَةَ عَشَرَ. وَقِيلَ: مَا بَيْنَ الْأَرْبَعِينَ إِلَى الْعَشَرَةِ، وَلَا وَاحِدَ لَهَا مِنْ لفظها كالنفر
(1). من ع وز ك وى.
(2)
. في ع: آية. بالتوحيد وهو المطابق للتفسير.
(3)
. راجع ج 5 ص 116.