الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الثَّعْلَبِيُّ وَالْمَاوَرْدِيُّ. وَقَرَأَ ابْنُ [أَبِي]«1» إِسْحَاقَ وَإِبْرَاهِيمُ بْنُ أَبِي بَكْرٍ" فِي يَوْمٍ عَاصِفٍ «2» ". (لَا يَقْدِرُونَ) يَعْنِي الْكُفَّارَ. (مِمَّا كَسَبُوا عَلى شَيْءٍ) يُرِيدُ فِي الْآخِرَةِ، أَيْ مِنْ ثَوَابِ مَا عَمِلُوا مِنَ الْبِرِّ فِي الدُّنْيَا، لِإِحْبَاطِهِ بِالْكُفْرِ. (ذلِكَ هُوَ الضَّلالُ الْبَعِيدُ) أَيِ الْخُسْرَانُ الْكَبِيرُ، وَإِنَّمَا جَعَلَهُ كَبِيرًا بَعِيدًا لِفَوَاتِ اسْتِدْرَاكِهِ بِالْمَوْتِ. قَوْلُهُ تَعَالَى:(أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ) الرُّؤْيَةُ هُنَا رُؤْيَةُ الْقَلْبِ، لِأَنَّ الْمَعْنَى: أَلَمْ يَنْتَهِ عِلْمُكَ إِلَيْهِ؟. وَقَرَأَ حَمْزَةُ وَالْكِسَائِيُّ- خَالِقُ السَمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ. وَمَعْنَى" بِالْحَقِّ" لِيَسْتَدِلَّ بِهَا عَلَى قُدْرَتِهِ. (إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ) أَيُّهَا النَّاسُ، أَيْ هُوَ قَادِرٌ عَلَى الْإِفْنَاءِ كَمَا قَدَرَ عَلَى إِيجَادِ الْأَشْيَاءِ، فَلَا تَعْصُوهُ فَإِنَّكُمْ إِنْ عَصَيْتُمُوهُ (يُذْهِبْكُمْ وَيَأْتِ بِخَلْقٍ جَدِيدٍ) أَفْضَلَ وَأَطْوَعَ مِنْكُمْ، إِذْ لَوْ كَانُوا مِثْلَ الْأَوَّلِينَ فَلَا فَائِدَةَ فِي الْإِبْدَالِ. (وَما ذلِكَ عَلَى اللَّهِ بِعَزِيزٍ) أي منيع متعذر.
[سورة إبراهيم (14): الآيات 21 الى 22]
وَبَرَزُوا لِلَّهِ جَمِيعاً فَقالَ الضُّعَفاءُ لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا إِنَّا كُنَّا لَكُمْ تَبَعاً فَهَلْ أَنْتُمْ مُغْنُونَ عَنَّا مِنْ عَذابِ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ قالُوا لَوْ هَدانَا اللَّهُ لَهَدَيْناكُمْ سَواءٌ عَلَيْنا أَجَزِعْنا أَمْ صَبَرْنا مَا لَنا مِنْ مَحِيصٍ (21) وَقالَ الشَّيْطانُ لَمَّا قُضِيَ الْأَمْرُ إِنَّ اللَّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ وَوَعَدْتُكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ وَما كانَ لِي عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطانٍ إِلَاّ أَنْ دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي فَلا تَلُومُونِي وَلُومُوا أَنْفُسَكُمْ مَا أَنَا بِمُصْرِخِكُمْ وَما أَنْتُمْ بِمُصْرِخِيَّ إِنِّي كَفَرْتُ بِما أَشْرَكْتُمُونِ مِنْ قَبْلُ إِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ (22)
(1). من اوز وووى والبحر. [ ..... ]
(2)
. هذه القراءة بإضافة يوم إلى عاصف، ومن قرأ بها أقام الصفة مقام الموصوف، أي في يوم ريح عاصف. وقراءة نافع وابن جعفر: الرياح. على الجميع.
قوله تعالى: (وَبَرَزُوا لِلَّهِ جَمِيعاً) أَيْ بَرَزُوا مِنْ قُبُورِهِمْ، يَعْنِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ. وَالْبُرُوزُ الظُّهُورُ. وَالْبَرَازُ الْمَكَانُ الْوَاسِعُ لِظُهُورِهِ، وَمِنْهُ امْرَأَةٌ بَرْزَةٌ أَيْ تَظْهَرُ «1» لِلنَّاسِ، فَمَعْنَى،" بَرَزُوا" ظَهَرُوا مِنْ قُبُورِهِمْ. وَجَاءَ بِلَفْظِ، الْمَاضِي وَمَعْنَاهُ الِاسْتِقْبَالُ، وَاتَّصَلَ هَذَا بِقَوْلِهِ:" وَخابَ كُلُّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ" أَيْ وَقَارَبُوا لَمَّا اسْتَفْتَحُوا فَأُهْلِكُوا، ثُمَّ بُعِثُوا لِلْحِسَابِ فَبَرَزُوا لِلَّهِ جَمِيعًا لَا يَسْتُرُهُمْ عَنْهُ سَاتِرٌ." لِلَّهِ" لِأَجْلِ أَمْرِ اللَّهِ إِيَّاهُمْ بِالْبُرُوزِ. (فَقالَ الضُّعَفاءُ) يَعْنِي الْأَتْبَاعَ (لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا) وَهُمُ الْقَادَةُ. (إِنَّا كُنَّا لَكُمْ تَبَعاً) يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ تَبَعٌ مَصْدَرًا، التقدير: ذوي تبع. ويجوز أن يكون تَابِعٍ، مِثْلُ حَارِسٍ وَحَرَسٍ، وَخَادِمٍ وَخَدَمٍ، وَرَاصِدٍ وَرَصَدٍ، وَبَاقِرٍ وَبَقَرٍ «2» . (فَهَلْ أَنْتُمْ مُغْنُونَ) أَيْ دَافِعُونَ (عَنَّا مِنْ عَذابِ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ) أَيْ شَيْئًا، وَ" مِنْ" صِلَةٌ، يُقَالُ: أَغْنَى عَنْهُ إِذَا دَفَعَ عَنْهُ الْأَذَى، وَأَغْنَاهُ إِذَا أَوْصَلَ إِلَيْهِ النَّفْعَ. (قالُوا لَوْ هَدانَا اللَّهُ لَهَدَيْناكُمْ) أَيْ لَوْ هَدَانَا اللَّهُ إِلَى الْإِيمَانِ لَهَدَيْنَاكُمْ إِلَيْهِ. وَقِيلَ: لَوْ هَدَانَا اللَّهُ إِلَى طَرِيقِ الْجَنَّةِ لَهَدَيْنَاكُمْ إِلَيْهَا. وَقِيلَ، لَوْ نَجَّانَا اللَّهُ مِنَ الْعَذَابِ لَنَجَّيْنَاكُمْ مِنْهُ. (سَواءٌ عَلَيْنا) هَذَا ابْتِدَاءٌ خَبَرُهُ" أَجَزِعْنا" أَيْ:(سَواءٌ عَلَيْنا أَجَزِعْنا أَمْ صَبَرْنا مَا لَنا مِنْ مَحِيصٍ) أَيْ مِنْ مَهْرَبٍ وَمَلْجَأٍ. وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ بِمَعْنَى الْمَصْدَرِ، وَبِمَعْنَى الِاسْمِ، يُقَالُ: حَاصَ فُلَانٌ عَنْ كَذَا أَيْ فَرَّ وَزَاغَ يَحِيصُ حَيْصًا وَحُيُوصًا وَحَيَصَانًا، وَالْمَعْنَى: مَا لَنَا وَجْهٌ نَتَبَاعَدُ بِهِ عَنِ النَّارِ. وَرُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَالَ:" يَقُولُ أَهْلُ النَّارِ إِذَا اشْتَدَّ بِهِمُ الْعَذَابُ تَعَالَوْا نَصْبِرُ فَيَصْبِرُونَ خَمْسَمِائَةِ عَامٍ فَلَمَّا رَأَوْا أَنَّ ذَلِكَ لَا يَنْفَعُهُمْ قَالُوا هَلُمَّ فَلْنَجْزَعْ فَيَجْزَعُونَ وَيَصِيحُونَ خَمْسَمِائَةِ عَامٍ فَلَمَّا رَأَوْا أَنَّ ذَلِكَ لَا يَنْفَعُهُمْ قَالُوا" سَواءٌ عَلَيْنا أَجَزِعْنا أَمْ صَبَرْنا مَا لَنا مِنْ مَحِيصٍ". وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ كعب القرظي: ذكر لما أَنَّ أَهْلَ النَّارِ يَقُولُ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ: يَا هؤلاء! قد نزل بكم من البلا وَالْعَذَابِ مَا قَدْ تَرَوْنَ، فَهَلُمَّ فَلْنَصْبِرْ، فَلَعَلَّ الصَّبْرَ يَنْفَعُنَا كَمَا صَبَرَ أَهْلُ الطَّاعَةِ عَلَى طَاعَةِ اللَّهِ فَنَفَعَهُمُ الصَّبْرُ إِذْ صَبَرُوا، فَأَجْمَعُوا رَأْيَهُمْ عَلَى الصَّبْرِ فَصَبَرُوا، فَطَالَ صَبْرُهُمْ فَجَزِعُوا، فَنَادَوْا:" سَواءٌ عَلَيْنا أَجَزِعْنا أَمْ صَبَرْنا مَا لَنا مِنْ مَحِيصٍ"
(1). قال في المصباح: امرأة برزه عفيفة تبرز للرجال وتتحدث معهم وهى المرأة التي أسنت وخرجت عن حد المحجوبات. وامرأة برزة بارزة المحاسن. قال الراغب: لأن رفعتها بالعفة لا إن اللفظة اقتضت ذلك.
(2)
. بقر: شق ووسع
أَيْ مَنْجًى، فَقَامَ إِبْلِيسُ عِنْدَ ذَلِكَ فَقَالَ:" إِنَّ اللَّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ وَوَعَدْتُكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ وَما كانَ لِي عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطانٍ إِلَّا أَنْ دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي فَلا تَلُومُونِي وَلُومُوا أَنْفُسَكُمْ مَا أَنَا بِمُصْرِخِكُمْ" يَقُولُ: لَسْتُ بِمُغْنٍ عَنْكُمْ شَيْئًا" وَما أَنْتُمْ بِمُصْرِخِيَّ إِنِّي كَفَرْتُ بِما أَشْرَكْتُمُونِ مِنْ قَبْلُ" الْحَدِيثَ بِطُولِهِ، وَقَدْ كَتَبْنَاهُ فِي كِتَابِ" التَّذْكِرَةِ" بِكَمَالِهِ. قَوْلُهُ تَعَالَى:(وَقالَ الشَّيْطانُ لَمَّا قُضِيَ الْأَمْرُ) قَالَ الْحَسَنُ: يَقِفُ إِبْلِيسُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ خَطِيبًا فِي جَهَنَّمَ عَلَى مِنْبَرٍ مِنْ نَارٍ يَسْمَعُهُ الْخَلَائِقُ جَمِيعًا. وَمَعْنَى:" لَمَّا قُضِيَ الْأَمْرُ" أَيْ حَصَلَ أَهْلُ الْجَنَّةِ فِي الْجَنَّةِ وَأَهْلُ النَّارِ فِي النَّارِ، عَلَى مَا يَأْتِي بَيَانُهُ فِي" مَرْيَمَ"«1» عليها السلام. (إِنَّ اللَّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ) يَعْنِي الْبَعْثَ وَالْجَنَّةَ وَالنَّارَ وَثَوَابَ الْمُطِيعِ وَعِقَابَ الْعَاصِي فَصَدَقَكُمْ وَعْدَهُ، وَوَعَدْتُكُمْ أَنْ لَا بَعْثَ وَلَا جَنَّةَ وَلَا نَارَ وَلَا ثَوَابَ وَلَا عِقَابَ فَأَخْلَفْتُكُمْ. وَرَوَى ابْنُ الْمُبَارَكِ مِنْ حَدِيثِ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي حَدِيثِ الشَّفَاعَةِ قَالَ:" فَيَقُولُ عِيسَى أَدُلُّكُمْ عَلَى النَّبِيِّ الْأُمِّيِّ فَيَأْتُونِي فَيَأْذَنُ اللَّهُ لِي أَنْ أَقُومَ فَيَثُورُ مَجْلِسِي مِنْ أَطْيَبِ رِيحٍ شَمَّهَا أَحَدٌ حَتَّى آتِيَ رَبِّي فَيُشَفِّعُنِي وَيَجْعَلُ لِي نُورًا مِنْ شَعْرِ رَأْسِي إِلَى ظُفْرِ قدمي ثم يقول الكافرون قد وجه الْمُؤْمِنُونَ مَنْ يَشْفَعُ لَهُمْ فَمَنْ يَشْفَعُ لَنَا فَيَقُولُونَ مَا هُوَ غَيْرُ إِبْلِيسَ هُوَ الَّذِي أَضَلَّنَا فَيَأْتُونَهُ فَيَقُولُونَ قَدْ وَجَدَ الْمُؤْمِنُونَ مَنْ يَشْفَعُ لَهُمْ فَاشْفَعْ لَنَا فَإِنَّكَ أَضْلَلْتِنَا فَيَثُورُ مَجْلِسُهُ مِنْ أَنْتَنِ رِيحٍ شَمَّهَا أَحَدٌ ثُمَّ يَعْظُمُ نَحِيبُهُمْ وَيَقُولُ عِنْدَ ذَلِكَ:" إِنَّ اللَّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ وَوَعَدْتُكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ" الْآيَةَ." وَعْدَ الْحَقِّ" هُوَ إِضَافَةُ الشَّيْءِ إِلَى نَعْتِهِ «2» كَقَوْلِهِمْ: مَسْجِدُ الْجَامِعِ، قَالَ الْفَرَّاءُ قَالَ الْبَصْرِيُّونَ: وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْيَوْمِ الْحَقِّ أَوْ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْوَعْدِ الْحَقِّ فَصَدَقَكُمْ، فَحَذَفَ الْمَصْدَرَ لِدَلَالَةِ الْحَالِ. (وَما كانَ لِي عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطانٍ) أَيْ مِنْ حُجَّةٍ وَبَيَانٍ، أَيْ مَا أَظْهَرْتُ لَكُمْ حُجَّةً عَلَى مَا وَعَدْتُكُمْ وَزَيَّنْتُهُ لَكُمْ فِي الدُّنْيَا، (إِلَّا أَنْ دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي) أَيْ أَغْوَيْتُكُمْ فَتَابَعْتُمُونِي. وَقِيلَ: لَمْ أَقْهَرْكُمْ عَلَى مَا دَعَوْتُكُمْ إِلَيْهِ." إِلَّا أَنْ دَعَوْتُكُمْ" هُوَ اسْتِثْنَاءٌ مُنْقَطِعٌ، أَيْ لَكِنْ دَعَوْتُكُمْ بِالْوَسْوَاسِ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي بِاخْتِيَارِكُمْ،" فَلا تَلُومُونِي وَلُومُوا أَنْفُسَكُمْ" وَقِيلَ:" وَما كانَ لِي عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطانٍ" أَيْ عَلَى قُلُوبِكُمْ وموضع إيمانكم لكن
(1). راجع ج 11 ص 105.
(2)
. كذا في الأصول.
دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي، وَهَذَا عَلَى أَنَّهُ خَطَبَ الْعَاصِيَ الْمُؤْمِنَ وَالْكَافِرَ الْجَاحِدَ، وَفِيهِ نَظَرٌ، لِقَوْلِهِ:" لَمَّا قُضِيَ الْأَمْرُ" فَإِنَّهُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ خَطَبَ الْكُفَّارَ دُونَ الْعَاصِينَ الْمُوَحِّدِينَ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ. (فَلا تَلُومُونِي وَلُومُوا أَنْفُسَكُمْ) إِذَا جِئْتُمُونِي مِنْ غَيْرِ حُجَّةٍ. (مَا أَنَا بِمُصْرِخِكُمْ) أَيْ بِمُغِيثِكُمْ. (وَما أَنْتُمْ بِمُصْرِخِيَّ) أَيْ بِمُغِيثِيَّ. وَالصَّارِخُ وَالْمُسْتَصْرِخُ هُوَ الَّذِي يَطْلُبُ النُّصْرَةَ وَالْمُعَاوَنَةَ، وَالْمُصْرِخُ هُوَ الْمُغِيثُ. قَالَ سَلَامَةُ بْنُ جَنْدَلٍ:
كُنَّا إِذَا مَا أَتَانَا صَارِخٌ فَزِعٌ
…
وَكَانَ الصُّرَاخُ لَهُ قَرْعُ الظَّنَابِيبِ «1»
وَقَالَ أُمَيَّةُ بْنُ أَبِي الصَّلْتِ:
وَلَا تَجْزَعُوا إِنِّي لَكُمْ غَيْرُ مُصْرِخٍ
…
وَلَيْسَ لَكُمْ عِنْدِي غَنَاءٌ وَلَا نَصْرُ
يُقَالُ: صَرَخَ فُلَانٌ أَيِ اسْتَغَاثَ يَصْرُخُ صَرْخًا وَصُرَاخًا وَصَرْخَةً. وَاصْطَرَخَ بِمَعْنَى صَرَخَ. وَالتَّصَرُّخُ تَكَلُّفُ الصُّرَاخِ. وَالْمُصْرِخُ الْمُغِيثُ، وَالْمُسْتَصْرِخُ الْمُسْتَغِيثُ، تَقُولُ مِنْهُ: اسْتَصْرَخَنِي فَأَصْرَخْتُهُ. وَالصَّرِيخُ صَوْتُ الْمُسْتَصْرِخِ. وَالصَّرِيخُ أَيْضًا الصَّارِخُ، وَهُوَ الْمُغِيثُ وَالْمُسْتَغِيثُ، وَهُوَ مِنَ الْأَضْدَادِ، قَالَهُ الْجَوْهَرِيُّ. وَقِرَاءَةُ الْعَامَّةِ" بِمُصْرِخِيَّ" بِفَتْحِ الْيَاءِ. وَقَرَأَ الْأَعْمَشُ وَحَمْزَةُ" بِمُصْرِخِيِّ" بِكَسْرِ الْيَاءِ. وَالْأَصْلُ فِيهَا بِمُصْرَخِيينَ فَذَهَبَتِ النُّونُ لِلْإِضَافَةِ، وَأُدْغِمَتْ يَاءُ الْجَمَاعَةِ فِي يَاءِ الْإِضَافَةِ، فَمَنْ نَصَبَ فَلِأَجْلِ التَّضْعِيفِ، وَلِأَنَّ يَاءَ الْإِضَافَةِ إِذَا سُكِّنَ مَا قَبْلَهَا تَعَيَّنَ فِيهَا الْفَتْحُ مِثْلُ: هَوَايَ وَعَصَايَ، فَإِنْ تَحَرَّكَ مَا قَبْلَهَا جَازَ الْفَتْحُ وَالْإِسْكَانُ، مِثْلُ: غُلَامِي وَغُلَامَتِي، وَمَنْ كَسَرَ فَلِالْتِقَاءِ السَّاكِنَيْنِ حُرِّكَتْ إِلَى الْكَسْرِ، لِأَنَّ الْيَاءَ أُخْتُ الْكِسْرَةِ. وَقَالَ الْفَرَّاءُ: قِرَاءَةُ حَمْزَةَ وَهَمٌ مِنْهُ، وَقَلَّ مَنْ سَلِمَ مِنْهُمْ «2» عَنْ خَطَأٍ. وَقَالَ الزَّجَّاجُ: هَذِهِ قِرَاءَةٌ رَدِيئَةٌ وَلَا وَجْهَ لَهَا إِلَّا وَجْهٌ ضَعِيفٌ. وَقَالَ قُطْرُبٌ: هَذِهِ لُغَةُ بَنِي يَرْبُوعٍ يَزِيدُونَ عَلَى يَاءِ الْإِضَافَةِ يَاءً. الْقُشَيْرِيُّ: وَالَّذِي يُغْنِي عَنْ هَذَا أَنَّ مَا يَثْبُتُ بِالتَّوَاتُرِ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَلَا يَجُوزُ أَنْ يُقَالَ فِيهِ هُوَ خَطَأٌ أَوْ قَبِيحٌ أو ردئ، بَلْ هُوَ فِي الْقُرْآنِ فَصِيحٌ، وَفِيهِ مَا هُوَ أَفْصَحُ مِنْهُ، فَلَعَلَّ هَؤُلَاءِ أَرَادُوا أَنَّ غَيْرَ هَذَا الَّذِي قَرَأَ بِهِ حَمْزَةَ أَفْصَحُ. (إِنِّي كَفَرْتُ بِما أَشْرَكْتُمُونِ مِنْ قَبْلُ)
(1). الظنابيب (جمع) ظنبوب، وهو حرف الساق اليابس من قدم. وقرع الظنبوب أن يقرع الرجل ظنبوب البعير لينوخ له فيركبه، والمراد هنا سرعة الإجابة.
(2)
. أي من الفراء