الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الحد الذي يبلغه بصوته، يغضون أصواتهم: أي يخفضونها ويلينونها، امتحن الله قلوبهم:
أي طهّرها ونقاها كما يمتحن الصائغ الذهب بالإذابة والتنقية من كل غشّ.
المعنى الجملي
ذكرت سورة الفتح بعد سورة القتال لأن الأولى كالمقدمة والثانية كالنتيجة وذكرت هذه بعد الفتح، لأن الأمة إذا جاهدت ثم فتح الله عليها والنبي صلى الله عليه وسلم بينها، واستتبّ الأمر، وجب أن توضع القواعد التي تكون بين النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه، وكيف يعاملونه؟ وكيف يعامل بعضهم بعضا؟ فطلب إليهم ألا يقطعوا أمرا دون أن يحكم الله ورسوله به ولا أن يرفعوا أصواتهم فوق صوت النبي صلى الله عليه وسلم ولا أن يجهروا له بالقول كما يجهر بعضهم لبعض، لما فى ذلك من الاستخفاف الذي قد يؤدى إلى الكفر المحبط للأعمال.
الإيضاح
أدب الله المؤمنين إذا قابلوا الرسول بأدبين: أحدهما فعل، وثانيهما قول، وأشار إلى أولهما بقوله:
(1)
(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ) أي يا أيها المؤمنون لا تعجلوا بالقضاء فى أمر قبل أن يقضى الله ورسوله لكم فيه، إذ ربما تقضون بغير قضائهما، وراقبوا الله أن تقولوا ما لم يأذن لكم الله ورسوله به، إن الله سميع لما تقولون، عليم بما تريدون بقولكم إذا قلتم، لا يخفى عليه شىء من ضمائر صدوركم.
وبنحو هذا
أجاب معاذ بن جبل رضى الله عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم حين بعثه إلى اليمن قال له «بم تحكم؟ قال بكتاب الله تعالى، قال صلى الله عليه وسلم فإن لم تجد، قال بسنة رسوله، قال صلى الله عليه وسلم فإن لم تجد، قال أجتهد رأيى،
فضرب فى صدره وقال: الحمد لله الذي وفق رسول رسوله لما يرضى رسوله» رواه أحمد وأبو داود والترمذي.
فتراه قد أخر رأيه واجتهاده إلى ما بعد الكتاب والسنة، ولو قدمه لكان من المتقدمين بين يدى الله ورسوله.
والخلاصة- إنه طلب إليهم أن ينقادوا لأوامر الله ونواهيه، ولا يعجلوا بقول أو فعل قبل أن يقول الرسول أو أن يفعل، فلا يذبحوا يوم عيد الأضحى قبل أن يذبح، ولا يصوم أحد يوم الشك وقد نهى عنه.
وأشار إلى ثانيهما بقوله:
(2)
(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَرْفَعُوا أَصْواتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ) أي إذا نطق ونطقتم فلا ترفعوا أصواتكم فوق صوته، ولا تبلغوا بها وراء الحد الذي يبلغه، لأن ذلك يدل على قلة الاحتشام، وترك الاحترام.
روى البخاري بسنده عن ابن أبى مليكة «أن عبد الله بن الزبير رضى الله عنه أخبره أنه قدم ركب من تميم على النبي صلى الله عليه وسلم، فقال أبوبكر رضى الله عنه:
أمّر القعقاع بن معبد، وقال عمر: بل أمر الأقرع بن حابس، فقال أبو بكر رضى الله عنه: ما أردت إلا خلافى، فقال عمر رضى الله عنه: ما أردت خلافك، فتماريا حتى ارتفعت أصواتهما فنزلت:(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَرْفَعُوا أَصْواتَكُمْ) الآية. فكان أبوبكر بعدها لا يكلم رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا كأخى السرار، وما حدّث عمر النبي صلى الله عليه وسلم بعد ذلك فسمع كلامه حتى يستفهمه مما يخفض صوته» .
وَلا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ أَنْ تَحْبَطَ أَعْمالُكُمْ وَأَنْتُمْ لا تَشْعُرُونَ) أي وإذا كلمتموه وهو صامت فإياكم أن تبلغوا به الجهر الذي يدور بينكم، أو أن تقولوا يا محمد، يا أحمد، بل خاطبوه بالنبوة مع الإجلال والتعظيم، خشية أن يؤدى ذلك إلى الاستخفاف بالمخاطب فتكفروا من حيث لا تشعرون.