الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وأشجع والدّيل وأسلم- تخلفوا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما استنفرهم عام الحديبية حين أراد السير إلى مكة معتمرا، وساق معه الهدى ليعلم أنه لا يريد حربا، واعتلوا بأن أموالهم وأهليهم قد شغلتهم، لكنهم فى حقيقة أمرهم كانوا ضعاف الإيمان خائفين من مقاتلة قريش وثقيف وكنانة والقبائل المجاورة لمكة وهم الأحابيش، وقالوا: كيف نذهب إلى قوم قد غزوه فى عقر داره بالمدينة وقتلوا أصحابه فنقاتلهم؟ وقالوا: لن يرجع محمد ولا أصحابه من هذا السفر، ففضحهم الله فى هذه الآية وأخبر بأنه أعدّ لهؤلاء وأمثالهم نارا موقدة تطّلع على الأفئدة، وأعدّ للمؤمنين جنات تجرى من تحتها الأنهار خالدين فيها أبدا، وهو ذو مغفرة لمن أقلع من ذنبه، وأناب إلى ربه.
الإيضاح
(سَيَقُولُ لَكَ الْمُخَلَّفُونَ مِنَ الْأَعْرابِ شَغَلَتْنا أَمْوالُنا وَأَهْلُونا فَاسْتَغْفِرْ لَنا) أي أيها الرسول سيقول لك الذين تخلفوا عن صحبتك والخروج معك فى سفرك حين سرت إلى مكة معتمرا زائرا بيت الله الحرام وعاقبتهم على التخلف: شغلنا عن الخروج معك معالجة أموالنا وإصلاح معايشنا وأهلونا، إذ لم يكن لنا من يقوم بتدبير شئونهم وقضاء حاجهم، فاطلب لنا المغفرة من ربك، إذ لم يكن تخلفنا عن عصيان لك، ولا مخالفة لأمرك.
فرد الله عليهم وكذبهم بقوله:
(يَقُولُونَ بِأَلْسِنَتِهِمْ ما لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ) أي إنهم لم يكونوا صادقين فى اعتذارهم بأن الامتناع كان لهذا السبب، لأنهم إنما تخلفوا اعتقادا منهم أن النبي صلى الله عليه وسلم والمؤمنين يغلبون بدليل قوله بعد:«بَلْ ظَنَنْتُمْ أَنْ لَنْ يَنْقَلِبَ الرَّسُولُ وَالْمُؤْمِنُونَ إِلى أَهْلِيهِمْ أَبَداً» .
ثم أمر رسوله أن يرد عليهم حين اعتذروا بتلك الأباطيل فقال:
(قُلْ فَمَنْ يَمْلِكُ لَكُمْ مِنَ اللَّهِ شَيْئاً إِنْ أَرادَ بِكُمْ ضَرًّا أَوْ أَرادَ بِكُمْ نَفْعاً؟) أي قل لهم:
إنكم بعملكم هذا تحترسون من الضرّ وتتركون أمر الله ورسوله وتقعدون طلبا للسلامة، ولكن لو أراد الله بكم ضرا لا ينفعكم قعودكم شيئا، أو أراد بكم نفعا فلا رادّ له، إذ من ذا الذي يمنع من قضائه؟
وهذا ردّ عليهم حين ظنوا أن التخلف عن رسول الله صلى الله عليه وسلم يدفع عنهم الضر ويجلب لهم النفع.
ثم أبان لهم أنه عليم بجميع نواياهم وأن ما أظهروه من العذر هو غير ما أبطنوه من الشك والنفاق فقال:
(بَلْ كانَ اللَّهُ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيراً) فيعلم أن تخلفكم لم يكن لما أظهرتم من المعاذير، بل كان شكا ونفاقا كما فصل ذلك بقوله:
(بَلْ ظَنَنْتُمْ أَنْ لَنْ يَنْقَلِبَ الرَّسُولُ وَالْمُؤْمِنُونَ إِلى أَهْلِيهِمْ أَبَداً وَزُيِّنَ ذلِكَ فِي قُلُوبِكُمْ وَظَنَنْتُمْ ظَنَّ السَّوْءِ وَكُنْتُمْ قَوْماً بُوراً) أي إن تخلفكم لم يكن لما أبديتم من الأسباب، بل إنكم اعتقدتم أن الرسول والمؤمنين سيقتلون وتستأصل شأفتهم، فلا يرجعون إلى أهليهم أبدا، وزين لكم الشيطان ذلك الظن حتى قعدتم عن صحبته، وظننتم أن الله لن ينصر محمدا وصحبه المؤمنين على أعدائهم، بل سيغلبون ويقتلون، وبلغ الأمر بكم أن قلتم: إن محمدا وأصحابه أكلة رأس (قليلو العدد) فأين يذهبون؟
وقد صرتم بما قلتم قوما هلكى لا تصلحون لشىء من الخير، مستوجبين سخط الله وشديد عقابه.
ثم أخبر سبحانه عما أعدّه للكافرين به فقال:
(وَمَنْ لَمْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ فَإِنَّا أَعْتَدْنا لِلْكافِرِينَ سَعِيراً) أي ومن لم يصدق بما أخبر الله به ويقرّ بصدق ما جاء به رسوله من الحق من عنده، فإنا أعتدنا له سعيرا من النار تستعر عليه فى جهنم إذا وردها يوم القيامة جزاء كفره.