الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أي تميل وتعدل، يوم الوعيد: أي يوم إنجاز الوعيد، السائق والشهيد: ملكان أحدهما يسوق النفس إلى أمر الله، والآخر: يشهد عليها بعملها، والغطاء: الحجاب المغطى لأمور المعاد، وهو الغفلة والانهماك فى اللذات وقصر النظر عليها، حديد: أي نافذ، لزوال المانع للابصار.
المعنى الجملي
بعد أن استدل على إمكان البعث بقوله: أفعيينا بالخلق الأوّل- أردف ذلك دليلا آخر على إمكانه وهو علمه بما فى صدورهم وعدم خفاء شىء من أمرهم عليه، فإن من كان كذلك لا يبعد أن يعيدهم كرة أخرى، ثم أخبر بأنهم سيعلمون بعد الموت أن ما جاء به الدين حق لا شك فيه، وأنه يوم القيامة تأتى كل نفس ومعها ملكان أحدهما سائق لها إلى المحشر والثاني شهيد عليها، وأن الخزنة سيقولون لأهل النار: لقد كنتم فى غفلة عن حلول هذا اليوم الذي توفّى فيه كل نفس جزاء ما عملت، والآن أزلنا عنكم هذه الغفلة فأبصرتم عاقبة أمركم.
الإيضاح
(وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ وَنَعْلَمُ ما تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ) أي إنه تعالى قادر على بعث الإنسان، لأنه خالقه وعالم بجميع أموره حتى إنه ليعلم ما توسوس به نفسه من الخير والشر ولا عقاب على حديث النفس،
وقد ثبت فى الصحيح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: «إن الله تجاوز لأمتى ما حدّثت به أنفسها ما لم تقل أو تفعل» .
(وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ) أي ونحن أعلم به وبخفيات أحواله لا يخفى علينا شىء من أمره، من علمكم بحبل الوريد، لأن العرق تحجبه أجزاء من اللحم، وعلم الله لا يحجب عنه شىء.
أخرج ابن مردويه عن أبى سعيد عن النبي صلى الله عليه وسلم قال «نزل الله من ابن آدم أربع منازل، هو أقرب إليه من حبل الوريد، وهو يحول بين المرء وقلبه، وهو آخذ بناصية كل دابة، وهو معهم أينما كانوا» .
قال القشيري: فى هذه الآية- هيبة وفزع وخوف لقوم، وروح وأنس وسكون قلب لقوم.
ثم ذكر سبحانه أنه مع علمه به وكل به ملكين يكتبان ويحفظان عليه عمله إلزاما للحجة فقال:
(إِذْ يَتَلَقَّى الْمُتَلَقِّيانِ) أي نحن أعلم بحاله من كل قريب حين يتلقن الحفيظان ما يتلفظ به، مع أننا أغنياء عن استحفاظ الملكين لشدة قربنا منه.
(عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمالِ قَعِيدٌ) أي عن اليمين قعيد وعن الشمال قعيد أي مقاعد ومجالس له يترصد ما يقول ويعمل، فالذى عن اليمين يكتب الحسنات، والذي عن الشمال يكتب السيئات.
قال الحسن وقتادة: المتلقيان ملكان يتلقيان عملك: أحدهما عن يمينك يكتب حسناتك، والآخر عن شمالك يكتب سيئاتك.
ثم ذكر عملهما واستعدادهما لأدائه فقال:
(ما يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ) أي لا يلفظ بكلمة من فيه إلا لديه ملك حاضر معه مراقب لأعماله، يكتب ما فيه ثوابه أو عقابه.
قال الحسن البصري وتلا هذه الآية: «عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمالِ قَعِيدٌ» يا بن آدم بسطت لك صحيفة، ووكل بك ملكان كريمان، أحدهما عن يمينك، والآخر عن شمالك، فأما الذي عن يمينك فيحفظ حسناتك، وأما الذي عن يسارك فيحفظ سيئاتك، فاعمل ما شئت، أقلل أو أكثر، حتى إذا متّ طويت صحيفتك وجعلت فى عنقك
معك فى قبرك حتى تخرج يوم القيامة، فعند ذلك يقول الله تعالى:«وَكُلَّ إِنسانٍ أَلْزَمْناهُ طائِرَهُ فِي عُنُقِهِ وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ كِتاباً يَلْقاهُ مَنْشُوراً. اقْرَأْ كِتابَكَ كَفى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيباً» ثم قال: عدل والله فيك من جعلك حسيب نفسك.
وروى أبو أسامة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «كاتب الحسنات أمير على كاتب السيئات، فإذا عمل حسنة كتبها ملك اليمين عشرا، وإذا عمل سيئة قال صاحب اليمين لصاحب الشمال: دعه سبع ساعات لعله يسبّح أو يستغفر» .
والحكمة فى هذا أن الله لم يخلق الناس لتعذيبهم، بل خلقهم لتربيتهم وتهذيبهم، فكل ألم فهو لرقىّ النفس. والعالم المادي من طبعه أن يكون نفعه أكثر من ضره، والله تعالى خلقنا لغاية شريفة لنا، والحسنات هى الأصل والسيئات عارضة كما أن المنافع فى الطبيعة هى الأصل والمضارّ عارضة، فالنار خلقت لنفعه، والماء لنفعه، والهواء لنفعه فإذا أحرق ثوب الناسك، أو أغرق رب صبية لا عائل لهم، فهذا عارض، والأصل فى ذلك المنافع، وهكذا خلق نوع الإنسان للخير، والشر عارض، ولفعل الحسنات، والسيئات عارضة.
وبعد أن ذكر استبعادهم البعث للجزاء، وأزاح ذلك بتحقيق قدرته وعلمه، أعلمهم بأنهم يلاقون صدق ذلك حين الموت وحين قيام الساعة فقال:
(وَجاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ) أي وكشفت لك سكرة الموت عن اليقين الذي كنت تمترى فيه، وأن البعث لا شك فيه.
(ذلِكَ ما كُنْتَ مِنْهُ تَحِيدُ) أي ذلك الحق الذي كنت تفر منه قد جاءك، فلا محيد ولا مناص، ولا فكاك ولا خلاص.
ولما ثقل أبوبكر جاءت عائشة رضى الله عنها فتمثلت بقول حاتم:
لعمرك ما يغنى الثراء عن الفتى
…
إذا حشرجت يوما وضاق بها الصدر