الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الإيضاح
(أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ) أي أفلم يسر هؤلاء المكذّبون بمحمد صلى الله عليه وسلم، المنكرون ما أنزلنا عليه من الكتاب- فى الأرض فيروا نقمة الله التي أحلها بالأمم الغابرة، والقرون الخالية، حين كذبوا رسلهم كعاد وثمود، ويتعظوا بذلك، ويحذروا أن نفعل بهم كما فعلنا بمن قبلهم.
ثم ذكر ما فعله بهم فقال:
(دَمَّرَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ) يقال دمّره: أهلكه، ودمّر عليه: أهلك ما يختص به، أي أهلك ما يختص بهم من الأهل والولد والمال، أفلا يعتبر هؤلاء بما حل بمن قبلهم فيعلموا أن ما حاق بهم من سوء المنقلب- لا بد أن يحل بهم مثله بحسب ما وضعه سبحانه من السنن فى الأمم المكذبة لرسلها، ولن تجد لسنة الله تبديلا، وهذا ما عناه سبحانه بقوله:
(وَلِلْكافِرِينَ أَمْثالُها) أي ولهؤلاء الكافرين السائرين سيرتهم أمثال هذه العاقبة التي ترون آثارها.
ثم بيّن السبب فى حلول أمثال هذه العاقبة بهم فقال:
(ذلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ مَوْلَى الَّذِينَ آمَنُوا، وَأَنَّ الْكافِرِينَ لا مَوْلى لَهُمْ) أي هذا الذي فعله بهم من التدمير والهلاك، ونصر المؤمنين وإظهارهم عليهم بسبب أن الله ولىّ من آمن به وأطاع رسوله، وأن الكافرين لا ناضر لهم، فيدفع ما حل بهم من العقوبة والعذاب.
ونفى المولى عنهم هنا لا يخالف إثباته فى قوله: «ثُمَّ رُدُّوا إِلَى اللَّهِ مَوْلاهُمُ الْحَقِّ» لأن المراد به هناك المالك لأمورهم، المتصرف فى شئونهم.
قال قتادة: نزلت يوم أحد والنبي صلى الله عليه وسلم فى الشّعب، إذ صاح المشركون: يوم بيوم، لنا العزّى ولا عزّى لكم، فقال النبي صلى الله عليه وسلم «قولوا الله مولانا ولا مولى لكم»
وقد تقدم هذا برواية أخرى.
وبعد أن بين حالى المؤمنين والكافرين فى الدنيا، بيّن حاليهم فى الآخرة فقال:
(إِنَّ اللَّهَ يُدْخِلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ) أي إن الله ذا الجلال والكمال يدخل يوم القيامة من آمنوا به وصدقوا رسوله وعملوا صالح الأعمال- بساتين تجرى من تحت قصورها الأنهار كرامة لهم على إيمانهم بالله ورسوله واليوم الآخر.
(وَالَّذِينَ كَفَرُوا يَتَمَتَّعُونَ وَيَأْكُلُونَ كَما تَأْكُلُ الْأَنْعامُ) أي والذين جحدوا توحيد الله وكذبوا رسوله صلى الله عليه وسلم يتمتعون فى هذه الدنيا بحطامها ورياشها وزينتها الفانية، ويأكلون فيها غير مفكرين فى عواقبهم ومنتهى أمورهم، ولا معتبرين بما نصب الله لخلقه فى الآفاق والأنفس من الحجج المؤدية إلى معرفة توحيده وصدق رسوله، فمثلهم مثل البهائم تأكل فى معالفها ومسارحها، وهى غافلة عما هى بصدده من النحر والذبح، فكذلك هؤلاء يأكلون ويتلذذون وهم ساهون لاهون عن عذاب السعير.
(وَالنَّارُ مَثْوىً لَهُمْ) أي ونار جهنم مسكن ومأوى لهم يصيرون إليها بعد مماتهم والخلاصة- إن المؤمنين عرفوا أن نعيم الدنيا ظل زائل فتركوا الشهوات، وتفرغوا للصالحات، فكانت عاقبتهم النعيم المقيم فى مقام كريم، وإن الكافرين غفلوا عن ذلك فرتعوا فى الدّمن كالبهائم حتى ساقهم الخذلان، إلى مقرهم من درك النيران، أعاذنا الله منها.
وبعد أن ضرب لهم المثل بقوله: «أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ» ولم يعتبروا به وذكر لهم.
ما تقدم من الأدلة على وحدانيته- ضرب المثل لنبيّه تسلية له على ما يلاقي من عنت قومه وجحودهم فقال:
(وَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ هِيَ أَشَدُّ قُوَّةً مِنْ قَرْيَتِكَ الَّتِي أَخْرَجَتْكَ أَهْلَكْناهُمْ فَلا ناصِرَ لَهُمْ) أي وكثير من الأمم التي كان أهلها أشد بأسا وأكثر جمعا، وأعدّ عديدا من
أهل مكة الذين أخرجوك- أهلكناهم بأنواع العذاب ولم يجدوا ناصرا ولا معينا يدفع عنهم بأسنا وعذابنا، فاصبر كما صبر قبلك أولو العزم من الرسل، ولا تبخع نفسك عليهم حسرات، فالله مظهرك عليهم، ومهلكهم كما أهلك من قبلهم إن لم ينيبوا إلى ربهم، ويثوبوا إلى رشدهم.
وغير خاف ما فى هذا من التهديد الشديد، والوعيد الأكيد لأهل مكة.
أخرج عبد بن حميد وأبو يعلى وابن أبى حاتم وابن مردويه عن ابن عباس «أنّ النبي صلى الله عليه وسلم لما خرج من مكة إلى الغار التفت إلى مكة وقال: أنت أحبّ بلاد الله إلىّ، وأنت أحب بلاد الله إلىّ. ولولا أن أهلك أخرجونى لم أخرج منك، وأعدى الأعداء من عدا على الله فى حرمه، أو قتل غير قاتله، أو قتل بذحول (ثارات) الجاهلية فأنزل الله سبحانه على نبيّه (وَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ) » الآية.
ثم ذكر الفارق بين حالى المؤمنين والكافرين والسبب فى كون هؤلاء فى أعلى عليين وأولئك فى أسفل سافلين، فقال:
(أَفَمَنْ كانَ عَلى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ كَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ وَاتَّبَعُوا أَهْواءَهُمْ؟) أي أفمن كان على بصيرة ويقين فى أمر الله ودينه بما أنزله فى كتابه من الهدى والعلم، وبما فطره الله عليه من الفطرة السليمة، فهو على علم بأن له ربّا يجازيه على طاعته إياه بالجنة، وعلى إساءته ومعصيته إياه بالنار- كمن حسّن له الشيطان قبيح عمله، وأراه إياه جميلا فهو على العمل به مقيم، وعلى السير على نهجه دائب، واتبع هواه وجمحت به شهواته فطفق يعدو فى المعاصي، ويخبّ فيها ويضع، غير ملتفت إلى واعظ أو زاجر؟
والخلاصة- أيستوى الفريقان: من كان ثابتا على حجة بينة من عند ربه وهى كتابه الذي أنزله على رسوله وسائر الحجج التي أقامها فى الآفاق والأنفس. ومن زين له الشيطان سيىء أعماله من الشرك وسائر المعاصي كإخراجك من قريتك،