الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
لا يكون وراءك. ويرى بعض أهل اللغة أن وراء من الأضداد فتطلق تارة على ما أمامك، وأخرى على ما خلفك، والحجرات (بضم الجيم وفتحها وتسكينها) واحدها حجرة: وهى القطعة من الأرض المحجورة أي الممنوعة عن الدخول فيها بحائط ونحوه، والمراد بها حجرات نسائه عليه الصلاة والسلام، وكانت تسعة لكل منهن حجرة من جريد النخل على أبوابها المسوح من شعر أسود، وكانت غير مرتفعة يتناول سقفها باليد، وقد أدخلت فى عهد الوليد بن عبد الملك بأمره فى مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم فبكى الناس لذلك.
وقال سعيد بن المسيّب يومئذ: لوددت أنهم تركوها على حالها لينشأ ناس من أهل المدينة ويقدم القادم من أهل الآفاق فيرى ما اكتفى به رسول الله صلى الله عليه وسلم فى حياته، فيكون ذلك مما يزهد الناس فى التفاخر والتكاثر فيها.
المعنى الجملي
ذم الله تبارك وتعالى الذين ينادون رسول الله صلى الله عليه وسلم من وراء الحجرات وهو فى بيوت نسائه كما يفعل أجلاف الأعراب، ثم أرشدهم إلى ما فيه الخير والمصلحة لهم فى دينهم ودنياهم، وهو أن ينتظروا حتى يخرج إليهم.
روى ابن جرير بسنده عن زيد بن أرقم رضى الله عنه قال: «اجتمع ناس من العرب فقالوا انطلقوا بنا إلى هذا الرجل، فإن يك نبيا فنحن أسعد الناس به، وإن يك ملكا نعش بجناحه، قال: فأتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبرته بما قالوا، فجاءوا إلى حجرة النبي صلى الله عليه وسلم فجعلوا ينادونه وهو فى حجرته يا محمد يا محمد، فأنزل الله تعالى:(إِنَّ الَّذِينَ يُنادُونَكَ مِنْ وَراءِ الْحُجُراتِ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْقِلُونَ) قال.
فأخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم بأذنى فمدها وجعل يقول: لقد صدق الله تعالى قولك يا زيد. لقد صدق الله قولك يا زيد» .
وقال قتادة: نزلت فى وفد تميم وكانوا سبعين رجلا منهم الزّبرقان بن بدر وعطارد ابن حاجب وقيس بن عاصم وعمرو بن الأهتم، جاءوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم للمفاخرة، فنادوا على الباب: اخرج إلينا يا محمد، فإن مدحنا لزين، وإن ذمنا لشين، فخرج إليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يقول: إنما ذلكم الله الذي مدحه زين، وذمه شين، فقالوا: نحن ناس من تميم جئنا بشاعرنا وخطيبنا نشاعرك ونفاخرك، فقال رسول الله: ما بالشعر بعثت، ولا بالفخار أمرت، ولكن هاتوا فقام شاب منهم فذكر فضله وفضل قومه، فقال صلى الله عليه وسلم لثابت بن قيس بن شماس وكان خطيب النبي صلى الله عليه وسلم، قم فأجبه فأجابه، وقام الزّبرقان بن بدر فقال:
نحن الكرام فلا حىّ يعادلنا
…
منا الملوك وفينا تنصب البيع
إلى أن قال:
فلا ترانا إلى حىّ يفاخرهم
…
إلا استفادوا فكانوا الرأس يقتطع
فمن يفاخرنا فى ذاك نعرفه
…
فيرجع القوم والأخبار تستمع
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لحسان بن ثابت أجبه فقال:
إن الذوائب من فهر وإخوتهم
…
قد بيّنوا سنة للناس تتّبع
يرضى بها كل من كانت سريرته
…
تقوى الإله وكل الخير يصطنع
قوم إذا حاربوا ضرّوا عدوهم
…
أو حاولوا النفع فى أشياعهم نفعوا
سجيّة تلك منهم غير محدثة
…
إنّ الخلائق فاعلم شرّها البدع
فى قصيدة طويلة، فلما فرغ حسان من قوله، قال الأقرع بن حابس: وأبى إن هذا الرجل لمؤتّى له، لخطيبه أخطب من خطيبنا، ولشاعره أشعر من شاعرنا، ولأصواتهم أعلى من أصواتنا، ثم دنا من رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: أشهد