الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
القبور، وما ذلك بالصعب على رب العالمين، خالق السموات والأرضين، وإنا لنعلم ما يقول المشركون فى البعث والنشور، فدعهم فى غيّهم يعمهون، فما أنت عليهم بجبار تلزمهم الإيمان بهذا اليوم، وما فيه من هول، إن أنت إلا نذير، ولا يؤمن بك إلا من يخاف عقابى، وشديد وعيدي، ولا تنفع العظة إلا ذوى الأحلام الراجحة، والقلوب الواعية.
الإيضاح
(وَكَمْ أَهْلَكْنا قَبْلَهُمْ مِنْ قَرْنٍ هُمْ أَشَدُّ مِنْهُمْ بَطْشاً فَنَقَّبُوا فِي الْبِلادِ هَلْ مِنْ مَحِيصٍ؟) أي وكثير من الأمم التي قبلك أهلكناهم وكانوا أشد من قومك بطشا، وأكثر منهم قوة، كعاد وثمود وتبّع، فتقلبوا فى البلاد وسلكوا كل طريق ابتغاء للرزق، ولم يجدوا لهم من أمر الله مهربا ولا ملجأ حين حمّ القضاء، وهكذا حالكم، فحذار أن يصيبكم مثل ما أصابهم من العذاب العاجل فى الدنيا، والآجل يوم القيامة.
وبعد أن ذكر فى هذه السورة وما قبلها بارع الحكم ونفائس المعارف الإلهية جملة وتفصيلا، فمن أدب للأمة مع نبيها، إلى أدب للأمة بعضها مع بعض، إلى حفظ للسلام بين الناس والصلح بينهم، وصيانة اللسان من الهزؤ والسخرية والهمز واللمز، ثم إلى النظر فى ملكوت السموات والأرض، وبذا يحل التواصل محل التقاطع، ويتعلم الجهال، ويجتمع الشمل، ويخيم الأمن فى ربوع البلاد، أبان أن تلك الزواجر لا ينتفع بها إلا ذوو الألباب فقال:
(إِنَّ فِي ذلِكَ لَذِكْرى لِمَنْ كانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ) أي إن فيما تقدم لتذكرة وعبرة لمن كان له قلب واع يتدبر به الحقائق، ويعى ما يقال له.
ثم أعقب ذلك بذكر ما هو كالدليل على ما سلف فقال:
(وَلَقَدْ خَلَقْنَا السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَما بَيْنَهُما فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَما مَسَّنا مِنْ لُغُوبٍ) أي قسما بربك إنا خلقنا السموات والأرض وملأناهما بالعجائب فى ستة أطوار مختلفة
وما مسنا تعب ولا إعياء، ولا تزال عجائبنا تترى كل يوم، فانظروا إليها، وناملوا فى محاسنها، فهى لا تحصى، ولا يبلغها الاستقصاء، وكذّبوا اليهود الذين قالوا: إن الله خلق السموات والأرض فى ستة أيام أوّلها الأحد وآخرها الجمعة واستراح يوم السبت واستلقى على العرش، فنحن لا يمسنا لغوب ولا إعياء.
(فَاصْبِرْ عَلى ما يَقُولُونَ) أي فاصبر على ما يقوله المشركون فى شأن البعث من الأباطيل التي لا مستند لها إلا الاستبعاد، فإن من خلق الخلق فى تلك المدة اليسيرة بلا إعياء- قادر على بعثهم وجزائهم على ما قدموا من الحسنات والسيئات.
(وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ الْغُرُوبِ، وَمِنَ اللَّيْلِ فَسَبِّحْهُ وَأَدْبارَ السُّجُودِ) أي ونزه ربك عن العجز عن كل ممكن كالبعث ونحوه، حامدا له أنعمه عليك، وقت الفجر ووقت العصر وبعض الليل، وفى أعقاب الصلوات.
وقال ابن عباس: الصلاة قبل طلوع الشمس صلاة الفجر، وقبل الغروب الظهر والعصر، ومن الليل العشاءان، وأدبار السجود النوافل بعد الفرائض.
روى البخاري عن ابن عباس قال: أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يسبح فى أدبار الصلوات كلها، يعنى قوله:«وَأَدْبارَ السُّجُودِ»
وفى حديث مسلم تحديد التسبيح بثلاث وثلاثين، والتحميد بثلاث وثلاثين، والتكبير بثلاث وثلاثين، وتمام المائة لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد يحيى ويميت وهو على كل شىء قدير، دبر كل صلاة.
(وَاسْتَمِعْ) أيها الرسول لما أخبرك به من أهوال يوم القيامة، وفى إبهام أمره، تعظيم لشأنه.
ثم بين ذلك الخبر وزمانه بقوله:
(يَوْمَ يُنادِ الْمُنادِ مِنْ مَكانٍ قَرِيبٍ) أي يوم ينادى المنادى من موضع قريب
فيصل نداؤه إلى كل الخلائق على السوية، ويقول: هلموا إلى الحساب، فيخرجون من قبورهم ويقبلون. كأنهم جراد منتشر.
ثم زاد الأمر تفصيلا فقال:
(يَوْمَ يَسْمَعُونَ الصَّيْحَةَ بِالْحَقِّ) أي يوم يسمعون النفخة الثانية منذرة بالبعث والجزاء على ما قدموا من الأعمال.
ثم ذكر ما يقال لهم حينئذ فقال:
(ذلِكَ يَوْمُ الْخُرُوجِ) أي هذا اليوم هو يوم الخروج من القبور.
ثم لخص ما تقدم من أول السورة إلى هنا فقال:
(إِنَّا نَحْنُ نُحْيِي وَنُمِيتُ وَإِلَيْنَا الْمَصِيرُ) أي إنا نحن نحيى فى الدنيا ونميت فيها حين انقضاء الآجال، وإلينا الرجوع للحساب والجزاء فى الآخرة.
(يَوْمَ تَشَقَّقُ الْأَرْضُ عَنْهُمْ سِراعاً ذلِكَ حَشْرٌ عَلَيْنا يَسِيرٌ) أي إلينا المصير فى ذلك اليوم الذي تتصدع فيه الأرض فتخرج الموتى من صدوعها مسرعة، وذلك جمع هين علينا، لا عسر فيه ولا مشقة.
ثم سلى رسوله وهدد المشركين بقوله:
(نَحْنُ أَعْلَمُ بِما يَقُولُونَ) أي نحن أعلم بما يقولون من فريتهم على ربهم وتكذيبهم بآياته، وإنكارهم قدرته على البعث بعد الموت.
(وَما أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِجَبَّارٍ) أي وما أنت بمسلّط عليهم تقسرهم على الإيمان وتسيرهم على ما تهوى وتريد، إنما أنت نذير، وما عليك إلا التبليغ وعلينا الحساب.
ثم أكد أنه مذكّر لا مسيطر وأن التذكير لا ينفع إلا من خشى ربه فقال:
(فَذَكِّرْ بِالْقُرْآنِ مَنْ يَخافُ وَعِيدِ) أي فذكر أيها الرسول بهذا القرآن الذي أنزلته عليك من يخاف وعيدي الذي أوعدته من عصانى وخالف أمرى، أي بلغ رسالة ربك، وما يتذكر بها إلا من يخاف وعيد الله وشديد عذابه.