الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أأموت أم أقتل كما قتل الأنبياء قبلى، ولا ما يفعل بكم، أترمون بالحجارة من السماء أم تخسف بكم الأرض، أم يفعل بكم غير ذلك مما عمل مع سائر المكذبين للرسل؟
وإنى لا أعمل عملا ولا أقول قولا إلا بوحي من ربى، وما أنا إلا نذير، لا أستطيع أن آتى بالمعجزات والأخبار الغيبية، فالقادر على ذلك هو الله تعالى.
الإيضاح
(وَإِذا تُتْلى عَلَيْهِمْ آياتُنا بَيِّناتٍ قالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلْحَقِّ لَمَّا جاءَهُمْ هذا سِحْرٌ مُبِينٌ) أي وإذا تتلى على هؤلاء المشركين حججنا التي أودعناها كتابنا الذي أنزلناه عليك قالوا: هذا خداع وتمويه يفعل فعل السحر فى قلب من سمعه.
ثم انتقل من هذه المقالة الشنعاء إلى ما هو أشنع منها فقال:
(أَمْ يَقُولُونَ افْتَراهُ) أي دع هذا واسمع القول المنكر العجيب: إنهم يقولون إن محمدا افتراه على الله عمدا، واختلقه عليه اختلاقا.
وقد أمر الله رسوله أن يبطل شبهتهم بقوله:
(قُلْ إِنِ افْتَرَيْتُهُ فَلا تَمْلِكُونَ لِي مِنَ اللَّهِ شَيْئاً) أي قل لهم: لو كذبت على الله، وزعمت أنه أرسلنى إليكم، ولم يكن الأمر كذلك لعاقبنى أشد العقاب، ولم يقدر أحد من أهل الأرض لا أنتم ولا غيركم أن يجيرنى منه، فكيف أقدم على هذه الفرية وأعرّض نفسى لعقابه، فالملوك لا يتركون من كذب عليهم دون أن ينتقموا منه، فما بالكم بمن يتعمد الكذب على الله فى الرسالة، وهى الجامعة لأمور عظيمة، ففيها الإخبار عن تكليف الناس بما يصلح شأنهم فى دينهم ودنياهم.
ونحو الآية قوله: «قُلْ إِنِّي لَنْ يُجِيرَنِي مِنَ اللَّهِ أَحَدٌ، وَلَنْ أَجِدَ مِنْ دُونِهِ مُلْتَحَداً إِلَّا بَلاغاً مِنَ اللَّهِ وَرِسالاتِهِ» وقوله: «وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنا بَعْضَ الْأَقاوِيلِ. لَأَخَذْنا مِنْهُ بِالْيَمِينِ ثُمَّ لَقَطَعْنا مِنْهُ الْوَتِينَ. فَما مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ عَنْهُ حاجِزِينَ» .
ثم علل ما أفاده الكلام من وجوب الانتقام منهم بقوله:
(هُوَ أَعْلَمُ بِما تُفِيضُونَ فِيهِ) أي هو أعلم من كل أحد بما تخوضون فيه، من التكذيب بالقرآن، والطعن فى آياته، وتسميته سحرا تارة وفرية أخرى.
ثم أكد صدق ما يقول بنسبة علم ذلك إلى الله فقال:
(كَفى بِهِ شَهِيداً بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ) فهو يشهد لى بالصدق فى البلاغ، ويشهد عليكم بالكذب والجحود.
ولا يخفى ما فى هذا من الوعيد الشديد على إفاضتهم فى الطعن فى الآيات.
ثم فتح لهم باب الرحمة بعد الإنذار السابق لعلهم يتوبون ويثوبون إلى الحق فقال:
(وَهُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ) أي ومع كل ما صدر منكم من تلك المطاعن الشنعاء، إن أنتم تبتم وأنبتم إلى ربكم وصح عزمكم على الرجوع عما أنتم عليه، تاب عليكم، وعفا عنكم، وغفر لكم ورحمكم.
وبعد أن حكى عنهم طعنهم فى القرآن- أمر رسوله أن يرد عليهم مقترحاتهم العجيبة، وهى طلبهم من الرسول صلى الله عليه وسلم أن يأتيهم بمعجزات بحسب ما يريدون ويشتهون، وكلها تدور حول الإخبار بشئون الغيب فقال:
(قُلْ ما كُنْتُ بِدْعاً مِنَ الرُّسُلِ) أي قل لهم: لست بأول رسول بلّغ عن ربه، بل قد جاءت رسل من قبلى، فما أنا بالفذّ الذي لم يعهد له نظير حتى تستنكرونى وتستبعدون رسالتى إليكم، وما أنا بالذي يستطيع أن يأتى بالمعجزات متى شاء، بل ذلك باذنه تعالى وتحت قبضته وسلطانه، وليس لى من الأمر شىء، وإلى ذلك أشار بقوله:
(وَما أَدْرِي ما يُفْعَلُ بِي وَلا بِكُمْ) أي ولا أعلم ما يفعل بي فى الدنيا، أأخرج من بلدي كما أخرجت أنبياء من قبلى، أم أقتل كما قتل منهم من قتل؟ ولا ما يفعل
بكم أيها المكذبون، أترمون بحجارة من السماء أم تخسف بكم الأرض؟ كل هذا علمه عند ربى.
وفى صحيح البخاري وغيره من حديث أمّ العلاء أنها قالت: «لما مات عثمان ابن مظعون رضى الله عنه، قلت: رحمة الله عليك يا أبا السائب، لقد أكرمك الله تعالى، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: وما يدريك أن الله أكرمه؟ أمّا هو فقد جاءه اليقين من ربه، وإنى لأرجو له الخير، والله ما أدرى- وأنا رسول الله- ما يفعل بي ولا بكم، قالت أمّ العلاء فو الله ما أزكى بعده أبدا» .
وفى رواية الطبراني وابن مردويه عن ابن عباس «أنه لما مات قالت امرأته أو امرأة: هنيئا لك ابن مظعون الجنة، فنظر إليها رسول الله صلى الله عليه وسلم نظر مغضب وقال: وما يدريك؟ والله إنى لرسول الله، وما أدرى ما يفعل الله بي، فقالت:
يا رسول الله صاحبك وفارسك وأنت أعلم، فقال: أرجو له رحمة ربه تعالى وأخاف عليه ذنبه» .
ومن هذا يعلم أن ما ينسب إلى بعض الأولياء من العلم بشئون الغيب، فهو فرية على الله ورسوله، وكفى بما سلف ردّا عليهم.
ثم أكد ما سلف وقرره بقوله:
(إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا ما يُوحى إِلَيَّ) أي ما أتبع إلا القرآن، ولا أبتدع شيئا من عندى.
ثم زاد الأمر توكيدا فقال:
(وَما أَنَا إِلَّا نَذِيرٌ مُبِينٌ) أي وما أنا إلا نذير، أنذركم عقاب الله، وأخوّفكم عذابه، وآتيكم بالشواهد الواضحة على صدق رسالتى، ولست أقدر على شىء من الأعمال الخارجة عن قدرة البشر.