الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
لما تقدم، فأعقب هذا بأن الله طرد المنافقين وأبعدهم من الخير، ومن قبل هذا أصمهم فلا يسمعون الكلام المستبين، وأعمى أبصارهم فلا يسيرون على الصراط المستقيم، أما المؤمنون فقد رضى عنهم وأرضاهم، ونالوا محبته، ودخلوا جنته، فضلا منه ورحمة، والله ذو الفضل العظيم.
الإيضاح
(وَيَقُولُ الَّذِينَ آمَنُوا لَوْلا نُزِّلَتْ سُورَةٌ، فَإِذا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ مُحْكَمَةٌ وَذُكِرَ فِيهَا الْقِتالُ رَأَيْتَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ نَظَرَ الْمَغْشِيِّ عَلَيْهِ مِنَ الْمَوْتِ) أي إن المؤمنين المخلصين فى إيمانهم يشتاقون للوحى، ونزول آيات الجهاد حرصا على ثوابه ويقولون: هلا أنزلت سورة تأمرنا به، فإذا أنزلت سورة واضحة الدلالة فى الأمر به فرحوا بها، وشق ذلك على المنافقين، وشخصت أبصارهم هلعا وجبنا من لقاء العدو ونظروا مغتاظين بتحديد وتحديق كمن يشخص بصره حين الموت.
ثم هددهم وتوعدهم فقال:
(فَأَوْلى لَهُمْ) أي فالموت أولى لمثل هؤلاء المنافقين، إذ حياتهم ليست فى طاعة الله، فالموت خير منها، وقد يكون المعنى على التهديد والوعيد والدعاء عليهم بالهلاك، فكأنه قيل: أهلكهم الله هلاكا أقرب لهم من كل شر وهلاك، فهو نحو قولهم فى الدعاء بعدا له وسحقا
قال الأصمعى معناه: قاربه ما يهلكه أي نزل به، وأنشد:
فعادى بين هاديتين منها
…
وأولى أن يزيد على الثلاث
أي قارب أن يزيد.
(طاعَةٌ وَقَوْلٌ مَعْرُوفٌ) أي طاعة لله وقول معروف أمثل لهم وأحسن مما هم فيه من الهلع والجزع والجبن من لقاء العدو، فمتاع الحياة الدنيا متاع قليل، وظل زائل، والآخرة خير لمن اتقى.
(فَإِذا عَزَمَ الْأَمْرُ فَلَوْ صَدَقُوا اللَّهَ لَكانَ خَيْراً لَهُمْ) أي فإذا حضر القتال كرهوه وتخلّفوا عنه خوفا وفرقا، ولو صدقوا فى إيمانهم واتباعهم للرسول، وأخلصوا النية فى القتال لكان خيرا لهم عند ربهم، إذ ينالون به الثواب والزلفى عنده ويعطيهم ما تقرّ به أعينهم، ويدخلهم جنات النعيم.
ثم خاطب أولئك المنافقين خطاب توبيخ وتأنيب فقال:
(فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحامَكُمْ) أي فلعلّكم لما عهد فيكم من الحرص على الدنيا وزخرفها إذ قد أمرتم بالجهاد الذي هو الوسيلة إلى الثواب فكرهتموه، وظهر عليكم ما ظهر من الخوف والهلع والتشبث بالبقاء فى هذه الحياة والتكالب على زينتها إن أنتم توليتم أمور الناس وصرتم عليهم أمراء أن تفسدوا فى الأرض بالبغي وسفك الدماء، وتقطعوا أرحامكم فتعودوا إلى تباغض الجاهلية من إغارة بعضكم على بعض ونهب الأموال وسفك الدماء.
والخلاصة- إنه لاعجب بعد أن صدر منكم ما صدر من كراهة الدفاع عن حوزة الإسلام- أن تعيدوا أحوال الجاهلية جزعة إذا صرتم أمراء الناس وولاتهم.
وبعد أن ذكر هناتهم بين سببها فقال:
(أُولئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمى أَبْصارَهُمْ) أي فهؤلاء هم الذين أبعدهم الله من رحمته، فأصمهم عن الانتفاع بما سمعوا، وأعمى أبصارهم عن الاستفادة مما