الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وفى صحيح مسلم عن قتادة أن أنس بن مالك حدثهم قال: لما نزلت «إِنَّا فَتَحْنا لَكَ فَتْحاً مُبِيناً- إلى قوله: فَوْزاً عَظِيماً» مرجعه من الحديبية وهم يخالطهم الحزن والكآبة وقد نحروا الهدى بالحديبية، قال النبي صلى الله عليه وسلم، لقد أنزلت علىّ آية هى أحب إلىّ من الدنيا جميعها» .
هذا، ولما كان لكل عامل ثمرة يجنيها من عمله، وغاية يبتغيها منه- كان للنبوّة نهاية مطلوبة فى هذه الحياة وثمرة تتبع هذه النهاية، فنهاية أمر النبوة أن تلتئم الأمور ويجتمع شملها، وتكمل نظمها التي تبنى عليها الحياة الهنية حتى يعيش العالم فى طمأنينة وهدوء، ولن يتم ذلك إلا بعد بث الدعوة والجهاد العلمي والعملي بقتال الأعداء وخضد شوكتهم، ومتى تمّ هذا وأنقذ المستضعفون ودخل الناس فى دين الله أفواجا كرها ثم طوعا انتظم أمر النبوة، وأدى الرسول واجبه واستوجب أن يجنى ثمرة أعماله، وهى:
(1)
مغفرة ما فرط من ذنبه مما يعدّ ذنبا بالنظر إلى مقامه الشريف.
(2)
تمام النعمة باجتماع الملك والنبوة بعد أن كانت له النبوة وحدها.
(3)
الهداية إلى الصراط المستقيم فى تبليغ الرسالة، وإقامة مراسم الرياسة.
(4)
المنعة والعزة ونفاذ الكلمة ورهبة الجانب وحمى الذمار.
فهذا الفتح كان كفيلا بهذه الشئون الأربعة، فكأنه سبحانه يقول لرسوله:
لقد بلّغت الرسالة، ونصبت فى العمل، وجاهدت بلسانك وسيفك، وجمعت الرجال والكراع والسلاح، وتلطفت وأغلظت، وأخلصت فى عملك، وفعلت فى وجيز الزمن ما لم ينله مثلك فى طويله، حتى تمّ ماندبناك له، فلتجن ثمار عملك، ولتقرّ عينا بما آل إليه أمرك فى الدنيا والآخرة.
الإيضاح
(إِنَّا فَتَحْنا لَكَ فَتْحاً مُبِيناً) أي إنا فتحنا لك فتحا ظاهرا لا يختلج فيه شك بذلك الصلح الذي تم على يديك فى الحديبية، إذ لم يمض إلا القليل من الزمن حتى
دخل الناس فى دين الله أفواجا، وكان هو السّلّم الذي فيه رقيت إلى فتح مكة، وتسابق العرب إلى الدخول فى الدين زرافات ووحدانا.
(لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ ما تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَما تَأَخَّرَ) أي ليغفر لك ربك جميع ما فرط منك من الهفوات مما يصح أن يسمى ذنبا بالنظر إلى مقامك الشريف، وإن كان لا يسمى ذنبا بالنظر إلى سواك، ومن ثم قيل: حسنات الأبرار سيئات المقربين.
والمراد غفران الذنوب التي قبل الرسالة والتي بعدها، قاله مجاهد وسفيان الثوري وابن جرير والواحدي وغيرهم.
أخرج البخاري ومسلم وغيرهما عن المغيرة بن شعبة قال: «كان النبي صلى الله عليه وسلم يصلى حتى ترم قدماه، فقيل له: أليس قد غفر لك الله ما تقدم من ذنبك وما تأخر؟
قال: أفلا أكون عبدا شكورا؟» .
قال صاحب الكشاف: فإن قلت كيف جعل فتح مكة علة للمغفرة- قلت لم يجعله علة للمغفرة، ولكنه جعله علة لاجتماع ما عدّد من الأمور الأربعة، وهى المغفرة وإتمام النعمة وهداية الصراط المستقيم والنصر العزيز، كأنه قيل: يسّرنا لك فتح مكة ونصرناك على عدوك، لنجمع لك بين عز الدارين، وأغراض الآجل والعاجل اه.
(وَيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ) بإعلاء شأن دينك، وانتشاره فى البلاد، ورفع ذكرك فى الدنيا والآخرة.
(وَيَهْدِيَكَ صِراطاً مُسْتَقِيماً) أي ويرشدك طريقا من الدين لا اعوجاج فيه، يستقيم بك إلى رضا ربك.
(وَيَنْصُرَكَ اللَّهُ نَصْراً عَزِيزاً) أي وينصرك على من ناوأك من أعدائك نصرا ذا عزّ بالغ، لا يدفعه دافع، لما يؤيدك به من بأس، وينيلك من ظفر.