الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
مقدمة المؤلف
بسم الله الرحمن الرحيم
وبه نستعين
الحمد لله الذي فضل العالم بأصغريه، وجعل الجاهل يضرب أصدريه
وكأين ترى من صامت لك معجب
…
زيادته أو نقصه في التكلم
وصلى الله على سيدنا سيد العجم والعرب محمد بن عبد الله بن عبد المطلب المبعوث بشيرا ونذيرا، وداعيا إلى الله بإذنه وسراجا منيرا.
أشم من الشم البهاليل ينتمي
…
إلى حسب في حومة المجد فاضل
وأبيض يستسقى الغمام بوجهه
…
ثمال اليتامى عصمة للأرامل
وعلى آله وصحبه المهاجرين إلى حضرته، وأنصاره المحامين عن حوزته المعدودين في كرشه وعيبته.
قوم هم وسط خيار سادة
…
بدارهم نزل الكتاب المنزل
فضلوا العشيرة عزة وتكرما
…
وتغمدت أحلامهم من يجهل
صلى الإله عليهم من فتية
…
وسقى عظامهم الغمام المسبل
وبعد: فإنه لما كان ممكنا أن يتبع الغابر، وربما ترك الأول فضل علمه للآخر، رأيت أن أذكر في هذا الكتاب ما يصلح أن يكون إكمالا ل " تهذيب الكمال " الذي ألفه شيخنا العلامة الحافظ المتقن المتفنن جمال الدين المزي، رحمه الله تعالى وغفر له، وأحله من الجنة خير منزلة، فإنه كتاب عظيم الفوائد، جم الفرائد لم يصنف في نوعه مثله، [لا أحاشي] من الأقوام من أحد، لأن
مؤلفه أبدع فيما وضع، ونهج للناس منهجا متسعا لم يشرع، فقد أخل بمقاصد كثيرة لم يذكرن، وذكر أشياء لا حاجة للناظر إليها، مثل الأسانيد التي يذكرها، وما حصل له فيها من علو أو موافقة أو غير ذلك، إذ هذا بباب آخر أليق به في الكتاب، لأن موضوع كتابه إنما هو لمعرفة حال الشخص المترجم باسمه، وما قيل فيه من خير أو شر، ووفاة ومولد وما أشبهه.
وأما ما وقع للمصنف من حديثه عاليا فليس من شأن الناظر في هذا الكتاب، ولو تصدى متصد لذلك لوجد منه شيئا كثيرا، وربما يذكر الشيخ من حال الشخص شيئا لا يقتضي رفعة لذلك الشخص في العلم ولا ضعته، مثل ما ذكر في ترجمة أسد صاحب خراسان، من ذكر الهدايا التي أهديت إليه وصفة وضعها، وكيفية إعطائه إياها، في نحو من ورقتين مما لا يفيد الناظر شيئا في معرفة حاله من العلم.
وأما الملوك فإن هذا الكتاب لم يوضع لمآثرهم، ولو فعل هذا لكان كتابا على حدة، وكذا ما يذكر من كلام الحسن بن أبي الحسن ومواعظه وقضايا إياس، إلى غير ذلك. وربما يذكر عنهم في الترجمة الواحدة عشرة أوراق إلى خمس عشرة ورقة، وأقل من ذلك وأكثر، لا مدخل له في هذا الشأن.
وأما هذه العجالة، فلم نذكر فيها بعون الله، وحسن توفيقه، إلا ما كان متعلقا بذلك الشخص من رفعة أو ضعة في الحديث، وما أشبه ذلك.
وأما ما ذكره من نوع السير لسيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فإنه ذكر معظم ذلك أو كله من كتاب أبي عمر، ومن نظر في كتابي " الزهر الباسم في سيرة أبي القاسم "، وكتابي المسمى ب " الإشارة إلى سيرة المصطفى صلى الله عليه وسلم "، وجد زيادة كثيرة عليه، فاستغنينا بذكره هناك عن إعادته هنا، وإنما بدأت في هذا الإكمال بالأسماء دون ما سوى ذلك.
وشرطي أن لا أذكر كلمة من كلام الشيخ إلا اسم الرجل وبعض نسبه ثم آتي بلفظة قال أو ما في معناها من هناك، وثم الزيادة إلى آخره، وإن كان في
كلامه شيء مما لا يعرى منه البشر ذكرت لفظه وقلت: فيه نظر، وبينته بالدلائل الموجزة الواضحة مبلغ علمي، بعزو كل قول إلى قائله إن خيرا فخير، وإن شرا فشر، مما قصدي فيه إرشاد الطالب، وتيسير الأمر على ناقلي [. . .] لا الإزراء على أحد والعياذ بالله من ذلك لأنا [. .] منهم ونتعلم من علمهم، غفر الله لنا ولهم، وربما نبهت على صواب ما أثبتناه من أخطائه، وأن لا أستوعب شيوخ الرجل وزيادة على ما ذكره الشيخ، ولا الرواة إلا قليلا بحسب النشاط وعدمه، لئلا يعتقد معتقد أن الشيخ رحمه الله تعالى استوفى في جميع ذلك، ويعلم أن الإحاطة متعذرة ولا سبيل إليها، لا سيما وقد صار كتاب التهذيب حكما بين طائفتي المحدثين والفقهاء، إذا اختلفوا قالوا: بيننا وبينكم كتاب المزي، وإنما يأتي ذلك من القصور المؤدي إلى الراحة والدعة، لأن الأصول التي ينقل منها موجودة، بل أصول تلك الأصول.
قد حوينا بحمد رب عليم
…
أصل قول لأحمد والبخاري
وأصولا للهيثم بن عدي
…
وشباب وبعده الغنجار
وعلى كل حال فأخذ الشيء من مظانه أولى وأحرى أن لا يحصل وهم في الشيء المنقول.
وما كنت إلا مثلهم غير أنني
…
رجعت عن التقليد في الأمر كله
وإذا قلت: روى فلان عن فلان أو روى عنه فلان، فإني لا أذكر إلا ما كان من ذلك زائدا على ما ذكره الشيخ، اللهم إلا أن يكون لخلاف وقع في رواية ذلك الشخص فينبه عليه.
وإذا قلت: قال فلان، فإني لا أقوله إلا من كتابه، فإن لم أر كتابه ذكرت الواسطة لأخرج من العهدة.
ثم إن الشيخ كانت وقعت له نسخة من " الكمال " غير مهذبة، فلم ير أبا محمد عبد الغني أحيانا بما يلتزمه، فأبين ذلك، وكيف وقوعه، على أن أبا محمد رحمه الله تعالى هو الذي نهج للناس هذا الطريق وأخرجهم إلى السعة بعد الضيق، فكان الفضل للمتقدم، وكان تعبه أكثر من تعب الشيخ جمال الدين، لأنه جمع مفرقا، وهذا هذب محققا.
ولعل تعبي يكون أكثر من تعبهما، وإن كانت نفسي لا تسمو إلى التشبه بتلاميذهما، ذلك أنهما أخذا من التواريخ الكبار المشهورة عندهما في تلك الديار، فلم يدعا إلا صبابة أتبرضها بمشقة الأجر فيها، ولم ألتزم مع ذلك أن أستوعب هذا النوع وأحصره وإنما قصدت أن أزيد فيه أكثره.
وما لي فيه سوى أنني
…
أراه هوى صادف المقصدا
وأرجو الثواب بكتب الصلاة
…
على السيد المصطفى أحمدا
وما سوى ذلك فلا أطلب فيه ثوابا ولا شكرا، ولا أخشى إن شاء الله بوضعه إثما في الدار الأخرى.
على أنني راض بأن أحمل الهوى
…
وأخلص منه لا علي ولا ليا
لأنني ليس لي فيه سوى الجمع لكلام العلماء في المواضيع المناسبة له في التصنيف من غير تغيير ولا تحريف، وما أبرئ نفسي استثرتها من زوايا لا يتولجها إلا من يبصر معالفها ويسهل لواطفها.
ثم إن الشيخ شاحح صاحب " الكمال " في أشياء حدانا ذلك على مشاححته في بعض الأحايين، مثاله قول صاحب الكمال: مولى المطلب، قال المزي: هذا خطأ، إنما هو مولى بني المطلب، وكقوله: قال أبو حاتم عن يحيى نفسه، قال المزي: هذا خطأ، إنما أبو حاتم ذكره عن إسحاق بن منصور عن يحيى.
وأما قوله: روى عنه أشعث بن عطاء، قال المزي: هذا خطأ، إنما هو عطاف، وكقوله: روى عنه ابن بودونة: قال المزي: هذا خطأ، وإنما هو بودويه بالياء المثناة من تحت، إلى غير ذلك مما يكثر تعداده، ويمكن أن يكون من الناسخ أو طغيان القلم.
وكقوله في ترجمة العلاء: قال صاحب الكمال: قال ابن سعد: توفي في خلافة أبي جعفر، قال المزي: ابن سعد لم يقله إلا نقلا عن الواقدي شيخه.
وقال في ترجمة محمد بن جعفر: قال صاحب الكمال: روى عنه أحمد بن بشر، وهو خطأ والصواب: بشير. انتهى، وهو وشبهه قطعا إنما يكون من الناسخ، والله سبحانه وتعالى أعلم.
وكذا قوله في ترجمة خلف بن سليمان: روى عنه محمد بن غالب بن محضر الأنطاكي، هذا وهم فاحش، والصواب عثمان.
وكقوله في ترجمة زكريا بن يحيى بن عمر: روى عن محمد بن مسكين، هذا غلط، والصواب: سكين، إلى غير ذلك مما يكثر تعداده، ولا يعد به المصنف واهما.
وأما اعتماد الشيخ في عدم تفرقته بين ما سمعه من الشخص مما لم يسمعه، وإنما نص في ذلك كله بلفظ روى ففيه لبس على من لم [. .] والتفرقة هي الصحيح، وعليه عمل الأئمة والسعيد من عدت سقطاته وحسبت هفواته، إذ الإنسان لا يسلم من سهو أو نسيان، ومعتقدي
أن لو كان الشيخ حيّا لرحب بهذا الإكمال، وكان استكتب منه الأسفار، وجعله عدة في الأسفار لما بلغنا من كثرة إنصافه وعدم إخلائه.
وكان مبدأ الشروع في كتب هذه المسودة قبل شهر الله رجب بقليل عام أربع وأربعين وسبع مائة، على حين تقسم القلب، واضطراب من الحال، وأثر هذه الشواغل، وأقل هذه الدواعي ما يدخل وينسي ما كان حفظ، مع علمي أنه لا بد أن يقع هذا الكتاب في يد أحد رجلين، إما عالم يعلم مقدار تعبي وكيفية نصبي، لأنني أتتبع كل لفظة يذكرها الشيخ من أصلها، ثم أذكر الزيادة عليها بحسب ما يتفق، ولعله يكون في أكثر التراجم من التوثيق والتجريح، وشبههما قدر ما في كتاب الشيخ مرات متعددة، وذلك يظهر بالمقابلة بين الكلامين مع دراية وإنصاف.
سبق الأوائل مع تأخر عصره
…
كم آخر أزرى بفضل الأول
فيصلح سهوا إن وقع، ويغتفر زللا إن صدر، لاعترافي قبل اقترافي وإقراري قبل إيرادي وإصداري.
وإما جاهل حسود أحب الأشياء إليه وأملكها لديه عيب أهل العلم، والتسرع إلى أهل الفهم، لبعد شكله عن أشكالهم.
ولذلك قيل: من جهل شيئا عاداه، ومن حسد امرءا اغتابه.
والله تعالى المستعان، وعليه التكلان، وهو حسبي ونعم الوكيل.