المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

- بسم الله الرحمن الرحيم -   ‌ ‌مقدمة الحمد لله رب العالمين، وصلى - إمعان النظر في مشروعية البغض والهجر

[عبد الكريم الحميد]

الفصل: - بسم الله الرحمن الرحيم -   ‌ ‌مقدمة الحمد لله رب العالمين، وصلى

- بسم الله الرحمن الرحيم -

‌مقدمة

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين ..

أما بعد: فإنَّ هذا الكتاب تذكير لِمَن أكثروا النكير على من قام بأمرٍ صَارَ غريباً لغربة الدِّين، وعجيباً لكثرة الناكبين، بل مُنْكَراً في فهوم المعارضين، وهو الزجر بالبغض والهجْر مُوَافَقةً لعبودية المعبود، ومحاذرة لعقوبة الإعراض والصدود، مع أن الإرادة بذلك النصيحة للمسلمين بإظهار الجَفاء، ليتجلى الصراط المستقيم دون خَفَاء.

فالحذر الحذر من الآراء، فإنها مُحَصَّل الحيارى، ولن تغْني عن المغرور شيئاً إذا حَقَّت الحقائق، ومُيِّز الكاذب من الصادق، فالله المستعان وعليه التُّكْلَان، ولَا حَوْلَ ولَا قُوَّة إلَاّ به سبحانه.

قال تعالى: {لَا تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ

ص: 5

حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أُولَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الأِيمَانَ وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ وَيُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ أُولَئِكَ حِزْبُ اللَّهِ أَلَا إِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} (1)، وهي عامة في الكفار والمسلمين العصاة، ولو كانوا أرحامًا - كما سيظهر إن شاء الله تعالى -.

وقال سبحانه: {وَلا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ} (2)، قال القرطبي رحمه الله:(الصحيح في معنى الآية أنها دالة على هجران أهل الكفر والمعاصي من أهل البدع وغيرهم، فإنَّ صُحبتهم كفر أو معصية، إذْ الصحبة لا تكون إلا عن مودة) انتهى (3).

وقال تعالى: {وَإِذَا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آيَاتِنَا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ} (4).

وقد جَاء عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال: (أَحِبَّ فِي اللَّهِ ، وَأَبْغِضْ فِي اللَّهِ ، وَوَالِ فِي اللَّهِ ، وَعَادِ فِي اللَّهِ ، فَإِنَّهُ لا تُنَالُ وَلَايَةُ اللَّهِ عز وجل إِلا بِذَلِكَ ، وَلَا يَجِدُ رَجُلٌ طَعْمَ الإِيمَانِ وَإِنْ كَثُرَتْ صَلاتُهُ وَصِيَامُهُ حَتَّى يَكُونَ كَذَلِكَ؛ وَصَارَتْ مُؤَاخَاةُ النَّاسِ فِي أَمْرِ الدُّنْيَا ، وَإِنَّ ذَلِكَ لا يُجْزِئ

(1) سورة المجادلة، آية:22.

(2)

سورة هود، من الآية:113.

(3)

«الجامع لأحكام القرآن» للقرطبي (9/ 108).

(4)

سورة الأنعام، من الآية:68.

ص: 6

عَنْ أَهْلِهِ شَيْئًا؛ ثُم قَرأ: {الأَخِلَاّءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَاّ الْمُتَّقِينَ} (1)، وقرأ:{لَا تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أُولَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الأِيمَانَ وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ وَيُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ أُولَئِكَ حِزْبُ اللَّهِ أَلَا إِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} (2)) انتهى (3).

وقال ابنُ سحمان رحمه الله:

وَمَا الدِّينُ إلَاّ الْحُبُّ وَالبغْضُ وَالوَلَا

كَذَاكَ البَرَا مِنْ كُلِّ غَاوٍ وَآثِمِ

فمَن ادَّعى الْحُبَّ في الله وهو لَا يُبغِض في الله فدعواه الحب في الله

(1) سورة الزخرف، الآية:67.

(2)

سورة المجادلة، الآية:22.

(3)

أخرجه ابن أبي شيبة في «مصنفه» برقم (34770)، واللالكائي في «اعتقاد أهل السنة» برقم (1691)، وابن أبي الدنيا في «الإخوان» برقم (22)، وابن المبارك في «الزهد» ص (120)، والعدني في «الإيِمَان» برقم (56) واللفظ له، وكلهم عن ابن عباس موقوفاً؛ وأخرجه أبو نعيم في «حلية الأولياء» (1/ 312) عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما مرفوعاً، والطبراني في «المعجم الكبير» برقم (13537) عن ابن عمر موقوفاً؛ والصحيح أنه موقوف على ابن عباس، والله أعلم.

ص: 7

كاذبة لأنَّ الجزءَ الأول من كلمة التوحيد «لَا إله إلا الله» هي الكُفْر بالطاغوت ومعاداته والبراءة منه وأهله بأنواعه، ويتبعه البدع غير المكفِّرة والمعاصي والفسوق فهذه لها ولأهلها بُغْض، ومعاداة دون تكفير لأهلها ولو كانوا مسلمين أو أرحامًا بحسب ما وقعوا به، وإلا كيف يستقيم البغض في الله؟!.

وليعلم أنَّ القصدَ الأول من تأليف هذا الكتاب هو توضيحُ وبيانُ بُغْضِ وهَجْرِ عُصَاةِ المسلمين وأربابِ البِدَع غير الْمُكَفِّرة لأنَّه صَار في زماننا عندَ أكثر الْخَلْقِ مُنْكَراً عظيماً أنْ يُهجَر أحدٌ مَهْمَا كانتْ حَالُه!، أمَّا البراءةُ من الكفارِ وَمُعَادَاتِهِم فليس هو موضوعُ الكتابِ، وهُو أظهرُ وأكبَرُ مِنْ مَوضوعِهِ.

ص: 8