المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌فصل قال السيوطي رحمه الله (1): أخرج أبو القاسم بن بِشْر - إمعان النظر في مشروعية البغض والهجر

[عبد الكريم الحميد]

الفصل: ‌ ‌فصل قال السيوطي رحمه الله (1): أخرج أبو القاسم بن بِشْر

‌فصل

قال السيوطي رحمه الله (1): أخرج أبو القاسم بن بِشْر في " أماليه " عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه قال: دَخَل مجوسيٌّ على رسول الله صلى الله عليه وسلم قد حَلَق لِحْيته وأعفى شاربه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (وَيْحَك مَن أمَرَك بهذا؟!)، قال: أمرني به كسرى!، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:(لَكِنْ أمَرَنِي رَبِّي عز وجل أنْ أُعْفِي لِحْيَتِي وَأنْ أُحْفِي شَارِبِي)(2).

قال الشيخ حمود بن عبد الله التويجري رحمه الله في أنه لا يُسَلَّم على حالق لحيته: (فمَن حَلَق لِحْيَتَه فهو من الْمُخَنَّثِين (3) لأنه قد رَغِب عن مُشابهة الرجال وآثَرَ مشابهة النساء في نعُومَةِ الخدود وعدم الشَّعْر في الوَجْه، وفاعل ذلك لا ينبغي السلام عليه لمجاهرته بالمعصية.

(1) في كتابه «أسباب ورود الحديث» ص (208) ورقم (178).

(2)

وقد أخرجه ابن سعد في «الطبقات الكبرى» (1/ 449)، وابن عبد البَر في «التمهيد» (20/ 55) من حديث عبيد الله بن عبد الله بن عتبة مُرسَلاً؛ وأخرجه الحارث بن أبي أسامة في «مسنده» برقم (583) من حديث يحي بن أبي كثير مُرسَلاً.

(3)

المخنث هو الذي يتشبه بالنساء؛ قال ابن عبد البر في «التمهيد» : (وَيَحْرُم حلق اللحية، ولا يفعله إلَاّ الْمُخَنَّثون من الرجال)؛ وانظر للأهمية كتابنا: (إحسان خَلْق الإنسان) حيث ذَكَرْنا فيه بالأدلة النقلية والعقلية قبح حلق اللحى وأنه مُحَرَّم لا يجوز.

ص: 25

وقد روى أبو نعيم بإسنادٍ جيدٍ عن زياد بن حدير قال: قَدِمْتُ على عُمَرَ بنِ الخطاب رضي الله عنه وعَليَّ طَيْلَسَان وشاربي عافٍ فسَلَّمتُ عليه فرفع رأسه فنظر إلَيَّ ولَم يرد عليَّ السلام، فانصرفت عنه فأتيتُ ابنه «عَاصِماً» فقلت له: لقد رُميت من أمير المؤمنين في الرأس، فقال: سأكفيك ذلك، فلَقِي أباه فقال: يا أمير المؤمنين أخوك «زياد بن حدير» يُسلِّم عليك فلم ترد عليه السلام، فقال: إني رأيت عليه طليساناً ورأيت شاربه عافياً.

قال: فرجع إلَيَّ فأخبرني فانطلقتُ فقصصتُ شارِبِي وكان معي بُرْد شققته فجعلته إزاراً ورِدَاءً، ثُمَّ أقبلتُ على عُمَرَ رضي الله عنه فسَلَّمْتُ عليه فقال:" وَعَلَيْكَ السَّلَام، هَذَا أحسَن مِمَّا كُنْتَ يَا زِيَاد "(1).

ثم قال الشيخ حمود بعد ذلك مبيناً هَجْر حالق لحيته: وإذا كان عُمَر رضي الله عنه قد هجر زياد بن حُدَير على إعفائه لِشاربه فكذلك ينبغي هجر من حلق لحيته لأنَّ كُلاًّ من الأمرين معصية ظاهرة لِما فيهما من مخالفة أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بإحفاء الشوارب وإعفاء اللحى، وَلِمَا فيهما أيضاً من التشبه بالمجوس ومن يحذو حذوهم من أصناف المشركين، وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:«مَنْ تَشَبَّهَ بِقَوْمٍ فَهُوَ مِنْهُمْ» (2).

(1)«حلية الأولياء» لأبي نعيم، (4/ 197 - 198).

(2)

أخرجه أبو داود برقم (4031)، وأحمد في «مسنده» برقم (5115)، وابن أبي شيبة في «مصنفه» برقم (33016)، وغيرهم؛ وكلهم من حديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما، وحسَّن إسناده الحافظ ابن حجر في «فتح الباري» (10/ 271).

ص: 26

والْهَجر على حَلْق اللحية أوْلَى من الهجر على إعفاء الشارب لِما في حلق اللحية من مزيد التشبه بالنساء، والدخول في عِداد المخنثين، وقد لَعَن رسول الله صلى الله عليه وسلم المخنثين من الرجال (1)) انتهى كلامه رحمه الله (2).

هذا الفعل من عمر رضي الله عنه عند كثير من المنتسبين للدِّين والعِلْم في زماننا تنفير!، وقد لا يَسْلم من ألسنتهم وهو عُمَر رضي الله عنه، وأمْثَلُهُمْ طريقة مَن يقول:" يا أمير المؤمنين .. لو أنك رَدَدْتَّ عليه السلام، ثم نصحته لِيَقبل منك! "، وهم إنما سلكوا مَسْلكَ تَمْييع الدِّين لِمُشَاركتهم في المخالفات التي سَوَّغوها فلا يقبلون من أحَدٍ إنكارها عليهم، بل صارت لديهم من قبيل المعروف الذي إنكاره مُنْكَر، وكثير من منكرات زماننا صَارَت مَعروفاً اتباعًا للهوى!.

والمراد هنا أنَّ مَن سَلَك هذا المسلك الذي عليه النبي صلى الله عليه وسلم حيث لَم يرد على «كَعْب» ولا ناصَحَه لأنَّ الدِّين ظاهر، كذلك هَجْره مَن هَجَر كما يتبين في هذا الكتاب وكمَا فَعَل الصحابةُ

(1) أخرجه البخاري في «صحيحه» برقم (5547)، وأبو داود في «سننه» برقم (4930)، وأحمد في «مسنده» برقم (1982)، وغيرهم؛ وكلهم من حديث ابن عباس رضي الله عنهما.

(2)

«تحفة الإخوان بما جاء في الموالاة والمعاداة والحب والبغض والهجران» ، ص (60 - 61).

ص: 27

والعلماءُ بعدهم، فَمَن فعل ذلك اليوم صار هو الآتي بالْمُنكَر وهو الْمُستحق للإنكار عليه وبُغْضِه، وهذا واقعٌ في وقتنا مِمَّن يرْون أنفسهم، وفي هذا الكتاب - ولله الحمدُ والْمِنَّة - مَا يُوضِّح هذا الأمر وَيُجَلِّيه تجلية بيِّنة؛ ويأتي - إن شاء الله تعالى - من كلام الشيخ «حمود التويجري» ما يُبَيِّن إنكار الْهَجْر وعدم رَد السَّلام مِمَّن ينتسب للعِلْم والدِّين في وَقته فكيفَ اليوم؟!، وقد كابَدتُّ من ذلك مَا صِرْتُ فيه أُحدوثة، وذلك مِنْ شدة الغربة في زماننا وإجمال الناس على المخالفات إلَاّ ما شاء الله!، وهذا من الانتكاس لأن المداهِن في ما مضى هو الذي ينكَر عليه، واليوم صار إنكار كثير من الناس على من يعمل بالسُّنة ويهجر العصاة، وهذا من مَكْرِ الشيطان بهم ليصير المعروف منكرًا والمنكر معروفًا، وما أكثر ذلك في زماننا حيث انقلبت الموازين!.

قال أبو داود رحمه الله: قلت لأبي عبد الله أحمد بن حنبل: أرى رجلاً من أهل السُّنة مع رجُلٍ من أهل البدعة أترك كلامَه؟!، فقال:(لَا، أوْ تُعْلِمُهُ أنَّ الرَّجُلَ الذي رأيتَه مَعه صاحب بدعة، فإنْ تَرَك كَلَامَه فَكَلِّمْهُ وإلَاّ فألْحِقْه به)(1).

تأمَّل قول الإمام أحمد رحمه الله: (وإلا فألْحِقْهُ به)!.

(1) أخرجه ابن أبي يعلى في «طبقات الحنابلة» (1/ 61)؛ وأورده ابن مفلح في «حلية الأولياء» (1/ 263).

ص: 28