الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فصل
قال ابنُ حَجَر رحمه الله: (ذَهَبَ الْجُمْهُورُ إلى أنه لا يُسَلَّم على الْمُبتَدِع ولَا الفاسق) انتهى (1).
وقال الْمُهَلب رحمه الله: (تَرْكُ السَّلَامِ على أهلِ الْمَعَاصِي سُنَّة مَاضية، وبه قال كَثير من أهلِ العِلْمِ في أهل البِدَع)(2).
وقد وَضَع المنذري رحمه الله في كتابه المعروف «الترغيب والترهيب» (3) بَاباً جعل عنوانه: (الترغيب في الحب في الله تعالى، والترهيب من حُبِّ الأشرار وأهل البدع لأنَّ الْمَرْءَ مَع مَن أحَبَّ).
وقال النووي رحمه الله في «رياض الصالحين» (4): (بابُ تحريمِ الْهُجْرَان بينَ المسلمين إلَاّ لِبِدْعَةٍ في الْمَهْجُور أو تظاهر بِفِسْق أو نحو ذلك).
قال محمد الزمْزَمي: (وهذه السُّنة العظيمة أعني هجر المبتدعين والمتجاهرين والظالمين من السنن التي اندثرت ولَم يبق لَهَا وجودٌ منذ أزمان، لهذا أصبح العلماء يُنكرونها ويروْنَهَا حُمْقاً وَظُلماً للمسلمين!) انتهى (5)؛ وذكر ابن مفلح عن الإمام أحمد فيمن ترك
(1)«فتح الباري» ، (11/ 40).
(2)
المصدر السابق.
(3)
(4/ 8).
(4)
ص (363).
(5)
أنظر: «إعلام المسلمين بوجوب مقاطعة المبتدعين والفجار والفاسقين» ، ص (39).
السُّنة مع العلم بها أنه يُهجر (1)؛ وروى البخاري عن الحسَن أنه قال: (ليس بينك وبين الفاسق حُرْمة)(2).
وقد قال ابن عقيل: (إذا أرَدْتَّ أنْ تعلم مَحْلَّ الإسلام من أهل الزمان فلا تنظر إلى زِحَامِهم في أبوابِ الجوامِعِ ولَا ضَجيجهم بِلبَّيْك، وإنما انظرْ إلى مُوَاطأتهم أعداءِ الشَّريعة!) انتهى (3).
هذه الْمُوَاطَأة صَارَتْ في زَمانِنَا تَزَمُّتاً وَضِيقَ عَطَن!.
قال شيخ الإسلام: (وهكذا السنة في مقارنة الظالمين والزناة وأهل البدع والفجور وسائر المعاصي، لا ينبغي لأحد أن يُقارنهم ولا يخالطهم إلى على وجه يَسْلم به من عذاب الله عز وجل، وأقَلُّ ذلك أن يكون مُنكَراً لِظُلْمِهِمْ مَاقِتاً لَهُم شانئاً ما هُمْ فيه بحسَب الإمْكَان، كما في الحديث: «مَنْ رَأى مِنْكُمْ مُنكَراً فَلْيُغَيِّرْهُ بِيَدِهِ، فَإنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِلِسَانِهِ، فَإنْ لَمْ يَسْتطع فَبِقَلْبِه وَذَلِكَ أضْعَفُ الإِيِمَان» (4)) انتهى (5).
(1) أنظر: «تحفة الإخوان» ، ص (58).
(2)
«الأدَب المفرَد» ، ص (351).
(3)
أنظر: «غذاء الألباب» للسفاريني (1/ 231)، و «الآداب الشرعية) لابن مفلح (1/ 268).
(4)
أخرجه مسلم برقم (49)، وابن حبان في «صحيحه» برقم (306)، والنسَائي في «سننه الكبرى» برقم (11739)، وأبو داود برقم (1140)، والترمذي برقم (2172)، وابن ماجه برقم (1275)، وأحمد في «مسنده» برقم (11166)، وغيرهم؛ وكلهم من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه مرفوعاً.
(5)
«مجموع الفتاوى» ، (15/ 324).
والعجَب مِمَّن يترك الهجر ومع هذا لا يوجد منه شيء من هذا الذي ذَكَرَه شيخُ الإسلامِ للعُصَاة!، كيف بِمَن يُظهر لهم المودة!.
قيل لسَمُرة بن جندب رضي الله عنه: إنَّ ابنك لَم يَنَم البارحة بشما (1)، فقال:(لوْ مَاتَ لَم أُصَلِّ عليه)(2) يعني لأنه أعان على قتل نَفْسِه.
ومَرَّ زياد بن حُدَير رحمه الله على قوم يلعبون بالنَّرْد فَسَلَّم عَليهم وهو لَا يَعلم، ثم رَجَعَ فقال:(رُدُّوا عَلَيَّ سَلامي!)(3).
«زِيَاد» هذا من خيار التابعين رحمه الله، ولو فعل مثل فعله أحد اليوم لصار أُضحوكةً للسُّفَهَاء!.
قال شيخُ الإسلامِ ابن تيمية رحمه الله: (وَلِهَذا لَمْ يكن للمُعْلِن بالبِدَع والفجور غيبة، كمَا رُوِي ذلك عن الحسَن البصري وغيره؛ لأنَّه لَمَّا أعلن ذلك استحَقَّ عقوبةَ المسلمين له، وأدنَى ذلك أنْ يُذَمَّ عليه لينْزَجِر وَيَكُف الناس عنه وعن مُخَالطته، ولو لَمْ يُذَم وَيُذْكَر بِمَا فيه من الفجُور والْمَعصية أو البِدْعة لاغترَّ به الناس، ورُبَّمَا حَمَلَ بَعضُهُم أنْ يَرتكب ما هو عليه، ويزداد أيضاً هو جرأةً وفجوراً ومعاصي، فإذا ذُكِر بِمَا فيه انكفَّ وانكفَّ غيْرُه عن ذلك وعن صُحْبته ومُخَالَطَتِه، قال الْحَسَن البَصْري: «أترغبون عن ذِكْر الفاجر؟!، أذكُروهُ بِمَا فيه كَيْ يَحْذَره
(1) البَشَم: التخَمة عن الدَّسَم.
(2)
أنظر: «النهاية في غريب الحديث والأثر» لابن الأثير، (1/ 130 - 131).
(3)
«مسائل أبي داود» للإمام أحمد، ص (280).
الناسُ»، وقد رُوِيَ مَرفوعاً، و «الفجُورُ» اسمٌ جَامِعٌ لكلِّ مُتَجَاهر بِمَعْصِيَةٍ أوْ كَلَام قَبِيحٍ يَدُلُّ السَّامِع له على فُجورِ قَلْب قَائله؛ وَلِهَذا كان مُسْتَحِقًّا للهَجْرِ إذا أَعْلَن بِدعةً أو مَعصيةً أو فجوراً أوْ مُخَالَطَةً لِمَن هذا حاله بحيث لَا يُبالي بِطَعن الناسِ، فإنَّ هَجْرَهُ نَوْعُ تعزيرٍ له، فَإذا أعْلَنَ السيئات أُعْلِنَ هَجْرُه، وإذا أسَرَّ أُسِرَّ هَجْرُهُ، إذِ الْهِجْرة هي الْهِجْرة على السَّيئَاتِ، وَهُجْرَةُ السيئات هُجْرة ما نَهَى الله عنه، كمَا قال تعالى:{وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ} (1)، وقال تعالى:{وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ اللَّهِ يُكْفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ إِنَّكُمْ إِذاً مِثْلُهُمْ} (2)) انتهى (3).
(1) سورة المدثر، آية:5.
(2)
سورة النساء، من الآية:140.
(3)
«مجموع الفتاوى» ، (15/ 286 - 287).