الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
عن الله تعالى. وقصص المتنبئين مذكورة في العقد الفريد وغيره من كتب الأدب، والمتنبئون هم الذين ادعوا النبوة، واستعمال تنبأ بمعنى أخبر بشيء يقع في المستقبل استعمال استعماري، من استعباد اللغات الأوربية للغة العربية، فإن جهال المترجمين يترجمون الفعل الإنكليزي Prophesy بقولهم: تنبأ، ويترجمون (prophecy) بالنبوة يريدون بذلك الإخبار بالشيء قبل وقوعه، والصواب أن يقال: توقع وتفرس، وحدس أنه يقع كذا وكذا.
وقال في معجم أوكسفورد في معنى (بروفيساي prophecy) يتكلم كنبي، وقال في معنى (بروفيت prophet) هو الموحى إليه المخبر عن الله فظهر لك أن الأوربيين يستعملون تنبأ بمعنى يتكلم كما يتكلم النبي، والنبي كثيرا ما يخبر بالمغيبات، فهذا الاستعمال في لغتهم شائع. وقد توهم المترجمون أن كل ما ساغ في لغتهم يسوغ في لغتنا، خصوصا ولغتهم لغة القوي القاهر، ولغتنا لغة الضعيف المغلوب على أمره.
ومعنى (بروفيت) في اللغة الإنكليزية لا يختلف عن معناه في اللغة العربية، فهو الموحى إليه المخبر عن الله تعالى، وحق لغتنا علينا أن ننظفها من كل استعمال دخيل، محافظين على جمالها ونضارتها وبهجتها. ويقال في الكلام الفصيح: صدق حدسه، وتحقق ظنه، والمخطئون يقولون: صدقت نبوته.
2 - ينبغي عليه:
ومن الأخطاء الشائعة في هذا الزمان في الإذاعات والصحف قولهم: ينبغي عليه أن يفعل كذا وكذا، فيعدون ينبغي بعلى، وهذا دليل على إهمال اللغة، وطرح العناية بها جانبًا وذلك شأن الأمم المخذولة المنحطة، السائرة إلى الاضمحلال. وقد رأينا أسلافنا كيف اعتنوا بلغة القرآن، وخدموها أحسن خدمة،
فضبطوا مخارج حروفها وصفاتها، وتجويد النطق بها، وحققوا معاني كلماتها، وتركيب جملها، وجودة أسلوبها وبلاغتها، وتركوها لنا في غاية الكمال والجمال، فلم نكن خير خلف لخير سلف.
ومن المعلوم أن القرآن هو أول كتاب ينطق بلغة العرب الخالصة، ولا يستطيع أحد معرفة اللغة العربية، وفصاحتها وبلاغتها، وأسرارها إلا بدراسة القرآن، واتخاذه إمامًا ومنارًا يهتدى به في علومها، هذا بالنسبة إلى غير المسلمين الذين لا يهمهم من القرآن إلا ما فيه من فصاحة وبلاغة وأنه حجة في اللغة العربية، فكيف بالمسلمين الذين يجب عليهم - إن كانوا مسلمين حقًا - أن يتخذوا القرآن إماما وسراجًا منيرًا، يتبعونه ويهتدون به في دينهم، يحلون حلاله، ويحرمون حرامه، ويتخذونه حكمًا، فيه شريعتهم، ومنهاج أخلاقهم، وهدايتهم، وشفاء صدورهم، وروح أرواحهم كما قال تعالى في سورة الكهف (1 - 3){الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَى عَبْدِهِ الْكِتَابَ وَلَمْ يَجْعَلْ لَهُ عِوَجًا قَيِّمًا لِيُنْذِرَ بَأْسًا شَدِيدًا مِنْ لَدُنْهُ وَيُبَشِّرَ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا حَسَنًا، مَاكِثِينَ فِيهِ أَبَدًا} .
قال ابن كثير: قد تقدم في أول التفسير أنه تعالى يحمد نفسه المقدسة عند فواتح الأمور وخواتمها، فإنه المحمود على كل حال، وله الحمد في الأولى والآخرة، ولهذا حمد نفسه على إنزاله كتابه العزيز على رسوله الكريم محمد صلوات الله وسلامه عليه، فإنه أعظم نعمة أنعمها على أهل الأرض، إذ أخرجهم به من الظلمات إلى النور، حيث جعله كتابا مستقيما لا اعوجاج فيه، ولا زيغ، بل يهدي إلى صراط مستقيم، واضحًا بينًا جليًا، نذيرًا للكافرين، بشيرًا للمؤمنين.
ولهذا قال {وَلَمْ يَجْعَلْ لَهُ عِوَجًا} أي لم يجعل فيه اعوجاجا، ولا زيغا ولا ميلا، بل جعله معتدلا مستقيما، ولهذا قال {قَيِّمًا} أي مستقيما {لِيُنْذِرَ بَأْسًا شَدِيدًا مِنْ لَدُنْهُ} أي لمن خالفه وكذبه ولم يؤمن به، ينذر بأسًا شديدًا، عقوبة عاجلة في الدنيا، وآجلة في الأخرى {مِنْ لَدُنْهُ} أي من عند الله الذي لا يعذب عذابه أحد، ولا يوثق وثاقه أحد {وَيُبَشِّرَ الْمُؤْمِنِينَ} أي بهذا القرآن، الذين صدقوا إيمانهم بالعمل الصالح {أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا حَسَنًا} أي مثوبة عند الله جميلة {مَاكِثِينَ فِيهِ أَبَدًا} في ثوابهم عند الله، وهو الجنة، خالدين فيه أبدا، دائما، لا زوال له ولا انقضاء اهـ.
قوله (وهو الجنة) الذي أراه أن الأجر الحسن الذي يمكث فيه المؤمنون أبدًا لا يختص بنعيم الجنة، بل ينتظم سعادة الدنيا والآخرة، لأن الله وعد بذلك في غير ما آية من كتابه العزيز لقوله تعالى في سورة النحل (97){مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ، فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً، وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} . وحكمة الله تعالى وعدله يقتضيان ثواب الدارين لكل أمة صالحة، وعقاب الدارين لكل أمة فاسقة، وأدلة هذا في القرآن كثيرة.
فسبب ما يقاسيه المسلمون في هذا الزمان من الشقاء هو إهمال القرآن، وجعله وراء ظهورهم. والخطأ الذي نحن الآن بصدد إصلاحه لا يقع ويشيع إلا في أمة أهملت القرآن، لأن هذا الفعل تكرر استعماله في القرآن فجاء في ستة مواضع أحدها قوله تعالى في سورة الفرقان (17 - 18) {وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ فَيَقُولُ: أَأَنْتُمْ أَضْلَلْتُمْ عِبَادِي هَؤُلَاءِ أَمْ هُمْ ضَلُّوا السَّبِيلَ؟ قَالُوا: سُبْحَانَكَ مَا كَانَ يَنْبَغِي لَنَا أَنْ نَتَّخِذَ مِنْ دُونِكَ مِنْ أَوْلِيَاءَ، وَلَكِنْ مَتَّعْتَهُمْ وَآبَاءَهُمْ