الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
العديدة هي المعدودة، قليلة كانت أو كثيرة، واستعمل (أمثلة) جمع القلة مع إرادته الكثرة، فالصواب مثل كثيرة، الخ.
أقول: صدق المعترض في قوله: إن العديدة يراد به المعدودة، سواء أكانت قليلة أم كثيرة، إلا أن القرينة التي فهم بها هو (الكثرة) كافية لجعل القارئ يفهم الكثرة، واستعمال اللفظ في أحد مدلوله مع القرينة الصارفة عن إرادة مدلول الآخر شائع في كلام البلغاء جار على الأصول، لا سبيل إلى إنكاره فلا يعد عيبا ولا خطأ، إلا عند الذي أصيبت عين بصيرته بالحول، ونكب عن الصراط لمرض في قلبه {وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ} .
على أن ابن منظور في لسان العرب قال ما نصه، والعديد الكثرة، اهـ. وإذا كان العديد هو الكثرة، فلتكن العديدة كذلك، وعلى ذلك أقول: لو كان اعتراض هذا المعترض كله مثل هذين الاعتراضين الأخيرين لتلقيته بكل سرور، ولكن أكثره كان الباعث عليه القصور وسوء الفهم، أو إرادة السوء والغش المتعمد للقراء.
وأما قوله: إن (أمثلة) جمع قلة، فقد تقدم الكلام عليه مستوفي في الجواب عن النقد الثالث.
6 - قال المعترض، نعود إلى الكاف الاستعمارية التي جرب استعمالها في قول القائل (فلان كوزير لا ينبغي له أن يتعاطى التجارة)
لأنه استعمال دخيل، مع أنه ذكر من معاني الكاف، (التعليل) فإذا قلنا: فلان لأنه وزير لا ينبغي أن يتعاطى التجارة، كان المراد مضمونا والمعنى واضحا، اهـ.
أقول: إنني لا أحسن استعمال هذه الكاف، ولله الحمد، لأن طبعي يأباها كما يأباها طبع كل كاتب تعزف نفسه عن استعمال الألفاظ الدخيلة الاستعمارية التي غزت لغة الضاد،
وأفقدتها جمالها وفصاحتها، وأنا لا أعتقد أن المعترض يجهل هذا، ولكنه ركب رأسه، وحاد عن سواء السبيل بقصد أن يهدم ما بنيته من صروح الإصلاح فهدم نفسه كما قال المتنبي:
وكم من مريد ضرَّه ضرَّ نفسه
…
وهاد إليه الجيش أهدى وما هدى
وزعمه أن الكاف الاستعمارية تؤول على أنها للتعليل زعم قليل، فقولنا: فلان كوزير لا يجوز له أن يتعاطى التجارة، لا يفهم منه أحد أن الكاف للتعليل إلا إذا كان فهمه عليلا، فاسمع أيها المعترض ما يقوله ابن هشام في المغنى.
(الكاف المفردة) جارة وغيرها، والجارة حرف واسم، الحرف له خمسة معان، أحدها التشبيه، نحو زيد كالأسد، والثاني: التعليل أثبت ذلك قوم، ونفاه الأكثرون، وقيد بعضهم جوازه، بأن تكون الكاف مكفوفة بها، كحكاية سيبويه، كما أنه لا يعلم، فتجاوز الله عنه، والحق جوازه في المجردة من ما نحو:{وَيْكَأَنَّهُ لَا يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ} أي أعجب لعدم فلاحهم، وفي المقرونة بما الزائدة كما في المثال، وبما المصدرية، نحو {كَمَا أَرْسَلْنَا فِيكُمْ} الآية، قال الأخفش، أي لأجل إرسالي فيكم رسولا منكم فاذكروني، وهو ظاهر في قوله تعالى:{وَاذْكُرُوهُ كَمَا هَدَاكُمْ} وأجاب بعضهم بأنه من وضع الخاص موضع العام، الذكر والهداية يشتركان في أمر واحد، وهو الإحسان، فهذا في الأصل بمنزلة:{وَأَحْسِنْ كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ} والكاف للتشبيه ثم عدل عن ذلك للإعلام بخصوصية المطلوب.
وما ذكرناه في الآية من أن ما مصدرية، قاله جماعة وهو الظاهر وزعم الزمخشري وابن عطية وغيرهما أنها كافة، وفيه إخراج الكاف عما ثبت لها من عمل الجر بغير مقتض، واختلف في نحو قوله:
وطرفك إما جئتنا فاحبسنه
…
كما يحسبوا أن الهوى حيث تنظر
فقال الفارسي: الأصل كيما فحذف الياء، وقال ابن مالك هذا تكلف، بل هي كاف التعليل، وما الكافة، ونصب الفعل بها لشبهها بكي في المعنى، وزعم أبو محمد الأسود في كتابه المسمى بنزهة الأديب، أن أبا علي حرَّف هذا البيت، وأن الصواب فيه:
إذا جئت فامنح طرف عينك غيرنا
…
لكي يحسبوا .... البيت
شرح الغامض على بعض القراء من كلام المغنى.
• قوله (جارة وغيرها) أي الكاف المفردة، منها كاف جارة، ومنها كاف غير جارة.
• قوله (كما أنه لا يعلم فتجاوز الله عنه) المعنى تجاوز الله عنه لأنه لا يعلم، أي غفر له لعدم علمه، أن ما فعله ذنب.
• قوله (كما في المثال) يعني المتقدم من حكاية سيبويه، وهو كما أنه لا يعلم فتجاوز الله عنه، فالكاف للتعليل، وما زائدة، والمصدر المؤول من أن وما بعدها فاعل لفعل محذوف تقديره ثبت هكذا أعربه الأمير في حاشيته على المغنى والتقدير لثبوت عدم علمه سامحه الله فتجاوز عنه، والذي حمله على هذا التكلف أن ما بعد الفاء لا يعمل فيما قبلها، ولو اعتبرنا الفاء زائدة لم نحتج إلى هذا التقدير كله، فيكون الجار والمجرور متعلقا بما بعده، وهو تجاوز قوله (قال الأخفش: أي لأجل إرسالي) الخ فيه، إعمال ما بعد الفاء فيما قبلها، وقد سكت عنه الأمير، وهذا يدل على ما رجحته أنا في إعراب المثال المتقدم.
• قوله (وقال بعضهم) الخ يعنى أن بعضهم جعل الكاف في (كما أرسلنا) للتشبيه وفي {وَأَحْسِنْ كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ} لا للتعليل ومراده بالخاص إرسال الله الرسول، وذكر الناس لله
وشكرهم له يشملهم الإحسان، فالإرسال إحسان من الله إلى عباده، والذكر والشكر إحسان منهم في طاعته وعبادته، وبذلك يشبه قوله تعالى في سورة القصص:(77): {وَأَحْسِنْ كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ} .
•قوله (طرفك) الخ، هذا البيت لعمر بن أبي ربيعة، قاله السيوطي في حاشيته على المغنى، والمعنى، أن المحبوبة قالت للشاعر، بزعمه إن جئتنا فاحبس طرفك عني، وانظر إلى غيري ليظن الناس أنني لست محبوبتك، وأن محبوبتك حيث تنظر، وبذلك يبقى حبنا مستورا، فهكذا تستعمل كاف التعليل أيها المعترض المتعنت الغازي بلا سلاح، فلا جرم أن تكون عاقبتك الهزيمة والافتضاح.
دعاني لشب الحرب بيني وبينه
…
فقلت له لا لا، هلم إلى السلم
فلما أبى ألقيت فضل عنانه
…
إليه فلم يرجع بحزم ولا عزم
فكان صريع الخيل أول وهلة
…
فبعدا له يختار جهلا على علم
• قوله: ثم إنه لما عاب على القائل قوله لم يذكر له القول الصحيح فلنحسب أن القول المذكور دخيل، فما وجه الصواب؟ فالبراعة ليست في التخطئة وحدها، بل فيها وفي ذكر الوجه الصحيح، انتهى.
أقول: أنا لا أعامل الكتاب كما يعامل معلم الإنشاء في المدرسة الابتدائية تلاميذه كما تفعله أنت، ثم إن الكاف الاستعمارية تستعمل ضروبا من الاستعمال الفاسد، وقد نقلت عن الأئمة معاني الكاف، واستعمالها بأمثلة موضحة من كلام