الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
تقويم اللسانين (7)
1 - قال عنه:
من البدع المحدثات في الكلام العربي التي شاعت وذاعت في زمان الاستعمار، وكثرة ما يترجم من اللغات الأعجمية حين ضعفت الشعوب العربية، ولم يبق لها قول إلا ما تنقله من كلام المستعمرين المتغلبين قولهم (قال عنه) أنه كذا وكذا مدحًا أو ذما، وهذا خطأ، والصواب أن يقال (قال فيه). والأدلة على هذا أكثر من أن تحصى أقتصر على قليل منها.
قال ابن منظور في مادة (ق ول) وفي حديث سعيد بن المسيب حين قيل له: ما تقول في عثمان وعلي؟ فقال: أقول فيهما ما قولني الله تعالى (59 - 10){وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ} .
وفي حديث علي، عليه السلام: سمع امرأة تندب عمر فقال: أما والله ما قالته، ولكن قولته، أي لقنته وعُلِّمته وألقي على لسانها، يعني من جانب الإلهام، أي أنه حقيق بما قالت فيه اهـ.
الشاهد هنا في ثلاثة مواضع في قول سعيد بن المسيب: أولهما قوله (أقول فيهما ما قولني الله تعالى) والثاني في سؤال من سأله (ما تقول في عثمان وعلي؟ ) والثالث في خبر علي مع المرأة، وقد فسر صاحب اللسان بقوله (إنه حقيق بما قالت فيه)
ومعنى حقيق هنا: جدير بما قالت فيه تلك المرأة من المدح والثناء.
ومراد سعيد بن المسيب بتلاوة الآية أنه يقول فيهما خيرًا.
وبيان ذلك أن الله تعالى أثنى على المهاجرين في سورة الحشر بقوله (8){لِلْفُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا، وَيَنْصُرُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ، أُولَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ} . وأثنى على الأنصار بقوله (9){وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ. وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} وأثنى على التابعين لهم بإحسان بقوله (10){وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ} .
ذِكْرُ تفسير الحافظ ابن كثير لهذه الآيات باختصار:
قال ابن كثير: يقول تعالى مبينا حال الفقراء المستحقين لمال الفيء إنهم الذين أخرجوا من ديارهم وأموالهم، يبتغون فضلا من الله ورضوانا، أي خرجوا من ديارهم، وخالفوا قومهم ابتغاء مرضاة الله ورضوانه يَنْصُرُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ أي هؤلاء الذين صدَّقوا قولهم بفعلهم، وهم سادات المهاجرين. والفيء كل مال أخذه المسلمون من أعدائهم بدون قتال، كأموال بني النضير، وهي المعنية بهذه الآية.
ثم قال تعالى مادحا للأنصار، ومبينا لهم فضلهم وشرفهم وكرمهم، وعدم حسدهم، وإيثارهم مع الحاجة فقال تعالى:{وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ} أي سكنوا دار الهجرة من المهاجرين، وآمنوا قبل كثير منهم.
قال عمر (يعني في وصيته عند موته): وأوصي الخليفة بعدي
بالمهاجرين الأولين أن يعرف لهم حقهم، ويحفظ لهم كرامتهم، وأوصيه بالأنصار خيرًا الذين تبوأوا الدار والإيمان من قبل، أن يقبل من محسنهم، وأن يعفو عن مسيئهم. رواه البخاري.
ثم روى عن أحمد بسنده إلى أنس قال: قال المهاجرون: يارسول الله، ما رأينا مثل قوم قدمنا عليهم أحسن مواساة في قليل، ولا أحسن بذلا في كثير، لقد كفونا المؤونة، وأشركونا في الهناء (الهنأ ما أتاك من الرزق بلا مشقة) حتى لقد خشينا أن يذهبوا بالأجر كله قال: لا ما أثنيتم عليهم ودعوتم الله لهم اهـ.
ومعناه أن النبي صلى الله عليه وسلم لما آخى بين المهاجرين والأنصار صار الأخ الأنصاري يقوم بالعمل كله في أرضه ويقاسم أخاه المهاجر الغلة والثمرة. فخاف المهاجرون أن كل ما عملوه من عمل مقبول عند الله يكون أجره لإخوانهم الأنصار الذين كفوهم مؤونة العمل، وأشركوهم في الغلة والثمرة، فأخبرهم النبي صلى الله عليه وسلم أن أجرهم ثابت لهم، إن كافؤوا إخوانهم الأنصار بالثناء والشكر ودعوا الله لهم. روى أحمد والترمذي من حديث أبي سعيد أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: من لم يشكر الناس، لم يشكر الله.
وروى البخاري بسنده إلى يحيى بن سعيد، سمع أنس بن مالك حين خرج معه إلى الوليد قال دعا النبي صلى الله عليه وسلم الأنصار أن يقطع لهم البحرين، قالوا: لا إلا أن تقطع لإخواننا من المهاجرين مثلها، قال أما لا فاصبروا حتى تلقوني فإنه سيصيبكم أثرة اهـ.
قال في مجمع البحار: وفي الحديث ستلقون بعدي أثرة - بفتحتين - اسم من آثر يوثر إيثارا، أي أعطى، أراد أنه يستأثر عليكم، فيفضل غيركم في نصيبه من الفيء. والاستئثار: الانفراد بالشيء اهـ.
ثم قال ابن كثير: {وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا أُوتُوا} أي ولا يجدون في أنفسهم حسدا للمهاجرين فيما فضلهم الله به من المنزلة والشرف، والتقديم في الذكر والرتبة. قال الحسن البصري {وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً} يعني الحسد مِمَّا أُوتُوا قال قتادة: يعني فيما أعطى إخوانهم، وكذا قال ابن زيد:
ومما يستدل به على هذا المعنى ما رواه أحمد بسنده إلى أنس قال: كنا جلوسا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: (يطلع عليكم الآن رجل من أهل الجنة، فطلع رجل من الأنصار تنطف لحيته (أي تقطر) من وضوئه، قد علق نعليه بيده الشمال، فلما كان الغد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم مثل ذلك، فطلع ذلك الرجل مثل المرة الأولى، فلما كان في اليوم الثالث قال رسول الله صلى الله عليه وسلم مثل مقالته أيضا، فطلع ذلك الرجل على مثله حاله الأولى. فلما قام رسول الله صلى الله عليه وسلم تبعه عبدالله بن عمرو بن العاص فقال: إني لاحيت أبي (أي خاصمته) فأقسمت أني لا أدخل عليه ثلاثا، فإن رأيت أن تؤويني إليك حتى تمضي فعلت، قال: نعم، قال أنس: فكان عبدالله يحدث أنه بات معه تلك الثلاث الليالي، فلم يره يقوم من الليل شيئا، غير أنه إذا تعار (أي استيقظ) تقلب على فراشه، ذكر الله وكبر، حتى يقوم لصلاة الفجر، قال عبدالله: غير أني لم أسمعه يقول إلا خيرا، فلما مضت الثلاث الليالي، وكدت أن أحتقر عمله، قلت يا عبدالله، لم يكن بيني وبين أبي غضب ولا هجرة، ولكن سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم، يقول لك ثلاث مرات: يطلع عليكم الآن رجل من أهل الجنة، فطلعت أنت الثلاث المرات، فأردت أن آوي إليك، لأنظر ما عملك، فأقتدي به، فلم أرك تعمل
كبير عمل، فما الذي بلغ بك ما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال: ما هو إلا ما رأيت، فلما وليت، دعاني فقال: ما هو إلا ما رأيت، غير أني لم أجد في نفسي لأحد من المسلمين غشا، ولا أحسد أحدًا على خير أعطاه الله إياه، قال عبدالله: فهذه التي بلغت بك، وهي التي لا تطاق اهـ.
استفدنا من الآية والحديث الذي رواه عبد الله بن عمرو عن الرجل الأنصاري، أن العمل القليل مع سلامة الصدر من الحسد والغل والغش خير من العمل الكثير الذي ليس معه تلك السلامة، ولكن عندنا هنا إشكالا في ادعاء عبدالله بن عمرو أنه خاصم أباه فغضب عليه، واتخذ ذلك وسلة إلى أن يكون ضيفا عند الأنصاري ليراقب عمله بالليل من صلاة، وقراءة قرآن ودعاء، فهل كان ذلك جائزا أن يتذرع المرء بالكذب البحت، ليتوصل إلى خير، وهو ما يسمونه في لغة أهل هذا الزمان المأخوذة من اللغات الأجنبية: الغاية تسوغ الواسطة.
والذي نفهمه من أدلة الكتاب والسنة أن الكذب في مثل هذا لا يجوز، فهي هفوة ارتكبها هذا الصحابي الناشئ، حرصًا منه على الخير، واكتشاف الأسرار، ليعرف ما يقوم به ذلك الأنصاري من العبادة بالليل، حتى شهد له النبي صلى الله عليه وسلم أنه من أهل الجنة ثلاث مرات في ثلاثة أيام متوالية.
ثم قال ابن كثير: وقوله تعالى: وَ {يُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ} يعنى حاجة، أي يقدمون المحاويج على حاجة أنفسهم، ويبدأون بالناس قبلهم في حال احتياجهم إلى ذلك وقد ثبت في الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم، أنه قال:(أفضل الصدقة جهد المقل)، وهذا المقال أعلى من حال الذين وصف الله بقوله تعالى:(س 8: 76) {وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى
حُبِّهِ} وقوله: (2: 177){وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ} فإن هؤلاء تصدقوا وهم يحبون ما تصدقوا به، وقد لا يكون لهم حاجة إليه ولا ضرورة به، وهؤلاء آثروا على أنفسهم مع خصاصتهم وحاجتهم إلى ما أنفقوه.
ومن هذا المقام تصدق الصديق رضي الله عنه بجميع ماله، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم، ما أبقيت لأهلك؟ فقال: أبقيت لهم الله ورسوله). وهكذا الماء الذي عرض على عكرمة وأصحابه يوم اليرموك، فكل منهم أمر بدفعه إلى صاحبه، وهو جريح مثقل أحوج ما يكون إلى الماء، فرده الآخر إلى الثالث حتى ماتوا عن آخرهم، ولم يشربه أحد منهم رضي الله عنهم وأرضاهم.
وقال البخاري بسنده إلى أبي هريرة قال: أتى رجل رسول الله، صلى الله عليه وسلم، فقال: يا رسول الله، أصابني الجهد، فأرسل إلى نسائه فلم يجد عندهن شيئا، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ألا رجل يضيف هذا الليلة، رحمه الله، فقام رجل من الأنصار فقال: أنا يا رسول الله، فذهب إلى أهله فقال لامرأته: هذا ضيف رسول الله صلى الله عليه وسلم، لا تدخريه شيئا، فقالت: والله ما عندي إلا قوت الصبية، قال: فإذا أراد الصبية العشاء فنوميهم، وتعالي فاطفئي السراج، ونطوي بطوننا الليلة ففعلت، ثم غدا الرجل على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: لقد عجب الله عز وجل، أو ضحك من فلان وفلانة، وأنزل الله تعالى:{وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ} وفي رواية لمسلم تسمية هذا الأنصاري بأبي طلحة.
وقوله تعالى: {وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ}
أي من سلم من الشح، فقد أفلح وأنجح. روى أحمد ومسلم بالسند إلى جابر بن عبد الله أن النبي صلى الله عليه وسلم، قال:(إياكم والظلم، فإن الظلم ظلمات يوم القيامة، واتقوا الشح، فإن الشح أهلك من كان قبلكم، حملهم على أن سفكوا دماءهم، واستحلوا محارمهم).
وقوله تعالى: {وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ} هؤلاء هم القسم الثالث ممن يستحق فقراؤهم من مال الفيء، وهم المهاجرون ثم الأنصار، ثم التابعون لهم بإحسان، كما قال في سورة التوبة (100){وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ} فالتابعون لهم بإحسان هم المتبعون لآثارهم الحسنة، وأوصافهم الجميلة، الداعون لهم في السر والعلانية، ولهذا قال تعالى في هذه الآية الكريمة:{وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ أي قائلين رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا} أي بغضا وحسدا {لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ} .
وما أحسن ما استنبط الإمام مالك، رحمه الله، من هذه الآية الكريمة أن الرافضي الذي يسب الصحابة ليس له في مال الفيء نصيب لعدم اتصافه بما مدح الله به هؤلاء في قولهم {رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ} .
وقال ابن أبي حاتم بسنده إلى عائشة إنها قالت: أمروا أن يستغفروا لهم فسبوهم، ثم قرأت هذه الآية: {وَالَّذِينَ
جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ} الآية.
وروى البَغَوي بسنده إلى عائشة أيضا قالت، أمرتم بالاستغفار لأصحاب محمد، صلى الله عليه وسلم، فسببتموهم، سمعت نبيكم، صلى الله عليه وسلم، يقول: لا تذهب هذه الأمة حتى يلعن آخرها أولها اهـ.
قال محمد تقي الدين: وهذا ما قصده الإمامان سعيد بن المسيب ومالك، إذ فهما من الآيات الثلاث أن الله قسم المسلمين ثلاثة أقسام: المهاجرين والأنصار، والذين جاءوا من بعدهم إذا كانوا يحبونهم، ويستغفرون لهم ولا يسبونهم، فمن سبهم فلا حق له في الفيء، لأنه خارج عن الأصناف الثلاثة التي استوعبت المسلمين. فالمتبعون لهم بإحسان، كما في سورة التوبة لا يقولون فيهم إلا خيرا، ولا يتشيعون لبعضهم، ويسبون غيرهم ويبغضونهم.
قال الحافظ شمس الدين محمد بن أحمد بن عثمان الذهبي في كتابه (ميزان الاعتدال في نقد الرجال) أبان بن جبلة الكوفي أبو عبدالرحمن، ضعّفه الدار قُطْنِي وغيره.
قال البخاري: مُنْكَر الحديث. ونقل ابن القطان أن البخاري قال: كل من قلت فيه منكر الحديث فلا تحل الرواية عنه.
ثم قال: اعلم أن كل من أقول فيه: مجهول، ولا أسنده إلى قائل، فإن ذلك قول أبى حاتم فيه. اهـ فقوله (أقول فيه مجهول) وقوله (فإن ذلك قول أبي حاتم فيه) مطابقان للاستعمال العربي السليم. والشواهد في هذا الكتاب وفي غيره من كتب الجرْح والتعديل، كتهذيب التهذيب، للحافظ ابن حجر، ولسان الميزان، له أكثر من أن تحصى، ولم يرد في شيء منها قال عنه أو
قالوا عنه.
وإذا سأل سائل ماذا يقول النصارى في عيسى بن مريم يكون الجواب: يقولون فيه: إنه ابن الله، وإنه ثالث ثلاثة، وأنه الأقنوم الثاني، تعالى الله عن ذلك: وقال البوصيري في الهمزية في وصف امرأة أبي لهب وعداوتها للنبي صلى الله عليه وسلم
يوم جاءت غضبى تقول
…
أفي مثل من أحمد يقال الهجاء
تعني أفي يقال الهجاء الصادر من أحمد صلى الله عليه وسلم تعني بالهجاء سورة: تبت يدا أبي لهب فقال (في مثلي، ولم يقل عن مثلي) والقول يعدى بـ (في) في المسائل كذلك يقال: ما تقول في مسألة كذا وكذا. وقال عبدالله بن مسعود في مسألة سئل عنها: أقول فيها برأيي، فإن كان صوابا فمن الله، وإن كان خطأ فمني ومن الشيطان.
وقد أكثر من ذلك ابن برى في منظومته كقوله:
القول في التعوذ المختار
…
وحكمه في الجهر والإسرار
كيف تستعمل قال عنه؟
فإن قلت: قد فهمنا من كلامك أن تعبير عامة الكتاب يقال عنه في موضع قال فيه خطأ، فأين تستعمل قال عنه؟ فالجواب: يستعملها المحدثون في الرواية، وقد أكثر من ذلك البخاري رحمه الله. فمن ذلك قوله في كتاب العلم من صحيحه: وقال شقيق عن عبدالله سمعت النبي صلى الله عليه وسلم: وقال أبو العالية عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم: وقال أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم. وقال أبو هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم اهـ.
فمعنى قال هنا: روى وحدث، فهذا هو الفرق بين قال فيه وقال عنه، يجب علينا أن نميز بينهما، وأن نستعمل كلًا منهما