الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بنصوصهما فما بالك عدلت عنهما في هذا الحرف؟ فالجواب أنني لم أجد فيهما نصا على ما أريده وهذا من العجب وسأسوق هنا نص اللسان، ثم أحاول ربطه بالمعنى المقصود والعقد نقيض الحل عقده يعقده عقدا وتعاقدا وعقدة ثم قال واعتقده كعقده ثم قال وعقدة النكاح والبيع وجوبهما.
قال الفارسي هو من الشد والربط، وانعقد النكاح بين الزوجين، والبيع بين المتبايعين، وعقدة كل شيء إبرامه ثم قال واعتقد الشيء صلب واشتد، وقال البيضاوي {وَلَا تَعْزِمُوا عُقْدَةَ النِّكَاحِ} [البقرة: 235]، ذكر العزم مبالغة في النهي عن العقد أي ولا تعزموا عقدة النكاح، وقيل معناه ولا تقطعوا عقدة النكاح فإن أصل العزم القطع وقال القاسمي في تفسيره، قال الرازي أصل العقد الشد وسميت العهود والأنكحة عقودا لأنها تعقد كما يعقد الحبل، وقال البيضاوي في تفسير قوله تعالى:{وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا عَقَّدْتُمُ الْأَيْمَانَ} [المائدة: 89]، بما وثقتم الأيمان عليه بالقصد والنية والمعنى ولكن يؤاخذكم بما عقدتم إذا حنثتم أو بنكث ما عقدتم فحذف للعلم به وقرأ حمزة والكسائي وابن عياش عن عاصم عقدتم بالتخفيف وابن عامر برواية ابن ذكوان عاقدتم وهو من فاعل بمعنى فعل، اهـ.
وقال أيضا في تفسير قوله وتعالى: {وَمِنْ شَرِّ النَّفَّاثَاتِ فِي الْعُقَدِ} [الفلق: 4] ومن شر النفوس أو النساء السواحر اللاتي يعقدن عقدا في خيوط وينفثن عليها، والنفث النفخ من ريق.
بيان وجه الاحتجاج بما تقدم:
حاصله أن العقد هو الشد والربط والإبرام والتوثيق وضده الحل والنكث والنقض. وعقد واعتقد معناهما واحد، ويكون في الحسيات كعقد الخيط والحبل، وفي المعنويات كعقد النكاح والبيع
واليمين والعهد والاعتقاد الذي نحن بصدده من القسم الثاني وهو المعنوي فاعتقاد الإنسان أمرا من الأمور، جزمه به وتصديقه وإيمانه فكأنه عقد الأيمان والتصديق بذلك الأمر بقلبه حين جزم به فلو كفر به لكان كفره حلا لما عقد ونقضا له وذلك يتنافى مع الظن المرجوح والمستوى الطرفين والغالب لأنه متى داخله شك في أمر من الأمور لا يصح أن يقال إنه يعتقده إلا مع البيان كقوله اعتقادا غير جازم، فإن قيل فماذا ينبغي أن يقال بدل ذلك؟ فالصواب ينبغي أن يقال: أظن مما تقدم من قوله تعالى حكاية عن الكفار: {إِنْ نَظُنُّ إِلَّا ظَنًّا وَمَا نَحْنُ بِمُسْتَيْقِنِينَ} [الجاثية: 32] ولما جاء في الخبر الصحيح مرفوعا إلى النبي صلى الله عليه وسلم: "إياكم والظن فإن الظن أكذب الحديث" وقوله تعالى: {إِنَّ الظَّنَّ لَا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئًا} [يونس: 36].
تقويم اللسانين (13)
كنت قد نشرت مقالات بهذا العنوان في مجلة دعوة الحق التي تصدر في وزارة الأوقاف بالمغرب الأقصى وجمعت ما تيسر لي جمعه من تلك المقالات فبلغ ذلك جزءاً وأهل الغيرة على لغة القرآن الذين يحرصون على بقائها بأسلوبها الجميل وفصاحتها وبلاغتها ويتألمون لكل ما يصيب وجهها الجميل من خدوش تذهب بمحاسنها وأقذاء تكدر صفاء معينها يحرصون كل الحرص على قراءة مثل هذه المقالات التي تنبه على العبارات الدخيلة والأخطاء المفسدة وعسى الله أن ييسر نشر هذا الجزء ليعم نفعه، وعندي من العبارات التي تحتاج إلى الإصلاح شيء كثير لم أنشط للكتابة والتأليف فيه لموانع متعددة، منها صعوبة النشر جعلت هذا مقدمة لإصلاح خطأ فاحش جرى على ألسنة الخاصة والعامة في هذا الزمان نسمعه في الإذاعات والخطب والمحادثات والتدريس، وكلما سمعت شيئا منه أتألم وأتكلم ولكن قلَّ من يستمع وقلَّ من يعين.
لقد أسمعت لو ناديت حيا
…
ولو نارا نفخت بها أضاءت
ولكن لا حياة لمن تنادي
…
ولكن أنت تنفخ في رماد
والشعوب المعاصرة كالبريطانيين والفرنسيين والجرمانيين والأمريكيين يبذلون جهودا وأموالا عظيمة في المحافظة على سلامة لغاتهم ونشرها في أرجاء الدنيا، أما المتكلمون بالعربية فلا تهمهم
لغتهم ولا يعبأون بحياتها وموتها وصحتها وسقمها فإلى الله المشتكى.
وسأقتصر هنا على ذكر الخطأ المشار إليه والدعوة إلى إصلاحه وهذا الخطأ مقصور على التحدث والنطق وهو حذف تاء التأنيث المتحركة، والاختصار على حركة ما قبلها وهي الفتحة فبعضهم يمدها فينشأ عنها ألف وأكثرهم لا يمدها فمن ذلك قولهم المملكة العربية السعودية (المملكا العربيا السعوديا) ومن ذلك قولهم (الأجهزَ الإعلامية) ومن ذلك (الأسمدَ الكيماوية)(الطاق البشرية)(الأمم الداخل في الإسلام) وهذا في نظري فساد عظيم بدأت به العامة الجهال وشاع وذاع وألفته الأسماع فاقتدت بهم الخاصة، ويمكننا أن نخفف اللوم على العامة لجهلهم بقواعد اللغة العربية فإذا قالوا مثلا الأمم الداخلة في الإسلام يلزمهم إعراب (الداخلة) والنطق بها إما مرفوعة أو منصوبة أو مجرورة حسب ما يقتضيه العامل فيخافون أن يخطئوا في إعرابها فيحذفون التاء ويستريحون فهؤلاء لهم شيء من العذر لجهلهم، أما الخاصة العاملون بالنحو فلا عذر لهم وهم ملومون من وجهين، الأول تعمدهم لإفساد لغة القرآن، الثاني اقتداؤهم بالجهال.
والعجب كل العجب أن هذا الفساد نفسه قد سبق إليه العبرانيون والسريانيون منذ آلاف السنين، فإن الرأي الصحيح الذي عليه المحققون من علماء هذا الشأن أن اللغة العربية هي الأصل وسائر اللغات السامية تفرعت عنها كما تفرعت العامية عن الفصحى ومن العجب أن التطور الذي وقع في اللغة العبرانية واللغة السريانية هو بعينه الذي وقع في اللغة العامية فإن العبرانية والسريانية كان فيهما إعراب في الأصل ولا تزال بقاياه في اللغة العبرانية ولما كثر الجهل بالقواعد فيهما أخذ الإعراب يزول شيئا