الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المنسرح.
6 - هذا العمل له ما يبرره:
ومن أخطائهم قولهم: لهذا العمل ما يبرره، وكأنهم يريدون بالتبرير أن يجعل من البر وهو الإحسان. وقد بحثت فلم أجد في لسان العرب، وهو أكبر معجم عند العرب اليوم، برَّر على وزن فعَّل، كعلَّم وإنما وجدت برَّ وأبرَّ، وهذا من أخطاء المترجمين للفظ الإنكليزي Jastify والصواب أن يقال: لهذا العمل ما يسوغه، أي يجعله سائغا، فلا يعاقب فاعله ولا يلام.
7 - قولهم: يعشق الصحافة ويعشق العلم:
قال في القاموس: العشق والمعشق كمقعد، عجب المحب بمحبوبه، أو إفراط الحب، ويكون في عفاف وفي دعارة، أو عمى الحس عن إدراك عيوبه، أو مرض وسواسي يجلبه إلى نفسه بتسليط فكره على استحسان بعض الصور اهـ.
قال الحافظ ابن الجوزي في كتابه تلبيس إبليس في أثناء انتقاده على بعض الصوفية استعمالهم لفظ العشق في حب الله تعالى قال: لا يعشق إلا ما ينكح. وكلام صاحب القاموس يؤيده، فإن قوله: يكون في عفاف وفي دعارة، يدل على أن العشق لا يستعمل استعمالا صحيحًا إلا في حب يتعلق بمن تمكن مباشرته، والشخص الذي تمكن مباشرته، وهو المعشوق، يكون ممتنع الوصول، فيزيد ذلك الامتناع في إذكاء نار العشق في قلب العاشق، فإن كان تقيا عفيفا صبر وامتنع عن طلب الوصال، إيثارا لما يبقى على ما يفنى، أو تجنبًا للعار، وإن كان غير عفيف اندفع في طلب الوصال بدون مبالاة، وهذا هو الذي عبر عنه اللغويون بالدعارة. وكلتا الحالين لا تتفق إلا مع المعشوق الذي تمكن مباشرته.
أما الصحافة والعلم والمعرفة والرياضة وما أشبه ذلك، فالصواب أن يعبر فيها بالحب، وكذلك حب الله سبحانه وتعالى، وحب رسوله والمؤمنين، لا ينبغي أن يعبر عنه بالعشق. ويدل على ذلك أيضا قول صاحب القاموس (أو مرض وسواسي يجلبه إلى نفسه بتسليط فكره على استحسان بعض الصور) فإن من أحب الله ورسوله والعلم وأهله لا يجلب لنفسه مرضًا وسواسيًا أبدًا، بل يزداد عقله قوة وصحة.
وكذلك القول بأن العشق عمى الحس عن إدراك عيوب المعشوق، لا يتناسب إلا مع من تمكن مباشرته. ويروى حديث في العشق ذكره داود الأنطاكي في كتابه (تزيين الأسواق بتفصيل أشواق العشاق) ص 6 هذا نصه:
عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من عشق فعف، فمات دخل الجنة). زاد الخطيب عنه: فظفر، ثم أبدل قوله (دخل الجنة) بقوله «مات شهيدا» ، وفي أخرى (فكتم). والحديث بسائر ما ذكر صححه مغلطاي، وأعله البيهقي والجرجاني والحاكم في التاريخ بضعف سويد وتفرده به. ورواه ابن الجوزي مرفوعا وأبو محمد بن الحسن موقوفا، وأخرج الخطيب عن عائشة رفعه أيضا.
وحاصل الأمر أما صحته أو حسنه، والجواب عن تفرد سويد المنع بوروده عن غيره، وحكايته تحديثا، وكونه قبل عماه، فلا تدليس اهـ.
والعجب من هذا الرجل الذي قضى عمره في علم الطب والفلسفة كيف تكلم على هذا الحديث كأنه من علماء الحديث، ولا غرابة في ذلك، فإن المسلمين في زمان عزهم وارتقائهم كانت لهم ثقافة جامعة عالية لا تشبهها أي ثقافة من ثقافات العصر
الحاضر وإذا أردت تزداد أن علمًا بذلك فعليك بمطالعة كتاب عيون الأنباء في طبقات الأطباء، لابن أبي أصيبعة، فإنك ترى أولئك الأطباء الذين ترجم لهم متبحرين متفننين في علوم كثيرة، إذا رأيت اطلاعهم في كل علم منها تقول: إنهم لا يحسنون غيره، وهذه مزية خاصة بعلماء الإسلام.
أما المثقفون في هذا العصر، فأغلبهم لا يحسن من العلوم إلا ما اختص به، ومن عجائب ما رأيت في ذلك أني كنت أتحدث في مستشفى العيون التابع لجامعة بُون بألمانيا مع رئيس المستشفى، وهو أحد العلماء العشرة الذين يتألف منهم مجلس الجامعة الأعلى، وهو الدكتور البروفيسور (شميت schmit) وكان ذلك سنة 1954 م فوجدته يعتقد وجود الدولة العثمانية واستمرار سلاطينها، مع أنه بلغ الغاية في علم الطب، حتى أنه يدعى من الولايات المتحدة ليسافر إلى هناك لإجراء الأعمال الجراحية وإلقاء المحاضرات، وقد بلغ جهله بالتاريخ إلى ما رأيت.
وهذا الحديث أيضا يدل على أن العشق لا يكون إلا لمن تمكن مباشرته. ثم راجعت الجامع الصغير فوجدته ذكر حديثين في هذا الباب، أحدهما عن عائشة، ونصه:(من عشق فعف، ثم مات، مات شهيدا). رواه الخطيب، وأشار إليه السيوطي بعلامة الضعف.
والثاني: عن ابن عباس: (من عشق فكتم وعف فمات، فهو شهيد). رواه الخطيب، وأشار إليه السيوطي بعلامة الضعف أيضا.
وإن صدق الأنطاكي في نقله صحة الحديث عن الإمام الحافظ علاء الدين مغلطاي، فإنه حجة في علم الحديث. ويؤيد ما ذكرناه أن حب الله، ذكر في القرآن، في مواضع عديدة، ولم يعبر عنه بالعشق. وحب الرسول صلى الله عليه وسلم جاء
في الحديث.
أخرج البخاري من حديث أنس بن مالك أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من والده وولده والناس أجمعين).
والأحاديث التي جاء فيها حب الله ورسوله، وحب المؤمنين بعضهم بعضا كثيرة، ولم يرد في شيء منها التعبير بالعشق.