الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
نونا التوكيد:
للفعل توكيدٌ بنونين هُما
…
كنوني اذهبنَّ واقصدنهما
للتوكيد نونان ثقيلة كنون "اذهبن" وخفيفة كنون "اقصدنَهما" وهما أصلان عند البصريين لتخالف بعض أحكامهما، ومذهب الكوفيين أن الخفيفة فرع الثقلية، وذكر الخليل أن التوكيد بالثقيلة أشد من الخفيفة.
وفهم من قوله: "للفعل" اختصاصه بهما، وندر توكيد اسم الفاعل كقوله1:
أقائلُنَّ أحضروا الشهودا
يؤكدان افعل ويفعل آتيا
…
ذا طلب أو شرطا إما تاليا
نونا التوكيد يؤكدان الأمر والمضارع دون الماضي؛ وقد جاء توكيد الماضي؛ لكونه مستقبل المعنى في قوله2:
دامَنَّ سعْدُكِ إن رَحمْتِ متَيَّمَا
…
...........................
1 قائله: هو رؤبة بن العجاج وقيل: لشاعر من هذيل، وهو من الرجز.
وقبله:
أريتَ إن جاءت به أملودا
…
مرجَّلا ويَلبسُ البرودا
اللغة: "الأملود" الناعم "مرجلا" ترجيل الشعر وإرساله بالمشط "البرود" جمع برد نوع من الثياب.
المعنى: أخبرني إن جاءت هذه المرأة بشاب حسن القوام كالغصن الناعم مرجل الشعر ليتزوجها، ولكنه فقير معدم، أأنت راض عن ذلك، آمر بإحضار الشهود لعقد نكاحها، والاستفهام إنكاري للتهكم.
الإعراب: "أقائلن" الهمزة للاستفهام قائلن خبر لمبتدأ محذوف تقديره: أفأنت قائلن، وهو مرفوع بالواو المحذوفة للتخلص من التقاء الساكنين والنون المحذوفة لتوالي الأمثال عوض عن التنوين في الاسم المفرد "أحضروا" فعل وفاعله "الشهودا" مفعول به، والجملة من الفعل والفاعل والمفعول في محل نصب مقول القول، وجملة المبتدأ والخبر في محل جزم جواب الشرط الذي هو "إن جاءت به".
الشاهد: قوله: "أقائلن" حيث دخلت فيه نون التوكيد، وهو اسم فاعل.
مواضعه: ذكره من شراح الألفية: الأشموني 501/ 2، 16/ 1، وابن هشام 23/ 1، وابن الناظم، والسيوطي ص109، وفي همعه 79/ 2، والشاهد 950 في الخزانة.
2 قائله: لم أقف على اسم قائله، وهو من الكامل.
وتمامه:
لولاكِ لم يكُ للصبابة جانِحا =
فأما الأمر فيؤكدانه بلا شرط نحو "اضربن" وكذا الدعاء نحو1:
وأَنْزِلَنْ سكينةً عَلَيْنَا
وتوكيد الأمر بالنون جائز لا واجب.
وأما المضارع فإن كان حالا لم تدخل عليه النون؛ ولهذا قال: "آتيا"، وإن كان مستقبلا أكد بها لا مطلقا بل في مواضع مخصوصة:
= اللغة: "دامن" من الدوام. ودخله نون التوكيد على وجه الشذوذ "سعدك" خطاب لمحبوبته "المتيم" -بالتشديد- من تيمه الحب إذا عبده "الصبابة" المحبة والعشق "الجانح" من جنح إذا مال.
المعنى: أدام الله سعدك إن رحمت المتيم ولولا أنتِ موجودة لم يكن المتيم مائلا للصبابة.
الإعراب: "دامن" فعل ماض والنون للتوكيد "سعدك" فاعل والكاف مضاف إليه "إن" شرطية "رحمت" فعل وفاعل -وقعت فعل الشرط- "متيما" مفعول، وجواب الشرط محذوف تقديره: أدام الله سعدك "لولاك" لولا لربط امتناع الثانية بوجود الأولى، وهي عند الجمهور جارة للضمير وموضع المجرور رفع الابتداء، والخبر محذوف وقد سد مسده جواب لولا وهي الجملة التي بعده.
وقال الخليل: لولا لا تجر، ولكنهم أنابوا الضمير المخفوض عن المرفوع "لم يك" جواب لولا ولم حرف نفي وجزم وقلب وأصله لم يكن فحذفت النون تخفيفا والضمير المستتر فيه العائد إلى المتيم هو اسم يكن "للصبابة" متعلق بجانحا "جانحا" خبر يكن.
الشاهد: قوله: "دامن" حيث دخلت فيه نون التوكيد وهو ماض.
مواضعه: ذكره من شراح الألفية: الأشموني 495/ 2، والشاطبي، وذكره ابن هشام في المغني 22/ 2، والسيوطي في الهمع 99/ 2، والشاهد 83 في الخزانة.
1 قائله: هو عبد الله بن رواحة، وقيل: لعامر بن الأكوع، وقيل: كعب بن مال، وهو من الرجز.
وصدره:
فثبت الأقدام إن لاقينا
المعنى: ثبتنا على الإسلام بإظهار دينك ونصر رسولك حتى تسكن نفوسنا إلى ذلك وتزداد إيمانا بك.
الإعراب: "ثبت" فعل أمر والفاعل ضمير مستتر "الأقدام" مفعول به "إن" شرطية "لاقينا" لاقى فعل ماض فعل الشرط ونا فاعل "وأنزلن" الواو عاطفة "وأنزلن" فعل أمر جاء للدعاء ونون للتوكيد، والفاعل ضمير مستتر "سكينة" مفعول به "علينا" جار ومجرور، وجواب الشرط محذوف دل عليه الكلام.
الشاهد: قوله: "أنزلن" حيث دخلت نون التوكيد الحفيفة على الأمر.
مواضعه: ذكره الأشموني 495/ 2، والسيوطي في الهمع 78/ 2، وسيبويه 150/ 2.
أولها: أن يكون بعدما يقتضي طلبا من لام أمر أو لا نهي أو أداة تحضيض أو عرض أو تمن أو استفهام بحرف أو باسم خلافا لمن خص ذلك بالهمزة وهل1، وقد أشار إلى هذا بقوله:"ذا طلب".
الثاني: أن يكون شرطا لأن مقرونة بما الزائدة نحو: {وَإِمَّا تَخَافَنَّ} 2.
وإلى هذا أشار بقوله: "أو شرطا إما تاليا" واحترز من الواقع شرطا لغير إما فإن توكيده قليل كما سنذكر.
الثالث: أن يكون جوابا لقسم بخمسة شروط:
الأول: أن يكون مستقبلا، فإن الحال لا يؤكد بالنون كما سبق، فإذا أقسم على فعل الحال صدر باللام وحدها كقراءة ابن كثير:"لَا أُقْسِمْ بِيَوْمِ الْقِيَامَةِ"3. ومن منع الإقسام على فعل الحال أول الآية على إضمار مبتدأ، أي: لأنا أقسم، والمنع مذهب البصريين.
الثاني: أن يكون مثبتا، فإن كان منفيا لم تدخله النون نحو:"والله لا يقوم زيد".
وقد جاء توكيد المنفي في قوله4:
تالله لا يُحمدنَّ المرءُ مُجْتَنِبَا
…
فِعْلَ الكرامِ ولو فَاقَ الورَى حَسبَا
1 الأمثلة: لام الأمر نحو: "ليقومن محمد" والنهي نحو قوله تعالى: {وَلَا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَافِلًا} والتحضيض نحو:
هلا تُمننَّ بوعد غير مخلفة
…
كما عهدتك في أيام ذي سلم
والعرض نحو: "ألا تنزلن عندنا" والتمني نحو قوله:
فليتك يوم الملتقى ترينني
…
لكي تعلمي أني امرؤ بك هائمُ
والاستفهام نحو:
وهل يمنعني ارتيادي البلا
…
د من حذر الموت أن يأتينْ
فأقبلْ على رهطي ورهطك نبتحث
…
مساعينا حتى ترى كيف نفصلا
2 من الآية 58 من سورة الأنفال.
3 من الآية 1 من سورة القيامة.
4 قائله: لم أقف على قائله، وهو من البسيط.
الإعراب: "تالله" التاء حرف قسم ولفظ الجلالة مقسم به "لا يحمدن" لا نافية ويحمدن فعل مضارع مبني للمجهول، وهو مبني على الفتح لاتصاله بنون التوكيد "المرء" نائب فاعل "مجتنبا" حال "فعل" مفعول مجتنبا "الكرام" مضاف إليه "ولو فاق" لو حرف امتناع وفاق فعل ماض والفاعل ضمير مستتر فيه "حسبا" تمييز.
الشاهد: قوله: "لا يحمدن" حيث أكد الفعل المنفي.
مواضعه: ذكره الأشموني 496/ 2.
الثالث: أن يكون غير مقرون بحرف تنفيس، فإنه لا يدخله النون نحو:{وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَى} 1.
الرابع: ألا يكون مقدم المعمول كقوله تعالى: {وَلَئِنْ مُتُّمْ أَوْ قُتِلْتُمْ لَإِلَى اللَّهِ تُحْشَرُونَ} 2.
فإنه لا تدخله النون.
الخامس: ألا يقترن بقد نحو: "والله لقد أظن زيدا منطلقا"، فإنه لا يجوز توكيده "بالنون"3.
وإلى هذا أشار بقوله:
أو مثبتا في قَسَم مُستقبلا
…
.......................
لكنه أخل بشتراط الثلاثة المتأخرة.
وقد نبه في الكافية والتسهيل على الثالث والرابع.
تنبيه:
توكيد المضارع بعد الطلب ليس بواجب اتفاقا، وأما بعد إما فمذهب سيبويه أنه ليس بلازم ولكنه أحسن؛ ولذا لم يجئ في القرآن بعدها إلا مؤكدا، وإليه ذهب الفارسي وأكثر المتأخرين، وهو الصحيح، وقد كثر في الشعر مجيئه غير مؤكد4.
وذهب المبرد والزجاج إلى لزوم نون التوكيد بعد إما، وزعما أن حذفها ضرورة.
1 سورة الضحى: 5.
2 سورة آل عمران: 158.
3 ب.
4 ومن ذلك قول الشاعر:
فإما تَرَيْنِي وَلِي لِمَّةٌ
…
فإن الحوادثَ أودَى بها
وأما بعد القسم فهو واجب عند البصريين بالشروط المذكورة، فلا بد عندهم من اللام والنون، وأجاز الكوفيون تعاقبهما، وقد ورد في الشعر.
وقوله:
وقَلَّ بعد ما ولم وبعد لا
يعني: أن التوكيد بالنون قَلَّ بعد هذه الأربعة:
الأول: "ما" والمراد بها الزائدة كقولهم:
"بعَيْنٍ ما أَرَيَنَّكَ وبِجُهْدٍ ما تَبْلُغَنْ"1.
وقوله2:
ومن عِضَةٍ ما يَنْبُتنَّ شَكيرُهَا
وقوله3:
قليلا به ما يَحْمَدَنَّك وارِثٌ
1 "بعين ما أرينك" تقول لمن يخفي أمرا أنت به بصير "وبجهد ما تبلغن" تقوله لمن حملته فعلا فأباه أي: لا بد لك من فعله مع مشقة.
2 قائله: لم ينسب لقائل -وهو مثل عربي يضرب للفرع الذي ينشأ كأصله- وهو من الطويل.
وصدره:
إذا مات منهم سيِّدٌ سَرق ابنه
اللغة: "عضة" شجر ذات شوك من أشجار البادية، والجمع عضاه "شكيرها" الشكير: ما ينبت حول الشجرة من أصلها.
المعنى: إذا مات من هؤلاء القوم شخص سرق ابنه صفاته وخلاله وأصبح مثله، وإنما يجيء الفرع وفق أصله.
الإعراب: "إذا" ظرف للمستقبل "مات" فعل ماض "منهم" جار ومجرور متعلق بمحذوف حال من سيد "سيد" فاعل والجملة في محل جر بإضافة إذا "ابنه" فاعل سرق "ومن عضة" جار ومجرور متعلق بينبتن "ما" زائدة "شكيرها" فاعل ينبتن والهاء مضاف إليه.
الشاهد: قوله "ينبتن" فقد أكد بالنون الثقيلة لوقوعه بعد "ما" الزائدة غير المسبوقة بإن الشرطية.
مواضعه: ذكره من شراح الألفية: الأشموني 497/ 2، وابن هشام 310/ 3، وذكره سيبويه 153/ 2، والشاهد 947 في الخزانة.
3 قائله: هو حاتم الطائي، وهو من الطويل.
وتمامه:
إذا نال مما كنتَ تجمع مَغْنما =
وجعل بعضهم في قوله: "ما يحمدنك وارث" نافية، وقال: هو نادر أو ضرورة يندرج في إطلاقه ما الكافة لرب، حكى سيبويه:"ربما يقولن ذلك".
وأما قوله1:
رُبَّما أَوْفَيْتَ فِي عَلَم
…
تَرْفَعْنَ ثَوبِي شَمَالاتُ
فبعيد جدا.
فإن قلت: فقد ذكر في الكافية أن التوكيد بعد "ما" الزائدة شاع، وقال في شرحها: وإنما كثر هذا التوكيد بعد "ما" الزائدة لشبهها بلازم القسم. قال سيبويه: ولا تقع بعد هذه الحروف "إلا" و"ما" زائدة، فأشبهت لام القسم عندهم. انتهى.
= اللغة: "مغنما" غنيمة - وهو الحصول على الشيء بدون مشقة.
المعنى: قلما يحمد الوارث من ورثه مع أنه يستولي على ما جمعه من المال، وأفنى عمره في الحصول عليه. فلينظر الإنسان في خير ما ينفق فيه ماله.
الإعراب: "قليلا" صفة لمصدر محذوف منصوب بمحذوف يدل عليه يحمدانك؛ أي: يحمدنك حمدا قليلا ولم يجعل المصدر معمولا ليحمدنك الآتي؛ لأن معمول الفعل المؤكد لا يتقدم عليه "ما" زائدة "به" متعلق بيحمدنك "وارث" فاعل "مغنما" مفعول نال.
والشاهد: قوله: "يحمدنك" حيث أكده الشاعر بالنون الثقيلة بعد "ما" الزائدة.
مواضعه: ذكره من شراح الألفية: الأشموني 479/ 2، وابن هشام 310/ 3، وابن الناظم، والسيوطي ص109، وفي همعه 78/ 2.
1 قائله: هو جذيمة الأبرش، وهو من المديد.
اللغة: "أوفيت" نزلت "علم" -بفتح اللام- جبل "في" بمعنى على "شمالات" رياح الشمال.
المعنى: كثيرا ما أنزل على الجبال العالية في مهب الرياح العاتية متحملا المصاعب لأرقب الأعداء، يفتخر بأنه يرقب الطليعة بنفسه متحملا المشاق ولا يعتمد على غيره.
الإعراب: "ربما" رب حرف جر شبيه بالزائد "ما" كافة "أوفيت" فعل وفاعل "في علم" متعلق بأوفيت وفي بمعنى على "ترفعن" فعل مضارع مبني على الفتح لاتصاله بنون التوكيد الخفيفة "ثوبي" مفعول ترفعن "شمالات" فاعله.
الشاهد: قوله: "ترفعن" حيث أكده بالنون الخفيفة.
مواضعه: ذكره من شراح الألفية: الأشموني 498/ 2، وابن هشام 278/ 2، وابن الناظم، والسيوطي ص109، وفي همعه 78/ 2، وسيبويه 153/ 2، وشرح المفصل 40/ 9، والمغني 119/ 1، 9/ 2.
فكيف قال هنا: قد قلَّت؟ قلَّته إنما هو بالنسبة إلى المواضع السابقة فلا ينافي كونه شائعا.
فإن قلت: فهل هو مطرد؟
قلت: ظاهر كلام المصنف اطراده، وقال بعضهم: لا يقاس على هذه الأمثلة المذكورة.
فإن قلت: فهل يطرد بعد ربما؟
قلت: قال في الكافية: وشذ بعد ربما، وعلل بأن الفعل بعدها ماضي المعنى، ونص بعضهم على أن إلحاق النون بعدها ضرورة، وظاهر كلام سيبويه يشعر بأنه لا يختص بالضرورة، وهو ظاهر التسهيل ومثاله بعد "لم" قوله1:
يحسَبُه الجاهلُ ما لم يَعْلَمَا
…
.......................
وهو قليل، ونص سيبويه على أنه ضرورة؛ لأن الفعل بعد لم ماضي المعنى كما كان بعد ربما.
1 قائله: هو أبو الصماء مساور بن هند العبسي، يصف سقاء لبن، وقيل: لأبي حيان الفقعسي.
وتمامه:
شيخا على كرسيه مُعَمَّمَا
وهو من الرجز.
اللغة: "يحسبه" يظنه "معمما" لابسا عمامة.
المعنى: يصف الشاعر قعب لبن علته رغوة حتى امتلأ، يظنه الجاهل الذي لا يعلم الحقيقة شيخا لابسا عمامته وقد جلس وتربع فوق كرسيه.
الإعراب: "يحسبه" فعل مضارع والهاء مفعول أول "الجاهل" فاعل "ما" مصدرية "لم" نافية جازمة "يعلما" فعل مضارع مبني على الفتح لاتصاله بنون التوكيد المنقلبة ألفا للوقف في محل جزم "شيخا" مفعول ثانٍ ليحسب "على كرسيه" جار ومجرور متعلق بمحذوف صفة لقوله شيخا "معمما" صفة ثانية لشيخا.
الشاهد: قوله: "لم يعلما" حيث أكده بالنون الخفيفة المنقلبة ألفا بعد "لم".
مواضعه: ذكره من شراح الألفية: الأشموني 498/ 2، وابن هشام 311/ 3، وابن عقيل 299/ 2، وابن الناظم والمكودي ص136، والسيوطي ص109، في همعه 78/ 2، وذكره سيبويه 152/ 2، وشرح المفصل 42/ 9، والإنصاف 385/ 2، والشاهد 949 في الخزانة.
قال في شرح الكافية: وهو بعد ربما أحسن. ومثاله بعد "لا" والمراد بها النافية قوله تعالى: {وَاتَّقُوا فِتْنَةً لَا تُصِيبَنَّ} 1 وذلك لشبهها بالناهية.
ومذهب الجمهور منع التوكيد بالنون بعد "لا" النافية إلا في الضرورة، وأجازه المصنف وابن جني.
وتأول المانعون الآية فقيل: "لا" ناهية والجملة محكية بقول: "محذوف هو"2 صفة "فتنة" فتكون نظير3:
جاءوا بِمذْقٍ هَلْ رأيتَ الذِّئْبَ قَطْ
وقيل: "لا" ناهية أيضا وتم الكلام عند قوله: {وَاتَّقُوا فِتْنَةً} ثم ابتدأ نَهْيَ الظلمة خاصة عن "التعرض"4 للظلم فتصيبهم الفتنة خاصة، وأخرج النهي "عن"5 إسناده للفتنة، فهو نهي محول كما قالوا:"لا أريَنَّك هاهنا"6 وهذا تخريج المبرد والفراء والزجاج، وقال الأخفش الصغير:"لا تصيبنّ" هو على معنى الدعاء، وقيل:"لا تصيبن" جواب قسم، والجملة موجبة، والأصل "لتُصيبَنّ" كقراءة ابن مسعود وغيره، ثم أشبعت اللام، وهو ضعيف؛ لأن الإشباع بابه الشعر، وقيل: جواب قسم، ولا: نافية ودخلت النون تشبيها بالموجب وكما دخلت في قوله7:
تالله لا يحمدن المرء مجتنبا
وقال الفراء: الجملة جواب الأمر، كقولك:"انزل عن الدابة لا تطرَحَنَّكَ""ولا: نافية ومَن منع النون بعد دخول "لا" النافية منع "انزل عن الدابة
1 من الآية 25 من سورة الأنفال.
2 ب، ج.
3 مضى هذا البيت في باب النعت.
4 ب، ج.
5 ب، ج، وفي أ "على".
6 "لا أرينك" هو نهي محول عن إسناده للمخاطب إلى إسناده للمتكلم، والأصل: لا تأتِ، فحول النهي عن الإتيان الذي هو سبب لرؤيته إلى المسبب الذي هو الرؤية. هـ صبان.
7 مضى هذا البيت في نفس الباب.
لا تطرحنك""1 ويؤيد ما ذهب إليه المصنف ورود النون بعد النافية، وقد فصل بينها وبين الفعل بمعموله كقولك2:
فلا ذا نعيم يَتْرُكَنْ لنَعِيمِهِ
…
.......................
أو بمعمول مفسره كقوله3:
فلا الجارة الدنيا لها تَلْحَينَّهَا
…
..........................
فتوكيد "لا تصيبن" أحق بالجواز؛ لاتصاله بلا.
فإن قلت: فهل يطرد التوكيد بعد "لا" مع الفصل؟
قلت: نص غير المصنف على أن ذلك ضرورة.
1 ب.
2 قائله: لم أعثر على قائله ولا تتمته، وفي الدرر اللوامع "ولم أعثر على قائله ولا تتمته"، وهو من الطويل.
الإعراب: "لا" نافية "ذا نعيم" ذا مفعول ونعيم مضاف إليه "يتركن" فعل مضارع مبني على الفتح لاتصاله بنون التوكيد وهي حرف "لنعيمه" جار ومجرور متعلق بالفعل.
الشاهد: قوله: "يتركن" دخول نون التوكيد على الفعل بعد "لا" النافية.
مواضعه: ذكره السيوطي في الهمع 78/ 2.
3 قائله: هو النمر بن تولب العلكي، وهو من الطويل.
وتمامه:
ولا الضيفُ فيها إنْ أناخَ مُحَوَّلُ
اللغة: "الدنيا" القريبة "تلحينها" من لحيته لحيا إذا لمته ولاحيته ملاحاة إذا نازعته "أناخ" برك راحلته "محول" -بضم الميم- من التحول.
المعنى: يشير بهذا إلى كرم الممدوحة بأن جارتها لا تلومها ولا تنازعها ولا هي تمنع ضيفها إذا برك عندها.
الإعراب: "فلا" الفاء عاطفة ولا نافية "الجارة" مبتدأ -بالرفع- "الدنيا" صفة للجارة "لها" جار ومجرور في محل نصب على الحال "تلحينها" فعل والفاعل ضمير مستتر والمفعول هو الضمير المنصوب، والجملة في محل رفع خبر المبتدأ "ولا الضيف" الضيف مبتدأ مرفوع بالضمة الظاهرة "فيها" جار ومجرور متعلق بمحول "إن" شرطية "أناخ" فعل ماض فعل الشرط "محول" خبر المبتدأ مرفوع بالضمة الظاهرة، وجواب الشرط محذوف والتقدير: ولا الضيف محول عنها إن أناخ راحلته عندها لا يتحول إلى غيرها لحسن قيامها بالضيف.
الشاهد: قوله: "تلحينها" حيث أدخل الشاعر فيها نون التوكيد بعد "لا" النافية تشبيها لها باللفظ بلا الناهية.
مواضعه: ذكر الأشموني 498/ 2، وابن الناظم.
وقوله:
وغير إما من طوالِبِ الْجَزا
يشمل "إن" مجردة وغيرها1.
ويشمل كلامه الشرط كقوله2:
مَنْ نَثْقَفَنْ منهم فليس بآيبٍ
والجواب كقولك3:
1 أي: يشمل إن المجردة عن ما وغيرها.
2 قائله: هو لابنة مرة الحارثي. ضمن ثلاثة أبيات ترثي بها أباها وكان باهلة قد قتلته.
وتمامه:
أبدًا وقَتْلُ بني قتيبة شافي
وهو من الكامل.
اللغة: "نثقفن" نجدن ويروى بالتاء تجدن وبالياء يوجدن "آئب" اسم فاعل من آب يئوب أي: رجع "بني قتيبة" فرع من باهلة.
المعنى: من يوجد من بني قتيبة فسيقتل حتما ولن يرجع أبدا إلى قومه، فإن قتلهم يشفي الغلة، ويطفئ جذوة الغضب بسبب ما سفكوا من دماء.
الإعراب: "من" اسم شرط مبتدأ "تثقفن" فعل مضارع مبني على الفتح لاتصاله بنون التوكيد في محل جزم فعل الشرط وفاعله ضمير مستتر "منهم" جار ومجرور متعلق بتثقفن "فليس" الفاء واقعة في جواب الشرط وليس فعل ماض ناقص واسمه ضمير مستتر فيه "بآيب" الباء حرف جر زائد وآيب خبر ليس منصوب بفتحة مقدرة والجملة في محل جزم جواب الشرط، وجملة الشرط وحدها أو جملة الجواب وحدها أو الجملتان معها في محل رفع خبر المبتدأ على الخلاف "أبدا" منصوب على الظرفية "قتل" مبتدأ مرفوع بالضمة الظاهرة "بني" مضاف إليه "قتيبة" مضاف إليه "شافي" خبر المبتدأ.
الشاهد: قوله: "يثقفن" حيث أكده بالنون الخفيفة بعد "من" الشرطية.
مواضعه: ذكره من شراح الألفية: الأشموني 500/ 2، وابن هشام 311/ 3، وابن عقيل 320/ 2، وابن الناظم، وذكره السيوطي في الهمع 79/ 2، وسيبويه 152/ 2، والشاهد 947 في الخزانة.
3 قائله: هو النجاشي، هجا قوما فوصفهم بحدثان النعمة، وهو من الطويل.
وتمامه:
نَبتُّمْ نبات الخيْرَزَانِّي في الوغَى
…
حديثا.....................
اللغة: "الخيرزاني" كل نبت ناعم "الوغى" -بفتح الغين- الحرب، وفي رواية "الثرى" وهي الأرض "الخير" المال.
الإعراب: "نبتم" فعل ماض والتاء فاعل "نبات" منصوب بنزع الخافض والتقدير: كنبات "الخيرزاني" مضاف إليه "في الوغى" جار ومجرور "حديثا" منصوب بفعل محذوف تقديره: حدث حديثا "متى" شرطية "ما" زائدة "يأتك" فعل مضارع فعل الشرط والكاف مفعول "الخير" فاعل مرفوع بالضمة الظاهرة "ينفعا" فعل مضارع والجملة جواب الشرط.
الشاهد: قوله "ينفعا" حيث دخلت فيه نون التوكيد المنقلبة ألفا بعد الشرط.
مواضعه: ذكره الأشموني 500/ 2، وسيبويه 152/ 2، والشاهد 946 في الخزانة.
..................
…
متى يأتِك الخيرُ يَنْفَعَا
ودخولها في غير شرط إما وجواب الشرط مطلقا ضرورة.
قال سيبويه: بعد إنشاد -فمها تشأ منه فزارة تُعْطِكُم1: وهو قليل في الشعر. قال في التسهيل2: وقد تلحق جواب الشرط اختيارا. انتهى. ولم يخص لحاقها جواب الشرط بالضرورة.
تنبيه:
جاء توكيد المضارع في غير ما ذكر لضرورة الشعر، وهو غاية من الندور؛ لذلك لم يتعرض لذكره.
ومنه قوله3:
لَيْتَ شِعْرِي وأشْعُرَنَّ إذا ما
…
قرَّبُوها مَنْشُورةً ودُعِيتُ
1 قائله: هو الكميت بن معروف، وقال ابن الأعرابي: الكميت بن ثعلبة الفقعسي.
وتمامه:
ومهما تشَا منه فزارةُ تَمْنَعا
وهو من الطويل.
اللغة: "فزارة" -بفتح الفاء- من غطفان وهو فزارة بن ذبيان.
المعنى: مهما تشأ إعطاء تعطكم ومهما تشأ منعه تمنعكم.
الإعراب: "فمهما" الفاء عاطفة ومهما اسم يتضمن معنى الشرط "تشأ" فعل الشرط مجزوم بالسكون "منه" متعلق بتشأ "فزارة" فاعل مرفوع بالضمة الظاهرة "تعطكم" فعل مضارع والفاعل ضمير يرجع إلى فزارة والكاف مفعول وهو جواب الشرط، والكلام في الشطر الثاني كالأول، والضمير في منه يعود إلى ابن دارة في بيت قبله.
الشاهد: قوله: "تمنعا" اصله تمنعن مؤكدا بالنون الخفيفة ثم أبدلت ألفا للوقف بعد الشرط.
مواضعه: ذكره من شراح الألفية: الأشموني 500/ 2، وابن الناظم والمكودي ص136، والسيوطي ص109، وفي همعه 79/ 2، وسيبويه 152/ 2، والشاهد 945 في الخزانة.
2 التسهيل ص216.
3 قائله: هو السموءل الغساني اليهودي، وهو من الخفيف.
اللغة: "قربوها" الضمير يرجع إلى صحيفة أعماله.
الإعراب: "ليت شعري" شعري مصدر شعرت أشعر شعرا إذا فطن وعلم وهو مضاف إلى الفاعل ومعنى ليت شعري ليت علمي، والمعنى: ليتني أشعر، فأشعر هو الخبر فناب شعري الذي هو المصدر عن أشعر ونابت الياء في شعري عن اسم ليت التي في قولك: ليتني "وأشعرن" بالنون الخفيفة: فعل مضارع والفاعل ضمير مستتر فيه "إذا ما" إذا ظرفية وما زائدة "قربوها" جملة من فعل وفاعل ومفعول "منشورة" منصوبة على الحال "دعيت" بصيغة المجهول جملة حالية أيضا بتقدير قد.
الشاهد: قوله: "أشعرن" حيث أكده بالنون الخفيفة وهو مثبت عارٍ عن معنى الطلب والشرط.
مواضعه: ذكره الأشموني 500/ 2، وابن الناظم، والسيوطي في الهمع 279/ 2.
ولما فرغ من ذكر ما تدخله النون "على اختلاف أحواله"1 أخذ في بيان ما ينشأ عن دخولها في التغيير فقال:
وآخِرَ المؤكدِ افتحْ كابرُزَا
أمر بفتح آخر الفعل المؤكد أمرا كان أو مضارعا نحو: "ابرزنّ" و"لا تبرزنّ" وشمل كلامه الصحيح كما مثل، والمعتل بالواو كاغزونّ، وبالياء نحو: ارمينّ، وبالألف نحو: اسعينّ -بعد قلب الألف ياء.
فإن قلت: ومن أين يؤخذ من كلامه "قلب الألف"2؟
قلت: مما سيذكر.
تنبيهات:
الأول: أطلق في قوله: "آخر المؤكد" ومراده المجرد من الضمير البارز، علم ذلك مما سيأتي.
الثاني: ذهب قوم إلى أن فتحة آخر المؤكد عارضة لالتقاء الساكنين، ونسبه الزجاج إلى سيبويه، وذهب قوم منهم المبرد وابن السراج إلى أنها فتحة بناء، ونسبه إلى سيبويه أيضا، وهو ظاهر مذهب المصنف، وقال في الغرة: إنه هو الصحيح.
الثالث: لغة فزارة حذف الآخر إذا كان ياء تلي كسرة نحو: "ارمِنَّ يا زيد"، ومنه3:
1 ب، ج.
2 ب، ج.
3 قائله: قال أبو علي القالي في أماليه: وحدثنا الأخفش قال: أنبأني أبو فياض بن أبي شراعة عن أبي شراعة قال: حدثني عبد الله بن بشير البصري قال: علق أبي جارية لبعض الهاشميين فبعثت إليه أمي تعاتبه فكتب إليها قصيدة أولها هذا البيت. =
ولا تُقاسِنّ بعدي الهم والجزَعَا
ثم انتقل إلى رافع الضمير البارز فقال:
واشْكلهُ قبل مضمر لين بما
…
جَانسَ من تَحرُّكٍ قد عُلِمَا
فأمر بتحريك آخر المؤكد قبل المضمر اللين بحركة تجانسه، والمضمر اللين هو ألف الاثنين وواو الجمع وياء المخاطبة. فيفتح آخر المؤكد قبل الألف ويضم قبل الواو ويكسر قبل الياء.
وأما حكم المضمر في نفسه، فإن كان ألفا أقرت لخفتها، وإن كان واو أو ياء حذف وتركت الحركة المجانسة دليلا عليهما، وإلى هذا أشار بقوله:
والمضمرَ احذفنَّهُ إلا الألفْ
فعلم أن الألف تقر نحو: "هل تضربان؟ "، وأن الياء والواو يحذفان نحو:"هل تضربُن يا زيدون؟ " و"هل تضرِبن يا هند؟ ".
هذا حكم الصحيح، "وأما"1 المعتل بالواو والياء فتقول: اغزن وارمن، بحذف الواو وإبقاء الضمة دليلا عليها، واغزن وارمن، بحذف الياء وإبقاء الكسرة دليلا عليها كما فعلت في الصحيح.
فإن قلت: ليس المعتل بالواو والياء كالصحيح؛ لأن المعتل بهما يحذف آخره، ويجعل الحركة المجانسة على ما قبله بخلاف الصحيح.
قلت: حذف آخر المعتل إنما هو لإسناده إلى الواو والياء، لا لتوكيده، فهو مساوٍ للصحيح في التغيير الناشئ عن التوكيد؛ ولذلك لم يتعرض له الناظم.
وأما المعتل بالألف فليس كالصحيح فيما ذكر؛ بل له حكم آخر نه عليه بقوله:
= وصدره:
لا تُتْبِعِنْ لوعة إثرى ولا هَلَعَا
وهو من البسيط.
الإعراب: "لا تقاسن" نافية وفعل مضارع مسند لياء المخاطبة وحذفت للتخلص من التقاء الساكنين والنون للتوكيد والفاعل ضمير مستتر "بعدي" ظرف والياء مضاف إليه "اللهم" مفعول به "والجزعا" عطف عليه.
الشاهد: قوله: "ولا تقاسن" حيث حذف آخر الفعل؛ لأنه ياء ولي كسرة في لغة فزارة.
مواضعه: ذكره الأشموني 501/ 2، والسيوطي في الهمع 59/ 2.
1 أ، ج.
وإنْ يكُن في آخرِ الفعل ألِفْ
…
فاجعله منه رافعا غيرَ اليَا
والواو ياء كاسعيَنَّ سَعْيَا
الضمير في "اجعله" للألف التي هي آخر الفعل، والضمير في منه للفعل وياء ثاني مفعولي اجعل أي: اجعل الألف التي هي آخر الفعل ياء إن كان رافعا غير الياء والواو، فيشمل ثلاثة أنواع: رافع الألف نحو: "اسعيان"، ورافع نون الإناث نحو:"اسعينان"، والمجرد من الضمير البارز نحو:"اسعينّ يا زيد".
ثم ذكر حكم رافع الواو والياء فقال:
واحذفه من رافع هاتين وفي
أي: واحذف الألف من رافع الياء والواو وتبقى الفتحة قبلها دليلا عليها.
ثم ذكر حكم الواو والياء بعد حذف الألف فقال:
واو ويا شكْلٌ مُجانِسٌ قفِي
يعني: أن الواو تضم والياء تكسر، وإنما احتيج إلى تحريكهما ولم يحذفا؛ لأن قبلها حركة غير مجانسة، أعني: فتحة الألف المحذوفة، فلو حذفا لم يبقَ ما يدل عليهما. ثم مثل فقال:
نَحْوُ اخْشِينْ يا هِنْدُ بالكَسْرِ ويَا
…
قَوْمُ اخْشُونْ واضْمُمْ وقِسْ مُسَوِّيَا
قوله: "واضمم" يعني الواو.
تنبيهان:
الأول: أجاز الكوفيون حذف الياء المفتوح ما قبلها نحو: "اخْشَينَّ" فتقول: "اخشِنَّ يا هند"، وحكى الفراء أنها لغة طيئ.
الثاني: فرض المصنف الكلام على الضمير، وحكم الألف والواو اللذين هما علامة1 كحكم الضمير، وهذا واضح.
ولم تقع خفيفة بعد الألف
…
لكن شديدة............
قال في شرح الكافية: لو كان المسند إليه ألفا لم يجز أن يؤتى بالنون إلا مشددة، هذا مذهب سيبويه وغيره من البصريين إلا يونس، فإنه يجوز أن يؤتى
1 أي: بأن أسند الفعل إلى الظاهر على لغة أكلوني البراغيث.
بعد الألف بالنون الخفيفة مكسورة، ويعضد قوله قراءة بعض القراء:"فدَمَّرَانِهم تدميرا"1 حكاها ابن جني.
ويمكن أن يكون من هذا قراءة ابن ذكوان: "وَلَا تَتَّبِعَانِ سَبِيلَ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ"2.
ومذهب يونس كمذهب الكوفيين في وقوع الخفيفة بعد الألف. انتهى.
قلت: وفي كلام بعضهم ما يدل على أنهم يلحقونها ساكنة لا مكسورة وهو ظاهر كلام سيبويه.
قال: وأما يونس وناس من النحويين فيقولون: اضربان واضربنان زيدا، فهذا لم تقله العرب، وليس له نظير في كلامها؛ إذ لا يقع بعد الألف ساكن إلا أن يدغم. انتهى.
فإن قلت: إذا كان بعدها ما تدغم فيه، فهل يجوز لحاقها على مذهب البصريين لزوال المانع نحو:"اضربان نعمان"؟
قلت: قال الشيخ أبو حيان: نص بعضهم على المنع، ويمكن أن يقال: يجوز. انتهى، وقد صرح سيبويه بمنع ذلك.
وقوله: "وكسرها ألف" يعني: أن النون الشديدة إذا وقعت بعد الألف كسرت، وإن كانت في غير ذلك مفتوحة، وإنما كسروا مع الألف فرارا من اجتماع الأمثال.
وألفًا زِدْ قبلها مُؤَكِّدا
…
فِعلا إلى نون الإناثِ أُسْنِدَا
فتقول: "اضربنان" وإنما زيدت هذه الألف للفصل بين الأمثال.
والخلاف في التوكيد بالخفيفة بعد الألف كالخلاف بعد ألف الاثنين.
واحذِفْ خفيفةً لساكنٍ رَدِفْ
…
وبعدَ غيرِ فتحةٍ إذا تَقِفْ
يعني: أن الخفيفة تحذف وهي مرادة لأمرين:
1 من الآية 36 من سورة الفرقان، وذلك على أنه فعل أمر لاثنين والألف ضمير الاثنين والنون المكسورة نون توكيد خفيفة.
2 سورة يونس 89.
أحدهما: أن يليها ساكن نحو: "اضربَ الرجلَ" تريد: اضرِبَنْ.
ومنه قوله1:
لا تُهينَ الفقير علَّك أَنْ
…
تركع يوما والدهرُ قد رفعَهْ
لأنها لما لم تصلح للحركة عوملت معاملة حرف المد2.
وإذا وليها ساكن وهي بعد ألف على مذهب المجيز، فزعم يونس أنها تبدل همزة وتفتح فتقول:"اضرباء الغلام" و"اضربناء الغلام" قال سيبويه: وهذا لم تقله العرب، قال: والقياس "اضرب الغلام، واضربن الغلام"3 يعني: بحذف الألف والنون.
1 قائله: هو الأضبط بن قريع السعدي، وهو من المنسرح.
اللغة: "تهين" فعل مضارع من الإهانة "علك" لغة من لعلك "تركع" تخضع وتنقاد، والمراد انحطاط الحال.
المعنى: لا تحتقر الفقير ولا تهنه وتستخف به فربما يتبدل الحال -والدهر قلب- فيخفضك الزمان ويرفعه عليك.
الإعراب: "لا تهين" لا ناهية وتهين فعل مضارع مبني على الفتح لاتصاله بنون التوكيد المحذوفة لوقوع الساكن بعدها -وهي لام الفقير- في محل جزم والفاعل ضمير مستتر فيه "الفقير" مفعول به "علك" علَّ حرف ترج ونصب والكاف اسمها "أن" حرف مصدري "تركع" فعل مضارع منصوب بأن والفاعل ضمير وأن وما دخلت عليه في تأويل مصدر خبر لعل -على تأويله باسم الفاعل- أو على حذف مضاف "يوما" ظرف زمان "والدهر" الواو حالية والدهر مبتدأ مرفوع بالضمة الظاهرة "قد رفعه" قد حرف تحقيق رفع فعل ماض والفاعل ضمير والهاء مفعول والجملة في محل نصب حال من الضمير المستتر في تركع.
الشاهد: قوله: "لا تهين" -بكسر الهاء وسكون الياء- حيث حذفت نون التوكيد الخفيفة للتخلص من التقاء الساكنين، وهما النون واللام في الفقير، وأصله "لا تهينن" -نونين- أولهما مفتوحة فحذف النون الخفيفة لما استقبلها ساكن.
مواضعه: ذكره من شراح الألفية: الأشموني 504/ 2، وابن هشام 318/ 3، وابن عقيل 235/ 2، وابن الناظم، والمكودي ص137، والسيوطي ص110، وفي همعه 111/ 1، وفي خزانة الأدب الشاهد 954، وشرح المفصل 43/ 9، والإنصاف 136/ 1، والمغني 135/ 1، 173/ 2.
2 فحذفت لالتقاء الساكنين.
3 أ، ج وفي ب "اضربا الغلام واضربنا الغلام".
والثاني: أن يوقف عليها بعد غير فتحة، يعني: بعد ضمة أو كسرة، فإنها تحذف إذ ذاك كما يحذف التنوين، ويرد ما حذف لأجلها، أعني: واو الضمير وياءه ونون الرفع أيضا وفي المعرب.
وقد نبه على رد المحذوف بقوله:
واردُدْ إذا حَذَفْتَهَا في الوقف ما
…
من أَجْلِهَا في الوَصْلِ كَان عُدِمَا
يعني: أنه يرد إلى الفعل الموقوف عليه بعد حذفها ما حذف في الوصل لأجلها فتقول: "اضربن يا زيدون" و"اضربن يا هند" فإذا وقفت عليهما "قلت"1: اضربوا واضربي، برد واو الضمير ويائه، وتقول في "هل تضربن؟ " و"هل تضربين؟ " إذا وقفت "عليهما"2: هل تضربون؟ وهل تضربين؟ برد الواو والياء ونون الرفع؛ لزوال سبب الحذف. ثم نبه على حكمها بعد الفتحة فقال:
وأبدِلَنْهَا بعد فَتْحٍ أَلِفَا
…
وقْفًا كما تَقُولُ في قِفَن قِفَا
وذلك لشبهها بالتنوين، وقد ندر حذفها لغير ساكن ولا وقف كقوله3:
اضربَ عنكَ الهمومَ طارقَها
1 ب، ج.
2 ب.
3 قائله: هو طرفة بن العبد، وقال ابن بري: مصنوع عليه، وهو من المنسرح.
وتمامه:
ضربك بالسيف قونس الفرس
اللغة: "طارقها" من طرق الرجل إذا أتى أهله ليلا "قونس" بفتح القاف وسكون الواو وفتح النون وهو العظم الناتئ بين أذني الفرس.
الإعراب: "اضرب" فعل أمر والفاعل ضمير مستتر فيه "عنك" جار ومجرور متعلق باضرب "الهموم" مفعول به لاضرب منصوب بالفتحة الظاهرة "طارقها" بالنصب بدل من الهموم "ضربك" مصدر نوعي مضاف إلى فاعله، وانتصابه بنزع الخافض أي: كضربك بالسيف والباء للاستعانة "قونس" مفعول للمصدر "الفرس" مضاف إليه.
الشاهد: قوله "اضرب" بفتح الباء؛ لأن أصله اضربن بالنون الخفيفة فحذفت النون وبقيت الفتحة قبلها للضرورة.
مواضعه: ذكره من شراح الألفية: الأشموني 505/ 2، وابن الناظم والسيوطي ص110، وذكره المغني 173/ 2، وشرح المفصل 44/ 9، والإنصاف 332/ 2.
وكقوله1:
كما قِيلَ قَبْلَ اليومِ خَالفَ تُذْكَرَا
فإن قلت: ما ذكر من حذف الخفيفة "للوقف"2 بعد غير الفتحة ينافي معنى التوكيد الذي جاءت لأجله؛ إذ لا دليل عليها بعد الحذف.
فينبغي أن يقال: إن التوكيد بها إنما يكون في الوصل خاصة كما أشار إليه بعضهم.
قلت: يرده قلبها بعد الفتحة ألفا في الوقف، فعلم بذلك أن التوكيد بها لا يختص بالوصل.
تنبيهات:
الأول: اختلف في الفعل المعرب إذا أكد بالنون على ثلاثة أقوال:
أحدها: أنه مبني، والثاني: أنه معرب، والثالث: التفصيل بين أن تباشر فيكون مبنيا، أو لا تباشر فيكون معربا، وهو الصحيح -كما تقدم أول الكتاب- ويدل على صحته رد نون الرفع عند حذف نون التوكيد في الوقف. فدل على أنها مقدرة في الوصل.
1 قائله: لم أعثر على قائله، وهو من الطويل.
وصدره:
خلافا لقولي من فيَالةِ رأيه
اللغة: "فيالة" -بفتح الفاء والياء واللام- ضعف في رأيه "تذكرا" أصله تتذكرا؛ لأنه مضارع تذكر من باب تفعل، فحذفت إحدى التاءين للتخفيف.
المعنى: إن خالفت تذكرت ذلك يعني: رأيت بعد ذلك سوء المخالفة أو جوزيت به.
الإعراب: "خلافا" منصوب بفعل محذوف تقديره خالف خلافا "لقولي" جار ومجرور متعلق بالفعل المحذوف "من" تعليلية؛ أي: لأجل فيالة رأيه "كما" يجوز أن يتكون الكاف للتعليل وما مصدرية، والمعنى: خالف لأجل ما قيل له؛ أي: لأجل القول الذي قيل له قبل اليوم بما فيه خير وصلاح له. والأظهر أن الكاف للتشبيه وما مصدرية والمعنى خالف من ضعف رأيه لقولي "قيل" فعل ماض مبني للمجهول "خالف" فعل أمر.
الشاهد: قوله "خالف" حيث حذف منه نون التوكيد ففتح الفاء؛ إذ أصله خالفن.
مواضعه: ذكره الأشموني 505/ 2.
2 ب، ج.
والثاني: أجاز سيبويه إبدالها واوا أو ياء نحو: اخشَوُنْ واخْشَينْ.
فتقول: اخشَوُوا واخْشَيي، وغيره يقول:"اخشوا واخشي". وقد نقل عنه إبدالها واوا بعد الضمة وياء بعد الكسرة مطلقا.
قلت: وكلام سيبويه يدل على أن يونس إنما قال بذلك في المعتل، فإنه قال: وأما يونس فيقول: اخشَيي واخْشَوُوا، يزيد الواو والياء بدلا من النون الخفيفة من أجل الضمة والكسرة.
وقال الخليل: لا أرى ذلك إلا على قول من قال: هذا عمرو ومررت بعمري - ثم قال: وينبغي لمن قال بقول يونس في اخشي واخشيوا- إذا أراد الخفيفة أن يقول: هل تضربوا؟ بجعل الواو مكان الخفيفة.
والثالث: إذا وقف على المؤكد بالخفيفة بعد الألف على مذهب يونس والكوفيين أبدلت ألفا، ونص سيبويه على ذلك عن يونس ومَنْ وافقه، ثم قيل: يجمع بين الألفين فيمد بمقدارهما، وقيل: بل ينبغي أن تحذف إحداهما ويقدر بقاء المبدلة من النون وحذف الأولى.
وفي الغرة إذا وقفت على "اضربان" على مذهب يونس زدت ألفا عوض النون، فاجتمع ألفان، فهمزت الثانية فقلت: اضرباء. انتهى. وقياسه في اضرِبْنان اضربنَاءْ.