المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌إعراب الفعل: ارْفَعْ مُضارعا إذا يُجَرَّدُ … من ناصبٍ وجازمٍ كتَسْعَدُ يعني - توضيح المقاصد والمسالك بشرح ألفية ابن مالك - جـ ٣

[ابن أم قاسم المرادي]

فهرس الكتاب

- ‌المجلد الثالث

- ‌تابع القسم الثاني: تحقيق شرح الفية ابن مالك

- ‌الجزء الرابع

- ‌أسماء لازمت النداء:

- ‌الاستغاثة:

- ‌الندبة:

- ‌الترخيم:

- ‌الاختصاص:

- ‌التحذير والإغراء:

- ‌أسماء الأفعال والأصوات:

- ‌نونا التوكيد:

- ‌ما لا ينصرف:

- ‌إعراب الفعل:

- ‌عوامل الجزم:

- ‌فصل لو:

- ‌فصل أمَّا ولَوْلا ولَوْمَا:

- ‌الإخبار بالذي والألف واللام:

- ‌العدد:

- ‌تمييز المركب:

- ‌كم وكأين وكذا:

- ‌الحكاية:

- ‌الجزء الخامس:

- ‌التأنيث:

- ‌المقصور والممدود:

- ‌كيفية تثنية المقصور والممدود وجمعهما تصحيحا:

- ‌جمع التكسير:

- ‌التصغير:

- ‌النسب:

- ‌الوقف:

- ‌الإمالة:

- ‌التصريف:

- ‌فصل في زيادة همزة الوصل:

- ‌الجزء السادس:

- ‌الإبدال:

- ‌فصل "إذا اعتلت لام فَعْلَى

- ‌فصل "إذا اجتمعت الواو والياء وسكن ما قبلها

- ‌فصل "إذا كانت عين الفعل واوا أو ياء وقبلهما ساكن صحيح

- ‌فصل: "إذا كان فاء الافتعال حرف لين

- ‌فصل: في الإعلال بالحذف

- ‌فصل: في الإدغام

- ‌الفهارس

- ‌محتويات المجلد الثالث:

- ‌فهرست الأبيات والشواهد:

- ‌مراجع الكتاب:

- ‌المحتويات:

الفصل: ‌ ‌إعراب الفعل: ارْفَعْ مُضارعا إذا يُجَرَّدُ … من ناصبٍ وجازمٍ كتَسْعَدُ يعني

‌إعراب الفعل:

ارْفَعْ مُضارعا إذا يُجَرَّدُ

من ناصبٍ وجازمٍ كتَسْعَدُ

يعني المضارع الذي لم "تباشره"1 نون التوكيد ولا نون الإناث، وإنما لم يقيده اكتفاء بتقديم ذلك في باب الإعراب.

وفهم من كلامه أنه يجب رفع المضارع "المعرب"2 إذا لم يدخل عليه ناصب ولا جازم نحو: "أنت تسعد"، ولم ينص هنا على رافعه، وفيه أقوال:

الأول: أن رافعه وقوعه موقع الاسم، وهو قول البصريين.

والثاني: أن رافعه تجرده من الناصب والجازم، وهو "قول حذاق"3 الكوفيين منهم الفراء.

والثالث: أن رافعه نفس المضارعة، وهو قول ثعلب.

والرابع: أن رافعه حروف المضارعة، ونسب إلى الكسائي.

واختار المصنف الثاني؛ لسلامته من النقض، بخلاف مذهب البصريين، فإنه ينتقض بنحو:"هلا تفعل"4.

ورد مذهب الفراء بأن التعري عدم فلا يكون عاملا، وأجاب الشارح بأنا لا نسلم أن التجرد من الناصب والجازم عدمي؛ لأنه عبارة عن استعمال المضارع على أول أحواله مخلصا عن لفظ يقتضي تغييره، واستعمال الشيء والمجيء به على صفة ما ليس بعدمي. انتهى.

ولما ذكر أن رفعه مشروط بتجريده من الناصب والجازم أخذ يبينهما فقال:

وبِلَن انصبْه وكي كذا بأَنْ

1 أ، ج وفي ب "يباشر".

2 أ، ج وفي ب:"المعري".

3 أ، ج وفي ب "مذهب".

4 لأن أداة التحضيض مختصة بالفعل.

ص: 1228

الأدوات التي تنصب المضارع أربعة، وهي الثلاثة المذكورة في هذا البيت وإذن وستأتي.

فأما "لن" فحرف نفي ينصب المضارع ويخلصه للاستقبال ولا يلزم أن يكون مؤبدا، خلافا للزمخشري، ذكر ذلك في أنموذجه، وقال في غيره: إن "لن" لتأكيد ما تعطيه "لا" من نفي المستقبل.

قال ابن عصفور: وما ذهب إليه دعوى لا دليل عليها، بل قد يكون النفي بلا آكد من النفي بلن؛ لأن النفي بلا قد يكون جوابا للقسم، والنفي بلن لا يكون جوابا له، ونفي الفعل إذا أقسم عليه آكد.

تنبيهات:

الأول: مذهب سيبويه والجمهور أن "لن" بسيطة، وذهب الخليل والكسائي إلى أنها مركبة وأصلها "لا أن" حذفت همزة أن تخفيفا، ثم حذفت الألف لالتقاء الساكنين. ورد سيبويه بجواز تقديم معمول معمولها عليها نحو:"زيدا لن أضرب".

وأجيب بأنه قد يحدث بعد التركيب ما لم يكن قبله، ومنع الأخفش الصغير تقديم معمول معمولها عليها.

وذهب الفراء إلى أن "لن" هي "لا" أبدلت ألفها نونا، وهو ضعيف.

الثاني: ذهب قوم منهم ابن السراج إلى أنه يجوز أن يكون الفعل بعدها دعاء، واختاره ابن عصفور، وجعلوا منه قوله تعالى:{فَلَنْ أَكُونَ ظَهِيرًا لِلْمُجْرِمِينَ} 1.

والصحيح: أنه لم يستعمل من حروف النفي في الدعاء إلا "لا" خاصة.

الثالث: حكى بعضهم أن الجزم بلن لغة لبعض العرب.

وأما "كي" فلفظ مشترك يكون اسما مخففا من كيف فيليها اسم أو فعل ماض أو مضارع مرفوع؛ كقوله2:

1 من الآية 17 من سورة القصص.

2 قائله: لم ينسب لقائل، وهو من البسيط. =

ص: 1229

كي تجنحون إلى سلْم وما ثُئرت

قتلاكم ولَظَى الهيجاء تضطرمُ

وتكون حرفا جارا للتعليل بمعنى اللام، وحرفا مصدريا فيتعين الأول في ثلاثة مواضع:

أحدها: أن تدخل على "ما" الاستفهامية كقولهم: "كيمه"1.

والثاني: أن تدخل على "ما" المصدرية كقوله2:

................

كَيْمَا يَضرُّ وينفعُ

= اللغة: "تجنحون" من جنح إذا مال "سلم" -بكسر السين- والفتح أحسن "ما ثئرت" صيغة مجهول من ثأرت القتيل وبالقتل ثأرا وثؤرة أي: قتلت قاتله "لظى" النار "الهيجاء" الحرب تمد وتقصر "تضطرم" تلتهب.

الإعراب: "كي" أي: كيف للاستفهام "تجنحون" فعل مضارع مرفوع بثبوت النون والواو فاعل "إلى سلم" جار ومجرور متعلق بالفعل "ما ثئرت" ما نافية "ثئرت" صيغة المبني للمجهول "قتلاكم" نائب فاعل مرفوع وكم مضاف إليه "ولظى" الواو حالية ولظى مبتدأ "الهيجاء" مضاف إليه "تضطرم" فعل مضارع مرفوع بالضمة والفاعل ضمير مستتر فيه والجملة في محل رفع خبر المبتدأ، والجملة وقعت حالا.

الشاهد: قوله "كي" فإنه بمعنى كيف.

مواضعه: ذكره من شراح الألفية: الأشموني 549/ 3، وابن الناظم.

1 بمعنى لمه.

2 قائله: هو النابغة، وقيل: قيس بن الخطيم، وهو من الطويل.

وتمامه:

إذا أنت لم تنفع فضر فإنما

يرجى الفتى.............

المعنى: إذا لم يكن في مقدورك أن تنفع من يستحق النفع والعون فضر من يستحق الضرر والإيذاء، فإن الإنسان لا يقصد منه في الحياة غير هذين العملين.

الإعراب: "إذا" ظرف متضمن معنى الشرط في محل نصب "أنت" فاعل لفعل محذوف وهو فعل الشرط يفسره المذكور "لم تنفع" فعل مضارع مجزوم بلم والفاعل ضمير، والجملة مفسرة "فضر" الفاء واقعة في جواب إذا وضر فعل أمر "فإنما" الفاء للتعليل وإنما أداة حصر "يرجى" فعل مضارع مبني للمجهول "الفتى" نائب فاعل "كيما" جارة تعليلية بمنزلة اللام وما مصدرية، وهي وما بعدها في تأويل مصدر مجرور بكى.

الشاهد: قوله: "كيما" حيث دخلت "ما" المصدرية على "كي".

مواضعه: ذكره من شراح الألفية: الأشموني 549/ 3، وابن هشام في حروف الجر 245/ 2، وابن الناظم، وذكره السيوطي في الهمع 5/ 2، والشاهد 656 في خزانة الأدب.

ص: 1230

والثالث: أن تقع اللام بعدها كقوله1:

فأوقدت ناري كي ليُبْصَرَ ضَوؤُها

فهي هنا حرف جر واللام تأكيد لها وأن مضمرة بعدها، ولا يجوز كونها مصدرية لفصل اللام، وهذا التركيب نادر، ويتعين الثاني إذا وقعت بعد اللام ولم تقع أن بعدها نحو:"جئت لكي أقرأ".

ولا يجوز أن تكون حرف جر؛ لدخول حرف الجر عليها، فإن وقع بعدها "أن" ولا يكون ذلك إلا في الضرورة، كقوله2:

1 قائله: هو حاتم بن عدي الطائي، وهو من الطويل.

وعجزه:

وأخرجت كلبي وهو في البيت داخله

الإعراب: "فأوقدت" الفاء عاطفة، أو قدت فعل ماض والتاء فاعل، "ناري" مفعول به والياء مضاف إليه "كي" للتعليل "ليبصر" اللام للتعليل ويبصر فعل مضارع منصوب بأن مضمرة بعد لام التعليل، وهو مبني للمجهول "ضوؤها" نائب فاعل والهاء مضاف إليه "وأخرجت" الواو عطف على فأوقدت وأخرجت فعل وفاعل "كلبي" مفعول به والياء مضاف إليه "وهو" الواو حالية وهو مبتدأ "في البيت" جار ومجرور متعلق بداخله "داخله" خبر المبتدأ مرفوع والجملة حالية.

الشاهد: قوله: "كي ليبصر" فإن كي هنا تتعين أن تكون حرفا جارا للتعليل بمعنى اللام؛ لظهور اللام بعدها، وإنما جمع بينهما للتأكيد، وهذا التركيب نادر.

مواضعه: ذكره الأشموني في شرحه الألفية 550/ 3.

2 قائله: لم أعثر على قائله، وهو من الطويل.

وتمامه:

فتتركها شنا ببيداء بلقع

اللغة: "تطير" تذهب بسرعة "شنا" -بفتح الشين وتشديد النون- القربة الخلق البالي "بيداء" المفازة "بلقع" -بفتح الباء وسكون اللام وفتح القاف- قفر خالية من كل شيء.

المعنى: يخاطب الشاعر طائرا جارحا أو سارقا ماهرا، فيقول: رغبت أن تأخذ قربتي بسرعة وتتركها قطعة ممزقة بصحراء لا يصل إليها إنسان.

الإعراب: "أردت" فعل وفاعل "لكيما" اللام حرف جر وتعليل وكي إما جارة تعليلية مؤكدة للام وأن ناصبة أو مصدرية مؤكدة بأن واللام جارة وما زائدة "أن" حرف مصدري ونصب "تطير" فعل مضارع منصوب بأن وعلامة نصبه الفتحة والفاعل ضمير مستتر فيه "بقربتي" جار ومجرور متعلق بتطير "فتتركها" الفاء عاطفة على تطير وتترك فعل مضارع والفاعل ضمير مستتر فيه والهاء مفعول أول "شنا" مفعول ثان لتترك أو حال على التأويل "ببيداء" جار ومجرور متعلق بتترك "بلقع" صفة لبيداء. =

ص: 1231

أردت لكيما أن تطير بقِرْبَتي

..........................

ترجح كونها حرف جر مؤكدة للام، ويحتمل أن تكون مصدرية مؤكدة بأن. وإنما يترجح كونها جارة لأوجه:

أحدها: أن "أن" أم الباب، فلو جعلت مؤكدة لكي لكانت كي هي الناصبة1.

والثاني: أن ما كان أصلا في بابه لا يجعل مؤكدا لغيره.

والثالث: أن "أن" وليَت الفعل فترجح أن تكون العاملة، ويجوز الأمران في نحو:"جئت كي تفعل" فإن جعلت جارة كانت "أن" مقدرة بعدها، وإن جعلت ناصبة كانت اللام مقدرة قبلها.

تنبيهات:

الأول: ما ذكرته من أن "كي" تكون حرف جر ومصدرية هو مذهب سيبويه وجمهور البصريين، وذهب الكوفيون إلى أنها2 ناصبة للفعل دائما، وتأولوا كيمه على تقدير "كي" تفعل ماذا.

وذهب قوم إلى أنها حرف جر دائما، ونقل عن الأخفش.

الثاني: إذا كانت "كي" حرف جر ودخلت على الاسم، فهي بمعنى لام التعليل، وإذا دخلت على الفعل دلت على العلة الغائية فقط، فهي أخص من اللام.

الثالث: أجاز الكسائي تقديم معمول معمولها عليها نحو: "جئت النحو كي أتعلم".

= الشاهد: قوله: "لكيما أن تطير" حيث يجوز أن تكون كي مصدرية وأن مؤكدة لها، وأن تكون تعليلية مؤكدة للام، ولولا "أن" لوجب أن تكون "كي" مصدرية ولولا وجود اللام لوجب أن تكون تعليلية.

مواضعه: ذكره من شراح الألفية: الأشموني 549/ 3، وابن هشام 363/ 3، والإنصاف 341/ 2، وابن يعيش 19/ 7، والشاهد 635 في الخزانة.

1 فيلزم تقديم الفرع على الأصل.

2 ب، ج.

ص: 1232

ومذهب الجمهور منع ذلك.

الرابع: إذا فصل بين "كي" والفعل لم يبطل عملها، خلافا للكسائي نحو:"جئت كي فيك أرغب" والكسائي يجيزه بالرفع لا بالنصب. قيل: والصحيح أن الفصل بينها وبين الفعل لا يجوز في الاختيار.

والخامس: زعم الفارسي أن أصل كما في قوله1:

وطَرْفُك إما جئتنا فاحبسنه

كما يَحسبوا أن الهوى حيثُ تنظر

أي: "كيما" فحذفت الياء ونصب بها، وذهب المصنف إلى أنها كاف التشبيه كفت بما ودخلها معنى التعليل فنصبت، وذلك قليل.

وقد جاء الفعل بعدها مرفوعا في قوله2:

1 قائله: هو جميل بن معمر، وقيل: لبيد العامري، وهو من الطويل.

اللغة: "طرفك" -بفتح الطاء- الطرف العين والمعنى وعينك.

الإعراب: "طرفك" طرف مبتدأ والكاف مضاف إليه "إما" أصله إِنْ مَا وإن للشرط وما زائدة و"جئتنا" فعل وفاعل ومفعول وهو فعل الشرط "فاصرفنه" الفاء واقعة في جواب الشرط والضمير المنصوب يرجع إلى الطرف والجملة كلها في موضع الرفع على الخبرية -و"أن" بفتح الهمزة- "الهوى" اسم أن "حيث تنظر" خبر أن، وأن مع اسمها وخبرها سد مسد المفعولين ليحسب.

الشاهد: قوله: "كما يحسبوا" حيث إن "كما" تنصب بنفسها بمعنى "كيما" واستدل به الكوفيون والمبرد، وعلامة النصب سقوط النون من يحسبوا، والصحيح ما ذهب إليه البصريون وهو المنع؛ لأنه لو كانت ناصبة مثل كيما لكثر في كلام العرب، ويحتمل أن تكون النون حذفت للضرورة، أو يكون الأصل كيما فحذفت الياء للضرورة.

مواضعه: ذكره الأشموني 550/ 3، والإنصاف 344/ 2، والسيوطي في الهمع 6/ 2.

2 قائله: هو رؤبة بن العجاج، وهو من الرجز.

المعنى: أنك إن شتمت شتمت وإذا لم تشتم لا تشتم ولعلك إن لم تشتم لا تشتم.

الإعراب: "لا" ناهية "تشتم" فعل مضارع مجزوم بلا وحرك بالكسر لالتقاء الساكنين والفاعل ضمير مستتر فيه "الناس" مفعول به "كما" ما كافة "تشتم" فعل مضارع مرفوع بالضمة الظاهرة والفاعل ضمير مستتر فيه.

الشاهد: قوله "كما لا تشتم" حيث رفع الفعل بعد قوله "كما" ولم ينصب، فقال الكوفيون: لأنها لم تكن بمعنى كيما؛ فلذلك لم تنصب، وقال البصريون: هذا على أصله؛ لأن "كما" ليست من النواصب.

مواضعه: ذكره الأشموني 551/ 3، وذكره سيبويه 459/ 1، والإنصاف 345/ 2.

ص: 1233

لا تَشْتِمِّ الناس كما لا تشتم

..........................

وإما أن تكون زائدة ومفسرة ومصدرية، فالزائدة: هي التي دخولها في الكلام كخروجها فيطرد زيادتها بعد "لما" نحو: {فَلَمَّا أَنْ جَاءَ الْبَشِيرُ} 1 وبين القسم ولو.

نحو2:

أما والله أن لو كنت حرا

ووقع لابن عصفور أن هذه رابطة والجواب "لو" وما دخلت عليه. وشذت زيادتها بعد كاف الجر في قوله3:

........................

كأَنْ ظبيةٍ..............

1 من الآية 96 من سورة يوسف.

2 قائله: لم أعثر على قائله، وأنشده سيبويه ولم يعزه إلى أحد، وهو من الوافر.

وعجزه:

وما بالحر أنت ولا العتيق

الإعراب: "أما" -بفتح الهمزة وتخفيف الميم- حرف استفتاح بمنزلة ألا ويكثر قبل القسم "والله" حرف قسم ومقسم به "أن" رابطة أو زائدة "لو" شرطية "كنت" كان واسمها "حرا" خبر كان والجملة فعل الشرط وجواب الشرط محذوف تقديره: لقاومتك.

الشاهد: قوله: "أن لو كنت" فإن أن فيه جعل حرفا يربط جملة القسم بجملة المقسم عليه. والذي ذهب إليه سيبويه أنها زائدة - بين القسم ولو.

مواضعه: ذكره أيضا السيوطي في الهمع 18/ 2.

3 قائله: هو لباعث بن صريم -بفتح الصاد- اليشكري، هو من الطويل.

وتمامه:

ويوما توافينا بوجه مقسم

...... تعطو إلى وارق السلم

اللغة: "مقسم" محسن وأصله من التقسمات وهي مجاري الدموع في أعالي الوجه "تعطو" قال الأعلم: العاطية: التي تتناول أطراف الشجر مرتعية "وارق" المورق -وفعله أوراق- وهو نادر "السلم" شجر بعينه.

المعنى: قال الأعلم: وصف امرأة حسنة الوجه فشبهها بظبية مخصبة.

الإعراب: "يوما" ظرف متعلق بالفعل بعده "توافينا" فعل مضارع فاعله ضمير مستتر عائد إلى المرأة الموصوفة ونا: مفعول "بوجه" متعلق بتوافي "مقسم" صفة لوجه "كأن" على رواة الجر الكاف حرف تشبيه وجر وأن زائدة "ظبية" مجرور بالكاف "تعطو" فعل مضارع وفاعله ضمير مستتر عائد إلى الظبية "إلى وارق" جار ومجرور متعلق بتعطو "السلم" مضاف إليه مجرور بالكسرة، وإنما سكن لأجل الوقف وجملة تعطو في محل رفع صفة لظبية.

الشاهد: قوله: "كأن ظبية" حيث وقعت أن زائدة بين الكاف ومجرورها.

مواضعه: راجعها في باب إن.

ص: 1234

في رواية الجر.

وفائدة زيادتها التوكيد، وزعم الزمخشري والشلوبين أنه ينجر مع التوكيد معنى آخر وهو أن الجواب يكون بعقب الفعل الذي يليها فتنبه على السببية والاتصال، وليست مثقلة في الأصل خلافا لزاعمه.

والمفسرة: وهي التي يحسن في موضعها أي. وعلامتها: أن تقع بعد جملة فيها معنى القول دون حروفه نحو: {فَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِ أَنِ اصْنَعِ الْفُلْكَ بِأَعْيُنِنَا} 1.

فلو كان الذي قبلها غير جملة حكم عليها بأنها المصدرية نحو: "إشارتي إليك أن اصبر" ولا تقع المفسرة بعد صريح القول خلافا لبعضهم.

ومذهب الكوفيين أن التفسير ليس من معاني "أن" وهي عندهم الناصبة للفعل والمصدرية هي التي تؤول مع صلتها بمصدر، وتنقسم إلى مخففة من "أن" وناصبة للمضارع فإن كان العامل فيها فعل علم وجب أن تكون المخففة نحو:{عَلِمَ أَنْ سَيَكُونُ} 2 وتقدم ذكرها في بابها.

وإن كان فعل ظن جاز فيها الأمران، وجاز في الفعل بعدها الرفع والنصب بالاعتبارين، إلا أن النصب هو الأكثر؛ ولذلك أجمع عليه في قوله تعالى:{أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا} 3 وقرئ بالوجهين: {وَحَسِبُوا أَلَّا تَكُونَ فِتْنَةٌ} 4.

وإن كان العامل فيها غير العلم والظن وجب أن تكون الناصبة للفعل نحو: "أريد أن تفعل" وإلى هذا التقسيم أشار بقوله:

...........................

لا بَعْدَ عِلْمٍ والتي من بَعْدِ ظَنْ

فانْصِبْ بها والرَّفْعَ صَحِّحْ واعْتَقِدْ

تَخْفِيفَها مِنْ أنَّ فهو مُطَّرِدْ

أي: فاعتقد تخفيفها من "أن" إذا رفعت الفعل بعدها.

1 من الآية 27 من سورة المؤمنون.

2 من الآية 20 من سورة المزمل.

3 من الآية 2 من سورة العنكبوت.

4 من الآية 71 من سورة المائدة.

ص: 1235

تنبيهات:

الأول: إذا أول العلم بغيره جاز وقوع الناصبة بعده؛ ولذلك أجاز سيبويه "ما علمت إلا أن تقوم" -بالنصب- قال: لأنه كلام خرج مخرج الإشارة، فجرى مجرى قولك:"أشير عليك أن تقوم".

وعن أبي العباس: أن الناصبة لا تأتي بعد لفظ العلم أصلا.

الثاني: أجاز سيبويه والأخفش إجراءها بعد الخوف مجراها بعد العلم لتيقن المخوف نحو: "خفت أن لا تفعل" أو "خشيت أن تقوم" -بالرفع- ومنع ذلك المبرد.

الثالث: أجاز الفراء وابن الأنباري أن تنصب بعد العلم غير المؤول، ومذهب الجمهور المنع.

الرابع: أجاز الفراء تقديم معمول معمولها عليها، مستشهدا بقوله1:

ربَّيتُه حتى إذا تَمَعْدَدَا

كان جزائِي بالعصا أن أُجْلَدَا

قال في التسهيل: ولا حجة فيما استشهد به لندوره، أو إمكان تقدير عامل مضمر.

1 قائله: لم أعثر على قائله، وهو من الرجز.

اللغة: "تمعدد" غلظ وشب.

المعنى: ربيت ابني حتى إذا غلظ وشب وكان جزائي أن أجلد بالعصا.

الإعراب: "ربيته" فعل وفاعل ومفعول "حتى" حرف ابتداء "إذا" ظرفية شرطية "تمعددا" فعل ماض في موضع الشرط والفاعل ضمير مستتر والألف للإطلاق وإذا منصوبة بشرطها أو جوابها "كان" فعل ماض ناقص "جزائي" اسم كان والياء مضاف إليه، وكان جزائي في موضع الجواب وجملة أن أجلدا في محل نصب خبر كان والألف للإطلاق.

الشاهد: قوله: "بالعصا أن أجلدا" فإن قوله "بالعصا" يتعلق بأجلد، وأجلد معمول أن وصلتها، وقوله "بالعصا" معمول معمول أن، وأجب بأنه نادر لا يقاس عليه، أو تؤول بأن، التقدير: كان جزائي أن أجلد بالعصا أن أجلد، فحذف من الأول لدلالة الثاني عليه.

مواضعه: ذكره الأشموني 522/ 3، والسيوطي في الهمع 88، 112/ 1، والشاهد 643 في الخزانة.

ص: 1236

الخامس: أجاز الأخفش أن تعمل وهي زائدة، واستدل بالسماع كقوله تعالى:{وَمَا لَنَا أَلَّا نُقَاتِلَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ} 1 وبالقياس على حرف الجر الزائد.

ولا حجة في ذلك؛ لأنها في الآية ونحوها مصدرية دخلت بعد "ما لنا" لتأوله بما منعنا. والفرق بينها وبين حرف الجر أن اختصاص باقٍ مع الزيادة بخلاف "أن" فإنها قد وليها الاسم في "كأن ظبية".

السادس: إذا وصلت "أن" بالماضي والأمر فهي التي تنصب المضارع خلافا لابن طاهر فإنه جعلها غيرها.

السابع: جملة ما ذكر لأن عشرة أقسام: ناصبة للمضارع ومخففة، وزائدة، ومفسرة، وشرطية، وبمعنى لا، وبمعنى لئلا، وبمعنى إذ، وبمعنى أن المخففة، وجازمة.

وقد تقدم الكلام عن الأربعة الأُول ولم يثبت ما سواها.

وأما الجازمة، فقال في التسهيل: ولا يجزم بها خلافا لبعض الكوفيين، انتهى. ووافقهم أبو عبيدة. وحكى اللحياني2 أنها لغة بني صباح؛ وقال الرؤاسي3: فصحاء العرب تنصب بأن وأخواتها الفعل، ودونهم قوم يرفعون بها، ودونهم قوم يجزمون بها، وقد أنشدوا على ذلك أبياتا:

وبعضُهم أهملَ أَنْ حَمْلا علَى

ما أخْتِها حيث استحقَّتْ عَمَلا

يعني: أن بعض العرب أهمل أن الناصبة حيث استحقت العمل، وذلك إذا لم يتقدمها علم أو ظن كقوله4:

أَنْ تَقْرآنِ على أسماءَ ويْحَكُمَا

مني السلام وأن لا تُشْعِرَا أَحَدَا

1 من الآية 246 من سورة البقرة.

2 هو علي بن المبارك اللحياني من بني لحيان، وقيل: سمي به لعظم لحيته، وأخذ عن الكسائي وأبي عمرو الشيباني وغيرهما، وله النوادر المشهورة.

3 محمد بن الحسن الرؤاسي النحوي، سمى الرؤاسي لأنه كان كبير الرأس، وهو أول من وضع من الكوفيين كتابا في النحو، وهو أستاذ الكسائي والفراء، وله من الكتب: الفيصل، الوقف والابتداء الكبير، وغير ذلك.

4 قائله: لم أعثر على قائله، وهو من البسيط. =

ص: 1237

فإن الأولى والثانية مصدريتان غير مخففتين وقد أعملت إحداهما وأهملت الأخرى، ومنه قراءة بعضهم:"لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يُتِمُّ الرَّضَاعَة"1.

ووجه إهمالها حملها على "ما" أختها، أعني: ما المصدرية، هذا مذهب البصريين، وأما الكوفيون فهي عندهم "المخففة من الثقيلة"2، وقوله في التسهيل: كونها المخففة أو المحمولة عليها أو على المصدرية يقتضي قولا ثالثا.

فإن قلت: هل يقاس على ذلك؟

قلت: ظاهر كلام المصنف أن إهمالها مقيس.

قال في شرح الكافية: ثم نبهت على أن من العرب من يجيز الرفع بعد أن الناصبة السالمة من سبق علم أو ظن.

ونَصَبُوا بإِذَنِ المسْتَقْبَلا

إن صُدِّرَتْ والفعلُ بعدُ مُوصَلا

"إذن" حرف ينصب المضارع بثلاثة شروط:

الأول: أن يكون مستقبلا، فإن كان حالا رفع؛ لأن النواصب تخلص للاستقبال.

= اللغة: "تقرآن" تبلغان وتقولان "ويحكما" مصدر معناه رحمة لكما.

المعنى: أرجو يا صاحبي أن تبلغا محبوبتي أسماء تحيتي وألا تخبرا بذلك أحدا.

الإعراب: "أن" مصدرية مهملة "تقرآن" فعل مضارع مرفوع بثبوت النون والألف فاعل، وهو في محل نصب بدل من حاجة في بيت قبله، أو في محل رفع خبر لمبتدأ محذوف عائد إلى حاجة، أي: هي أن تقرآن "ويحكما" منصوب بفعل محذوف من معناه، وهو مصدر مضاف إلى ضمير المخاطبين "مني" متعلق بتقرآن "السلام" مفعول تقرآن "وأن لا" أن مصدرية ناصبة ولا نافية "تشعران" فعل مضارع منصوب بأن والألف فاعل "أحدا" مفعول.

الشاهد: قوله: "أن تقرآن" حيث أهملت "أن" عن العمل حملا على أختها ما المصدرية، ورفع الفعل.

مواضعه: ذكره من شراح الألفية: الأشموني 553/ 2، وابن هشام 365/ 3، والمكودي ص144، وابن الناظم، وذكره ابن هشام في المغني 201/ 2، وابن يعيش 15/ 7، والإنصاف 229/ 2، والشاهد 642 في الخزانة.

1 من الآية 233 من سورة البقر، وهي قراءة ابن محيصن.

2 ب، ج.

ص: 1238

الثاني: أن تكون مصدرة، فإن تأخرت ألغيت حتما، نحو:"أكرمك إذن" وإن توسطت وافتقر ما قبلها لما بعدها فكذلك.

قال في شرح الكافية: وشذ النصب بإذن بين خبر وذي خبر في قول الراجز1:

لا تَتْرُكَنِّي فيهم شَطِيرَا

إني إِذَنْ أُهْلَكَ أو أَطِيرَا

قلت: نقل جواز ذلك عن بعض الكوفيين، وتأوله البصريون على حذف الخبر، والتقدير: إني لا أقدر على ذلك، ثم استأنف بإذن فنصب. وإن تقدمها حرف عطف فسيأتي.

والثالث: ألا يفصل بينها وبين الفعل بغير القسم، فإن فصل بينهما بغيره ألغيت نحو:"إذن زيد يكرمك"، وإن فصل به لم يعد حاجزا نحو:"إذن والله أكرمك".

تنبيه:

أجاز ابن عصفور الفصل بالظرف نحو: "إذن غدا أكرمك" وأجاز ابن بابشاذ: الفصل بالنداء والدعاء نحو: "إذن يا زيد أحسن إليك" و"إذن يغفر الله لك يدخلك الجنة" ولم يسمع شيء من ذلك، فالصحيح منعه.

1 قائله: لم أعثر على قائله، وهو من الرجز.

اللغة: "شطيرا" -بفتح الشين وكسر الطاء- غريبا أو بعيدا "أطير" أذهب بعيدا.

المعنى: لا تتركني وتصيرني مثل البعيد والغريب بين هؤلاء، فإني إذن أموت أو أرحل بعيدا عنهم.

الإعراب: "لا تتركني" ناهية وفعل مضارع مؤكد بالنون الثقيلة، والنون للوقاية والياء مفعول أول "فيهم" جار ومجرور متعلق بشطير "شطيرا" مفعول ثان أو حال "إني" إن واسمها "أهلك" فعل مضارع منصوب بإذن، والفاعل ضمير مستتر فيه والجملة في محل رفع خبر إن "أو أطيرا" عطف على أهلك.

الشاهد: قوله: "إذن أهلك" حيث نصب إذن المضارع وإذن غير واقعة في صدر الجملة؛ لأنها معترضة بين اسم إن وخبرها. ويخرج على أنه ضرورة أو على أن خبر "إن" محذوف؛ أي: لا أقدر على ذلك ثم استأنف بعده، فتكون إذن في صدر جملة مستأنفة.

مواضعه: ذكره من شراح الألفية: الأشموني 554/ 3، وابن هشام 370، وابن الناظم، والشاهد 649 في الخزانة.

ص: 1239

وأجاز الكسائي وهشام الفصل بمعمول الفعل، وفي الفعل1 حينئذ وجهان.

والاختيار عند الكسائي النصب، وعند هشام الرفع.

وقد اشتمل البيت على "ذكر"2 الشروط الثلاثة، ثم أشار إلى أن الفصل بالقسم مغتفر بقوله:

أو قبله اليمينُ

ثم نبه على حكمها بعد العاطف فقال:

........... وانْصِبْ وارْفَعَا

إِذَا إِذَنْ من بعد عَطْفٍ وَقَعَا

والرفع أجود الوجهين وبه قرأ السبعة، وفي الشواذ:"وَإِذًا لَا يَلْبَثُوا"3 على الإعمال.

تنبيهات:

الأول: أطلق في العطف، وفصل بعضهم فقال: إن كان العطف على ماله محل ألغيت نحو: "إن تزرني أزرك وإن أحسن إليك" بجزم أحسن عطفا على جواب الشرط.

وإن كان على ما لا محل له، فالأكثر الإلغاء كالآية.

الثاني: إلغاء إذن مع استيفاء الشروط لغة نادرة حكاها عيسى وسيبويه ولا يقبل قول من أنكرها.

الثالث: مذهب الجمهور أن "إذن" حرف. وذهب بعض الكوفيين إلى أنها اسم وأصلها "إذًا" والأصل أن تقول: "إذا جئتني أكرمك" فحذف ما يضاف إليه وعوض منه التنوين، والصحيح مذهب الجمهور.

ثم اختلف القائلون بحرفيتها؛ فقال الأكثرون: إنها بسيطة، وذهب الخليل في أحد أقواله إلى أنها مركبة من "إذ" و"إن".

1 أ، ج وفي ب "الفصل".

2 أ، ج.

3 من الآية 76 من سورة الإسراء.

ص: 1240

ثم اختلف القائلون بأنها بسيطة، فذهب الأكثرون إلى أنها ناصبة بنفسها.

وذهب الخليل فيما روى عنه أبو عبيدة أنها ليست ناصبة بنفسها، وأن مضمرة بعدها، وإليه ذهب الزجاج والفارسي.

الرابع: إذا وقع بعدها الماضي مصحوبا باللام كقوله تعالى: {إِذًا لَأَذَقْنَاكَ} 1. فالظاهر أن اللام جواب قسم مقدر قبل إذن. وقال افراء: لو مقدرة قبل إذن. والتقدير: لو ركنت إليهم لأذقناك، وقدر في كل موضع ما يليق به.

الخامس: قال سيبويه: معناها الجواب والجزاء "يعني إذن"2 وحمله الشلوبين على ظاهره، وأنها للجواب والجزاء في كل موضع، وتكلف تخريج ما خفي فيه ذلك.

وذهب الفارسي إلى أنها قد ترد لهما، وهو الأكثر، وقد تكون للجواب وحده نحو أن يقول القائل:"أحبك" فتقول: "إذن أظنك صادقا" فلا يتصور هنا الجزاء. وحمل كلام سيبويه على ذلك كما قال في نعم: إنها عدة وتصديق باعتبار حالين.

وقال بعضهم: إذن وإن دلت على أن ما بعدها متسبب عما قبلها على وجهين؛ أحدهما: أن تدل على إنشاء الارتباط بحيث لا يفهم من غيرها. والثاني: أن تكون "واردة"3 جوابا ارتبط بمتقدم أو منبهة على سبب "حصل"4 في الحال نحو: "إن أتيتني إذن آتيك" أو "إذن أظنك صادقا" تقوله لمن يحدثك "وهي في الحالين غير عاملة"5.

وبَيْنَ لا ولام جر التُزِمْ

إظهارُ أن ناصبة وإن عُدِمْ

لا فأَنَ اعْمِلْ مُظهِرا أو مُضْمَرا

وبعد نفي كان حتما أُضْمِرَا

1 من الآية 75 من سورة الإسراء.

2 ب، ج.

3 أ، وفي ب، ج "مؤكدة".

4 أ، وفي ب، ج "حصل".

5 أ، ج.

ص: 1241

"اعلم" أن أقوى نواصب الفعل "أن" لاختصاصها به ولشبهها بأن الناصبة للاسم؛ فلذلك عملت مظهرة ومضمرة بخلاف أخواتها، وإضمارها على ثلاثة أضرب: واجب، وجائز، وشاذ.

فالواجب بعد ستة أشياء؛ أولها: "كي" الجارة. وثانيها: لام الجحود. وثالثها: "أو" بمعنى إلى أو إلا. ورابعها: حتى. وخامسها: فاء الجواب. وسادسها: واو المصاحبة.

والجائز بعد شيئين؛ الأول: لام كي إذا لم يكن معها لا. والثاني: العاطف على اسم خالص.

والشاذ: إعمالها مضمرة في غير هذه المواضع.

والحاصل: أنها لا تعمل مضمرة باطراد إلا بعد حرف جر أو حرف عطف على ما سيأتي بيانه.

فأما "كي" الجارة، فلم ينبه في النظم عليها؛ بل ظاهر كلامه هنا موافقة من يقول: إنها ناصبة بنفسها دائما؛ لأنه ذكرها مع النواصب، ولم يذكرها غير ذلك. وقد ذكر لها في الكافية وغيرها الحالين.

وقد اشتمل هذان البيتان على حكم "أن" بعد لام كي ولام الجحود.

فأما لام كي فهي لام التعليل، ولأن بعدها حالان، حال يجب فيه إظهارها وذلك مع الفعل المقرون بلا النافية أو الزائدة، كقوله تعالى:{لِئَلَّا يَعْلَمَ أَهْلُ الْكِتَابِ} 1.

وحال يجوز فيه إظهارها وإضمارها، وذلك مع الفعل غير المقرون بلا نحو:"جئت لتكرمني".

ولو أظهرت فقلت: لأن تكرمني، لجاز.

فإن قلت: فهل يجوز أن يكون النصب بعدها بإضمار كي؟

1 من الآية 29 من سورة الحديد.

ص: 1242

قلت: أجاز ذلك ابن كيسان والسيرافي، ومذهب الجمهور أن كي لا تضمر؛ لأنه لم يثبت إضمارها في غير هذا الموضع.

فإن قلت: لِمَ سميت لام كي؟

قلت: لأنها للسبب كما أن كي للسبب.

وأما لام الجحود، فهي الواقعة بعد كان المنفية الناقصة الماضية لفظا أو معنى نحو:{وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُطْلِعَكُمْ عَلَى الْغَيْبِ} 1 و {لَمْ يَكُنِ اللَّهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ} 2.

والفعل بعدها منصوب بأن مضمرة واجبة الإضمار، وعلل ذلك بأن إيجاب "ما كان زيد ليفعل""كان زيد سيفعل" جعلت اللام في مقابلة السين، فكما أنه لا يجمع بين أن والسين كذلك لا يجمع بين أن واللام.

فإن قلت: حاصل كلام الناظم أن لأن بعد لام الجر ثلاثة أحوال: وجوب إظهارها مع المقرون بلا، ووجوب إضمارها بعد نفي كان، وجواز الأمرين فيما عدا ذلك، وهذا غير محرر من ثلاثة أوجه:

أحدها: أنه لم يقيد بالناقصة، فأوهم أنه يجب الإضمار أيضا بعد التامة، وليس كذلك؛ لأن اللام بعدها ليست لام الجحود.

الثاني: أنه يوهم "أن"3 اختصاص هذا الحكم بالماضية لفظا، وقد تقدم أن الماضية معنى كالماضية لفظا.

والثالث: أنه أطلق فشمل إطلاقه النفي بكل نافٍ، وليس كذلك؛ لأن النفي هنا لا يكون إلا بما أو بلم ولا يكون بأن ولا بلما ولا بلا ولا بلن. نص على ذلك في الارتشاف.

قلت: قد يجاب عن الأول بأن استعمال الناقصة أكثر، وذكرها في أبواب النحو أشهر فتوجه كلامه إليها، وتعين حمله عند عدم التقييد عليها.

1 من الآية 179 من سورة آل عمران.

2 من الآية 137 من سورة النساء.

3 ب، ج.

ص: 1243

وعن الثاني: بأنه لم يكن مندرجا في قوله: "ونفى كان" لأن المراد نفي الماضي، ولم تنف الماضي، على أن من النحويين من يرى أنها تصرف لفظ الماضي دون معناه.

وعن الثالث: أن قوله: "نفي كان" لا يشمل كل نافٍ، بل يشمل كل ما ينفي الماضي فخرجت "لن" لأنها تختص بالمستقبل، وكذلك "لا" فإن نفي غير المستقبل بها قليل، وأما لما فإنها وإن كانت تنفي الماضي تدل على اتصال نفيه بالحال بخلاف "لم" وأما "أن" فهي بمعنى "ما" وإطلاقه يشملها، وفي استثنائها نظر.

بل الظاهر أن لام الجحود تقع بعد النفي بها، ويدل على ذلك قراءة غير الكسائي:{وَإِنْ كَانَ مَكْرُهُمْ لِتَزُولَ مِنْهُ الْجِبَالُ} 1، ونص بعضهم على أن اللام في غير قراءته لام الجحود.

وفي هذه الآية رد على من زعم أن الفعل بعد لام الجحود لا يرفع إلا ضمير الاسم السابق.

وقد فهم من النظم فوائد:

الأول: أن ذلك لا يكون في أخوات كان؛ لتخصيص الحكم بها خلافا لمن أجازه قياسا في أخواتها، ولمن أجازه في ظننت.

والثانية: أن الفعل معها لا يكون موجبا، فلا يقال:"ما كان زيد إلا ليفعل" لأنها إذ ذاك بعد إيجاب لا بعد نفي كان.

الثالثة: أن إظهار أن بعد لام الجحود ممتنع؛ لقوله: "حتما أضمرا"، وهذا مذهب البصريين.

وأما الكوفيون فحكى ابن الأنباري عنهم منع ذلك، وحكى غيره عن بعضهم جواز إظهار أن بعدها توكيدا.

1 سورة إبراهيم الآية 46. أما قراءة الكسائي فهي بفتح اللام ورفع الفعل بأن مخففة من الثقيلة واللام للفصل، أي: وإن مكرهم لنزول منه الأمور المشبهة في عظمها بالجبال كبأس أعدائهم الكثيرين.

ص: 1244

تنبيهات:

الأول: أجاز بعض النحويين حذف لام الجحود وإظهار أن مستدلا بقوله تعالى: {وَمَا كَانَ هَذَا الْقُرْآنُ أَنْ يُفْتَرَى} 1.

واضطراب ابن عصفور فمرة أجاز ومرة منع، والصحيح المنع، ولا حجة لهم في الآية؛ لأن "أن يفترى" في تأويل مصدر هو الخبر.

الثاني: قد فهم مما تقدم أن لام الجر التي ينصب الفعل بعدها قسمان: لام كي ولام الجحود.

أما لام الجحود فقد تقدم ضابطها.

وأما لام كي فهي ما عداها، وقسم بعضهم ما عدا لام الجحود إلى ثلاثة أقسام كما فعل الشارح: لام كي نحو: "جئت لتحسن إلي" ولام العاقبة نحو: {فَالْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا وَحَزَنًا} 2 ولام زيادة نحو: {يُرِيدُ اللَّهُ لِيُبَيِّنَ لَكُمْ} 3.

وأن بعد هذه الثلاثة يجوز إظهارها وإضمارها.

قلت: أما لام العاقبة، وتسمى أيضا لام الصيرورة، ولام المآل، فقد أثبتها الكوفيون والأخفش وذكرها في التسهيل، وتأول جمهور البصريين ما أوهم ذلك، وردوه إلى لام كي.

وأما الزيادة، فذهب قوم إلى أن اللام في نحو:{يُرِيدُونَ لِيُطْفِئُوا} 4 {وَأُمِرْنَا لِنُسْلِمَ} 5 زائدة وأن مقدرة بعدها.

وقال الفراء: العرب تجعل لام كي في موضع أن في أردت وأمرت، والمختار أنها لام كي.

1 من الآية 37 من سورة يونس.

2 من الآية 8 من سورة القصص.

3 من الآية 26 من سورة النساء.

4 من الآية 8 من سورة الصف.

5 من الآية 71 من سورة الأنعام.

ص: 1245

والتقدير: يريدون ما يريدون من الكفر ليطفئوا، وأمرنا بما أمرنا لنسلم.

الثالث: ما ذكر من أن اللام التي "تنصب الفعل"1 بعدها هي لام الجر، والنصب بأن مضمرة، هو مذهب البصريين، وذهب الكوفيون إلى أن اللام ناصبة بنفسها، وذهب ثعلب إلى أن اللام ناصبة بنفسها لقيامها مقام أن، والخلاف في اللامين -أعني: لام كي ولام الجحود- واحد.

الرابع: اختلف في الفعل الواقع بعدم اللام، فذهب الكوفيون إلى أنه خبر "كان" واللام للتوكيد. وذهب البصريون إلى أن الخبر محذوف، واللام متعلقة بذلك الخبر المحذوف وقدروه:"ما كان زيد مريدا ليفعل"، وإنما ذهبوا إلى ذلك لأن اللام جارة عندهم، وما بعدها في تأويل مصدر، وصرح المصنف بأنها مؤكدة لنفي الخبر -وظاهره موافقة الكوفيين- إلا أن الناصب عنده أن مضمرة، فهو قول ثالث، قال الشيخ أبو حيان: ليس بقول بصري ولا كوفي، ومقتضى قوله مؤكدة أنها زائدة. وصرح به الشارح، وقال في شرحه لهذا الموضع من التسهيل: سميت مؤكدة لصحة الكلام بدونها، لا لأنها زائدة، إذ لو كانت زائدة لم يكن لنصب الفعل بعدها وجه صحيح، وإنما هي لام اختصاص دخلت على الفعل لقصد ما كان زيد مقدرا أوهاما أو مستعدا لأن يفعل.

قلت: ما نقل عن البصريين من أنها متعلقة بالخبر المحذوف يقتضي أنها ليست بزائدة وتقدرهم مريدا يقتضي أنها زائدة مقوية للعامل. فليتأمل.

الخامس: ذكر في التسهيل أن فتح اللام الجارة الداخلة على الفعل لغة عكل وبلعنبر.

وقال أبو زيد: سمعت من يقرأ: {وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ} 2.

ثم انتقل إلى "أو" فقال:

كَذاكَ بعد أو إذا يَصْلحُ في

موضِعِها حتى أَوِ الَّا أَنْ خَفى

1 ب، ج وفي أ "ينصب".

2 من الآية 33 من سورة الأنفال.

ص: 1246

يعني: أن "أن" يجب إضمارها بعد "أو" إذا صلح في موضعها حتى أو إلا كما وجب إضمارها بعد لام الجحود.

فإن قلت: حتى "تكون"1 بمعنى إلى وبمعنى كي فأيهما أراد؟

قلت: قال الشارح: حتى التي بمعنى إلى لا التي بمعنى كي، فإن كان ما قبلها ينقضي شيئا فشيئا فهي بمعنى إلى وإلا فهي بمعنى إلا. انتهى.

يحتمل أن يريد المعنيين معا، وذلك أن بعضهم قدرها بكي، وبعضهم قدرها بإلى.

وأما سيبويه فقدرها بإلا، فكأنه أشار إلى الأولين بذكر حتى، ويصلح للتقديرات الثلاثة قولهم:"لألزمنك أو تقضيني حقي" فإنه يصلح للتعليل وللغاية وللاستثناء من الأزمان.

ويتعين الأول في نحو: "لأطيعن الله أو يغفر لي". والثاني في نحو: "لأنتظرنه أو يجيء"، والثالث في نحو:"لأقتلن الكافر أو يسلم"، وبذلك "يضعف"2 قول من قال: إن تقديرا "بإلا مطرد، وقول من قال: إن تقديرها"3 بكي أو إلى مطرد، ويؤيد الاحتمال الثاني أنه لو أراد حتى التي بمعنى إلى فقط لصرح بإلى والوزن موات له على ذلك.

تنبيهات:

الأول: احترز بقوله: "إذا يصلح في موضعها "حتى أو إلا " من التي لا يصلح في موضعها"4 أحد الحرفين، فإن المضارع إذا ورد بعدها منصوبا جاز إظهار أن كقوله5:

1 أ، ج.

2 ب، ج.

3 ب، ج.

4 أ.

5 قائله: هو الحصين بن حمام المري، وهو من الطويل. =

ص: 1247

ولولا رجالٌ من رِزَامٍ أعزةٌ

وآلُ سُبيع أو أسوءَك عَلْقَمَا

الثاني: ما ذكر من تقدير حتى أو إلا في مكان أو تقدير لحظ فيه المعنى دون الإعراب، والتقدير الإعرابي المرتب على اللفظ أن يقدر قبل "أو" مصدر وبعدها "أن" الناصبة للفعل، وهما في تأويل مصدر معطوف بأو على المقدر قبلها فتقدير "لأنتظرنه أو يقدم": ليكونن انتظارٌ أو قدومٌ.

الثالث: ذهب الكسائي إلى أن "أو" المذكورة ناصبة بنفسها، وذهب الفراء ومن وافقه من الكوفيين إلى أن الفعل انتصب بالمخالفة، والصحيح أن النصب بأن مضمرة بعدها؛ لأن "أو" حرف عطف فلا عمل لها ولكنها عطفت مصدرا مقدرا على مصدر متوهم، ومن ثَمَّ لزم إضمار أَنْ بعدها.

الرابع: قوله: "إذا يصلح في موضعها حتى أو إلا" أجود من قول الشارح بعد أو بمعنى إلى أو إلا، فإنه يوهم أن "أو" ترادف الحرفين، وليس كذلك، بل هي أو العاطفة التي لأحد الشيئين.

ثم انتقل إلى حتى فقال:

وبعد حتى هكذا إضمارُ أن

حَتْمٌ كجُدْ تَسُرَّ ذا حَزَنْ

حتى في الكلام على ثلاثة أضرب: عاطفة، وابتدائية، وجارة.

فالعاطفة: تعطف بعضا على كل، وتقدمت في حروف العطف.

= اللغة: "رزام" -بكسر الراء وتخفيف الزاي- هو أبو حي من تميم واسمه رزام بن مالك بن عمرو بن تميم.

الإعراب: "ولولا" الواو للعطف ولولا حرف امتناع لوجود "رجال" مبتدأ مرفوع بالضمة الظاهرة "من رزام" جار ومجرور صفة لرجال والتقدير: لولا رجال كائنون من رزام "أعزة" صفة أخرى وخبر المبتدأ محذوف أي: كائنون "وآل" عطف عليه "سبيع" مضاف إليه "أو أسوءك" فعل مضارع منصوب بأن مضمرة بعد أو العاطفة والفاعل ضمير مستتر فيه والكاف مفعول "علقما" منادى مرخم تقديره: يا علقمة، فحذف حرف النداء فصار علقمة ثم رخمه فصار علقم -بفتح الميم- على ما كان ثم أشبع الفتحة ألفا.

الشاهد: قوله "أو أسوءك" حيث نصب الفعل بعد أو بتقدير أن.

مواضعه: ذكره الأشموني 559/ 3، والسيوطي في الهمع 10/ 2، وسيبويه 429/ 1.

ص: 1248

والابتدائية: تدخل على جملة مضمونها غاية لشيء قبلها كقوله1:

.......... حتى ماءُ دجلةَ أَشْكَلُ

وليس المعنى أنه يجب أن يكون بعدها المبتدأ والخبر، بل المعنى على الصلاحية، فمتى كان بعدها جملة فعلية مصدرة بماض نحو:{حَتَّى عَفَوْا} 2 أو بمضارع مرفوع تقول: "شربت الإبل حتى يجيء البعير يجر بطنه" أطلق عليها حرف ابتداء.

والجارة: تدخل على الاسم الصريح بمعنى إلى وتقدمت في حروف الجر، وتدخل على المضارع ويجب حيئنذ إضمار أن بعدها ناصبة؛ لتكون مع الفعل في تأويل مصدر مجرور بحتى ولا يجوز إظهار أن بعدها.

تنبيهات:

الأول: قال في شرح التسهيل عند ذكر حتى الجارة ومجرورها إما اسم صريح نحو: {حَتَّى حِينٍ} 3 أو مصدر مؤول من أن وفعل ماض نحو: {حَتَّى عَفَوْا} أو مضارع نحو: {حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ} 4.

ونوزع في الماضي فإن حتى قبله ابتدائية وأن غير مضمرة.

1 قائله: هو جرير بن عطية الخطفي من قصيدة يهجو بها الأخطل، وهو من الطويل.

وتمامه:

فما زالت القتلى تمج دماءها

بدجلة....................

اللغة: "القتلى" جمع قتيل "تمج" ترمي وتقذف "دجلة" -بكسر الدال- نهر العراق "أشكل" ماء أشكل إذا خالطه دم، والأشكل الذي يخالطه حمرة.

الإعراب: "فما" الفاء عاطفة وما نافية "زالت" من أخوات كان "القتلى" اسم ما زالت "تمج" فعل مضارع والفاعل ضمير مستتر فيه "دماءها" مفعول به والهاء مضاف إليه والجملة في محل نصب خبر ما زال "بدجلة" الباء ظرفية، أي: في دجلة "حتى" حرف ابتداء "ماء" مبتدأ مرفوع بالضمة الظاهرة "دجلة" مضاف إليه "أشكل" خبر المبتدأ.

الشاهد: قوله: "حتى" حيث دخلت على الجملة الاسمية؛ لأنها حرف ابتداء.

مواضعه: ذكره الأشموني في شرحه للألفية 562/ 3، وابن الناظم.

2 من الآية 95 من سورة الأعراف.

3 من الآية 35 من سورة يوسف.

4 من الآية 214 من سورة البقرة.

ص: 1249

الثاني: ذهب الكوفيون إلى أن حتى ناصبة بنفسها وأجازوا إظهار أن بعدها توكيدا كما أجازوا ذلك بعد لام الجحود.

الثالث: إذا انتصب المضارع بعد حتى، فالغالب أن تكون للغاية؛ كقوله تعالى:{لَنْ نَبْرَحَ عَلَيْهِ عَاكِفِينَ حَتَّى يَرْجِعَ إِلَيْنَا مُوسَى} 1 وعلامتها "أن يصلح في موضعها إلى، وقد تكون للتعليل نحو: "جد حتى تسر ذا حزن" وعلامتها"2 أن يحسن في موضعها كي، وزاد في التسهيل: أنها تكون بمعنى إلا أن، كقوله3:

ليس العطاءُ من الفضول سماحةً

حتى تجودَ وما لديك قليلُ

وهذا معنى غريب، وممن ذكره ابن هشام وحكاه في البسيط عن بعضهم. ولا حجة في البيت لإمكان جعلها فيه بمعنى إلى.

ثم نبه على أن "الفعل بعدها لا يكون إلا مستقبلا حقيقة"4 أو حكما.

وتِلوَ حتى حالا أو مؤولا

به ارفعَنَّ وانصب المستقبلا

مثال الحال قولهم: "سألت عنك حتى لا أحتاج إلى سؤال"، ومثال المؤول بالحال كقراءة نافع:{وَزُلْزِلُوا حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ} 5.

1 من الآية 91 من سورة طه.

2 ب، ج.

3 قائله: قال العيني: لم ينسب لقائل، وفي الدرر اللوامع قال: للمقنع الكندي، وهو من الكامل.

اللغة: "الفضول" المال الزائد "سماحة" الجود والكرم.

الإعراب: "ليس" فعل ماض ناقص "العطاء" اسمها مرفوع بالضمة الظاهرة "من الفضول" جار ومجرور في محل رفع صفة للعطاء "سماحة" خبر ليس، والتقدير: ليس العطاء الحاصل من فضول المال سماحة وجودا "حتى" للغاية "تجود" فعل مضارع منصوب بتقدير أن "وما لديك قليل" جملة حالية.

الشاهد: قوله: "حتى تجود" فإن حتى فيه بمعنى إلا أن، فحتى هنا بمعنى الاستثناء.

مواضعه: ذكره الأشموني 560/ 3، والسيوطي في الهمع 9/ 2.

4 ب، ج وفي أ "منصوب الفعل لا يكون بعدها إلا مستقبلا حقيقة".

5 من الآية 214 من سورة البقرة.

ص: 1250

والمراد بالمؤول بالحال أن يكون الفعل قد وقع فيقدر اتصافه بالدخول فيه فيرفع؛ لأنه حال بالنسبة إلى تلك الحال، وقوله:"وانصب المستقبلا" يعني: حقيقة أو بتأويل. فالمستقبل حقيقة نحو: "لأسيرن حتى أدخل المدينة" والمؤول كقراءة غير نافع: {وَزُلْزِلُوا حَتَّى يَقُولَ} "والمراد"1 به أن يكون الفعل قد وقع فيقدر المخبر به اتصافه بالعزم فينصب؛ لأنه "مستقبل بالنسبة إلى تلك الحال"2.

تنبيهات:

الأول: إذا كان الفعل حالا أو مؤولا به فحتى ابتدائية وإذا كان مستقبلا أو مؤولا به فهي الجارة وأن مضمرة بعدها كما تقدم.

الثاني: علامة كونه حالا أو مؤولا به صلاحية جعل الفاء في موضع حتى، ويجب حينئذ أن يكون ما بعدها فضلة مسببا عما قبلها.

الثالث: قد فهم مما ذكر أن الرفع يمتنع في نحو: "كان سيري حتى أدخلها" إذا جعلت ناقصة؛ لأنه لو رفع لكانت حتى ابتدائية، فتبقى كان بلا خبر، وفي نحو:"سرت حتى تطلع الشمس" لانتفاء السببية خلافا للكوفيين، وفي نحو:"ما سرت أو أسرت حتى تدخل المدينة" مما يدل على حدث غير واجب؛ لأنه لو رفع لزم أن يكون مستأنفا مقطوعا بوقوعه وما قبلها سبب له، وذلك لا يصح لأن ما قبلها منفي في "ما سرت" ومشكوك في وقوعه في "أسرت" فيلزم وقوع المسبب مع نفي السبب أو الشك فيه، وأجاز الأخفش الرفع في نحو:"ما سرت حتى أدخل المدينة" فقيل: هي مسألة خلاف بينه وبين سيبويه، وقيل: إنما أجازه على أن يكون أصل الكلام واجبا ثم أدخلت أداة النفي على الكلام بأسره، فنفيت أن يكون سير كان عنه دخول.

قال ابن عصفور: وهذا الذي قاله جيد وينبغي ألا يعد هذا خلافا.

الرابع: ذهب أبو الحسن إلى أن حتى إذا كانت بمعنى الفاء فهي عاطفة وتعطف الفعل على الفعل، وذلك إذا دخلت على الماضي أو المستقبل على جهة السبب نحو:"ضربت زيدا حتى بكى" و"لأضربنه حتى يبكي".

1 ب، ج.

2 ب.

ص: 1251

ومذهب الجمهور أنها ابتدائية كما سبق؛ لأنها إنما تعطف المفردات.

وثمرة الخلاف أن الأخفش يجيز الرفع في يبكي على العطف، والجمهور لا يجيزون فيه إلا النصب، ثم انتقل إلى فاء الجواب فقال:

وبَعْدَ فَا جوابِ نَفْي أو طَلَبْ

مَحْضَيْنِ أَنْ وسَتْرُهَا حَتْمٌ نَصَبْ

يعني: أن "أن" تنصب الفعل مضمرة بعد فاء جواب نفي نحو: {لَا يُقْضَى عَلَيْهِمْ فَيَمُوتُوا} 1 أو طلب وهو أمر أو نهي أو دعاء أو استفهام أو عرض أو تحضيض أو تمن، فالأمر نحو:"اضرب زيدا فيستقيم" والنهي: {لَا تَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ كَذِبًا فَيُسْحِتَكُمْ} 2 والدعاء: {رَبَّنَا اطْمِسْ عَلَى أَمْوَالِهِمْ وَاشْدُدْ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَلَا يُؤْمِنُوا} 3 والاستفهام: {فَهَلْ لَنَا مِنْ شُفَعَاءَ فَيَشْفَعُوا لَنَا} 4 والعرض قول بعض العرب: "ألا تقع الماء فتسبح" يريد: في الماء. والتحضيض: "هلا أمرت فتطاع" والتمني: {يَا لَيْتَنِي كُنْتُ مَعَهُمْ فَأَفُوزَ} 5.

والتمني يكون بليت كما مثل أو بألا نحو: "ألا رسول لنا منا فيخبرنا"، وبلو كقوله6: لو نُعان فننهدا.

1 من الآية 36 من سورة فاطر.

2 من الآية 61 من سورة طه.

3 من الآية 88 من سورة يونس.

4 من الآية 53 من سورة الأعراف.

5 من الآية 73 من سورة النساء.

6 قائله: لم أقف على اسم قائله، وهو من الطويل.

وتمامه:

سرينا إليهم في جموع كأنها

جبال شرورى...........

اللغة "جموع" جمع جمع، وهو الجماعة "شرورى" اسم جبل لبني سليم "نعان" -على صيغة المبني للمجهول- من العون "فننهدا" من نهد إلى العدو ينهد -بالفتح فيهما- أي: نهض، ومنه المناهد في الحرب، وهي المناهضة.

الإعراب: "سرينا" فعل وفاعل "إليهم" جار ومجرور متعلق بسرينا "في جموع" جار ومجرور في محل نصب على الحال، والتقدير: سرينا إلى هؤلاء القوم ونحن في جماعة "كأنها" كأن واسمها "جبال" خبر كأن مرفوع بالضمة الظاهرة "شرورى" مضاف إليه "لو نعان" نعان فعل مضارع مبني للمجهول ونائب الفاعل ضمير "فننهدا" مضارع منصوب بأن مضمرة بعد الفاء وفاعله ضمير مستتر فيه.

الشاهد: قوله: "لو نعان" فإن "لو" هنا للتمني، ونصب الفعل بعدها بإضمار "أن" وهو فننهدا؛ أي: فأن ننهدا.

ص: 1252

ومنع المصنف كون لو للتمني وقال: التقدير: وددنا لو نعان، فهو جواب تمن إنشائي كجواب ليت.

وقد فهم من كلامه أنه لا يجوز النصب بعد شيء من ذلك إلا بشرطين:

أحدهما: أن تكون الفاء مقصودا بها "الجواب"1 لإضافتها إلى الجواب احترازا من الفاء التي لمجرد العطف كقولك: "ما تأتينا فتحدثنا" بمعنى: ما تأتينا فما تحدثنا؛ فيكون الفعلان مقصودا نفيهما، وبمعنى: ما تأتينا فأنت تحدثنا، على إضمار مبتدأ، فيكون المقصود نفي الإتيان وإثبات الحديث، وإذا قصد بها معنى الجزاء والسببية لم يكن الفعل بعدها إلا منصوبا على معنى: ما تأتينا محدثا، فيكون المقصود نفي اجتماعهما أو على معنى: ما تأتينا فكيف تحدثنا، فيكون المقصود نفي الثاني لانتفاء الأول.

الثاني: أن يكون النفي والطلب محضين، واحترز بذلك "عن"2 النفي الذي ليس بمحض نحو:"ما أنت تأتينا إلا فتحدثنا" و"ما تزال تأتينا فتحدثنا". ومن الطلب الذي ليس بمحض، والمراد بالطلب المحض أن يكون بفعل أصل في ذلك، فاحترز من أن يكون بمصدر نحو:"سقيا" أو باسم فعل نحو: "صه" أو بلفظ الخبر نحو: "رحم الله زيدا" فلا يكون لشيء من ذلك جواب منصوب، وسيأتي الخلاف في بعض ذلك.

تنبيهات:

الأول: قال في شرح الكافية: النفي الذي لا جواب له منصوب لكونه ليس نفيا خالصا بأربعة أمثلة: "ما أنت إلا تأتينا فتحدثنا" و"ما تزال تأتينا فتحدثنا" و"ما قام فيأكل إلا طعامه" وقول الشاعر3:

1 أ، ج وفي ب "الجزاء".

2 ب، ج وفي أ "من".

3 قائله: هو الفرزدق، وهو من الطويل. =

ص: 1253

وما قام مِنَّا قائمٌ في ندينا

فينطِقُ إلا بالتي هيَ أعرفُ

وتبعه الشارح في التمثيل بها، فأما الأولان فالتمثيل بهما صحيح، وأما الآخران فالنصب فيهما جائز، فإن النفي إذا انتقض بإلا بعد الفاء جاز النصب. نص على ذلك سيبويه، وعلى النصب أنشد:

فينطِقَ إلا بالتي هي أعرفُ

الثاني: ذهب بعض الكوفيين إلى أن ما بعد الفاء منصوب بالمخالفة، وبعضهم إلى أن الفاء هي الناصبة كما تقدم في أو، والصحيح مذهب البصريين؛ لأن الفاء عاطفة فلا عمل لها؛ لأنها في ذلك عاطفة لمصدر مقدر على مصدر متوهم، والتقدير في نحو:"ما تأتينا فتحدثنا" ما يكون منك إتيان فحديث، وكذلك يقدر في جميع المواضع.

الثالث: شرط في التسهيل في نصب جواب الاستفهام ألا يتضمن وقوع الفعل احترازا من نحو: "لِمَ ضربتَ زيدا فيجازيك؟ " لأن الضرب قد وقع فلم يمكن سبك مصدر مستقبل منه، وهو مذهب أبي علي، ولم يشترط ذلك المغاربة، وحكى ابن كيسان "أين ذهب زيد فتتبعَه؟ " بالنصب، والفعل في ذلك محقق

= اللغة: "ندينا" -بفتح النون وكسر الدال وتشديد الياء- على وزن غني: مجلس القوم ومكان حديثهم "إلا بالتي هي أعرف" أي: بالأشياء التي هي معروفة.

المعنى: إذا نطق منا ناطق في مجلس جماعة عرف صواب قوله فلم ترد مقالته.

الإعراب: "وما قام" الواو عاطفة وما نافية "قام" فعل ماض "منا" جار ومجرور في محل رفع صفة لقائم "قائم" فاعل لقام، والتقدير: وما قام قائم كائن منا، والأحسن أن يكون "منا" في محل نصب على الحال "في ندينا" جار ومجرور متعلق بمحذوف؛ أي: كائن في ندينا أو كائنا على الحال "فينطق" -بالرفع- عطفا على قوله "قام" وإنما لم ينصب؛ لأن النفي ليس بخالص "إلا" أداة استثناء من النفي فيكون إثباتا "بالتي" اسم موصول صفة لمحذوف؛ أي: بالأشياء التي "هي" ضمير منفصل مبتدأ "أعرف" خبر المبتدأ والجملة من المبتدأ والخبر لا محل لها من الإعراب صلة الموصول.

الشاهد: قوله: "فينطق" حيث رفعه الشاعر؛ لأن من شرط النصب بعد النفي أن يكون النفي خالصا، وهاهنا ليس كذلك.

مواضعه: ذكره الأشموني 564/ 3، وابن الناظم، وسيبويه 420/ 1، والشاهد 666 في الخزانة.

ص: 1254

الوقوع، فإذا لم يمكن سبك مصدر من الجملة سبكناه من لازمها، والتقدير: ليكن منك إعلام بذهاب زيد فاتباع منا.

ثم انتقل إلى الواو فقال:

والواوُ كالفَا إن تُفِدْ مفهومَ مَعْ

كَلا تكُنْ جَلْدًا وتُظْهِرَ الجزَعْ

يعني: أن الواو تضمر أن بعدها وجوبا بعد النفي والطلب بشرطهما، كما أضمرت بعد الفاء بشرط أن تفيد المعية، كقوله:"لا تكن جلدا وتظهر الجزع" أي: لا تجمع بين الأمرين، وهي يومئذ عاطفة لمصدر مقدر على مصدر متوهم كما تقدم في الفاء وأو.

واحترز من أن يقصد التشريك بين الفعلين فتكون عاطفة فعلا على فعل نحو: "لا تأكل السمك وتشرب اللبن" بالجزم أو بقصد الاستئناف نحو: "لا تأكل السمك وتشرب اللبن" -بالرفع- وأمثلة النصب بعد الواو معلومة من أمثلة الفاء، فلا نطول بذكرها.

قال الشيخ أبو حيان: ولا أحفظ النصب جاء بعد الواو في الدعاء ولا العرض ولا التحضيض ولا الرجاء، ولا ينبغي أن يقدم على ذلك إلا بسماع.

تنبيهات:

الأول: الخلاف في الواو كالخلاف في الفاء، وقد تقدم.

الثاني: قد علم أن النصب بعد الواو ليس على معنى النصب بعد الفاء، وقولهم: تقع الواو في جواب كذا وكذا تجوز ظاهر، وزعم بعضهم أن النصب بعد الواو، وهو على معنى الجواب، وليس بصحيح.

وبعدَ غيرِ النفي جَزْمًا اعْتَمِدْ

إنْ تسقُطِ الفا والجزاءُ قد قُصِدْ

انفردت الفاء بأن الفعل بعدها سنجزم عند سقوطها بشرط أن يقصد الجزاء نحو1:

1 قائله: هو امرؤ القيس، وهو من الطويل.

وعجزه:

بسِقْطِ اللوى بين الدَّخُولِ فَحَوْمَلِ =

ص: 1255

قِفَا نبكِ من ذكرى حبيبٍ ومنزلِ

وذلك إنما يكون بعد الطلب، والأمثلة ظاهرة.

وأما النفي فليس له جواب مجزوم، فإنه يقتضي تحقيق عدم الوقوع كما يقتضي الإيجاب تحقق الوقوع، فلا يجوز بعده كما في الإيجاب؛ ولذلك قال: وبعد غير النفي جزما.

واحترز من ألا يقصد الجزاء، فإنه لا يجزم بل يرفع، إما مقصودا به الوصف نحو:"ليت لي مالا أنفق منه" أو الحال أو الاستئناف "ويحتملها"1 قوله تعالى: {فَاضْرِبْ لَهُمْ طَرِيقًا فِي الْبَحْرِ يَبَسًا لَا تَخَافُ دَرَكًا} 2.

تنبيه:

إذا جزم الفعل بعد سقوط الفاء، ففي جازمه أقوال:

الأول: أن لفظ الطلب ضمن معنى حرف الشرط فجزم، وإليه ذهب ابن خروف، واختاره المصنف ونسبه إليه الخليل وسيبويه.

والثاني: أن الأمر والنهي وباقيها نابت عن الشرط؛ أي: حذفت جملة الشرط وأنيبت هذه في العمل منابها فجزمت، وهو مذهب السيرافي والفارسي وابن عصفور.

= اللغة: "بسقط اللوى" -بكسر السين وسكون القاف- منقطع الرمل، واللوى -بكسر اللام- حيث يلتوي الرمل ويرق.

وإنما خص منقطع الرمل وملتواه؛ لأنهم كانوا لا ينزلون إلا في صلابة من الأرض؛ ليكون ذلك أثبت لأوتاد الأبنية "والدخول والحومل" بلدان.

المعنى: يأمر صاحبيه أن يقفا معه ليعاوناه على البكاء عند منازل أحبابه التي كان يلقاهم فيها وليجدد الذكريات القديمة.

الإعراب: "قفا" فعل أمر مبني على حذف النون وألف الاثنين فاعل "نبك" فعل مضارع مجزوم في جواب الأمر وعلامة جزمه حذف الياء والكسرة قبلها دليل عليها والفاعل ضمير مستتر تقديره نحن "من ذكرى" جار ومجرور متعلق بنبكي "حبيب" مضاف إليه "ومنزل" عطف على حبيب "بسقط" جار ومجرور متعلق بقفا "اللوى" مضاف إليه "بين" ظرف مكان "الدخول" مضاف إليه "فحومل" عطف على الدخول.

الشاهد: قوله: "نبكِ" فإنه جواب الأمر فلذلك جزم وهو غير مقترن بالفاء.

مواضعه: ذكره الأشموني 567/ 3، وابن هشام في القطر ص78.

1 ب، ج وفي أ "ويحتملها".

2 من الآية 77 من سورة طه.

ص: 1256

والثالث: أن الجزم بشرط مقدر دل عليه الطلب، وإليه ذهب أكثر المتأخرين.

والرابع: أن الجزم بلام مقدرة، فإذا قال:"ألا تنزل تُصِبْ خيرا".

"فمعناه: لتصب خيرا"، وهو ضعيف، ولا يطرد إلا بتجوز وتكلف.

والمختار القول الثالث، لا ما اختاره المصنف لأربعة أوجه:

أحدها: أن ما ذهب إليه يستلزم أن يكون العامل جملة، وذلك لا يوجد في موضع.

والثاني: أن الإضمار أسهل من التضمين؛ لأن التضمين زيادة بتغيير الوضع، والإضمار زيادة بغير تغيير، فهو أسهل.

والثالث: أن التضمين لا يكون إلا لفائدة، ولا فائدة في تضمين الطلب معنى الشرط؛ لأنه يدل عليه بالالتزام.

والرابع: أن الشرط لا بد له من فعل، ولا يجوز أن يكون هو الطلب بنفسه ولا مضمنا له "مع معنى"1 حرف الشرط؛ لما في ذلك من التعسف، ولا مقدرا بعده لقبح إظهار بدون حرف الشرط، بخلاف إظهاره معه.

وشَرْطُ جَزمٍ بعد نهي أَنْ تَضَعْ

إِنْ قَبْلَ لا دونَ تَخالُفٍ يَقَعْ

يعني: أن شرط جزم الجواب بعد النهي أن يصح إقامة شرط منفي مقامه، وعلامة ذلك أن يصح المعنى بتقدير إن قبل لا النافية نحو:"لا تدنُ من الأسد تسلم""فهذا يصح جزمه لأن المعنى: إن لا تدن من الأسد تسلم"2 بخلاف "لا تدن من الأسد يأكلك" فإن هذا لا يصح جزمه لعدم صحة المعنى بتقدير إن لا تدن، هذا مذهب الجمهور، وأجاز الكسائي جزم جواب النهي مطلقا، ولا يشترط تقدير إن قبل لا، بل يقدر: إن تدن من الأسد يأكلك.

وذكر في شرح الكافية أن غير الكسائي لا يجيز ذلك.

قلت: وقد نسب "ذلك"3 إلى الكوفيين.

1 ب.

2 ب، ج.

3 ب، ج.

ص: 1257

واستدل الكسائي بالقياس على النصب؛ لأن المنصوب بعد الفاء جاء فيه ذلك كقوله تعالى: {لَا تَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ كَذِبًا} 1 وبالسماع قول النبي صلى الله عليه وسلم: "فلا يقربنَّ مسجدنا يُؤذِنا بريح الثوم"، وقوله عليه الصلاة والسلام:"لا ترجعوا بعدي كفارا يضرب بعضكم رقاب بعض"، وقول أبي طلحة لرسول الله صلى الله عليه وسلم:"لا تشرفْ يُصبْك سهمٌ".

وأجيب بأن القياس على المنصوب لا يحسن؛ لأن النصب بعد الفاء يكون في النفي ولا جزم فيه.

وأما السماع فمحمول على إبدال الفعل من الفعل مع أن الرواية المشهورة "يؤذينا" و"يضرب" -بالرفع- ويحتمل أن يكون يضرب بعضكم على الإدغام نحو: {وَيَجْعَلْ لَكُمْ} 2.

تنبيه:

شرط الجزم بعد الأمر بتقدير إن تفعل، كما أن شرطه بعد النهي بتقدير إن لا تفعل فيمتنع الجزم في نحو:"أحْسِن إليّ لا أحسن إليك" فإنه لا يجوز: "إِنْ تُحسنْ إليّ لا أحسن إليك" لكونه غير مناسب، وكلام التسهيل يوهم إجراء خلاف الكسائي فيه.

والأمرُ إِنْ كَانَ بِغَيْرِ افْعَلْ فَلا

تَنْصِبْ جَوَابَهُ وجَزْمَهُ اقْبَلا

إذا دل على الأمر بخبر بفعل ماض أو مضارع أو باسم فعل أو باسم غيره جاز جزم الجواب اتفاقا، كقولهم:"اتقي الله امرؤٌ فَعَلَ خيرا يُثَبْ عليه"، وقوله تعالى:{تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ، يَغْفِرْ لَكُمْ} 3، وقول الشاعر4:

1 سورة طه 61.

2 من الآية 28 من سورة الحديد، وسورة نوح 12.

3 من الآية 11، 12 سورة الصف.

4 قائله: هو عمرو ابن الإطنابة الخزرجي -والإطنابة اسم أمه، واسم أبيه: زيد بن مناة- وهو من الوافر.

وصدره:

وقَوْلي كُلما جَشَأتْ وجَاشَتْ

اللغة: "جشأت" ثارت ونهضت من فزع أو حزن، والضمير للنفس "جاشت" فزعت وغلت من حمل الأثقال كما تغلي القدر "تحمدي" يحمدك الناس. =

ص: 1258

مكانَكِ تُحْمَدِي أو تَسْتريحي

وقولهم: "حسبُك ينم الناس"؛ لأن المعنى: ليتق وآمنوا واثبتي واكفف.

وأجاز الكسائي النصب نحو: "صه فأحدثك" و"حسبك فينام الناس".

ومذهب الجمهور منع ذلك؛ لأن النصب إنما هو بإضمار "أن" والفاء عاطفة على مصدر متوهم، وحسبك وصه ونحوها لا تدل على المصدر؛ لأنها غير مشتقة؛ ولذلك قال: فلا تنصب جوابه.

تنبيهات:

الأول: ذكر في شرح الكافية: أن الكسائي انفرد بجواز النصب بعد الفاء المجاب بها اسم أمر نحو: "صه" أو خبر

بمعنى الأمر نحو: "حسبك".

قلت: وافقه ابن عصفور في جواز نصب جواب نزال ونحوه من اسم الفعل المشتق، وحكاه ابن هشام عن ابن جني، والذي انفرد به الكسائي ما سوى ذلك.

الثاني: أجاز الكسائي "أيضا"1 نصب جواب الدعاء المدلول عليه بالخبر نحو: "غفر الله لزيد فيُدخلَه الجنةَ".

= المعنى: إن همتي وشجاعتي جعلتني أقول لنفسي: كلما فزعت وضجرت من مشقات الحرب اثبتي تحمدي بالصبر والشجاعة، أو تستريحي عن عناء الدنيا بالقتل في موطن الشرف والفخار.

الإعراب: "وقولي" الواو عاطفة وقولي مبتدأ مرفوع بضمة مقدرة على ما قبل ياء المتكلم وياء المتكلم مضاف إليه "كلما" ظرف زمان متعلق بقولي منصوب و"ما" حرف مصدري "جشأت" فعل ماض والتاء للتأنيث والفاعل ضمير مستتر فيه "وجاشت" فعل ماض والتاء للتأنيث والفاعل ضمير مستتر فيه "مكانك" اسم فعل أمر بمعنى اثبتي والفاعل أنت والكاف حرف خطاب، أو اسم مضاف إليه باعتبار ما قبل النقل، والجملة مقول القول خبر المبتدأ "تحمدي" فعل مضارع مجزوم في جواب الطلب وعلامة جزمه حذف النون وياء المخاطبة فاعل "أو تستريحي" أو حرف عطف تستريحي فعل مضارع معطوف على تحمدي مجزوم بحذف النون والياء فاعل.

الشاهد: قوله "تحمدي" حيث جزم النون لوقوعه في جواب الأمر.

مواضعه: ذكره من شراح الألفية: الأشموني 569/ 3، وابن هشام 384/ 3، والمكودي ص146، وذكره ابن هشام في الشذور ص360، والقطر ص263.

1 أ، ج.

ص: 1259

الثالث: "حسبك" في قولك: "حسبك ينم الناس" مبتدأ وخبره محذوف؛ أي: حسبك السكوت، وهو لا يظهر، والجملة متضمنة معنى اكفف، وزعمت جماعة -منهم ابن طاهر- أنه مبتدأ بلا خبر؛ لأنه في معنى ما لا يخبر عنه، وقال بعضهم: لو قيل: إنه اسم فعل مبني والكاف للخطاب، وضم لأنه كان معربا فحمل في البناء على قبل وبعد، لم يبعد.

والفعلُ بعد الفاء في الرَّجَا نُصِبْ

كنَصْبِ ما إلى التمني يَنْتَسِبْ

قال في شرح الكافية: ألحق الفراء الرجاء بالتمني فجعل له جوابا منصوبا، وبقوله أقول: لثبوت ذلك سماعا، ومنه قراءة حفص عن عاصم:{لَعَلِّي أَبْلُغُ الْأَسْبَابَ، أَسْبَابَ السَّمَاوَاتِ فَأَطَّلِعَ} 1 انتهى، وكذلك قوله تعالى:{لَعَلَّهُ يَزَّكَّى، أَوْ يَذَّكَّرُ فَتَنْفَعَهُ الذِّكْرَى} 2.

ومذهب البصريين أن الرجاء ليس له جواب منصوب، وتأولوا ذلك بما فيه بُعد.

وقول أبي موسى: وقد أشْرَبَها معنى ليت مَن قرأ: "فأطلعَ" نصبا يقتضي تفصيلا3.

فإن قلت: فهل يجوز جزم جواب الترجي إذا أسقطت الفاء عند مَن أجاز نصبه؟

قلت: نعم، وفي الارتشاف، وسمع الجزم بعد الترجي فدل على صحة مذهب الكوفيين.

وإِنْ على اسمٍ خالصٍ فعلٌ عُطِفْ

تَنْصِبُهُ أن ثابتًا أو مُنْحَذِفْ

قد تقدم أن "أن" تضمر جوازا في موضعين:

1 من الآية 36، 37 من سورة غافر، فأطلع -بالنصب- في جواب قوله تعالى:{أَبْلُغُ الْأَسْبَابَ، أَسْبَابَ السَّمَاوَاتِ} .

2 من الآية 3، 4 من سورة عبس.

3 يريد بالتفصيل أن الرجاء إذا أشرب معنى التمني نصب الفعل التالي للفاء في جوابه، وإن لم يشرب معنى التمني لم ينصب.

ص: 1260

أحدهما: بعد لام كي إذا لم يكن معها "لا" وقد سبق بيانه.

والآخر: بعد العاطف على اسم خالص، وهو المذكور في البيت، والعاطف المذكور هو:"الواو" و"الفاء" و"ثم" و"أو".

فالواو كقوله1:

لَلُبْسُ عباءةٍ وتَقَرَّ عَيْنِي

والفاء كقوله2:

1 قائلته: هي ميسون بنت بحدل زوج معاوية بن أبي سفيان، وهو من الوافر.

وعجزه:

أحب إليَّ من لبس الشفوف

اللغة: "عباءة" -بفتح العين- جبة من الصوف "تقر عيني" كناية عن سكون النفس وعدم طموحها إلى ما ليس في يدها "الشفوف" جمع شف -بكسر الشين وفتحها- وهو ثوب رقيق يستشف ما وراءه.

المعنى: ولبس كساء غليظ من صوف مع سروري وفرحي أحب إلى نفسي من لبس الثياب الرفيعة القيمة مع استيلاء الهموم عليَّ.

الإعراب: "ولبس" مبتدأ "عباءة" مضاف إليه "وتقر" فعل مضارع منصوب بأن مضمرة جوازا بعد الواو العاطفة على اسم خالص من التقدير بالفعل "عيني" فاعل تقر وياء المتكلم مضاف إليه "أحب" خبر المبتدأ "إلي" جار ومجرور متعلق بأحب "من لبس" جار ومجرور متعلق بأحب أيضا "الشفوف" مضاف إلى لبس.

الشاهد: قولها: "وتقر" حيث نصب الفعل المضارع بأن مضمرة جوازا بعد واو العطف التي تقدمها اسم خالص من التقدير بالفعل.

مواضعه: ذكره من شراح الألفية: الأشموني 751/ 3، وابن عقيل 66/ 2، وابن الناظم، والسيوطي ص116، والمكودي ص147، وابن هشام 387/ 3،وفي الشذور ص328، والقطر ص61، والمغني 34/ 2، وفي شرح المفصل 24/ 3، والشاهد 658 في الخزانة.

2 قائله: لم ينسب لقائل، وهو من البسيط.

وعجزه:

ما كنتُ أوثر إترابا على تَرَب

اللغة: "توقع" انتظار "المعتر" -بتشديد الراء- الفقير "إترابا" الإتراب وهو الغنى وكثرة المال، وهي مصدر أترب الرجل إذا استغنى "ترب" الفقر والعوز، وأصله لصوق اليد بالتراب.

المعنى: يقول: لولا أنني أرتقب أن يتعرض لي ذو حاجة فأقضيها له ما كنت أفضل الغنى عن الفقر.

الإعراب: "لولا" حرف امتناع لوجود "توقع" مبتدأ وخبره محذوف وجوبا "معتر" مضاف إليه من إضافة المصدر لمفعوله "فأرضيه" الفاء عاطفة أرضيه فعل مضارع منصوب بأن مضمرة جوازا بعد الفاء العاطفة وفاعله ضمير مستتر والهاء مفعوله "ما" نافية "كنت" =

ص: 1261

لولا توقُّعُ مُعترٍّ فأرضِيَهُ

وأو كقراءة غير نافع: {أَوْ يُرْسِلَ رَسُولًا} 1.

وثم كقوله2:

إني وقَتْلِي سُلَيْكًا ثم أَعْقِلَهُ

........................

ونص بعضهم أن ذلك لا يجوز في غير هذه الأحرف.

= فعل ماض ناقص واسمه "أوثر" فعل مضارع وفاعله ضمير والجملة في محل نصب خبر كان وجملة كان واسمه وخبره جواب لولا "إترابا" مفعول لأوثر "على ترب" متعلق بأوثر.

الشاهد: قوله: "فأرضيه" حيث نصب الفعل بأن مضمرة جوازا بعد الفاء التي تقدم عليها اسم صريح وهو توقع.

مواضعه: ذكره من شراح الألفية: الأشموني 571/ 3، وابن عقيل 267/ 2، وابن الناظم، والسيوطي ص116، والمكودي ص147، وابن هشام 388/ 3، وفي الشذور ص329.

1 من الآية 51 من سورة الشورى، بالنصب عطفا على "وحيا".

2 قائله: هو أنس بن مدركة الخثعمي، وهو من البسيط.

وعجزه:

كالثور يُضرَبُ لما عافَتِ البقرُ

اللغة: "سليكا" -بضم السين- اسم رجل، وسبب هذا أن سليكا مر في بعض غزواته ببيت من خثعم وأهله خلوف فرأى فيهن امرأة بضة شابة فنال منها، فعلم أنس بذلك فأدركه فقتله، وأنشد هذا البيت "أعقله" من عقلت القتيل - أعطيت الدية "عافت البقر" كرهت وامتنعت.

المعنى: يشبه نفسه إذ قتل سليكا ثم وداه بالثور يضربه الراعي لتشرب الإناث من البقر، والجامع بينهما تلبس كل منهما بالأذى؛ لينتفع سواه.

الإعراب: "إني" حرف توكيد ونصب وياء المتكلم اسمه "وقتلى" عاطفة على اسم إن وياء المتكلم مضاف إليه من إضافة المصدر لفاعله "سليكا" مفعول قتل "ثم" عاطفة "أعقله" فعل مضارع منصوب بأن مضمرة جوازا بعد ثم، وفاعله مستتر فيه والهاء مفعول "كالثور" متعلق بمحذوف خبر إن "يضرب" فعل مضارع مبني للمجهول ونائب الفاعل ضمير مستتر يعود على الثور، والجملة في محل نصب حال من الثور "لما" حرف ربط "عافت" فعل ماض والتاء للتأنيث "البقرة" فاعل عاف.

الشاهد: قوله: "أعقله" حيث نصب بعد ثم العاطفة بأن مضمرة جوازا، وقد عطفت فعلا على اسم صريح في الاسمية وهو "قتلى".

مواضعه: ذكره من شراح الألفية: الأشموني 571/ 3، وابن عقيل 266/ 2، وابن الناظم، والمكودي ص147، والسيوطي ص116، وابن هشام 389/ 3، وفي الشذور ص330.

ص: 1262

تنبيهات:

الأول: إنما قال على اسم ولم يقل على مصدر، كما قال بعضهم: ليشمل غير المصدر، فإن ذلك لا يختص به، فتقول:"لولا زيدٌ ويُحْسِنَ إليَّ لهلكتُ".

الثاني: المراد بالخالص ما ليس مؤولا بالفعل، واحترز من نحو:"الطائرُ فيغضبُ زيد الذباب" فإنه معطوف على اسم، ولا ينصب لأن الطائر بمعنى الذي يطير، ويخرج أيضا بذكر الخالص العطف على مصدر متوهم، فإنه يجب "فيه"1 إضمار أن كما تقدم.

الثالث: تجوز في قوله: "فعل عطف" فإن المعطوف في الحقيقة إنما هو المصدر.

الرابع: أشار بقوله: "ثابتا أو منحذف" إلى جواز إظهار أن وإضمارها بعد العاطف المذكور.

الخامس: أطلق في العاطف ولم يسمع في غير الأحرف الأربعة "المذكورة"2 كما تقدم.

وشذَّ حذفُ أن ونَصْبٌ في سوَى

ما مرَّ فاقبلْ منه ما عَدْلٌ رَوَى

يعني: أن حذف "أن" مع النصب في غير المواضع المنصوبة المذكورة شاذ لا يقبل منه إلا ما نقله العدول، كقول العرب:"خذ اللص قبل يأخذك" و"مُرْهُ يحفرَها" وقرأ الحسن: "أَفَغَيْرَ اللَّهِ تَأْمُرُونِّي أَعْبُدَ"3، ومنه قول الشاعر4:

ونَهْنَهْتُ نفسي بعدما كِدْت أفْعَلَه

1 أ، ج.

2 أ، ج.

3 من الآية 61 من سورة الزمر.

4 قائله: هو عامر بن جوين الطائي، وهو من الطويل.

وصدره:

فلم أرَ مثلها خُبَاسَةَ واجد

اللغة: "خباسة" بضم الخاء وتخفيف الباء -المغنم، قاله الجوهري "نهنهت نفسي" زجرتها وكففتها.

المعنى: قال الأعلم: وصف ظلامة هم بها ثم صرف نفسه عنها. اهـ.

الإعراب: "فلم" حرف نفي "أرَ" فعل مجزوم بحذف حرف العلة فإن كانت الرؤية علمية كانت "مثلها" في موضع المفعول الثاني، وإن كانت بصرية جاز لك وجهان؛ أحدهما: =

ص: 1263

تنبيهات:

الأول: فهم من قوله: "فاقبل منه ما عدل روى" أنه مقصور على السماع، ولا يقاس عليه، ونص على ذلك في غير هذا الموضع، وقال في التسهيل: وفي القياس عليه خلاف. انتهى.

والجواز مذهب الكوفيين ومَن وافقهم، والصحيح قصره على السماع؛ لقلته.

الثاني: قد يفهم من قوله: "وشذ حذف أن ونصب" أن حذفها ورفع الفعل ليس بشاذ، وهو ظاهر كلامه في شرح التسهيل، فإن جعل منه قوله تعالى:{وَمِنْ آيَاتِهِ يُرِيكُمُ الْبَرْقَ خَوْفًا وَطَمَعًا} 1 قال: ويريكم صلة لأن حذفت وبقي يريكم مرفوعا، وهذا هو القياس؛ لأن الحرف عامل ضعيف، فإذا حذف بَطَلَ عمله. انتهى.

وهذا مذهب أبي الحسن، أجاز "أن" ورفع الفعل دون نصبه، وجعل منه قوله تعالى:{قُلْ أَفَغَيْرَ اللَّهِ تَأْمُرُونِّي أَعْبُدُ} ، وذهب قوم إلى أن حذف "أن" مقصور على السماع مطلقا، فلا ينصب ولا يرفع بعد الحذف إلا ما سمع، وإليه ذهب متأخرو المغاربة، قيل: وهو الصحيح.

والثالث: ما ذكره من أن حذف "أن" والنصب في غير ما مر شاذ، ليس على إطلاقه؛ بل هو مقيد بالنصب بعد الفاء والواو وبعد الشرط والجزاء، وسيأتي2.

= أن يكون مفعولا، وقوله:"خباسة واجد" بدل من مثلها ومضاف إليه. والآخر: أن يكون مثلها صفة خباسة ولكن لما تقدم عليها انتصب على الحال "نهنهت" فعل وفاعل "نفسي" مفعول به والياء مضاف إليه "بعد" منصوب على الظرفية "ما" مصدرية "كدت" كاد واسمها "أفعله" جملة في محل نصب خبر كاد.

الشاهد: قوله: "أفعله" حيث حذفت "أن" وبقي عملها وهو نصب أفعله؛ لأن أصله أن أفعله.

مواضعه: ذكره من شراح الألفية: الأشموني 572/ 3، وابن الناظم، والمكودي ص147، والهمع 33/ 1، وسيبويه 155/ 1، والإنصاف 328/ 2.

1 من الآية 24 من سورة الروم.

2 وفي هامش المخطوطة نسخة أقوله: "بل هو مقيد بالنصب

إلخ "كذا"" في عدة نسخ، ولعل صواب العبارة بغير النصب كما يعلم بالتأمل، شيخنا. اهـ.

ص: 1264