الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
كم وكأين وكذا:
هذه ألفاظ يكنى بها عن العدد؛ فلذلك أردف بها باب العدد.
أما "كم" فاسم لعدد مبهم الجنس والمقدار، وليست مركبة خلافا للكسائي والفراء فإنها مركبة عندهما من كاف التشبيه وما الاستفهامية محذوفة الألف وسكنت ميمها لكثرة الاستعمال.
وكم قسمان: استفهامية وخبرية، وكل منهما مفتقر إلى تمييز، وقد أشار إلى الاستفهامية بقوله:
ميِّزْ في الاستفهام كم بمثل ما
…
ميَّزْتَ عشرين ككم شخصا سَمَا
يعني: أن تمييز الاستفهامية كتمييز العشرين في الإفراد والنصب نحو: "كم شخصا؟ ". أما إفراده فلازم خلافا للكوفيين فإنهم يجيزون جمعه نحو: "كم شهودا لك؟ " ولو سمع مثل هذا لم يكن لهم فيه حجة لصحة حمله على الحال، وجعل التمييز محذوفا. وأجاز بعضهم جمعه إذا كان السؤال عن الجماعات نحو:"كم غلمانا لك؟ " إذا أردت أصنافا من الغلمان، وهو مذهب الأخفش، فتحصل في جمعه ثلاثة مذاهب، وأما نصبه ففيه أيضا ثلاثة مذاهب:
أحدهما: أنه لازم ولا يجوز جره، وهو مذهب بعض النحويين.
والثاني: أنه ليس بلازم بل يجوز جره مطلقا حملا على الخبرية، وإليه ذهب الفراء والزجاج والسيرافي، وعليه حمل أكثرهم1:
كم عمةٍ لك يا جريرُ وخالةٍ
1 قائله: هو الفرزدق يهجو جريرا، وهو من الكامل.
وعجزه:
............................
…
فَدْعَاء قد حلبت علي عشاري
اللغة: "فدعاء" وصف من الفدع، وهو اعوجاج الرسغ من اليد أو الرجل حتى ينقلب الكف أو القدم إلى أنسيهما "حلبت علي" أي: على كره مني "عشاري" جمع عُشَراء، وهي الناقة التي مضى على حملها عشرة أشهر. =
والثالث: أنه لازم إن لم يدخل على كم حرف جر، وراجح على الجر إن دخل عليها حرف جر، وهو المشهور، ولم يذكر سيبويه جره إلا إذا دخل على كم حرف جر، وإلى هذا أشار بقوله:
وأجِزْ أن تَجُرَّهُ من مُضْمَرا
…
إن وَلِيتْ كم حَرْفَ جر مُظهَرا
فيجوز في نحو: "بكم درهم اشتريت؟ " النصب على الأصل، وهو الأجود والأكثر، والجر أيضا وفيه قولان:
أحدهما: أنه بمن مقدرة كما ذكر، وهو مذهب الخليل وسيبويه والفراء وجماعة.
والثاني: أنه بإضافة كم إليه، وهو قول الزجاج، وزعم ابن بابشاذ أن الأول ليس مذهب المحققين "ورد بأنه نص من كلامهم إلا الزجاج"1، ورد مذهب الزجاج بوجهين:
أحدهما: أنه بمنزلة عدد ينصب ما بعده قولا واحدا فلا يمكن الخفض بها، قاله ابن خروف.
= المعنى: على الإخبار: كثير من عماتك وخالاتك يا جرير، كن من جملة خدمي وقد تعوجت أرساغهن من كثرة حلبهن نياقي على كره مني.
وعلى الاستفهام: أخبرني يا جرير، بعدد عماتك وخالاتك اللاتي كن يخدمنني ويحلبن نياقي حتى تعوجت أرساغهن من كثرة الحلب، فقد نسيت عددهن.
الإعراب: "كم" خبرية مبتدأ أو استفهامية مقصود بها التهكم والسخرية "عمة" بالجر، تمييز لكم على الخبرية وبالنصب على الاستفهامية "لك" جار ومجرور صفة لعمة "وخالة" معطوفة على عمة "فدعاء" صفة لعمة وخالة، منصوب بالفتحة على رواية النصب، وعلى رواية الجر: بالفتحة نيابة عن الكسرة لمنعه من الصرف "قد حلبت" قد حرف تحقيق حلب فعل ماض والفاعل ضمير والجملة خبركم التي وقعت مبتدأ "عليَّ" جار ومجرور متعلق بحلبت "عشاري" مفعول حلبت.
الشاهد: قوله: "كم عمة" حيث رُوي بالجر.
مواضعه: ذكره من شراح الألفية: الأشموني 633/ 3، وفي باب الابتداء، وابن هشام 43/ 4، وابن عقيل 128/ 1، وفي الهمع 254/ 1، وفي المغني 185/ 1، وسيبويه 553، 295/ 1، والشاهد 492 في الخزانة.
1 أ، ج.
والآخر: أن الجر لو كان بالإضافة لم يشترط دخول حرف الجر على كم ليكون عوضا من إظهار من.
قلت: وفي لزوم هذا للزجاج نظر؛ لأنه نقل عنه أنه يجيز الجر مطلقا كما تقدم.
ثم أشار إلى الخبرية بقوله:
واسْتَعْمِلنَهَا مُخبرًا كعَشَرَهْ
…
أو مائةٍ ككَمْ رِجالٍ أو مَرَهْ
يعني: أن كم الخبرية تستعمل تارة استعمال عشرة فيكون تمييزها جمعا مجرورا نحو: "كم رجالٍ" وتارة استعمال مائة فيكون تمييزها مفردا مجرورا نحو: "كم مرةً" ومن الجمع قول الشاعر1:
كَمْ ملوكٍ باد ملكُهم
ومن الإفراد قول الراجز2:
1 قائله: لم أقف على اسم قائله، وهو من المديد.
وعجزه:
ونعيم سوقة بادوا
اللغة: "باد" هلك من باد يبيد "سوقة" السوقة -بضم السين وسكون الواو وفتح القاف- جمع سوقي، وهم أهل السوق، وقيل: هم ما دون الملك، وهو الأظهر.
الإعراب: "كم" خبرية "ملوك" -بالجر- مميزه "باد" فعل ماض "ملكهم" فاعل وهم مضاف إليه والجملة في محل رفع خبر المبتدأ وهو كم "ونعيم" -بالجر- عطف على ملوك تقديره: كم باد نعيم سوقة "بادوا" جملة في محل جر صفة لسوقة.
الشاهد: قوله: "كم ملوك" فإن تمييز كم جاء مجموعا مجرورا.
مواضعه: ذكره من شراح الألفية: الأشموني 634/ 3، وذكره السيوطي في الهمع 254/ 1، وابن هشام في المغني 185/ 1.
2 قائله: لم أقف على اسم قائله، وهو من الطويل.
وتمامه:
...........................
…
بناحية الحجلين منعمة القلب
اللغة: "غير آثم" غير سكران "الحجلين" موضع.
الإعراب: "وكم" الواو للعطف وكم خبرية "ليلة" -بالجر- مميزه "قد" حرف تحقيق "بتها" أي: قد بت فيها، وهي جملة من الفعل والفاعل والمفعول في محل جر صفة لليلة "غير" منصوب على الحال "آثم" مضاف إليه وغير حال من الضمير المرفوع الذي قد بتها "بناحية" جار ومجرور متعلق بقوله بتها "الحجلين" مضاف إليه "منعمة القلب" كلام إضافي حال أيضا.
الشاهد: قوله: "كم ليلة" حيث جاء التمييز فيه مفردا مجرورا.
مواضعه: ذكره الأشموني 643/ 3.
وكم ليلةٍ قد بِتُّها غير آثِم
تنبيهات:
الأول: إفراد تمييز الخبرية أكثر وأفصح من جمعها، وليس الجمع بشاذ كما زعم بعضهم، وقيل: الجمع على معنى الواحد فكم رجال على معنى كم جماعة من الرجال.
الثاني: ذهب الفراء إلى أن الجر بعد الخبرية بمن مقدرة، ونقله عن الكوفيين، والصحيح أنه بإضافة كم؛ إذ لا مانع من إضافتها.
الثالث: شرط جر تمييز الخبرية الاتصال، فإن فُصل نصب، حملا على الاستفهامية، وقد جاء مجرورا مع الفصل بظرف أو بجار ومجرور.
فالأول: كقوله1:
كم دون مَيَّة مَومَاةٍ يُهالُ لها
…
إذا تيمَّمها الخريت ذُو الجلدِ
وقوله2:
1 قائله: قيل: ذو الرمة، وهو من البسيط.
اللغة: "مية" اسم محبوبته "موماة" -بفتح الميم وسكون الواو- المفازة "يهال" للمجهول أي: يفزع منها "تيممها" قصدها "الخريت" -بكسر الخاء وتشديد الراء- الماهر الحاذق "ذو الجلد" -بفتح الجيم واللام- أي: ذو قوة، ويجوز أن يكون بالخاء أي ذو بال قوي.
الإعراب: "كم" خبرية "دون" منصوب على الظرفية "مية" مضاف إليه "موماة" ألجبر مميزكم "يهال" فعل مضارع مبني للمجهول "لها" أي: للموماة أي: لأجلها أو تكون اللام بمعنى من أوفى "إذا" ظرف يتضمن معنى الشرط "تيممها" جملة من الفعل والفاعل وهو الضمير المستتر فيه الذي يرجع إلى الخريت، والمفعول وهو الضمير المنصوب الذي يرجع إلى الموماة "الخريت" نائب فاعل، وجواب إذا محذوف دل عليه صدر الكلام "ذو الجلد" صفة الخريت.
الشاهد: "كم دون مية موماة" حيث فصل بين كم ومميزه المجرور بالظرف وهو دون مية.
مواضعه: ذكره الأشموني 635/ 3.
2 قائله: هو أنس بن زنيم -من قصيدة قالها لعبيد الله بن زياد- وهو من المديد.
وعجزه:
....................
…
وكريم بخله قد وضعه =
كم بجودٍ مُقْرِفٍ نالَ العلا
…
........................
وفيه مذاهب:
أحدها: أنه لا يجوز إلا في الشعر، وهو مذهب جمهور البصريين، وإليه ذهب المصنف.
والثاني: أنه يجوز في الاختيار، وهو مذهب الكوفيين.
والثالث: أنه يجوز إذا كان الفصل بناقص نحو: "كم اليوم جائع أتاني" و"كم بك مأخوذ جاءني" لا إن كان بتام، وهو مذهب يونس.
فإن كان الفصل بجملة نحو1:
= اللغة: "بجود" بكرم وسخاوة "مقرف" -بضم الميم وسكون القاف وكسر الراء- الرجل الذي ليس له أصالة من جهة الأب "نال العلا" أي: بلغ المنزلة العالية "كريم" أراد به الأصل من الطرفين "وضعه" من الوضيع وهو الدنيء من الناس والهاء عوض من الواو.
الإعراب: "كم" خبرية "بجود" جار ومجرور فصل به بين كم ومميزه "مقرف" مميز كم "نال العلا" جملة في محل رفع على أنها خبر لكم "وكريم" أي: وكم كريم "بخله" مبتدأ والهاء مضاف إليه "قد وضعه" جملة في محل رفع خبر المبتدأ والجملة خبر لكم المحذوفة.
الشاهد: قوله: "كم بجود مقرف" حيث فصل بين كم ومميزه بالجار والمجرور.
ومواضعه: ذكره الأشموني 635/ 3، وابن الناظم، والسيوطي في الهمع 255/ 1، والشاهد 489 في الخزانة، وسيبويه 296/ 1.
1 قائله: هو القطامي، وهو من البسيط.
وعجزه:
إذ لا أكاد من الإقتار أجتمل
اللغة: "من الإقتار" من أقتر الرجل إذا افتقر "أجتمل" من اجتملت الشحم جملا: إذا أذبته، ورُوي أحتمل -بالحاء- من الاحتمال، وما أظنه صحيحا.
المعنى: يقول: أنعموا عليَّ وأفضلوا عند عدمي حين يبلغ مني الجهد إلى ألا أقدر على الارتحال لطلب الرزق.
الإعراب: "كم" خبرية ظرف زمان، أي: كم مرة أو كم يوما "نالني" فعل ماض والنون للوقاية والياء مفعول "فضلا" مميز كم "على عدم" جار ومجرور متعلق بنالني، ويجوز في "فضلا" الرفع على أنه فاعل نالني، والجر على لغة من جر مع الفصل، والنصب هو الأظهر "إذ" بمعنى حين "لا أكاد" من أفعال المقاربة والضمير المستتر فيه اسمه أجتمل، خبره "من الإقتار" جار ومجرور متعلق بأجتمل.
الشاهد: قوله: "كم نالني منهم فضلا" حيث فصل بين كم ومميزها بجملة، وهي نالني منهم.
مواضعه: ذكره من شراح الألفية: الأشموني 636/ 3، وابن الناظم، وذكره السيوطي في الهمع 255/ 1، والشاهد 491 في الخزانة، وسيبويه 295/ 1.
كم نالني منهم فضلا على عدم
أو بظرف أو جار ومجرور معا نحو1:
تؤُمُّ سنانا وكم دونه
…
من الأرض محدَودِبا غارُها
تعين النصب، قال المصنف: وهو مذهب سيبويه. وظاهر كلام المبرد جواز جر المفصول بجملة في الشعر، وحكي عن الكوفيين جوازه في الكلام.
وقد رُوي خفض "فضلا" من قوله: "كم نالني منهم فضل على عدم".
الرابع: ذكر سيبويه أن بعض العرب ينصب مميز الخبرية مع الاتصال حملا على الاستفهامية. وحكاه المصنف في غير هذا الكتاب عن تميم، وجزم هنا باللغة الفصحى.
الخامس: إذا نصب هنا مع الاتصال على هذه اللغة، فقال الشلوبين: لا يكون إلا مفردا، والصحيح أنه تجوز فيه "هنا"2 الإفراد والجمع على هذه اللغة كما ذكره في شرح الكافية، نص على ذلك السيرافي.
السادس: قد علم مما تقدم أن الاستفهامية والخبرية تتفقان في أحكام وتفترقان في أحكام. فلنذكر طرفا من ذلك فنقول: يتفقان في ستة أشياء:
أولها: أنهما اسمان خلافا لمن قال: إن الخبرية حرف، ودليل اسميتها واضح.
1 قائله: هو زهير بن أبي سلمى، وقيل: ابنه كعب، وليس موجودا في ديوانيهما، وهو من الوافر.
اللغة: "تؤم" تقصد "سنان" وسنان هو ابن أبي حارثة المري "محدودبا" من الحدب وهو ما ارتفع من الأرض "غارها" بالغين أصلها غائرها، فحذف عين الفعل كما حذف في رجل شاك أصله شائك، وهو الأرض الغائر المطمئن.
المعنى: وصف ناقته فيقول: تؤم سنانا هذا الممدوح على بعد المسافة بينها وبينه.
الإعراب: "تؤم" فعل مضارع والفاعل ضمير مستتر فيه الراجع إلى الناقة "سنانا" مفعوله "وكم" الواو للحال وكم خبرية "دونه" منصوب على الظرفية "من الأرض" جار ومجرور يتعلق بحذوف "محدودبا" مميز كم "غارها" مرفوع به.
الشاهد: قوله: "كم دونه من الأرض محدودبا" حيث فصل بين كم ومميزها بظرف وجار ومجرور معا.
مواضعه: ذكره من شراح الألفية: الأشموني 636/ 3، وابن الناظم، وسيبويه 295/ 1.
2 أ.
وثانيها: أنهما مبنيان، أما الاستفهامية فلتضمنها معنى حرفه، وأما الخبرية فقيل: لشبهها بها، وقيل: لمناسبة رب التي للتكثير، وقيل: حملا على رب، وإن كانت للتقليل؛ لأن الشيء يحمل على نقيضه كما يحمل على نظيره.
قلت: والتعليل بالشبه الوضعي كافٍ في بنائهما.
ورابعهما: أن مميزهما قد يحذف إذا دل عليه دليل خلافا لمن منع حذف تمييز الخبرية، وقال بعضهم: يقبح حذف مميز الخبرية إلا إن قدر منصوبا، قال في الارتشاف: وبنبغي أن يقال: إن قدر تمييز الخبرية منصوبا أو مجرورا بمن جاز حذفه، أو بالإضافة فلا يجوز.
وخامسها: أنهما يلزمان الصدر، أما الاستفهامية فواضح، وأما الخبرية فللحمل على رب، فلا يعمل فيهما ما قبلهما إلا المضاف وحرف الجر، وحكى الأخفش أن بعض العرب يقدم العامل على كم الخبرية، فتقول على هذا:"ملكت كم غلام" فقيل: هي من القلة بحيث لا يقاس عليها، والصحيح أنه يجوز القياس عليها، وأنها لغة.
وسادسها: أنهما يشتركان في وجوه الإعراب، وهذا تقييد في إعراب كم إن تقدم عليها حرف جر أو مضاف، فهي مجرورة وإلا فإن كانت كناية عن مصدر أو ظرف فهي منصوبة على المصدر أو على الظرف، وإلا فإن لم يلها فعل أو وليها فعل وهو لازم أو متعد رافع ضميرها أو سببها فهي مبتدأ، وإن وليها فعل متعد ولم يأخذ مفعوله، وإن أخذه فهي مبتدأ، إلا أن يكون ضميرا يعود عليها، ففيها الابتداء، والنصب على الاشتغال.
ويفترقان في ستة أشياء:
أولها: أن تمييز الاستفهامية أصله النصب وتمييز الخبرية أصله الجر.
وثانيها: أن تمييز الاستفهامية مفرد وتمييز الخبرية يكون مفردا وجمعا.
وثالثها: أن الفصل بين الاستفهامية ومميزها جائز في السعة، ولا يفصل بين الخبرية ومميزها إلا في الضرورة، نص المصنف على ذلك، وتقدم ما يقتضي الإطلاق.
ورابعها: أن الاستفهامية لا تدل على تكثير -خلافا لبعضهم- والخبرية للتكثير خلافا لابن طاهر وتلميذه ابن خروف.
وخامسها: أن الاستفهامية تحتاج إلى جواب بخلاف الخبرية، والأجود في جوابها أن يكون على حسب موضعها في الإعراب، ولو رفع مطلقا لجاز.
وسادسها: أن الاستفهامية لا يعطف عليها بلا، خلاف الخبرية، فتقول: كم رجل جاءني لا رجل ولا رجلان.
ثم انتقل إلى كأين وكذا فقال:
كَكَمْ كَأَيِّنْ وكذَا وينْتَصِبْ
…
تَمييزُ ذَينِ أو به صِلْ من تُصِبْ
يعني: أن كأين وكذا مثل كم الخبرية في الدلالة على تكثير عدد مبهم الجنس والمقدار إلا أن تمييزها منصوب بخلاف تمييز كم الخبرية، فتقول: كأين رجلا رأيت، ورأيت كذا رجلا، والأكثر بعد كأين جره بمن كقوله تعالى:{وَكَأَيِّنْ مِنْ نَبِيٍّ} 1 {وَكَأَيِّنْ مِنْ آيَةٍ} 2 وخطئ ابن عصفور في قوله: إن من تلزم تمييز كأين.
تنبيهات:
الأول: المشبه به في قوله "ككم" هي الخبرية؛ لأن كأين وكذا لا يستفهم بهما، أما كذا فبالاتفاق، وأما كأين فذهب المصنف إلى أنها قد يستفهم بها مستدلا بقول أبي بن كعب لعب الله بن مسعود رضي الله عنهما:"كأين تقرأ سورة الأحزاب آية".
ونصوص النحويين على أنها لا تكون إلا خبرية.
فإن قلت: فأي قرينة ترشد إلى أن مراده الخبرية؟
قلت: القرينة أنها المذكورة ثانيا.
الثاني: وجه الشبه إنما هو في الدلالة على تكثير عدد مبهم لا في جميع الأحكام؛ لأن كأين لا يحفظ كون مميزها جمعا بخلاف "الدلالة على"3 كم،
1 من الآية 146 من سورة آل عمران.
2 من الآية 105 من سورة يوسف.
3 أ.
ولأن كذا لا تلزم الصدر ولأن كأين لا تجر بحرف ولا بإضافة، وأجاز ابن قتيبة1 وابن عصفور جرها بالحرف.
الثالث: فهم من تشبيه كأين وكذا بكم الخبرية أنهما للتكثير، وقد صرح المصنف بذلك في غير هذا الموضع، ونوزع في "كذا" فإن الذي يظهر أنها لم توضع للتكثير.
الرابع: قد فهم من قوله: "وينتصب" أن تمييزها لا يجوز جره بإضافتهما إليه بخلاف كم.
فإن قلت: كان حقهما أن يضافا كما تضاف كم؛ لكونهما بمعناها.
قلت: منع من ذلك أن المحكي لا يضاف، وأن في آخر كأين تنوينا وفي آخر كذا اسم الإشارة، وهما مانعان من الإضافة.
الخامس: خطأ الفارسي والزجاج وابن أبي الربيع وابن عصفور من جر التمييز بعد كذا في نحو: "كذا درهم"، وأجازه بعضهم على الإضافة وبعضهم على البدل، والصحيح أنه لا يجوز ولم يسمع.
قال ابن العلج: "وأما الرفع"2 بعد كذا فخطأ؛ لأنه لم يسمع.
السادس: ظاهر قوله: "أو به صل من تصب" جواز جر تمييز كذا بمن، وكلامه في غير هذا الموضع يقتضي وجوب نصبه.
السابع: ظاهر قوله: "وكذا" أنها تستعمل كناية عن العدد وهي مفردة، قال بعضهم: ولا يحفظ فيها إذا كانت كناية عن العدد إلا كونها مكررة بالعطف كقوله3:
1 هو أبو محمد عبد الله بن مسلم بن قتيبة الدينوري النحوي اللغوي الكاتب، كان رأسا في العربية واللغة والأخبار وأيام الناس، وقد سكن بغداد وحدث بها، وروى عنه كثير من العلماء منهم ابن درستويه، وله مؤلفات كثيرة؛ منها: إعراب القرآن، وجامع النحو، وعيون الأخبار. وتوفي سنة 286هـ على الأصح.
2 ب وفي أ، ج "وما نحو تجويزهم الرفع".
3 قائله: لم أقف على اسم قائله، وهو من الطويل.
اللغة: "نُعمى" -بضم النون- النعمة "بؤساك" -بضم الباء- الشدة "الْجَهد" بالفتح: الطاقة، وبالضم: المشقة. =
عِدِ النفس نُعمى بعد بُؤساك ذَاكِرَا
…
كذا وكذا لُطفا به نُسي الْجَهد
وقال في التسهيل: وقلَّ ورود "كذا" مفردا أو مكررا بلا واو، وذلك يدل على ورود الأمرين، ولم يذكر لهما شاهدا، ونازع ابن خروف في إفرادها وزعم أنه غير مستعمل.
الثامن: مذهب البصريين أن تمييز كذا لا يكون إلا مفردا ومنصوبا سواء كانت مفردة أو مكررة كما تقدم، وذهب الكوفيون إلى أنها تعامل معاملة ما يكنى بها "عنه"1 فكذا أعبد كناية عن ثلاثة إلى عشرة، وكذا عبد "من"2 مائة فصاعدا، وكذا وكذا عبدا من أحد عشر إلى تسعة عشر، وكذا عبدا من عشرين إلى تسعين، وكذا وكذا عبدا من واحد وعشرين إلى تسعة وتسعين، ووافقهم على ذلك المبرد وابن الدهان وابن معط، ونقله صاحب البسيط عن الأخفش، قال في شرح التسهيل: ومستند هذا التفصيل الرأي لا الرواية، وذهب ابن عصفور إلى مذهب ثالث وهو موافقتهم في المركب والعقد والمعطوف ومخالفتهم في المضاف وهو الثلاثة إلى العشرة، فيفسر بجمع معروف بالألف واللام مجرور بمن، وزعم أنه مذهب البصريين بناء على ما نقله ابن السيد من أن البصريين والكوفيين اتفقوا على أن كذا وكذا كناية عن الأعداد المعطوفة، وأن كذا كذا كناية عن الأعداد المركبة، وليس كما نقل.
= الإعراب: "عد" أمر من وعد يعد والفاعل ضمير مستتر فيه "النفس" مفعول به "نعمى" مفعول ثان بنزع الخافض تقديره بنعمى "بعد" ظرف "بؤساك" كلام إضافي مجرور بالإضافة "ذاكرا" حال من الضمير الذي في عد "كذا" مفعول ذاكرا "وكذا" عطف عليه "لطفا" منصوب على التمييز "به" جار ومجرور متعلق بنُسي "نسي" فعل بني للمجهول "الجهد" نائب فاعل والضمير في به يرجع إلى لطفا، وحملة نسي الجهد في محل نصب على أنها صفة لطفا.
الشاهد: قوله: "كذا وكذا" حيث استعمل مكررا بالعطف لكونه كناية عن العدد.
مواضعه: ذكره الأشموني 638/ 3، وذكره السيوطي في الهمع 256/ 1، وفي المغني 188/ 1.
1 أ، ج وفي ب "فيه".
2 أ، ج وفي ب "عن".
التاسع: كأين مركبة من كاف التشبيه وأي، قيل: الاستفهامية، وحكيت فصارت كيزيد مسمى به يحكى ويحكم على موضعه بالإعراب، وقال ابن عصفور: الكاف فيها زائدة لا تتعلق بشيء، وأجاز ابن خروف أن تكون مركبة من الكاف التي هي اسم ومن أي اسم على وزن فيعل، ولم يستعمل هذا الاسم مفردا بل مركبا مع الكاف، وهو مبني على السكون من حيث استعمل في معنى كم، وقال بعض المغاربة: ويحتمل أن تكون بسيطة.
العاشر: في كأين خمس لغات أفصحها كأين وبها قرأ أكثر القراء، وثانيها كائن وبها قرأ ابن كثير، وثالثها كأن وحكاها المبرد، ورابعها كأين وبها قرأ ابن محيصن والأشهب العقيلي، والخامسة كيئن.
الحادي عشر: اختلف في الوقف على كأين في اللغة المشهورة، فذهب الفارسي والسيرافي وجماعة من البصريين إلى أنه تخذف النون، وذهب ابن كيسان وابن خروف إلى أنه بإقرار النون.
والوجهان منقولان عن أبي عمرو والكسائي.
قلت: وقف أكثر القراء بالنون إتباعا للرسم، ووقف أبو عمرو بالياء، واختلف أيضا في الوقف على كائن وهي التي قرأ بها ابن كثير، فوقف المبرد وابن كيسان بالنون، ووقف جماعة بحذفها، وقد أغرب من جعلها اسم فاعل من كان، ومن علها من كاء يكيء كيئا إذا رجع وارتدع.
الثاني عشر: كذا مركبة من كاف التشبيه وذا الإشارية، وتكون كناية عن العدد كما تقدم، وعن غيره. وإذا كانت كناية عن غير عدد فتكون مفردة ومعطوفة، ويكنى بها عن المعرفة والنكرة.