المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌أسماء الأفعال والأصوات: - توضيح المقاصد والمسالك بشرح ألفية ابن مالك - جـ ٣

[ابن أم قاسم المرادي]

فهرس الكتاب

- ‌المجلد الثالث

- ‌تابع القسم الثاني: تحقيق شرح الفية ابن مالك

- ‌الجزء الرابع

- ‌أسماء لازمت النداء:

- ‌الاستغاثة:

- ‌الندبة:

- ‌الترخيم:

- ‌الاختصاص:

- ‌التحذير والإغراء:

- ‌أسماء الأفعال والأصوات:

- ‌نونا التوكيد:

- ‌ما لا ينصرف:

- ‌إعراب الفعل:

- ‌عوامل الجزم:

- ‌فصل لو:

- ‌فصل أمَّا ولَوْلا ولَوْمَا:

- ‌الإخبار بالذي والألف واللام:

- ‌العدد:

- ‌تمييز المركب:

- ‌كم وكأين وكذا:

- ‌الحكاية:

- ‌الجزء الخامس:

- ‌التأنيث:

- ‌المقصور والممدود:

- ‌كيفية تثنية المقصور والممدود وجمعهما تصحيحا:

- ‌جمع التكسير:

- ‌التصغير:

- ‌النسب:

- ‌الوقف:

- ‌الإمالة:

- ‌التصريف:

- ‌فصل في زيادة همزة الوصل:

- ‌الجزء السادس:

- ‌الإبدال:

- ‌فصل "إذا اعتلت لام فَعْلَى

- ‌فصل "إذا اجتمعت الواو والياء وسكن ما قبلها

- ‌فصل "إذا كانت عين الفعل واوا أو ياء وقبلهما ساكن صحيح

- ‌فصل: "إذا كان فاء الافتعال حرف لين

- ‌فصل: في الإعلال بالحذف

- ‌فصل: في الإدغام

- ‌الفهارس

- ‌محتويات المجلد الثالث:

- ‌فهرست الأبيات والشواهد:

- ‌مراجع الكتاب:

- ‌المحتويات:

الفصل: ‌أسماء الأفعال والأصوات:

‌أسماء الأفعال والأصوات:

الكلام على أسماء الأفعال يحتاج إلى مقدمة تشمل ثلاث مسائل:

الأولى: مذهب جمهور البصريين أنها أسماء، وقال بعض البصريين: أفعال استعملت استعمال الأسماء، وذهب الكوفيون إلى أنها أفعال حقيقية، والصحيح أنها أسماء لقبولها بعض علامات الأسماء كالتنوين والتصريف، ولعدم قبولها علامات الأفعال، ولورودها على أوزان تخالف أوزان الأفعال.

الثانية: اختلف القائلون باسميتها في مدلولها، فقيل: مدلولها لفظ الفعل لا الحدث والزمان، بل تدل على ما يدل على الحدث والزمان، وقيل: مدلولها المصادر إلا أنها دخلها معنى الأمر ومعنى الوقوع بالمشاهدة. ودلالة الحال في غير الأمر فتبعه الزمان، وقيل: إنها دالة على ما يدل عليه الأفعال من الحدث والزمان، إلا أن دلالتها على الزمان بالوضع لا بالصيغة. قيل: وهو ظاهر مذهب سيبويه وأبي علي وجماعة. فهذه ثلاثة مذاهب، فصَهْ مثلا على الأول اسم للفظ اسكت، وعلى الثاني اسم لقولك سكوتا، وعلى الثالث اسم لمعنى الفعل، إلا أن دلالة الفعل على الزمان بالصيغة، ودلالتها على الزمان بالوضع.

الثالثة: ذهب كثير منهم الأخفش إلى أن أسماء الأفعال لا موضع لا من الإعراب، وهو مذهب المصنف ونسبه بعضهم إلى الجمهور، وذهب المازني ومن وافقه إلى أنها في موضع نصب، ونقل عن سيبويه وعن الفارسي القولان، وذهب بعض النحويين إلى أنها في موضع رفع بالابتداء، وأغنى مرفوعها عن الخبر كما أغنى في "أقائم الزيدان" وقد عرفهما بقوله:

ما ناب عن فعل كشَتَّان وصَهْ

هو اسم فعل وكذا أوَّهْ ومَهْ

قوله: "ما ناب عن فعل" جنس يشمل اسم الفعل وغيره مما ينوب عن الفعل، وقوله:"كشتان وصه" يعني كونه غير معمول ولا فضلة، وهو تمثيل تمم به الحد، فخرج به ما ناب عن الفعل وهو معمول كالمصدر العامل، أو فضلة كالحرف العامل عمل الفعل، فإنهما ليسا كشتان وصه، وهذا قوله في الكافية: نائب فعل غير معمول ولا فضلة اسم الفعل.

ص: 1159

تنبيه:

اسم الفعل نوعان: أحدهما: ما كان في الأصل ظرفا "ومجروره"1 أو حرف جر ومجروره، وسيأتي. والآخر: ما ليس كذلك، وهو ضربان: ضرب مختلف في القياس عليه، وضرب مقصور على السماع.

فالمختلف في قياسه ثلاثة أنواع:

الأول: بناء فعال من الثلاثي المجرد. مذهب سيبويه والأخفش أنه مقيس، ومذهب المبرد أنه لا يقاس عليه.

الثاني: بناء فعال من أفعل أجاز ابن طلحة القياس عليه، كما أجاز البناء منه في التعجب، وقد سمع منه دراك من أدرك.

الثالث: بناء فعلال من الرباعي أجازه الأخفش قياسا على ما سمع من قولهم: "قَرْقار" و"عَرْعَار"2. ومذهب سيبويه أن ذلك لا يقاس عليه، وهو الصحيح لقلته، وأنكر المبرد سماع اسم الفعل من الرباعي، وذهب إلى أن "قرقار" و"عرعار" حكايتا صوت.

وأما المتفق على قصره على السماع. فما عدا هذه الأنواع، وهو ألفاظ كثيرة، وأنا أشرح منها ما اشتمل عليه النظم إن شاء الله تعالى.

وقد اشتمل هذا البيت على أربعة ألفاظ "منها"3 وهي: شتان، وصه، وأوه، ومه.

فأما "شتان" فهي اسم فعل بمعنى تباعد أو افتراق، وذهب أبو حاتم والزجاج إلى أن "شتان" مصدر جاء على فعلان، وهو واقع موقع الفعل، فيقال:"شتان زيد وعمرو" و"شتان ما زيد وعمرو" بزيادة "ما" و"شتان ما بين زيد وعمرو". ونقل ابن عصفور وغيره أن الأصمعي منع "شتان ما بين زيد وعمرو"، ورد عليه

1 ب، ج.

2 قرقار بمعنى قرقر، أي: صوت، وعرعار بمعنى عرعر أي: العب.

3 أ.

ص: 1160

بأنه مسموع، ونقل صاحب البسيط أن الأصمعي جوَّز أن يكون بمعنى بَعُد، فتقول:"شتان ما بين زيد وعمرو"، وإن غيره منع ذلك.

وأما "صه" فاسم فعل بمعنى اسكت، ويقال: صِهْ بكسر الهاء غير منونة، وصهٍ بالتنوين.

وسيأتي أن ما نون فهو نكرة وما لم ينون فهو معرفة، وقد يقال: صاه بالألف قبل الهاء الساكنة.

وأما "أوه" فاسم فعل بمعنى أتوجع، وفيه لغات أخر:

أوَّهْ، أوِّهِ، آوْهْ، أوَّهِ، أوَّتَاهْ، آوَّتَاهُ، آهْ، آهِ، أَوِّ، آوِّ، أووه، أَوَأَهْ.

وإذا صرف الفعل منه قيل: أوَّه وتأوه.

وأما "مه" فاسم فعل بمعنى انكفف لا بمعنى اكفف؛ لأنه متعد ومه لا يتعدى، ويقال: مِهِ بالكسر، ومِهٍ بالتنوين، كما تقدم في صه.

وما بمعنى افْعَلْ كآمينَ كَثُرْ

وغيرُهُ كَويْ وهيهات نَزُرْ

اسم الفعل ثلاثة أضرب: ضرب بمعنى الأمر وهو كثير، وضرب بمعنى المضارع، وضرب بمعنى الماضي، وكلا هذين الضربين قليل، ومن الذي بمعنى الأمر مقيس كما تقدم، وليس في الذي بمعنى المضارع والماضي شيء يقاس عليه، ومثل الأمر بآمين والمضارع بوي والماضي بهيهات.

أما "آمين" فاسم فعل بمعنى استجب، وفيه لغتان المد والقصر خلافا لابن درستويه في تخصيصه القصر بالضرورة، وإذا مد فقيل وزنه فايل وهو أعجمي. وقيل: أصله القصر ووزنه فعيل والمد إشباع؛ لأنه ليس في كلام العرب أفعيل ولا فاعيل ولا فيعيل. حكي ذلك عن أبي علي، وحكى القاضي عياض عن الداودي آمين -بالمد والتشديد- وقال: إنها لغة شاذة، وذكر ثعلب وغيره أن تشديد الميم خطأ.

وأما "وَيْ" فهو اسم فعل بمعنى أعجب و"أن"1 مثلها وا، وواهَا.

1 أ.

ص: 1161

قال في شرح الكافية: ووي ووا وواها بمعنى أعجب، وقال غيره: وي بمعنى أعجب وفيها تندم. ووا بمعنى التعجب والاستحسان.

قال1:

وَا بأبي أنْت وفُوكِ الأشْنَبُ

وتلحق وي كاف الخطاب كقول عنترة2:

قيل الفوارس وَيْكَ عنتر أقدم

1 قائله: ينسب لراجز من تميم، وهو من الرجز.

وبعده:

كأنما ذُرَّ عليه الزرنب

أو زنجبيل وهو عندي أطيب

اللغة: "فوك" فمك "الأشنب" من الشنب وهو عذوبة ماء الفم مع رقة الأسنان "ذر" فرق ورش "الزرنب" نبت من نبات البادية طيب الرائحة.

المعنى: يعجب من جمال محبوبته ويقول لها: أفديك بأبي ويصف فمها بالعذوبة ورقة الأسنان والرائحة الطيبة.

الإعراب: "وا" اسم فعل مضارع بمعنى أعجب والفاعل أنا "بأبي" جار ومجرور خبر مقدم "أنت" مبتدأ مؤخر "وفوك" الواو للاستئناف فوك مبتدأ مرفوع بالواو والكاف مضاف إليه "الأشنب" صفة له "كأنما" كأن حرف تشبيه ونصب "ما" كافة "ذر" فعل ماض مبني للمجهول "عليه" جار ومجرور متعلق بذر "الزرنب" نائب فاعل والجملة خبر فوك.

الشاهد: قوله "وا" فإنه اسم فعل مضارع بمعنى أعجب.

مواضعه: ذكره من شراح الألفية: الأشموني 486/ 2، وابن هشام 292/ 3، وذكره السيوطي في الهمع 160/ 2.

2 قائله: هو عنترة بن شداد العبسي، وهو من الكامل.

وصدره:

ولقد شَفَى نفسي وأبرأ سُقْمَها

اللغة: "قيل" بكسر القاف بمعنى يقول، ويروى:"قول الفوارس".

الإعراب: "ولقد" اللام للتأكيد وقد للتحقيق "شفى" فعل ماض "نفسي" مفعول به والياء مضاف إليه "وأبرأ" فعل ماض عطف على شفى "سقمها" مفعول به والهاء مضاف إليه "قيل" تنازع فيه الفعلان شفى وأبرأ فأعمل الثاني وأضمر في الأول "الفوارس" مضاف إليه "ويك" أصله ويلك والكاف للخطاب مجرورة بالإضافة "عنتر" منادى مرخم يا عنترة فحذف منه حرف النداء "أقدم" أمر من قدُم يقدُم بالضم فيهما.

الشاهد: قوله: "ويك" حيث دخلت على "وي" كاف الخطاب.

مواضعه: ذكره الأشموني في 486/ 2، وفي شرح المفصل 77/ 4.

ص: 1162

وزعم الكسائي أن ويك محذوفة من ويلك، فالكاف على قوله ضمير مجرور، وأما قوله تعالى:{وَيْكَأَنَّ اللَّهَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ} 1.

قال الخليل وسيبويه: هي وي، ثم قال: كأن الله يبسط، وقال أبو الحسن: هي ويك بمعنى أعجب كأن الله "يبسط".

وأما "هيهات" فاسم فعل بمعنى بَعُدَ خلافا لأبي إسحاق2؛ إذ جعلها بمعنى البعد، وزعم أنها في موضع رفع نحو قوله تعالى:{هَيْهَاتَ هَيْهَاتَ لِمَا تُوعَدُونَ} 3 وخلافا للمبرد إذ زعم أنها ظرف غير متمكن وبنى لإبهامه، وتأويله عنده في البعد4. ويفتح الحجازيون "تا" هيهات فيقفون بالهاء، ويكسرها تميم وأسد ويقفون بالتاء وبعضهم يضمها، وإذا ضمت فمذهب أبي علي أنها تكتب بالتاء، ومذهب ابن جني أنها تكتب بالهاء، وحكى الصغاني5 فيها ستا وثلاثين لغة: هيهات، وأيهات، وهيان، وأيهان، وهيهاه، وأيهاه، وكل واحدة من هذه الستة مضمومة الآخر ومفتوحته ومكسورته، وكل واحدة منها منونة وغير منونة، فتلك ستة وثلاثون وجها.

وحكى غيره "فيها"6 هيهاتا وإيهاك، والكاف للخطاب، وأيهاه وأيها وهيهاه، وقرأ عيسى بن عمر الهمداني

"هيهات هيهات" على نية الوقف.

والفعل من أسمائه عليكا

وهكذا دونك مع إليكا

يعني: أن من اسم الفعل نوعا هو في الأصل جار ومجرور أو ظرف ومجروره، فالأول عليك وكذاك وكما أنت.

1 من الآية 82 من سورة القصص.

2 إبراهيم بن أحمد بن يعقوب أبو إسحاق شيخ النحاة والقراء، ولد بإشبيلية سنة إحدى وأربعين وستمائة ومات سنة عشر وسبعمائة.

3 من الآية 36 من سورة المؤمنون.

4 يعني أن معنى هيهات عند المبرد: في البعد، وهيهات على هذا خبر مقدم واللام زائدة وما مبتدأ مؤخر والتقدير: ما توعدون مستقر في البعد.

5 هو الحسن بن محمد بن الحسن الصغاني حامل لواء اللغة في زمانه، ولد سنة سبع وسبعين وخمسمائة وتوفي سنة خمسين وستمائة.

6 ب، ج.

ص: 1163

والثاني: عندك ولديك ودونك ووراءك وأمامك ومكانك وبعدك، هذا هو المسموع.

فعليك بمعنى الزم ويتعدى بنفسه، قال الله تعالى:{عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ} 1 وبالباء تقول: "عليك بزيد".

وإليك بمعنى تَنَحَّ، وهو لازم عند البصرين، وزعم ابن السكيت والكوفيون أنها تتعدى فتقول:"إليك زيدا" أي: أمسك زيدا، وكذاك بمعنى أمسك.

كقوله2:

.........................

كذاك القول إن عليك عينا

وكما أنت بمعنى انتظر، حكى الكسائي "كما أنت زيدا" أي: انتظر زيدا، وكما أنتني أي: انتظرني، وعندك بمعنى خذ، وهي متعدية وترد بمعنى توقف، فتكون لازمة، ولديك بمعنى خذ، وهي متعدية تقول:"لديك زيدا".

ودونك بمعنى خذ فتتعدى، وبمعنى تأخر أيضا، ولا يتعدى، ووراءك بمعنى تأخر، وأمامك بمعنى تقدم، ومكانك بمعنى اثبت. وسمع الفراء مكانني أي: انتظرني، فتكون ذات تعد ولزوم، وبعدك بمعنى تأخر، وحكى الكسائي الإغراء ببين، وسمع من كلامهم:"بينكما البعير فخذاه" ولا حجة فيه لجواز أن يكون من باب الاشتغال.

1 من الآية 105 من سورة المائدة.

2 قائله: هو جرير بن عطية من قصيدة يهجو فيها الفرزدق والبعيث، وهو من الوافر.

وصدره:

يَقُلْن وقد تلاحقت المطايا

الإعراب: "يقلن" فعل وفاعل "وقد" الواو حالية قد حرف تحقيق "تلاحقت" فعل ماض والتاء للتأنيث "المطايا" فاعل والجملة في محل نصب حال "كذاك" اسم فعل "القول" مفعول كذاك "إن" حرف توكيد ونصب "عليك" جار ومجرور خبر مقدم لإن "عينا" اسم منصوب.

الشاهد: قوله: "كذاك" فإنه اسم فعل ومعناه أمسك.

ص: 1164

تنبيهات:

الأول: لا يُستعمل هذا النوع في الغالب إلا متصلا بضمير المخاطب، وشذ عليَّ بمعنى أولني، وإلي معنى أتنحى، وعليه بمعنى ليلزم.

الثاني: أجاز الكسائي قياس بقية الظروف على المسموع بشرط الخطاب نحو: خلفك وقدامك، ونقله بعضهم عن الكوفيين، ومذهب البصريين قصر ذلك على السماع.

الثالث: اختلف في كاف عليك وأخواته فذهب الكسائي أنها في موضع نصب، ومذهب الفراء أنها في موضع رفع، ومذهب البصريين أنها في موضع جر، وهو الصحيح لأن الأخفش روى عن عرب فصحاء "عَليَّ عبدِ الله زيدًا" بجر عبد الله، فتبين أن الضمير مجرور الموضع، وذهب ابن بابشاذ إلى أنها حرف خطاب، فلا موضع لها من الإعراب.

الرابع: في كل واحد من هذه الأسماء مع الضمير "المجرور"1 ضمير رفع مستتر هو الفاعل، فلك في التوكيد أن تؤكد الكاف بالمجرور فتقول:"عليك نفسك" وأن تؤكد المستتر بالمرفوع فتقول: "عليك أنت نفسك" ولا بد من تأكيده بالمرفوع المنفصل.

كذا رُوَيْدَ بَلْهَ نَاصِبَيْنِ

ويَعَمْلانِ الخفضَ مصدَرَيْنِ

"رويد" يستعمل أمرا وغير أمر، فإذا استعمل أمرا فله حالان:

أحدهما: أن يكو مبنيا على الفتح، وإن وليه مفعول نصب نحو "رُويدَ زيدا" فهو هاهنا اسم فعل بمعنى أمهل؛ لأنه لو كان مصدرا لكان معربا، وذكر بعضهم أنه يرد بمعنى دع، ومنه: لو أردت الدراهم لأعطيتك رويد الشعر -أي: فدع الشعر- وما زائدة، ويجوز ألا تزاد كما قال2:

رويدَ بني شيبان بعض وعيدكم

.............................

1 أ، ج وفي ب "المجرد".

2 قائله: هو ودَاك بن نميل المازني، وهو من الطويل.

وتمامه:

تلاقُوا غدًا خَيْلي على سَفَوانِ =

ص: 1165

والآخر: أن يكون معربا منصوبا إما مضافا نحو: "رُويدَ زيد"، وإما منونا منصوبا نحو:"رويدًا زيدًا" فهو هاهنا مصدر؛ لأنه لو كان اسم فعل لكان مبنيا.

وإذا أضيف فتارة يضاف إلى فاعله نحو: "رويد زيد عمرًا" وتارة إلى مفعوله نحو: "رويد زيدٍ".

قيل: ومن الإضافة إلى فاعله قولهم: "رويدك زيدًا" ويحتمل أن يكون اسم فعل، والكاف للخطاب.

وإذا نون نصب المفعول، ومنع المبرد النصب "به"1؛ لكونه مصغرا ورويد تصغير إرواد مصدر رود أي: أمهله تصغير ترخيم، وذهب الفراء إلى أن تصغير رَوْدِ بمعنى المهل، ورد بأن رويدًا يتعدى.

وإذا استعمل غير أمر فله حالان:

أحدهما: أن يكون حالا كقولهم: "ساروا رويدا" فقيل: هو حال من الفاعل أي: مُرْوِدِين.

وقيل: من ضمير المصدر المحذوف أي: ساروه رويدا.

والآخر: أن يكون نعتا إما لمصدر مذكور نحو: "ساروا سيرا رويدا" وإما لمصدر محذوف نحو: "ساروا رويدا" وضعف كونه نعتا لمصدر محذوف؛ لأنه صفة غير خاصة بالموصوف.

واختلفوا في "رويد" الواقع نعتا، فقيل: هو الذي يستعمل مصدرا وصف به كما وصف برضى.

= اللغة: "رويد" دع أو اترك "سفوان" بفتح السين والفاء: اسم موضع.

الإعراب: "رويد" معناه أميل ومعناه هنا دع أو اترك والفاعل ضمير "بنى" منادى منصوب حذف منه حرف النداء "شيبان" مضاف إليه -نداء جيء به بين الفعل ومعموله- "بعض" مفعول به لوريد "وعيدكم" مضاف إليه وكم مضاف إلى وعيد "تلاقوا" فعل مضارع وفاعله وهو مجزوم في جواب الأمر "غدا" منصوب على الظرفية "خيلي" مفعول به لتلاقوا والياء مضاف إليه "على سفوان" متعلق بتلاقوا.

الشاهد: قوله: "رويد بني شيبان" حيث جاء رويد من غير زيادة كلمة ما بعده.

مواضعه: ذكره ابن هشام في المغني 86/ 2، وفي شرح المفصل 41/ 4.

1 أ، ج.

ص: 1166

وقيل: تصغير رَوْد تصغير الترخيم وليس بمصدر.

وأما "بله" فيكون اسم فعل بمعنى دع وهو مبني نحو: "بله زيدا" وتكون مصدرا بمعنى ترك النائب عن اترك، فتستعمل مضافة نحو:"بله زيد" وهو مضاف إلى المفعول، وقال أبو علي: إلى الفاعل، وروى أبو زيد فيه القلب إذا كان مصدرا تقول:"بَهْلَ زيد" وحكى أبو الحسن الهيثم فتح الهاء واللام فتقول: "بَهْلَ زيدٍ" وأجاز قطرب وأبو الحسن أن يكون بمعنى كيف فتقول: "بله زيد" ويروى1:

.......................

بَلْهَ الأكفَّ كأنها لم تُخْلَق

بالنصب على أنها اسم فعل، وبالجر على أنها مصدر، وبالرفع، فقيل: هي اسم فعل بمعنى اترك.

وقيل: بمعنى كيف، وأنكر أبو علي الرفع بعدها، وذهب بعض الكوفيين إلى أن "بله" بمعنى غير، فمعنى: بله الأكف غير الأكف، وذهب الأخفش إلى أنها حرف جر، وعدها الكوفيون والبغداديون من أدوات الاستثناء، فأجازوا النصب بعدها على الاستثناء.

وما لِمَا تنوبُ عنه مِن عَمَلْ

لها وأخِّرْ ما لذِي فيه العَمَلْ

1 قائله: هو كعب بن مالك الأنصاري يصف السيوف، وهو من الكامل.

وصدره:

تذَرُ الجماجمَ ضاحيًا هاماتُها

اللغة: "تذر" تترك وتدع "الجماجم" -جمع جمجمة- وهي عظام الرأس "بله الأكف" أي: اتركها ولا تذكرها في كلامك لأنها طائحة لا محالة.

الإعراب: "تذر" فعل مضارع فاعله ضمير مستتر جوازا تقديره هي يعود إلى السيوف في بيت قبله "الجماجم" مفعول به "ضاحيا" حال من المفعول به "هاماتها" هامات فاعل بضاح وضمير الغائبة العائد إلى الجماجم مضاف إليه "بله" اسم فعل أمر وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت "الأكف" مفعول به لبله "كأنها" كأن حرف تشبيه ونصب والضمير العائد إلى الأكف اسم كأن "لم" نافية جازمة "تخلق" فعل مضارع مبني للمجهول مجزوم بلم وعلامة جزمه السكون، وحرك بالكسر لأجل الروي، ونائب الفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هي يعود إلى الأكف، وجملة الفعل ونائب الفاعل في محل رفع خبر كأن.

الشاهد: قوله: "بله الأكف" حيث استعمل بله اسم فعل أمر ونصب ما بعده على أنه مفعول به.

مواضعه: ذكره الأشموني 488/ 2، وابن هشام في الشذور ص414، وفي المغني 105/ 1، وشرح المفصل 47/ 4، والشاهد 456 في الخزانة.

ص: 1167

يعني: أن أسماء الأفعال تعمل عمل الأفعال التي تنوب عنها فترفع الفاعل ظاهرا نحو: "هيهات زيد" ومضمرا نحو: "نزال"، وتنصب المفعول إن نابت عن متعد، وتتعدى إليه بحرف الجر إن نابت عما يتعدى به، وينبغي أن يقول: غالبا، كما قال في التسهيل احترازا من "آمين" فإنها لم يحفظ لها مفعول، وفعلها يتعدى.

وقوله: "وأخر ما لذى فيه العمل" يعني: أنه يجب تأخير معمول أسماء الأفعال، ولا يسوى بينها وبين أفعالها في جواز التقديم، فلا يقال:"زيدا دراكِ" قال الشارح: هذا مذهب جميع النحويين إلا الكسائي فإنه أجاز فيه ما يجوز في الفعل من التقديم والتأخير. انتهى.

ونقله بعضهم عن الكوفيين.

تنبيه:

مذهب المصنف جواز إعمال اسم الفعل مضمرا، وقال في شرح الكافية: إن إضمار اسم الفعل مقدما لدلالة متأخر عليه جائز عند سيبويه. انتهى.

ومنع كثير من النحويين حذفه وإبقاء معموله، وتأول كلام سيبويه.

واحْكُم بتنكير الذي يُنون

منها وتعريف سواه بَيِّنُ

ما نون من أسماء الأفعال فهو نكرة وما لم ينون فهو معرفة وهي ثلاثة أقسام: لازم التعريف كنزال وآمين، ولازم التنكير كواها بمعنى أعجب وويها بمعنى أغْرِ وذو وجهين نحو صه ومه، وذهب قوم إلى أن أسماء الأفعال كلها معارف ما نون منها وما لم ينون تعريف علم جنس، والأول هو المشهور.

ولما فرغ من أسماء الأفعال انتقل إلى أسماء الأصوات، وهي ألفاظ أشبهت أسماء الأفعال في الاكتفاء بها، وهي نوعان:

أحدهما: ما خوطب به ما لا يعقل إما لزجر كهلا للخيل، وعدَسْ للبغل، وإما لدعاء كأو للفرس ودَوْه للربع1، وإلى هذا النوع أشار بقوله:

وما به خوطب ما لا يعقل

من مُشبه اسم الفعل صوتا يُجعل

والثاني: ما وضع لحكاية صوت يحوان نحو "غاقِ" للغراب، و"ماء" للظبية، أو غير حيوان نحو "قبْ" لوقع "السيف"2، و"طَق" لوقوع الحجر. وغلى هذا النوع أشار بقوله:

كذا الذي أجدى حكاية كقَبْ

أي: أفهم حكاية.

1 الرُّبَع بضم الراء وفتح الباء: وهو الفصيل.

2 ب، وفي أ، ج "السقف".

ص: 1168

ثم قال:

والزَمْ بنا النوعين فهو قد وَجَبْ

يحتمل أن يريد بالنوعين أسماء الأفعال والأصوات، ويحتمل أن يريد نوعي الأصوات، وعلة بناء أسماء الأفعال شبهها بالحروف؛ لأنها عاملة غير معمولة كما تقدم أول الكتاب، وعلة بناء أسماء الأصوات أنها ليست عاملة ولا معمولة فأشبهت الحروف المهملة فهي أحق بالبناء من أسماء الأفعال.

تنبيه:

هذه الأصوات لا ضمير فيها، بخلاف أسماء الأفعال؛ فهي من قبيل المفردات، وأسماء الأفعال من قبيل المركبات.

ص: 1169