الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
11 -
بَابُ الجَوَابِ بالفَاءِ
قَالَ المُصَنِّفُ: «اعْلَمْ أَنَّ الجَوَابَ بِالفَاءِ مَنْصُوبٌ أَبَدًا فِي سِتَّةِ أَشْيَاءَ: الأَمْرُ وَالنَّهْيُ وَالاسْتِفْهَامُ وَالتَّمَنِّي وَالجَحْدُ وَالدُّعَاءُ.
فَإِذَا أَدْخَلْتَ الفَاءَ عَلَى فِعْلٍ مُسْتَقْبِلٍ وَكَانَ جَوَابًا لِشَيْءٍ مِنْ هَذِهِ: نَصَبْتَهُ.
تَقُولُ فِي الأَمْرِ وَالنَّهْيِ: (زُرْنِي فَأُحْسِنَ إِلَيْكَ وَلَا تَهْجُرْنِي فَأُسِيءَ إِلَيْكَ)؛ نَصَبْتَ (أُحْسِنَ) وَ (أُسِيءَ) لأَنَّهُمَا جَوَابَا الأَمْرِ وَالنَّهْيِ بِالفَاءِ.
وَتَقُولُ فِي الاسْتِفْهَامِ: (أَيْنَ زَيْدٌ فَنُحَدِّثَهُ)؛ نَصَبْتَ (نُحَدِّثَهُ) لأَنَّهُ جَوَابُ الاسْتِفْهَامِ بِالفَاءِ.
وَتَقُولُ بِالتَّمَنِّي: (لَيْتَ زَيْدًا عِنْدَنَا فَنُكْرِمَهُ)؛ نَصَبْتَ (نُكْرِمَهُ) لأَنَّهُ جَوَابُ التَّمَنِّي بِالفَاءِ.
وَتَقُولُ فِي الدُّعَاءِ: (رَزَقَكَ اللهُ مَالًا فَتَتَّسِعَ بِهِ)؛ نَصَبَتْ (تَتَّسِعَ) لأَنَّهُ جَوَابُ الدُّعَاءِ بِالفَاءِ.
وَتَقُولُ فِي الجَحْدِ: (مَا لَكَ مَالٌ فَتُنْفِقَهُ)؛ نَصَبْتَ (تُنْفِقَهُ) لأَنَّهُ جَوَابُ الجَحْدِ بِالفَاءِ.
وَإِذَا حَذَفْتَ الفَاءَ مِنْ هَذِهِ الجَوَابَاتِ فَاجْزِمْهَا؛ نَحْوُ قَوْلِكَ: (اقْصِدْ
زيْدًا يُحْسِنْ إِلَيْكَ) وَ (لَا تَقْصِدْ عَمْرًا تَنْدَمْ).
وَمِثْلُهُ: (أَيْنَ بَيْتُكَ أَزُرْكَ) وَ (لَيْتَ لِي مَالًا أُنْفِقْهُ)، وَقِسْ عَلَيْهِ».
(الشَّرْحُ): شَرَعَ المُصَنِّفُ - هُنَا - فِي ذِكْرِ فَاءِ الجَوَابِ، وَيُرِيدُ:(الفَاءَ السَّبَبِيَّةَ).
وَقَدْ جَعَلَهَا المُصَنِّفُ فِي بَابٍ مُنْفَصِلٍ مَعَ أَنَّهَا تَابِعَةٌ لِلبَابِ السَّابِقِ؛ وَذَلِكَ لِلْحَاجَةِ إِلَى التَّفْصِيلِ فِيهَا.
وَالفَاءُ السَّبَبِيَّةُ هِيَ: الفَاءُ الَّتِي تَدْخُلُ عَلَى الفِعْلِ المُضَارِعِ فَيَكُونُ مَا قَبْلَهَا سَبَبًا لِمَا بَعْدَهَا؛ بِشَرْطِ أَنْ تَكُونَ مَسْبُوقَةً بِطَلَبٍ أَوْ نَفْيٍ، فَتَنْصِبُ الفِعْلَ المُضَارِعَ الَّذِي دَخَلَتْ عَلَيْهِ.
وَتَقَعُ تِلْكَ الحَالَةُ - الَّتِي يُحْكَمُ فِيهَا عَلَى الفَاءِ بِأَنَّهَا سَبَبِيَّةٌ - فِي صِيغَتَيْنِ: الأُولَى: صِيغَةُ الطَّلَبِ، وَالثَّانِيَةُ: صِيغَةُ النَّفْيِ - وَهُوَ الجَحْدُ -.
وَصِيغَةُ الطَّلَبِ تَقَعُ فِي: (الأَمْرِ وَالنَّهْيِ وَالاسْتِفْهَامِ وَالتَّمَنِّي وَالدُّعَاءِ)
- وَغَيْرِهَا مِمَّا لَمْ يَذْكُرْهُ المُصَنِّفُ هُنَا -.
وَصِيغَةُ النَّفْيِ (الجَحْدِ): مَا يَقَعُ فِيهِ الانْتِفَاءُ المَحْضُ.
أَمَّا صِيَغُ الطَّلَبِ:
فَتَقُولُ فِي الأَمْرِ: (زُرْنِي فأُحْسِنَ إِلَيْكَ):
- فَالفَاءُ دَخَلَتْ عَلَى فِعْلٍ مُضَارِعٍ.
- وَالعِبَارَةُ الَّتِي قَبْلَ الفَاءِ: قَدْ وَرَدَتْ بِصِيغَةِ طَلَبِ حُصُولِ شَيْءٍ، وَهُوَ:(طَلَبُ الزِّيَارَةِ).
- وَالعِبَارَةُ الَّتِي قَبْلَ الفَاءِ: جَاءَتْ سَبَبًا لِمَا بَعْدَهَا؛ فَالمُرَادُ: (طَلَبُ الزِّيَارَةِ لِلْإِحْسَانِ)؛ فَالزِّيَارَةُ هِيَ السَّبَبُ فِي حُصُولِ الإِحْسَانِ.
وَتَقُولُ فِي النَّهْيِ: (لَا تَهْجُرْنِي فَأُسِيءَ إِلَيْكَ):
- فَالفَاءُ دَخَلَتْ عَلَى فِعْلٍ مُضَارِعٍ.
- وَالعِبَارَةُ الَّتِي قَبْلَ الفَاءِ: قَدْ وَرَدَتْ بِصِيغَةِ طَلَبِ الكَفِّ عَنْ حُصُولِ شَيْءٍ، فَالنَّهْيُ يُعَدُّ مِنَ الطَّلَبِ، وَيَخْتَلِفُ عَنِ النَّفْيِ، وَالنَّهْيُ - فِي الجُمْلَةِ
هُنَا -: (طَلَبُ الكَفِّ عَنِ الهِجْرَانِ).
- وَالعِبَارَةُ الَّتِي قَبْلَ الفَاءِ: جَاءَتْ سَبَبًا لِمَا بَعْدَهَا؛ فَالمُرَادُ: (طَلَبُ الكَفِّ عَنِ الهِجْرَانِ لِلْكَفِّ عَنِ الإِسَاءَةِ)؛ فَالكَفُّ عَنِ الهِجْرَانِ هُوَ سَبَبُ الكَفِّ عَنِ الإِسَاءَةِ.
وَتَقُولُ فِي الاسْتِفْهَامِ: (أَيْنَ زَيْدٌ فَنُحَدِّثَهُ):
- فَالفَاءُ دَخَلَتْ عَلَى فِعْلٍ مُضَارِعٍ.
- وَالعِبَارَةُ الَّتِي قَبْلَ الفَاءِ: قَدْ وَرَدَتْ بِصِيغَةِ الطَّلَبِ، وَهُوَ: طَلَبُ
الفَهْمِ، فَالاسْتِفْهَامُ يُعَدُّ مِنْ أَنْوَاعِ الطَّلَبِ؛ وَهُوَ - فِي الجُمْلَةِ هُنَا -:(طَلَبُ العِلْمِ عَنْ مَكَانِ زَيْدٍ).
- وَالعِبَارَةُ الَّتِي قَبْلَ الفَاءِ: جَاءَتْ سَبَبًا لِمَا بَعْدَهَا؛ فَالمُرَادُ: (طَلَبُ العِلْمِ عَنْ مَكَانِ زَيْدٍ لِلْحَدِيثِ مَعَهُ)؛ فَالعِلْمُ بِمَكَانِ زَيْدٍ هُوَ السَّبَبُ الَّذِي يَحْصُلُ مِنْهُ الحَدِيثُ مَعَهُ.
وَتَقُولُ فِي التَّمَنِّي: (لَيْتَ زَيْدًا عِنْدَنَا فَنُكْرِمَهُ):
- فَالفَاءُ دَخَلَتْ عَلَى فِعْلٍ مُضَارِعٍ.
- وَالعِبَارَةُ الَّتِي قَبْلَ الفَاءِ: قَدْ وَرَدَتْ بِصِيغَةِ طَلَبِ حُصُولِ شَيْءٍ عَلَى سَبِيلِ المَحَبَّةِ وَالتَّمَنِّي، وَهُوَ:(طَلَبُ وُجُودِ زَيْدٍ).
- وَالعِبَارَةُ الَّتِي قَبْلَ الفَاءِ: جَاءَتْ سَبَبًا لِمَا بَعْدَهَا؛ فَالمُرَادُ: (طَلَبُ وُجُودِ زَيْدٍ لِإِكْرَامِهِ)؛ فَوُجُودُ زَيْدٍ هُوَ السَبَّبُ فِي حُصُولِ الإِكْرَامِ.
وَتَقُولُ فِي الدُّعَاءِ: (رَزَقَكَ اللهُ مَالًا فَتَتَّسِعَ بِهِ):
- فَالفَاءُ دَخَلَتْ عَلَى فِعْلٍ مُضَارِعٍ.
- وَالعِبَارَةُ الَّتِي قَبْلَ الفَاءِ: قَدْ وَرَدَتْ بِصِيغَةِ طَلَبِ حُصُولِ شَيْءٍ عَلَى سَبِيلِ الدُّعَاءِ وَالإِقْبَالِ بِتَحْقِيقِ الاسْتِجَابَةِ، وَهُوَ:(طَلَبُ إِجَابَةِ الدُّعَاءِ بِالرِّزْقِ).
- وَالعِبَارَةُ الَّتِي قَبْلَ الفَاءِ: جَاءَتْ سَبَبًا لِمَا بَعْدَهَا، فَالمُرَادُ:(طَلَبُ إِجَابَةِ الدُّعَاءِ بِالرِّزْقِ لِلاتِّسَاعِ)؛ فَوَفْرَةُ المَالِ هِيَ السَّبَبُ فِي حُصُولِ الاتِّسَاعِ.
وَأَمَّا النَّفْيُ:
فَتَقُولُ فِي الجَحْدِ - (النَّفْيِ) -: (مَا لَكَ مَالٌ فَتُنْفِقَهُ).
- فَالفَاءُ دَخَلَتْ عَلَى فِعْلٍ مُضَارِعٍ.
- وَالعِبَارَةُ الَّتِي قَبْلَ الفَاءِ: وَرَدَتْ بِصِيغَةِ النَّفْيِ، وَهُوَ:(نَفْيُ وُجُودِ المَالِ).
- وَالعِبَارَةُ الَّتِي قَبْلَ الفَاءِ: جَاءَتْ سَبَبًا لِمَا بَعْدَهَا، فَالمُرَادُ:(نَفْيُ وُجُودِ المَالِ لِلإِنْفَاقِ)؛ فَانْتِفَاءُ المَالِ سَبَبُ انْتِفَاءِ الإِنْفَاقِ.
وَتِلْكَ الحَالَاتُ فِي الجُمَلِ السَّابِقَةِ - فِي هَذَا البَابِ -: يُنْصَبُ فِيهَا الفِعْلُ المُضَارِعُ الَّذِي دَخَلَتْ عَلَيْهِ الفَاءُ؛ لأَنَّهَا فَاءٌ سَبَبِيَّةٌ.
وَيَجُوزُ حَذْفُ الفَاءِ السَّبَبِيَّةِ مِنَ الجُمَلِ، وَالاقْتِصَارُ عَلَى الفِعْلِ المُضَارِعِ؛ لَكِنْ فِي هَذِهِ الحَالَةِ يُجْزَمُ الفِعْلُ، فَيَكُونُ الجَزْمُ بَدَلًا مِنَ النَّصْبِ:
كَقَوْلِكَ: (اقْصِدْ زَيْدًا يُحْسِنْ إِلَيْكِ) بِجَزْمِ الفِعْلِ (يُحْسِنْ) لأَنَّ الفَاءَ مَحْذُوفَةٌ؛ فَإِذَا أَرْجَعْتَ الفَاءَ فِي العِبَارَةِ نَصَبْتَ الفِعْلَ؛ فَتَقُولُ: (اقْصِدْ زيْدًا فَيُحْسِنَ إِلَيْكَ) بِنَصْبِ الفِعْلِ (فَيُحْسِنَ)؛ لأَنَّهَا فَاءُ سَبَبِيَّةٌ.
وَمِثْلُ ذَلِكَ: (لَا تَقْصِدْ عَمْرًا تَنْدَمْ)، وَ (أَيْنَ بَيْتُكَ أَزُرْكَ)، وَ (لَيْتَ لِي مَالًا أُنْفِقْهُ)، وَقِسْ عَلَى ذَلِكَ كُلَّ الأَمْثِلَةِ الأُخْرَى الَّتِي تَدْخُلُ فِيهَا الفَاءُ السَّبَبِيَّةُ.