الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
19 -
بَابُ التَّوْكِيدِ
قَالَ المُصَنِّفُ: «وَحُرُوفُ التَّوْكِيدِ سَبْعَةٌ: النَّفْسُ، وَالعَيْنُ، وَكُلُّ، وَجَمِيعُ، وَأَجْمَعُ، وَأَكْتَعُ، وأَبْصَعُ، وَمَا تَوَلَّدَ مِنْهَا مِنْ تَثْنِيَةٍ وَجَمْعٍ وَتَذْكِيرٍ وَتَأَنِيثٍ.
تَقُولُ مِنْ ذَلِكَ: (جَاءَنِي زَيْدٌ نَفْسُهُ)؛ رَفَعْتَ (زَيْدًا) لأَنَّهُ فَاعِلٌ وَرَفَعْتَ (نَفْسَهُ) لأَنَّهُ تَوْكِيدٌ لِزيْدٍ.
وَمِثْلُهُ: (جَاءَنِي القَوْمُ أَجْمَعُونَ) وَ (لَقِيتُهُمْ أَجْمَعِينَ) وَ (مَرَرْتُ بِهِمْ أَجْمَعِينَ)، وَ (مَرَرْتُ بِهِم كُلِّهِمْ) وَ (بِهِمَا كِلَيْهِمَا)، وَفِي المُؤَنَّثِ - أَيْضًا -، وَكَذَلِكَ مَا أَشْبَهَهُ.
وَتَقُولُ: (قَامَ القَوْمُ جَمِيعٌ وَجَمِيعًا)؛ الرَّفْعُ تَوْكِيدٌ لِلْقَوْمِ، وَالنَّصْبُ عَلَى الحَالِ، وَقِسْ عَليْهِ».
(الشَّرْحُ): التَّوْكِيدُ: هُوَ الاسْمُ التَّابِعُ الَّذِي يُذْكَرُ لِتَأْكِيدِ اسْمٍ آخَرَ
قَبْلَهُ، وَيُرَادُ بِهِ: إِثْبَاتُ الحَقِيقَةِ أَوِ الإِحَاطَةُ وَالشُّمُولُ.
أَمَّا إِثْبَاتُ الحقِيقَةِ: فَتَكُونُ بِلَفْظَيْنِ، هُمَا:(النَّفْسُ، وَالعَيْنُ).
فَإِذَا قُلْتَ: (جَاءَ زَيْدٌ نَفْسُهُ) أَوْ (جَاءَ زَيْدٌ عَيْنُهُ)، تُرِيدُ أَنْ تُؤَكِّدَ أَنَّ زَيْدًا
بِذَاتِهِ هُوَ الَّذِي جَاءَ، وَأَنَّهُ لَمْ يَقَعْ مِنْكَ تَوَسُّعٌ فِي الكَلَامِ أَوْ سَهْوٌ أَوْ خَطَأٌ.
وَاللَّفْظَانِ (النَّفْسُ) وَ (العَيْنُ): يَتْبَعَانِ المُؤَكَّدَ فِي إِفْرَادِهِ وَتَثْنِيَتِهِ وَجَمْعِهِ
- تَذْكِيرًا أَوْ تَأْنِيثًا -، وَيَجُوزُ فِي المُثَنَّى الإِفْرَادُ وَالجَمْعُ - أَيْضًا -، وَالأَفْصَحُ أَنْ يُجْمَعَ فِي تَثْنِيَتِهِ.
فَتَقُولُ فِي الإِفْرَادِ: (جَاءَ زَيْدٌ نَفْسُهُ)، وَفِي التَّأْنِيثِ:(جَاءَتْ هِنْدٌ نَفْسُهَا).
وَتَقُولُ فِي الجَمْعِ: (جَاءَ الزَّيْدُونَ أَنْفُسُهُمْ)، وَفِي التَّأْنِيثِ:(جَاءَتِ الهِنْدَاتُ أَنْفُسُهُنَّ).
أَمَّا التَّثْنِيَةُ فَالأَفْصَحُ أَنْ تَقُولَ: (جَاءَ الزَّيْدَانِ أَنْفُسُهُمَا)، وَفِي التَّأْنِيثِ:(جَاءَتِ الهِنْدَانِ أَنْفُسُهُمَا).
فَـ (أَنْفُسُهُمَا) تَوْكِيدٌ جَاءَ بِصِيغَةِ الجَمْعِ لِلْفَاعِلِ (الزَّيْدَانِ) الَّذِي جَاءَ بِصِيغَةِ التَّثْنِيَةِ.
وَيَجُوزُ أَنْ تَجْعَلَ التَّوْكِيدَ عَلَى التَّثْنِيَةِ تَبَعًا لِـ (الزَّيْدَانِ)، فَتَقُولُ:(جَاءَ الزَّيْدَانِ نَفْسَاهُمَا).
وَيَجُوزُ أَنْ تَجْعَلَ التَّوْكِيدَ عَلَى الإِفْرَادِ - أَيْضًا -، فَتَقُولُ:(جَاءَ الزَّيْدَانِ نَفْسُهُمَا).
أَمَّا الإِحَاطَةُ وَالشُّمُولُ: فَتَكُونُ بِالأَلْفَاظِ المُتَبَقِّيَّةِ الَّتِي ذَكَرَهَا المُصَنِّفُ، وَهِيَ:(كُلُّ، وَجَمِيعُ، وَأَجْمَعُ، وَأَكْتَعُ، وأَبْصَعُ).
فَإِذَا قُلْتَ: (جَاءَ القَوْمُ كُلُّهُمْ) أَوْ (جَاءَ القَوْمُ جَمِيعُهُمْ)، تُرِيدُ بِذَلِكَ أَنْ تُؤَكِّدَ أَنَّ القَوْمَ جَاءُوا وَلَمْ يَنْقُصْ مِنْهُمْ أَحَدٌ، فَأَرَدْتَ بِذَلِكَ الإَحَاطَةَ وَالشُّمُولَ.
وَاللَّفْظَانِ (كُلُّ) وَ (جَمِيعُ): يُؤَكَّدُ بِهِمَا المُفْرَدُ وَالجَمْعُ - تَذْكِيرًا أَوْ تَأْنِيثًا -.
أَمَّا المُثَنَّى فَيُؤَكَّدُ بِـ (كِلَا) لِلْمُذَكَّرِ وَ (كِلْتَا) لِلْمُؤَنَّثِ، وَتُعْرَبَانِ إِعْرَابَ المُثَنَّى عِنْدَ التَّوْكِيدِ، فَتُرْفَعَانِ بِالأَلِفِ وَتُنْصَبَانِ وَتُجَرَّانِ بِاليَاءِ.
فَتَقُولُ فِي المُفْرَدِ المُذَكَّرِ: (جَاءَ الجَيْشُ كُلُّهُ)، وَفِي المُؤَنَّثِ:(جَاءَتِ القَبِيلَةُ كُلُّهَا).
وَتَقُولُ فِي الجَمْعِ: (جَاءَ الرِّجَالُ كُلُّهُمْ)، وَفِي التَّأْنِيثِ:(جَاءَتِ النِّسَاءُ كُلُّهُنَّ).
وَتَقُولُ فِي المُثَنَّى: (جَاءَ الزَّيْدَانِ كِلَاهُمَا)، و (جَاءَتِ الهِنْدَانِ كِلْتَاهُمَا).
أَمَّا اللَّفْظُ (أَجْمَعُ) وَفُرُوعُهُ فَهُوَ لِلْمُفْرَدِ وَالجَمْعِ - تَذْكِيرًا أَوْ تَأْنِيثًا -، وَلَا صِيغَةَ لِهُ لِلْمُؤَكَّدِ المُثَنَّى - عَلَى الصَّحِيحِ -، فَلَا يُقَالُ:(جَاءَ الجَيْشَانِ أَجْمَعَانِ) أَوْ (جَاء الجَيْشانِ جَمْعَاوَانِ).
فَتَقُولُ فِي المُفْرَدِ المُذَكَّرِ: (جَاءَ الجَيْشُ أَجْمَعُ).
وَتَقُولُ فِي المُفْرَدَةِ المُؤَنَّثَةِ: (جَاءَتِ القَبِيلَةُ جَمْعَاءُ).
وَتَقُولُ فِي جَمَاعَةِ الإِنَاثِ: (جَاءَتِ النِّسَاءُ جُمَعُ).
وَتَقُولُ فِي جَمَاعَةِ الذُّكُورِ: (جَاءَ الرِّجَالُ أَجْمَعُونَ).
وَمِنْ أَلْفَاظِ التَّوْكِيدِ الَّتِي ذَكَرَهَا المُصَنِّفُ: (أَكْتَعُ وَأَبْصَعُ)، وَتُعَدُّ مِنْ تَوَابِعِ (أَجْمَعَ)، وَتَأْتِي لِزِيَادَةِ التَّأْكِيدِ، وَلَا تَسْتَقِلُّ بِهِ؛ إِنَّمَا تُذْكَرُ تَبَعًا لِـ (أَجْمَعَ)، فَتَقُولُ:(جَاءَ القَوْمُ أَجْمَعُونَ أَكْتَعُونَ أَبْصَعُونَ).
وَالتَّوْكِيدُ يَتْبَعُ المُؤَكَّدَ فِي الإِعْرَابِ، فَإِذَا كَانَ المُؤَكَّدُ مَرْفُوعًا فَالتَّوْكِيدُ مَرْفُوعٌ، وَمِثْلُ ذَلِكَ فِي النَّصْبِ أَوِ الجَرِّ.
فَمِثَالُ المَرْفُوعِ: (جَاءَنِي زَيْدٌ نَفْسُهُ)، (وَجَاءَنِي القَوْمُ أَجْمَعُونَ)، وَ (جَاءَنِي القَوْمُ كُلُّهُمْ)، وَ (جَاءَ الزَّيْدَانِ كِلَاهُمَا) وَ (جَاءَتِ الهِنْدَانِ كِلْتَاهُمَا).
وَمِثَالُ المَنْصُوبِ: (لَقِيتُ زَيْدًا نَفْسَهُ)، (وَلَقِيتُ القَوْمَ أَجْمَعِينَ)، وَ (لَقِيتُ القَوْمَ كُلَّهُمْ)، وَ (لَقِيتُ الزَّيْدَيْنِ كِلَيْهِمَا)، وَ (لَقِيتُ الهِنْدَيْنِ كِلْتَيْهِمَا).
وَمِثَالُ المَجْرُورِ: (مَرَرْتُ بِزَيْدٍ نَفْسِهِ)، وَ (مَرَرْتُ بِالقَوْمِ أَجْمَعِينَ)، وَ (مَرَرْتُ بِالقَوْمِ كُلِّهِمْ)، وَ (مَرَرْتُ بِالزَّيْدَيْنِ كِلَيْهِمَا)، وَ (مَرَرْتُ بِالمَرْأَتَيْنِ كِلْتَيْهِمَا).
وَقَدِ اخْتَارَ المُصَنِّفُ جَوَازَ الرَّفْعِ وَالنَّصْبِ فِي قَوْلِكَ: (جَاءَ القَوْمُ جَمِيعٌ) وَ (جَاءَ القَوْمُ جَمِيعًا)؛ فَالرَّفْعُ عَلَى التَّوْكِيدِ، وَالنَّصْبُ عَلَى الحَالِ.