المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌المطلب الثاني: في الرد على من قال إن الأرض دار واحدة - اختلاف الدارين وآثاره في أحكام الشريعة الإسلامية - جـ ١

[عبد العزيز بن مبروك الأحمدي]

فهرس الكتاب

- ‌المقدمة

- ‌تمهيد:

- ‌الباب الأول: في تحديد معنى الدارين مع بيان سكانهما والدليل على هذا التقسيم والأماكن التي يمنع الكفار من دخولها

- ‌الفصل الأول: في تحديد معنى الدارين مع بيان سكانهما

- ‌المبحث الأول: في تحديد معنى الدار مجردة ومضافة إلى الإسلام

- ‌المطلب الأول: في تحديد معنى الدار مجردة عن الإسلام

- ‌المطلب الثاني: في تحديد معنى الدار مضافة إلى الإسلام

- ‌المبحث الثاني: في سكان دار الإسلام من غير المسلمين

- ‌المطلب الأول: الصنف الأول الذميون

- ‌المطلب الثاني: في الصنف الثاني: المستأمنون

- ‌المبحث الثالث: في تحديد معنى دار الكفر وأقسامها

- ‌المطلب الأول: في تحديد معنى دار الكفر

- ‌المطلب الثاني: في أقسام دار الكفر

- ‌المطلب الثالث في سكان دار الكفر

- ‌المبحث الرابع: في تغير وصف الدار

- ‌المطلب الأول: في انقلاب صفة الدار

- ‌المطلب الثاني: في أن الاستيلاء المجرد على الدار هل يغير صفتها

- ‌المطلب الثالث: في إمكانية انقلاب دار الإسلام إلى دار كفر

- ‌الفصل الثاني: في الدليل على تقسيم الأرض إلى دارين وأثر هذا التقسيم في تباين الأحكام

- ‌المبحث الأول: في الدليل على التقسيم

- ‌المطلب الأول: في الدليل على التقسيم من الكتاب والسنة والمأثور والإجماع

- ‌المطلب الثاني: في الرد على من قال إن الأرض دار واحدة

- ‌المبحث الثاني: أثر التقسيم في تباين الأحكام

- ‌الفصل الثالث: في الأمكنة التي يمنع المستأمنون أو غيرهم من دخولها واستيطانها

- ‌المبحث الأول: في النصوص الواردة في المنع

- ‌المبحث الثاني: في حكم استيطان الكفار لجزيرة العرب

- ‌المبحث الثالث: في حكم دخول الكفار الحرم المكي

- ‌المبحث الرابع: في حكم دخول الكفار الحرم المدني وسائر المساجد

الفصل: ‌المطلب الثاني: في الرد على من قال إن الأرض دار واحدة

‌المطلب الثاني: في الرد على من قال إن الأرض دار واحدة

وفيه فرعان:

الفرع الأول: في الرد على ما نسبه أبو زيد الدبوسي إلى الإمام الشافعي أن الأرض دار واحدة

لقد نسب أبو زيد الدبوسي إلى الإمام الشافعي القول بأن الأرض دار واحدة فقال في كتابه تأسيس النظر ما نصه: "الأصل عندنا أن الدنيا كلها داران دار الإسلام، ودار الحرب، وعن الإمام الشافعي الدنيا كلها دار واحدة وعلى هذه مسائل منها:

إذا خرج أحد الزوجين إلى دار الإسلام مسلماً مهاجراً أو ذمياً وتخلف الآخر في دار حرب، وقعت الفرقة فيما بينهما، وعند الإمام أبي عبد الله الشافعي لا تقع الفرقة بنفس الخروج.

ومنها: إذا أخذوا أموالنا وأحرزوها بدار الحرب ملكوها عندنا وعند الإمام الشافعي لا يملكونها.. إلخ"1

أما الجواب عن هذه النسبة فهو من أربعة أوجه:

الوجه الأول: أن هذه النسبة غير صحيحة- فكما أن علماء الحنفية يقسمون الأرض إلى دارين فكذلك علماء الشافعية وعلى رأسهم صاحب المذهب الإمام الشافعي رحمه الله.

1 انظر: تأسيس النظر للدبوسي ص 79، 80.

ص: 317

ومما يدل على عدم صحة هذه النسبة هو أن الإمام الشافعي قد ذكر في كتابه الأم بعض العناوين التي تدل على أنه يقول بانقسام الأرض إلى دارين.

فقال تحت عنوان: "إقامة الحدود في دار الحرب: يقيم أمير الجيش الحدود حيث كان من الأرض إذا ولي ذلك فإن لم يول فعلى الشهود الذين يشهدون على الحد أن يأتوا بالمشهود عليه إلى الإمام ولّى ذلك ببلاد الحرب، أو ببلاد الإسلام، ولا فرق بين دار الحرب، ودار الإسلام فيما أوجبه الله على خلقه من الحدود".1

وقال في موضع آخر: " (المستأمن في دار الحرب) إذا دخل قوم من المسلمين بلاد الحرب بأمان فالعدو منهم آمنون إلى أن يفارقوهم أو يبلغوا مدة أمانهم وليس لهم ظلمهم ولا خيانتهم".

وقال أيضاً تحت عنوان: "العبد المسلم يأبق في دار الحرب": "الرجل يسلم في دار الحرب بيع الطعام في دار الحرب".2

وقال: "الحربي يخرج إلى دار الإسلام. الحربي يدخل دار الإسلام بأمان. الرجل يقرض الرجل الطعام أو العلف إلى دار الإسلام"3. وغيرها كثير.

1 الأم 7/354.

2 الأم 4/247، 254، 261، 263.

3 انظر: الأم 4/262 - 271، 274.

ص: 318

فهذه النصوص التي ذكرها الإمام الشافعي في كنابه الأم تدل على أنه يقر بهذا التقسيم ويقول به كغيره من العلماء.

الوجه الثاني: أنه لو صحت نسبة هذا القول إلى الإمام الشافعي. فإن الإمام الشافعي له مقصد غير الذي نسب إليه، وهذا المقصد الذي أراده الإمام الشافعي هو أن الأصل في الأرض هو الإسلام وهذا الذي يجب أن تكون عليه - لكن مادام أن المسلمين لم يسيطروا على جميع الأرض لابد من وجود دار غير دارهم وهي دار الكفر، وربما يكون قصده من ذلك أن جميع دور الإسلام تعتبر داراً واحدة.

الوجه الثالث: وما يدل أيضاً على أن الإمام الشافعي يقول بانقسام الأرض إلى دارين ما نسبه الزنجاني الشافعي في كتابه (تخريج الفروع على الأصول) حيث يقول: "اختلاف الدارين - أعني دار الإسلام ودار الحرب- لا يوجب تباين الأحكام عند الإمام الشافعي" 1

وهذا الكلام صريح في القول بالتقسيم بخلاف ما نسب إلى الإمام الشافعي من القول بعدمه.

الوجه الرابع: أن مقصد الإمام الشافعي من القول بأن الأرض دار وحدة، إنما

1 انظر: تخريج الفروع على الأصول للزنجاني ص277.

ص: 319

ذلك في تطبيق الأحكام الشريعة، فلا أثر عنده لاختلاف الدارين في تباين الأحكام.

فأحكام الشريعة الإسلامية عنده تطبق على المسلم في أي مكان سواء كان ذلك في دار الإسلام أو في دار الحرب وقد نص على ذلك فقال: "ولا فرق بين دار الحرب، ودار الإسلام فيما أوجبه الله على خلقه من الحدود". 1

ومن خلال ما سبق يتضح أنه ما نسبه أبو زيد الدبوسي إلى الإمام الشافعي غير صحيح بل إن قوله موافق لقول كافة أهل العلم في تقسيم الأرض إلى دارين دار إسلام ودار كفر.

1 الأم 7/354.

ص: 320

الفرع الثاني: في الرد على ما ذهب إليه بعض العلماء المعاصرين من أن الأرض دار واحدة

انتقد بعض العلماء المعاصرين تقسيم الأرض إلى دارين، بحجة أنه تقسيم للواقع الذي كان عليه المسلمون مع الكفار، وليس تقسيماً شرعياً، يقوم عليه دليل من الكتاب، أو السنة، وحقيقة الأمر أن الدنيا بحسب الأصل هي دار واحدة.

فهذا صاحب آثار الحرب يقول: "والحقيقة أن هذا التقسيم لم يرد به قرآن، ولا سنة، ومبني على أساس الواقع، لا على أساس الشرع، ومن محض صنيع الفقهاء في القرن الثاني الهجري، وأنه من أجل ترتيب بعض الأحكام وأن الحرب هي السبب في هذا التقسيم، فهو تقسيم طارئ بسبب قيام حالة الحرب، أوالحرب نفسها، فهو ينتهي بانتهاء الأسباب التي دلت عليه، والحقيقة أن الدنيا بحسب الأصل هي دار واحدة".

إلى أن قال: "والواقع أن استنباط تقسيم الدنيا إلى دارين، من الدعوة إلى الهجرة غير سليم لأن ذلك قد نسخ بفتح مكة لقوله صلى الله عليه وسلم: "لا هجرة بعد الفتح ولكن جهاد ونية". 1

1 آثار الحرب في الفقه الإسلامي لوهبة الزحيلي ص 171، 193، 194، 195. والحديث سبق تخريجه ص 32.

ص: 321

ووافقه على رأيه هذا بعض المعاصرين.1

قلت: يمكن الرد على هذا الانتقاد بما يلي:

1-

قولهم بأن تقسيم الفقهاء الأرض إلى دارين مبني على أساس الواقع لا على أساس الشرع ومن محض صنيعهم.

يرد عليه أن الفقهاء عندما قسموا لأرض إلى دارين فقهوا ذلك من خلال قراءتهم لكتاب الله، ومن خلال تتبعهم لسنة رسوله صلى الله عليه وسلم ومن واقع مكة قبل الفتح، والمدينة بعد الهجرة إليها، فقد كانتا داري كفر وإسلام.

ولأن قولهم هذا خلاف ما دلت عليه النصوص الصحيحة من الكتاب والسنة على تقسيم الأرض إلى دارين، دار إسلام، ودار كفر.

وقولهم بأنه لم يرد بهذا التقسيم كتاب، ولا سنة، غير صحيح، فقد دل الكتاب، والسنة، وإجماع المسلمين، على هذا التقسيم كما سبق بيانه.

2-

أما استناده لحديث: "لا هجرة بعد الفتح" وأن الهجرة قد انقطعت، وبهذا تكون الأرض داراً واحدة، وأن الآيات والأحاديث التي تأمر بالهجرة يمكن الاستدلال بها على هذا التقسيم لو أن حكم الهجرة باق ولم ينسخ.

يرد عليه: بأن الهجرة المراد نفيها في الحديث هي الهجرة من مكة

1 الإسلام شريعة الحياة ص 125، والجهاد في الإسلام ص 57.

ص: 322

بعد الفتح، لأن مكة صارت دار إسلام بعد الفتح وقويت شوكة المسلمين بها فانقطعت الهجرة منها إلى المدينة، فهذا هو المعنى الصحيح لهذا الحديث والمراد من الهجرة التي انقطعت، أما الهجرة من دار الكفر إلى دار الإسلام فهي باقية إلى يوم القيامة، وهذا هو الذي فهمه العلماء من هذا الحديث.

فقال ابن العربي: "الهجرة هي الخروج من دار الحرب إلى دار الإسلام وكانت فرضاً في أيام النبي صلى الله عليه وسلم واستمرت، وهذه باقية مفروضة إلى يوم القيامة، والتي انقطعت بالفتح هي القصد إلى النبي صلى الله عليه وسلم حيث كان، فمن أسلم في دار الكفر وجب عليه الخروج إلى دار الإسلام".1

وقال الإمام البغوي: "لا هجرة بعد الفتح أراد به من مكة إلى المدينة".2

وقال ابن قدامة: "لا هجرة بعد الفتح أي من بلد قد فتح، والهجرة التي انقطعت يعني من مكة، لأن الهجرة الخروج من بلد الكفار فإذا فتح لم يبق بلداً للكفار". 3

وقال ابن مفلح: "حكم الهجرة من دار الكفر إلى دار الإسلام مستمر إلى يوم القيامة".

1 انظر: أحكام القرآن لابن العربي 1/484.

2 انظر: شرح السنة 10/373.

3 انظر: المغني لابن قدامة 8/4546، 457.

ص: 323

وقوله: "لا هجرة بعد الفتح" أي لا هجرة من مكة بعد فتحها لأن الهجرة إليه لا منه".1

وقال الشوكاني: "ولا تنقطع الهجرة ما قوتل الكفار أي مادام في الدنيا دار كفر، فالهجرة واجبة منها على من أسلم وخشي الفتنة في دينه".2

وبعد أن ذكرنا أن المعني الصحيح للحديث، والمراد من نفي الهجرة فيه، يتضح لنا أنه لا يمكن الاستدلال به على أن الهجرة قد انقطعت وأن الأرض دار واحدة.

فمن ذهب إلى غير هذا المعنى فقد صرف الحديث عن معناه الصحيح، وأخطأ الصواب، وعليه مراجعة كتب العلماء التي بينت المعنى المراد من الحديث وهو نفي الهجرة من مكة بعد فتحها لأنها صارت دار إسلام وكيف يهاجر من دار الإسلام إلى دار الإسلام.

أما الهجرة من دار الكفر إلى دار الإسلام، فهي واجبة على من عجز عن إظهار دينه، وباقية لم تنقطع إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها وقد دلت على ذلك الأحاديث الصحيحة الصريحة وسنذكرها بالتفصيل في الباب الثاني.

1 انظر: المبدع: 3/314.

2 انظر: نيل الأوطار 8/27.

ص: 324

3-

دلالة الواقع، فواقع الحياة بدل على أن الأرض لا تخلو من كفر أو إسلام، فالدار التي يتسلط عليها المسلمون وتغلب فيها أحكامهم هي دار الإسلام.

والدار التي يتسلط عليها الكفار وتغلب فيها أحكامهم هي دار الكفر، فكيف يقال إن الأرض دار واحدة، إذا لم يرد الأصل الذي يجب أن تكون عليه جميع الأرض وهو الإسلام.

ص: 325