الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المطلب الثاني: في تحديد معنى الدار مضافة إلى الإسلام
ويشتمل على فرعين:
الفرع الأول: في تعريف دار الإسلام
إن الثقل في الإسلام للدين قبل الأرض، فالجنسية الإسلامية حق لكل من قال: لا إله إلا الله، محمد رسول الله، أيا كانت أرضه في المشرق أو في المغرب لكن الأرض لها ثقل أيضاً، لأنها تعتبر ركناً من أركان دولة الإسلام، وكما شرع الجهاد لأجل العقيدة الإسلامية ونشرها، فقد شرع أيضاً دفاعاً عن دار الإسلام وإذا كان الجهاد فرض كفاية خارج دار الإسلام فهو داخلها فرض عين، بمعنى أنه إذا دخل العدو دار الإسلام وهجم عليها، فإنه يتعين على كل فرد من أفراد الأمة الإسلامية أن يجاهد عن هذه الدار، ويقاوم الأعداء للدفاع عنها.
قال بعض العلماء: "وهذه الدار - أي دار الإسلام - يجب على المسلمين القيام بالذود عنها، والجهاد دونها فرض كفاية إذا لم يدخل العدو الديار الإسلامية.
فإن دخلها العدو كان الجهاد فرض عين عليهم فعليهم جميعاً مقاومته ما أمكنتهم الفرصة واستطاعوا إلى ذلك سبيلاً1
أما تعريفها، فقد عرفها العلماء بتعاريف كثيرة مختلفة في الشكل واللفظ، متفقة في المضمون والمعنى، وكلها في الحقيقة تدور حول أن دار الإسلام هي الأرض أو البلد التي تظهر فيها أحكام الله من إعلاء كلمته،
1 العلاقات الدولية في الإسلام ص 53.
ونشر دعوته، وتطبيق أحكامه، وتكون الغلبة والسيادة فيها لأحكام الإسلام، سواء كان معظم سكانها من المسلمين، أو غير المسلمين.
ومعنى الغلبة: أن تكون أحكام الإسلام هي الغالبة وكلمة المسلمين هي النافذة، وراية الإسلام هي المرتفعة.
ومعنى السيادة أن يكون حكامها مسلمين، ملتزمين بالشريعة الإسلامية، مطبقين لها.
تعريف الفقهاء لدار الإسلام:
عرفها الحنفية: بأنها الدار التي تظهر فيها أحكام الإسلام1. قال السرخسي: "دار الإسلام اسم للموضع الذي يكون تحت يد المسلمين وعلامة ذلك أن يأمن فيه المسلمون"2.
قلت: والبلاد التي تحت يد المسلمين تجري فيها أحكام الإسلام لأن المسلمين لا يجرون هذه الأحكام إلا إذا كانت الأرض تحت أيديهم وسلطتهم.
وعرفها المالكية: بأنها الدار التي تجري فيها أحكام الإسلام.3
قلت: وأحكام الإسلام لا يمكن إجراؤها وإظهارها الظهور الحقيقي إذا لم تكن السلطة إسلامية.
1 بدائع الصنائع 7/130.
2 شرح السير الكبير 3/81.
3 المقدمات الممهدات 2/285، وبلغة السالك 2/167.
وعرفها الشافعية: بأنها ما كانت تحت استيلاء رئيس الدولة الإسلامية وإن لم يكن فيها مسلم1.
قال الماوردي: "إذا قدر على إظهار الدين في بلد من بلدان الكفر فقد صارت البلد دار الإسلام".2
وقال ابن حجر: "دار الإسلام ما كانت في قبضتنا وإن سكنها أهل ذمة أو عهد".3
وعرفها الحنابلة بأنها: "الدار التي نزلها المسلمون وجرب عليها أحكام الإسلام وما لم تجر عليها أحكام الإسلام لم تكن دار الإسلام وإن لاصقها".4
قال ابن سعدي5:"دار الإسلام هي التي يحكمها المسلمون وتجري فيها الأحكام الإسلامية ويكون النفوذ فيها للمسلمين ولو كان جمهور أهلها كفاراً.6
1 تحفة المحتاج 4/230.
2 نقلاً عن شرح السنة 10/371.
3 تحفة المحتاج 4/ 222.
4 أحكام أهل الذمة لابن القيم 1/366.
5 هو عبد الرحمن بن ناصر بن عبد الله السعدي التميمي من علماء الحنابلة ومن أهل نجد ولد سنة 1307هـ بعنيزة في القصيم وتوفي فيها سنة 1376هـ وله تصانيف كثيرة منها الفتاوى وتيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان. انظر: الأعلام 3/340.
6 انظر: الفتاوى السعدية 1/92.
فالأرض التي يحكمها المسلمون ويجرون فيها أحكام الشريعة الإسلامية هي دار الإسلام.
وعرفها الظاهرية: بأنها الدار التي تغلب عليها السلطة الإسلامية وإقامة الأحكام تأتي تبعاً للسلطة فما دام أن السلطة الغالبة هي سلطة الإسلام أقيمت أحكامه.1
وقال الشوكاني في بيان دار الإسلام: الاعتبار بظهور الكلمة فإن كانت الأوامر والنواهي في الدار لأهل الإسلام، بحيث لا يستطيع من فيها من الكفار أن يتظاهر بكفره، إلا لكونه مأذوناً له بذلك من أهل الإسلام، فهذه دار إسلام، ولا يضر ظهور الخصال الكفرية فيها لأنها لم تظهر بقوة الكفار، ولا بصولتهم، كما هو مشاهد في أهل الذمة من اليهود والنصارى والمعاهدين الساكنين في المدائن الإسلامية.2
تعريف العلماء المحدثين لدار الإسلام:
قال أبو زهرة: "دار الإسلام هي الدولة التي تحكم بسلطان المسلمين، وتكون المنعة والقوة فيها للمسلمين".3
وقال عبد القادر عودة: "تشمل دار الإسلام البلاد التي تظهر فيها أحكام الإسلام، أو يستطيع سكانها المسلمون أن يظهروا فيها أحكام
1 انظر: المحلى 13/140.
2 انظر: السيل الجرار 4/575.
3 انظر: العلاقات الدولية في الإسلام ص 53.
الإسلام، فيدخل في دار الإسلام كل بلد سكانه كلهم أو أغلبهم مسلمون، وكل بلد يتسلط عليه المسلمون ويحكمونه، ولو كانت غالبية السكان من غير المسلمين.
ويدخل في دار الإسلام كل بلد يحكمه ويتسلط عليه غير المسلمين، ما دام فيه سكان مسلمون، يظهرون أحكام الإسلام، أو لا يوجد لديهم ما يمنعهم من إظهار أحكام الإسلام". 1
ولكن يرد عليه: بأن البلاد التي يتسلط عليها الكفار ويحكمونها وهم أهل الحل والعقد فيها ولو كان سكانها أغلبهم من المسلمين لا تكون دار إسلام، لأن المسلمين وإن كثروا فيها فهم مغلوب على أمرهم، ما دامت السلطة ليست بأيديهم، فهم وإن استطاعوا أن يقيموا بعض الشعائر الإسلامية، لكن تحت ضغوط كافرة، متى رأوا ما لا يرضيهم من المسلمين منعوهم من إظهار شعائر الإسلام، وشردوهم، وقتلوهم، وهذا هو عين الحقيقة في وقتنا الحاضر في الدول التي يتسلط عليها أعداء الله وغالبية سكانها من المسلمين، بل تصل نسبة المسلمين في بعض الدول إلى 70 ? وثمانين في المائة لكن السلطة في هذه الدولة ليست لهم وإنما هي لأعدائهم متى رأوهم أظهروا شعائر دينهم وما لا يرضيهم قضوا عليها وعليهم، فكيف يمكن أن نقول بأن هذه الدار التي يتسلط عليها الكفار وفيها سكان من المسلمين بل ربما كانوا هم الأكثر، دار إسلام.
1 انظر: التشريع الجنائي الإسلامي 1/275.
وقال عبد الوهاب خلاف: "بأنها الدار التي تجري عليها أحكام الإسلام ويأمن من فيها بأمان المسلمين سواء كانوا مسلمين أو ذميين".1
قلت: ولا يمكن إجراء أحكام الإسلام في البلاد التي يحكمها ويتسلط عليها الكفار، ولا تجري أحكام الإسلام إلا في البلاد التي يتسلط عليها ويحكمها المسلمون.
وقال صاحب القاموس الإسلامي: "دار الإسلام لفظ اصطلاحي يقصد به البلاد التي تخضع لحاكم مسلم، ينفذ فيها أحكام الشريعة الإسلامية، ويسكنها المسلمون وغير المسلمين".2
وفي معجم لغة الفقهاء: "دار الإسلام هي البلاد التي غلب فيها المسلمون وكانوا فيها آمنين يحكمون بأنظمة الإسلام".3
قلت: ولا يمكن أن يأمن المسلمون وتغلب أحكامهم في الدار التي يتسلط عليها الكفار، فغلبة الأحكام تأتي تبعاً للسلطة، ولأن الأحكام الإسلامية لن تغلب ولن تظهر، الظهور الحقيقي إذا لم تكن السلطة في الدار للمسلمين، فالسلطة وغلبة الأحكام شرطان لا ينفك أحدهما عن الآخر.
هذه هي تعاريف لبعض العلماء المتقدمين والمتأخرين لدار الإسلام.
1 انظر: السياسة الشرعية أو نظم الدولة الإسلامية ص 69.
2 انظر: القاموس الإسلامي 2/320.
3 انظر: معجم لغة الفقهاء ص 205.
والناظر في هذه التعاريف يتضح له أن العلماء لاحظوا معنى السيادة وغلبة الأحكام في غالب تعاريفهم وإن كان البعض لا يشترط السيادة والسلطة وتكفي عنده غلبة الأحكام ولكن هذه الأقوال مردودة كما سبق.
فإذا تحققت السيادة والسلطة للمسلمين على أرض وغلبت فيها أحكامهم فهي دار إسلام.
وخلاصة هذه التعاريف أن دار الإسلام هي الدار التي يحكم فيها بشريعة الله، وتظهر فيها أحكام الإسلام، ولا يمكن ظهور أحكام الإسلام فيها إلا إذا كان الحاكمون لهذه الدار مسلمين ملتزمين بالشريعة الإسلامية مطبقين لأحكامها، والمقصود بظهور أحكام الإسلام، أن تكون أحكام الله هي الغالبة وكلمة المسلمين هي النافذة، تقام شعائر الإسلام وأركانه، وتطبق أحكام الجرائم على مرتكبيها كالحدود والقصاص، ويؤخذ للمظلوم حقه من الظالم، وترفرف راية التوحيد، وتنكس أعلام الشرك، بمعنى أن النظام العام الذي يحترم ويقدر ويرجع إليه هو حكم الإسلام لا حكم الكفر.1
فالشرط الجوهري والأساسي لاعتبار الدار دار الإسلام هو كونها محكومة بحكم الشريعة الإسلامية وتحت سيادة المسلمين وسلطانهم ولا يشترط أن يكون سكان هذه الدار كلهم أو معظمهم من المسلمين، ما
1 الجهاد في سبيل الله حقيقته وغايته 1/603.
دام السلطان فيها للمسلمين وتجري فيها الأحكام الإسلامية.
وفيها يقول الرافعي: "ليس من شرط دار الإسلام أن يكون فيها مسلمون، بل يكفي كونها في يد الإمام وإسلامه 1، فالدار تعتبر دار إسلام ولو كان جميع سكانها من أهل الذمة ما دام الحكم والسيادة وتطبيق الأحكام فيها للمسلمين".
وهكذا يتضح لنا أن العبرة في كون الدار داراً إسلامية ليست بكثرة من ينتسب إلى هذه الدار، وإنما هي بمن يسود هذه الدار، والنظام العام الذي يطبق فيها، وإن كانت نسبة المسلمين فيها قليلة.
فإذا ساد المسلمون بلداً أغلب سكانه كفاراً واستطاعوا أن يقيموا في هذا البلد أحكام الإسلام، وهم أقل من سكانه فإنه يكون بإقامة تلك الأحكام دار إسلام ولا دار كفر، وكذلك العكس إذا استولت شرذمة من الكفار على بلد أغلب سكانه من المسلمين، فأقامت تلك الشرذمة في هذا البلد أحكام الكفر، فإنه يصير بإقامة تلك الأحكام دار كفر، ولا دار إسلام.
ومن أوضح الأمثلة على ذلك ألبانيا وبعض الدول الأخرى التي أغلب سكانها من المسلمين، ولكن السلطة فيها وغلبة الأحكام للكفر، وبذلك لا يمكن أن نطلق على هذه الدول ومن نهج منهجها في تطبيق أحكام الكفر وعدم الاعتراف بحكم الله في أي جزء من أجزاء الأرض،
1 فتح العزيز 8/14.
على أنها من دار الإسلام، بل دار كفر، لأنهم وإن أذنوا لأولئك المسلمين بتطبيق بعض الأحكام الإسلامية، فإنما يخدعونهم بذلك، لأنهم لا يرون من تطبيقها ضرراً على حكمهم الكافر، وإذا رأوا ما لا يرضيهم من المسلمين، بذلوا الوسع والطاقة، في القضاء عليهم وعلى أحكامهم.
ولكن لا يلزم من إطلاق اسم دار الكفر على ألبانيا ومن سلك مسلكها، كفر سكانها من المسلمين.
كما أن بعض الديار معظم سكانها من غير المسلمين فيستولي عليها المسلمون، ويطبقون فيها أحكام الإسلام فتنقلب دار إسلام، وهكذا لا اعتبار بالقلة والكثرة. فالبلاد التي يحكمها ويتسلط عليها الطواغيت من الكفرة الفجرة، والغلبة فيها لأحكامهم مع قلتهم، وليست للمسلمين مع كثرتهم، والاستضعاف فيها من القلة الكافرة الغالبة، للكثرة المسلمة المغلوبة، فكيف يمكننا أن نطلق على تلك البلاد دار إسلام، والله سبحانه وتعالى يقول:{إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ قَالُوا فِيمَ كُنْتُمْ قَالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الأَرْضِ قَالُوا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِيهَا فَأُولَئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَسَاءَتْ مَصِيراً} .1
ولا بأس أن نسمي تلك الدول التي يكثر فيها المسلمون ولكن السلطة وغلبة الأحكام للكفار، بلاداً إسلامية، تجاوزاً، وحثاً للمسلمين
1 النساء: 97.
على السعي الجاد، لإظهار أحكام الإسلام فيها، وجهاد حكامها الكفرة، وإزالة عروشهم التي تسلطوا بها على المسلمين، أما أن نسمي تلك البلدان التي يتسلط عليها الحكام الكفرة، والغلبة فيها لأحكامهم الشركية مع قلتهم، وليست للمسلمين مع كثرتهم، دوراً إسلامية، بمعنى أنه لا فرق بينها وبين دار الإسلام التي يحكمها المسلمون، وتغلب فيها الأحكام الإسلامية، فهذا هو التحريف بعينه، والسبب الذي جعل سكان تلك البلدان من المسلمين، يسترخون، ويتكاسلون، وينامون عن إعداد العدة، والقيام بجهاد طغاة الكفر في بلدانهم، لينالوا السلطة، ويطبقوا أحكام الشريعة الإسلامية فيها.1
ومما ينبغي العلم به أن أحكام الإسلام لا يمكن ظهورها ووجودها في بلد يحكمه الكفار، إلا إذا عني بالظهور هو ظهور بعض الشعائر بعد الإذن من حكام الكفر تفضلاً منهم، وبهذا لا يجوز لنا أن نطلق على تلك البلاد التي لا تزهر فيها أحكام الإسلام، إلا بعد الإذن، والتفضل من طغاة الكفر، دار إسلام.
لأن إظهار أحكام الإسلام وتطبيقها في تلك البلدان لا بد لها من سلطان إسلامي يحميها من الاعتداء عليها بإلغائها، وعلى أهلها بقتلهم، وتشريدهم، وما دام أنه لا يوجد في تلك البلدان سلطان للمسلمين يستطيعون به إظهار أحكام دينهم، في كل شؤونهم وحماية أحكامه،
1 الجهاد في سبيل الله حقيقته وغايته 1/605، 606.
وأنفسهم، من الاعتداء عليها، فإنهم معرضون في أي وقت للاعتداء عليهم، والحول بينهم وبين إظهار أحكامهم الإسلامية.
فالسلطة، والهيمنة الإسلامية، شرط أساسي أولي، لأن تكون الدار دار إسلام، والشرط الثاني هو تطبيق الأحكام الإسلامية ويأتي تبعاً للشرط الأول، فما دام أن الحاكم مسلم، والسلطة والهيمنة بيده، فبلا شك أن راية الإسلام سترتفع وأحكامه ستطبق بدون إعاقة.
وعلى العكس من ذلك إذا كان الحاكم كافراً، والسلطة والهيمنة بيده، فلا ترتفع راية الإسلام ولن تطبق أحكامه.
فالبلد الذي غالب سكانه من المسلمين، ويجرون فيه بعض الأحكام الإسلامية، ولا يكفي ذلك لأن تكون تلك البلد دار إسلام، ما دام أن السلطة فيها للكفار وغلبة الأحكام لهم.
أما ما نقل عن بعض الحنفية أن الدار تعتبر دار إسلام إذا كان المسلمون فيما آمنين، والكفار خائفين، فالحكم عندهم مبني على الأمان والخوف لا على الإسلام والكفر.
وفي هذا يقول الكاساني: "إن المقصود من إضافة الدار إلى الإسلام، أو الكفر، ليس هو عن الإسلام، أو الكفر، وإنما المقصود هو الأمن، أو الخوف. ومعناه أن الأمان إن كان للمسلمين على الإطلاق، والخوف للكفرة على الإطلاق، فهي دار إسلام، والعكس بالعكس، والأحكام مبنية على الأمان والخوف لا على الإسلام والكفر، فكان
اعتبار الأمان والخوف أولى".1 فالظاهر أنه موافق لما قاله الجمهور.
وقد اعتبر هذا بعض العلماء أنه مخالف لما قاله الجمهور، من أن الدار تعتبر دار إسلام إذا ظهرت فيها الأحكام الشرعية الإسلامية، وكانت السلطة فيها إسلامية، ولو كان معظم سكانها من غير المسلمين، ولكني أقول أنه لا أمان للمسلمين في أي بلد إذا لم تكن السلطة والسيطرة لهم، ولن يتمكنوا من تطبيق أحكام الشريعة الإسلامية، والتطبيق الحقيقي إذا لم تكن السيادة والهيمنة، في تلك البلد لهم.
وبهذا يكون ما نقل عن بعض الحنفية موافق لما قاله الجمهور، وما ذكره الكاساني من أنه لاعتبار بالإسلام أو الكفر، هو عين ما ذكره الجمهور، بأنه لا اعتبار بكثرة المسلمين وقلتهم، فالشرط الأساسي لاعتبار الدار دار إسلام هو غلبة الأحكام الإسلامية فيها، وسيطرة وتسلط المسلمين عليها، ولو كان المسلمون قلة والكافرون كثرة.
1 انظر: بدائع الصنائع 7/131.
الفرع الثاني: الدور التي تشملها دار الإسلام والتي لا تشملها
أولا: دار العدل تعتبر هذه الدار من دار الإسلام، لأن العدل قائم فيها بتطبيق أحكام الشريعة الإسلامية بين جميع أهلها بالمساواة بينهم.1
ثانيا: دار أهل الذمة إذا انفردوا بدار لوحدهم تعتبر من دار الإسلام وقد صرح الفقهاء أن الذميين من أهل دار الإسلام.
فقال الكاساني: "الذمي من أهل دار الإسلام"2 ومعنى هذا أن الذميين يعتبرون من أفراد شعب دار الإسلام، حتى ولو انفردوا بدار لوحدهم، فهم من تبعة هذه الدار ويتمتعون بكامل الحرية في دار الإسلام كالمسلمين، بعد تنفيذ الشروط التي تشترط عليهم عند عقد الذمة.
وقال السرخسي: "لأن المسلمين حين أعطوهم الذمة، فقد التزموا دفع الظلم عنهم وهم صاروا من أهل دار الإسلام".3
وقال ابن الهمام: "ولأنه بعقد الذمة صار من أهل الدار".4
وقال ابن قدامة:"الذمي من أهل الدار التي تجري عليه أحكامها"5
1 آثار الحرب في الفقه الإسلامي 170.
2 انظر: بدائع الصنائع 5/281.
3 انظر: المبسوط 10/81.
4 انظر: فتح القدير 4/375.
5 انظر: المغني لابن قدامة 5/516.
وقال ابن حزم: "ودارهم أي دار أهل الذمة دار الإسلام لا دار شرك".1
وبهذا يتضح أن الفقهاء متفقون على أن أهل الذمة يعتبرون من أهل دار الإسلام، وإذا انفردوا بدار لوحدهم كانت دارهم هذه من دار الإسلام لأنها تجرى عليها الأحكام الإسلامية وتحت سلطان المسلمين.
ومما ينبغي الإشارة إليه أن العلماء يعتبرون كل دور الإسلام دار واحدة ولو اختلف حكامها، أو شعبها، أو لهجاتها، وصارت دولا شتى، فلا تأثير لذلك كله ما دامت تخضع لأحكامها من كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم.
وبناء على هذا تكون الدور الإسلامية، وطن لكل مسلم مهما كانت جنسيته، وحيثما كان ميلاده، يتمتع فيها بكامل الحرية الإسلامية، وفي هذا يقول الماوردي:"ودار الإسلام تعتبر وطن المسلمين جميعا وكذلك الذميين، باعتبارها إقليم الدولة ذات السلطة المركزية الموحدة".2
أما الدور التي لا تشملها دار الإسلام: فهي:
أولا: دار الردة:
المرتد هو: الراجع عن دين الإسلام إلى الكفر سواء ولد على فطرة الإسلام أو أسلم بعد أن كان كافرا.3
1 المحلى لابن حزم 13/140.
2 الأحكام السلطانية للماوردي ص 7.
3 المغني والشرح الكبير 10/74، وقوانين الأحكام ص 394، والهداية 2/164.
فإن كانت الردة من جماعة وانحازوا إلى دار ينفردون بها عن المسلمين، حتى يصيروا فيها ممتنعين، فتصبح دارهم دار ردة، ويجب قتالهم على ردتهم بعد الإنذار، وإيضاح دلائل الإسلام، كما فعل أبو بكر رضي الله عنه عندما قاتل المرتدين بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم حتى أرجعهم إلى الإسلام. فدارهم لا تعتبر دار إسلام.
ثانيا: دار البغي:
هي الدار التي تفرد بها جماعة من البغاة الخارجين عن طاعة الإمام بحجة تأولوها، ويرون أن الإمام على باطل، يوجب قتاله في نظرهم ثم أنهم تحصنوا في تلك الدار، وأقاموا عليهم حاكما منهم وصار لهم بها جيش وقوة.1
فهؤلاء البغاة إن أمكن مصالحتهم، ودفع شرهم، بالعدالة وتبيين الطريق الحق لهم الذي يجب أن يتبعوه، فلا يجب على الإمام مقاتلتهم وإن لم يمكن ذلك وجب على الإمام مقاتلتهم حتى ترجع هذه الفئة الباغية إلى دين الله. كما قال تعالى:{وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ} .2 فدارهم إذا انفردوا بها لا تكون دار إسلام.
1 آثار الحرب ص 170.
2 الحجرات: 9.