المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌المبحث الثاني: في حكم استيطان الكفار لجزيرة العرب - اختلاف الدارين وآثاره في أحكام الشريعة الإسلامية - جـ ١

[عبد العزيز بن مبروك الأحمدي]

فهرس الكتاب

- ‌المقدمة

- ‌تمهيد:

- ‌الباب الأول: في تحديد معنى الدارين مع بيان سكانهما والدليل على هذا التقسيم والأماكن التي يمنع الكفار من دخولها

- ‌الفصل الأول: في تحديد معنى الدارين مع بيان سكانهما

- ‌المبحث الأول: في تحديد معنى الدار مجردة ومضافة إلى الإسلام

- ‌المطلب الأول: في تحديد معنى الدار مجردة عن الإسلام

- ‌المطلب الثاني: في تحديد معنى الدار مضافة إلى الإسلام

- ‌المبحث الثاني: في سكان دار الإسلام من غير المسلمين

- ‌المطلب الأول: الصنف الأول الذميون

- ‌المطلب الثاني: في الصنف الثاني: المستأمنون

- ‌المبحث الثالث: في تحديد معنى دار الكفر وأقسامها

- ‌المطلب الأول: في تحديد معنى دار الكفر

- ‌المطلب الثاني: في أقسام دار الكفر

- ‌المطلب الثالث في سكان دار الكفر

- ‌المبحث الرابع: في تغير وصف الدار

- ‌المطلب الأول: في انقلاب صفة الدار

- ‌المطلب الثاني: في أن الاستيلاء المجرد على الدار هل يغير صفتها

- ‌المطلب الثالث: في إمكانية انقلاب دار الإسلام إلى دار كفر

- ‌الفصل الثاني: في الدليل على تقسيم الأرض إلى دارين وأثر هذا التقسيم في تباين الأحكام

- ‌المبحث الأول: في الدليل على التقسيم

- ‌المطلب الأول: في الدليل على التقسيم من الكتاب والسنة والمأثور والإجماع

- ‌المطلب الثاني: في الرد على من قال إن الأرض دار واحدة

- ‌المبحث الثاني: أثر التقسيم في تباين الأحكام

- ‌الفصل الثالث: في الأمكنة التي يمنع المستأمنون أو غيرهم من دخولها واستيطانها

- ‌المبحث الأول: في النصوص الواردة في المنع

- ‌المبحث الثاني: في حكم استيطان الكفار لجزيرة العرب

- ‌المبحث الثالث: في حكم دخول الكفار الحرم المكي

- ‌المبحث الرابع: في حكم دخول الكفار الحرم المدني وسائر المساجد

الفصل: ‌المبحث الثاني: في حكم استيطان الكفار لجزيرة العرب

‌المبحث الثاني: في حكم استيطان الكفار لجزيرة العرب

تمهيد:

قبل أن نبدأ بذكر الخلاف بين الفقهاء في حكم استيطان الكفار لجزيرة العرب ينبغي أن نمهد بتمهيد نعرف فيه بجزيرة العرب.

فجزيرة العرب هي اللفظة التي استعملها النبي صلى الله عليه وسلم لتدل على بلاد العرب ووطنهم وأرضهم.

وسميت بذلك لانقطاعها عن معظم الأرض، وقيل لانحسار الماء عنها، وقيل لإحاطة البحار والنهار بأغلب جهاتها وأقطارها، وأطرفاها وصاروا منها في مثل الجزيرة من جزائر البحر.1

وسميت بلاد العرب جزيرة لأن البحار بحر فارس، وبحر الحبشة والأنهار كنهر دجلة والفرات قد أحاطت بها.2

وأضيفت الجزيرة إلى العرب لأنها كانت بأيديهم قبل الإسلام، وبها أوطانهم ومنازلهم.3

1 لسان العرب 4/133، ومعجم متن اللغة 1/521، والمصباح المنير 1/98، والقاموس المحيط 1/404، وجزيرة العرب منذ أقدم العصور ص81،82.

2 انظر: تهذيب اللغة للأزهري 10/604، ونهاية المحتاج 8/90، وإعلام الساجد ص76،77.

3 فتح الباري 6/171، ونيل الأوطار 8/65، وسبل السلام 4/1367.

ص: 343

قال الخليل بن أحمد الفراهيدي: "نسبت إلى العرب لأنها أرضها ومسكنها ومعدنها".1

وقال ابن الهمام: "سميت جزيرة لانجزار المياه التي حواليها عنها كبحر البصرة وعمان، وعدن، والفرات، وقيل لأن حواليها بحر الحبشة، وبحر فارس، ودجلة والفرات".2

أما تحديدها فقد اختلف العلماء في حدودها اختلافاً كثيراً.

ونبدأ بتحديدها عند الفقهاء:

اتفقت كلمة الفقهاء على أن جزيرة العرب من أقصى عدن وما ولاها من أرض اليمن إلى ريف العراق في الطول، وأما في العرض فمن جدة وما ولاها من ساحل البحر إلى أطراف الشام.3

إلا ما روى عن الإمام مالك أنه قال: جزيرة العرب هي مكة والمدينة واليمن4، وبالتأكيد أنه يقصد بها الجزيرة التي أمر الرسول صلى الله عليه وسلم

1 نقلاً عن أحكام أهل الذمة 1/178،وفتح الباري 6/171، وكتاب المناسك للحربي ص 531.

2 انظر: فتح القدير 5/301.

3 فتح القدير 5/301 والمنتقى شرح الموطأ 7/195 ونهاية المحتاج 8/90، وأعلام الساجد ص 76،77، والمبدع 3/424 وكشاف القناع 3/136، وأحكام أهل الذمة 1/187،188.

4 المنتقى شرح الموطأ 7/195، وكتاب المناسك للحربي ص 531، وسنن البيهقي 9/209، وأحكام أهل الذمة1/187.

ص: 344

بإخراج الكفار منها في الأحاديث السابقة وهي الحجاز لأنها هي المنهي عن استيطانها في الأحاديث عنده.

وكذلك روى عن الإمام أحمد أنه قال: جزيرة العرب المدينة وما ولاها وهي مكة واليمامة1 وخيبر وينبع وفدك وقراها2 وبالتأكيد أيضاً أنه يقصد بهذا التحديد الحجاز، لأن الجزيرة المنهي عن استيطانها في الأحاديث عنده هي الحجاز، وفي هذا يقول البهوتي بعد أن ذكر قول الإمام أحمد "يعني أن الممنوع من سكنى الكفار به هو المدينة وماولاها".3

أما ما قاله علماء اللغة والبلدان وغيرهم عن حدودها:

فقال الزبيدي: "اختلفوا في حدودها اختلافاً كثيراً كادت الأقوال تضطرب ويصادم بعضها بعضاً، فجزيرة العرب ما أحاط به بحر الهند وبحر الشام، ثم دجلة والفرات".4

وقال أبو عبيدة: "جزيرة العرب هي ما بين حفر أبي موسى5، إلى

1 اليمامة هي: مدينة بقرب اليمن على أربع مراحل من مكة ومرحلتين من الطائف. انظر: حاشية الشرقاوي 2/415.

2 المغني لابن قدامة 8/531، والمبدع 3/424.

3 انظر: كشاف القناع 3/136.

4 انظر: تاج العروس 3/98.

5 مياه عذبة على طريق البصرة احتفرها أبو موسى الأشعري ليستعين بها السائرون في هذا الطريق. وتسمَّى الآن: حفر الباطن.

ص: 345

أقصى تهامة1 في الطول، وأما العرض، فما بين رمل يبرين2 إلى منقطع السماوة".3

وقال الشعبي: "جزيرة العرب ما بين قادسية الكوفة4 إلى حضر موت".5

إلى غير ذلك من أقوال العلماء الكثيرة في تحديد جزيرة العرب منها ما هو موافق لما قاله الفقهاء ومنها ما هو مخالف.

ويتضح لي أن أحسن ما قيل في تحديد جزيرة العرب هو ما قاله الفقهاء ومن وافقهم من علماء اللغة والبلدان وغيرهم أنها من أقصى عدن وما والاها من أرض اليمن في الطول ومن جدة وما والاها من ساحل البحر إلى أطراف الشام في العرض.

1 تهامة هي الأرض الساحلية المنخفضة الممتدة من ينبع إلى نجران بمحاذاة ساحل البحر الأحمر وسميت تهامة لشدة حرها وركود ريحها. موضع بينه وبين هجر مرحلتان.

2 يبرين: قرية من قرى حلب. انظر معجم البلدان 5/427.

3 منقطع السماوة: ماء بالبادية وبادية السماوة بين الكوفة والشام. انظر: معجم البلدان 3/245.

4 بينها وبين الكوفة ما يقارب خمسة عشر فرسخاً وبها كان يوم القادسية. انظر: معجم البلدان 4/291.

5 حضر موت ناحية واسعة في شرقي عدن يقرب البحر بينها وبين صنعاء اثنان وسبعون فرسخاً. انظر: معجم البلدان 2/270. وقول الشعبي ذكره العيني في عمدة القاري 14/300.

ص: 346

أما المراد بها في الأحاديث السابقة فهو على خلاف بين الفقهاء سنبينه بالتفصيل في المبحث الثاني.

أما تحديدها بالأميال:

فقيل أن طولها ألف وخمسمائة ميل، خمسون مرحلة بسير الإبل، وقيل: ألف ومئتا ميل.

أما العرض فقيل عرضها 900 ميل ثلاثون مرحلة بسير الإبل وقيل 700ميل.1

أما حكم استيطان الكفار لجزيرة العرب:

فقد اتفق الفقهاء أولاً على أن الكفار المستأمنون أو غيرهم يجوز لهم استيطان أي بلد من بلدان الإسلام ما عدا جزيرة العرب.2

كما اتفقوا أيضاً على جواز دخول الكفار الذميين أو المستأمنين أو غيرهم الحجاز وغيرها من جزيرة العرب، والإقامة فيها أياماً معدودة، منهم من حددها بثلاثة أيام مستدلاً: بما روى عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه ضرب لليهود والنصارى والمجوس بالمدينة ثلاثة أيام يتسوقون فيها ويقضون حوائجهم، ولا يقيم أحد منهم فوق ثلاث.3

1 جزيرة العرب منذ أقدم العصور ص 1.

2 مراتب الإجماع لابن حزم ص 122.

3 أخرجه البيهقي في السنن 9/209 كتاب الجزية باب الذمي يمر بالحجاز.

ص: 347

ومن الفقهاء من لم يحدد مدة الدخول والإقامة وإنما يقيم الكفار بقدر الحاجة ومصلحة المسلمين بشرط ألا تطول المدة بحيث يستوطنونها أو يسكنونها.1

واختلف الفقهاء في حكم استيطان الكفار لجزيرة العرب إلى قولين:

القول الأول: لا يجوز للكافر الذمي، أو المستأمن، استيطان وسكنى جزيرة العرب وهو قول فقهاء الحنفية، والمالكية2

قال الكاساني: "ويمنع المشركون أن يتخذوا أرض العرب مسكناً ووطناً، تفضيلاً لأرض العرب على غيرها، وتطهيراً لها عن الدين الباطل".3

وقال ابن الهمام: "يمنعون أن يتخذوا أرض العرب مسكناً ووطناً، بخلاف أمصار المسلمين التي ليست في جزيرة العرب يمكنون من سكناها، ولا خلاف في ذلك".4

1 فتح القدير 5/301، والجامع لأحكام القرآن 8/104، والمنتقى شرح الموطأ 7/192، وأسنى المطالب 4/213، والمغني 8/529.

2 حاشية ابن عابدين 4/202، 203، والبناية على الهداية 5/315، وشرح السير الكبير 4/1541، وبدائع الصنائع 7/114 والمنتقى 7/195، وبلغة السالك 2/120.

3 انظر: بدائع الصنائع 7/114.

4 انظر: فتح القدير 5/301.

ص: 348

القول الثاني: يجوز للكافر استيطان جزيرة العرب ما عدا الحجاز خاصة.

فالحجاز لا يجوز للكفار الذميين أو المستأمنين استيطانه وسكناه، ويجوز لهم دخوله والإقامة فيه ثلاثة أيام للحاجة أما ما عداه من الجزيرة العربية فيجوز للكفار سكناه واستيطانه.

وهو قول الشافعية والحنابلة.1

قال الإمام الشافعي: "ولم أعلم أحداً أجلى أهل الذمة من اليمن، وقد كانت بها ذمة، وليست اليمن بحجاز فلا يجليهم أحداً من اليمن ولا بأس أن يصالحهم على مقامهم باليمن".2

سبب الخلاف بين الفقهاء:

هو اختلافهم في مفهوم ومراد النبي صلى الله عليه وسلم في الأحاديث: "أخرجوا المشركين من جزيرة العرب" 3، وقوله: "لا يجتمع دينان في جزيرة

1 أسنى المطالب 4/213، ونهاية المحتاج 8/90، وحاشية الشرقاوي 2/409، ومغني المحتاج 4/246،247، والمهذب 2/330،331، وروضة الطالبين 10/308، والمجموع شرح المهذب 18/271، والمغني 8/530، وكشاف القناع 3/135،136، والمبدع 3/424،425، وأحكام أهل الذمة 1/187، والإنصاف 4/235.

2 نقلاً عن السنن الكبرى للبيهقي 9/209.

3 سبق تخريجه ص 340.

ص: 349

العرب".1 فمن قال إنه أراد في الأحاديث جزيرة العرب عامة، منع من استيطانها وسكناها وهم فقهاء الحنفية والمالكية.

ومن قال إن مراده من الأحاديث الحجاز خاصة منع من استيطانها وسكناها وأجاز الإقامة والاستيطان فيما عداها من جزيرة العرب، وهم فقهاء الشافعية والحنابلة.

الأدلة:

استدل أصحاب القول الأول المانعون من الاستيطان بما يلي:

بالنصوص الواردة في المنع، وقد تقدمت، والتي منها:

قوله صلى الله عليه وسلم: "أخرجوا المشركين من جزيرة العرب" 2 وقوله: "لأخرجن اليهود والنصارى من جزيرة العرب"3. قوله: "اخرجوا يهود أهل الحجاز وأهل نجران من جزيرة العرب".4

فأمر النبي صلى الله عليه وسلم بإجلاء اليهود من نجران وهي من جزيرة العرب. وقوله: "لا يجتمع في جزيرة العرب دينان".5

1 سبق تخريجه ص 341.

2 سيق تخريجه ص 340.

3 سبق تخريجه ص 340.

4 سبق تخريجه ص 340.

5 سبق تخريجه ص 340.

ص: 350

وحديث أبي عبيدة صريح في أن أرض نجران من جزيرة العرب وكذا قوله لعلي رضي الله عنه أخرج أهل نجران من جزيرة العرب.1

وجه الدلالة من هذه الأحاديث:

الأحاديث ظاهرة الدلالة في وجوب إخراج المشركين من جزيرة العرب لأن قوله صلى الله عليه وسلم: "أخرجوا" أمر والأمر يفيد الوجوب، وقوله صلى الله عليه وسلم:"لا يجتمع" وهذا نفي بمعنى النهي والنهي يفيد التحريم وأنه لا يجوز لهم استيطان جزيرة العرب وسكناها.

وفي هذا يقول الشوكاني: "ظاهر الأحاديث يدل على أنه يجب إخراج المشركين من كل مكان داخل جزيرة العرب".2

وقال الصنعاني: "الحديث دليل على وجوب إخراج اليهود والنصارى والمجوس من جزيرة العرب، إلى أن قال: تضمنت الأحاديث وجوب إخراج من له دين غير الإسلام من جزيرة الهرب".3

وقال الباجي في المنتقى: "ويريد لا يبقى فيهادين غير دين الإسلام وأن يخرج منها كل من يتدين بغير دين الإسلام"4

1 انظر: أحكام أهل الذمة لابن القيم 1/178.

2 انظر: نيل الأوطار للشوكاني 8/65.

3 انظر: سبل السلام للصنعاني 4/1367.

4 انظر: المنتقى شرح الموطأ للباجي 7/195.

ص: 351

وبهذا يتضح أن الأحاديث وردت عامة في جزيرة العرب وليس فيها ما يخص الحجاز فقط.

واستدلوا أيضاً بدليل من المعقول فقالوا: لا يجوز للكافر استيطان جزيرة العرب تفضيلاً لأرض العرب على غيرها من الأراضي، وتطهيراً لها عن الأديان الباطلة والفاسدة، وكرامة لرسول الله صلى الله عليه وسلم فإنها موضع ولادته ونشأته.1

ثانياً: أدلة الشافعية والحنابلة:

استدلوا بنفس الأحاديث المتقدمة وقالوا إن جزيرة العرب المراد بها في الأحاديث الحجاز خاصة.2

قال الرملي في نهاية المحتاج: "ليس المراد جميعها بل الحجاز منها لأن عمر أجلاهم منه وأقرهم باليمن مع أنه منها".3

وقال ابن مفلح: "المراد الحجاز بدليل أنه ليس أحد من الخلفاء أخرج أحداً من اليمن وتيماء ".4

2-

وبقول النبي صلى الله عليه وسلم لمعاذ بن جبل رضي الله عنه عندما ما بعثه إلى اليمن:

1 انظر: بدائع الصنائع 7/114، وشرح السير الكبير 4/1541.

2 انظر: المهذب 2/330، ومغني المحتاج 4/246.

3 انظر: نهاية المحتاج 8/90.

4 انظر: المبدع 3/424.

ص: 352

"خذ من كل حالم ديناراً". 1

فاليمن من جزيرة العرب وقد أقرهم صلى الله عليه وسلم بها.

3-

وبما روى عن عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أخذ الجزية من مجوس هجر".2

وهجر مدينة من مدن البحرين، وهي من جزيرة العرب.

4-

وقد بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم أبا عبيدة بن الجراح رضي الله عنه إلى البحرين يأتي بجزيتها.3

والبحرين من جزيرة العرب وقد أقر رسول الله صلى الله عليه وسلم أهل الذمة فيها.

5-

ولأن الرسول صلى الله عليه وسلم أقر أهل خيبر بها إلى أن قبضة الله وهي من جزيرة العرب.4

6-

ولأن أبا بكر رضي الله عنه أجلى قوماً من اليهود من الحجاز فلحقوا

1 أخرجه أبو داود في سننه 2/234، 235 كتاب الزكاة باب زكاة السائمة. والترمذي في جامعه 3/20 كتاب الزكاة باب ما جاء في زكاة الصغير حديث 623 وقال حديث حسن، والنسائي 5/20 كتاب الزكاة باب زكاة البقر، وابن ماجة في سننه 1/576 كتاب الزكاة باب صدقة البقرة حديث رقم 1803.

2 أخرجه البخاري 2/200 كتاب الجزية والموادعة.

3 أخرجه البخاري في صحيحه 2/200 كتاب الجزية والموادعة.

4 انظر: أحكام أهل الذمة 1/181، واصل الحديث في الصحيحين في البخاري 2/48 كتاب الحرث والمزارعة. وفي مسلم 3/1187 حديث رقم 6 كتاب المساقاة.

ص: 353

بخيبر وأقروا فيها وهي من جزيرة العرب.1

7-

ولأن عمر رضي الله عنه أجلى اليهود والنصارى من أرض الحجاز وأجلاهم إلى تيماء وأريحاء.2

وأجلاهم أيضاً إلى الشام والكوفة وهما من جزيرة العرب.3

8-

وقالوا أيضاً لم ينقل عن أحد من الخلفاء أنهم أجلوا من كان باليمن من أهل الذمة وهي من جزيرة العرب.4

المناقشة:

أولاً: مناقشة أدلة أصحاب القول الأول:

بالنسبة لاستدلالهم بالأحاديث التي أمر فيها النبي صلى الله عليه وسلم بإخراج اليهود من جزيرة العرب، يقال لهم إن المراد بجزيرة العرب في هذه الأحاديث هي الحجاز خاصة.

بدليل ما رواه أبو عبيدة بن الجراح رضي الله عنه أن آخر ما تكلم به النبي صلى الله عليه وسلم أن قال: "أخرجوا اليهود من الحجاز".5

1 انظر: المجموع شرح المهذب بتكملة المطيعي 18/270،.

2 أخرجه البخاري في صحيحه 2/200 كتاب الزكاة ومسلم 3/1187،1188 كتاب المساقاة.

3 انظر: المجموع شرح المهذب بتكملة المطيعي 18/270،271.

4 المهذب 2/331، وكشاف القناع 3/135.

5 سبق تخريجه ص 246.

ص: 354

قال صاحب مغني المحتاج: "المراد من الجزيرة في الأحاديث الحجاز ولم يرد جميع الجزيرة لأن عمر رضي الله عنه أجلاهم من الحجاز وأقرهم في اليمن مع أنه من جزيرة العرب".1

وقالوا: "إنما قلنا بجواز تقريرهم في غير الحجاز لأن النبي صلى الله عليه وسلم لما قال: "أخرجوهم من جزيرة العرب" ثم قال: "أخرجوهم من الحجاز" عرفنا أن مقصوده بجزيرة العرب الحجاز فقط، ولا مخصص للحجاز عن سائر البلاد إلا برعاية أن المصلحة في إخراجهم منه أقوى فوجب مراعاة المصلحة إذا كانت في تقريرهم أقوى منها في إخراجهم.2

أما بالنسبة لأمر النبي صلى الله عليه وسلم لأهل نجران فلأنه صلى الله عليه وسلم صالحهم على شروط منها: ألا يأكلوا الربا، فأكلوه، ونقضوا العهد، فلذلك أمر بإجلائهم، فأجلاهم عمر رضي الله عنه وغيره.3

أما استدلالهم بالمعقول فيرد عليه، بأننا لا نشك أن أرض العرب لها فضائل وخصائص عن غيرها من الأراضي الإسلامية، ولكن الحجاز أفضل الأراضي في جزيرة العرب، لوجود الأماكن المقدسة فيه، فكان الأمر بإخراجهم منه هو مراد الرسول صلى الله عليه وسلم في الأحاديث السابقة، ولأنه هو الذي

1 انظر: مغني المحتاج 4/246.

2 نيل الأوطار 8/66.

3 المغني 8/531، والمجموع 18/277، وأحكام أهل الذمة 1/187، وعمدة القاري 14/175، ومغني المحتاج 4/264، والمهذب 2/331.

ص: 355

ولد نشأ فيه الرسول صلى الله عليه وسلم ومنه انتشرت الدعوة الإسلامية سراً وعلانية حتى عمت جميع أنحاء الجزيرة.

ثانياً: مناقشة أدلة الشافعية والحنابلة:

فيرد عليهم أن الأحاديث نص صريح في إخراج اليهود من جزيرة العرب ولا تحتمل الحجاز فالحجاز من جزيرة العرب، والتخصيص بالحجاز يحتاج إلى دليل ولا دليل.1

قال الشوكاني: "وقد أجيب عن هذا الاستدلال- أي استدلال الشافعية والحنابلة - على أن المراد بجزيرة العرب في الأحاديث الحجاز بأجوبة:

منها: أن حمل جزيرة العرب على الحجاز وإن صح مجازاً من إطلاق اسم الكل على البعض، فهو معارض بالقلب وهو أن يقال المراد بالحجاز جزيرة العرب إما لانحجازها بالأبحار كانحجازها بالحرار الخمس، وإما مجازاً من إطلاق اسم الجزء على الكل فترجيح أحد المجازين مفتقر إلى دليل ولا دليل.

ومنها: أن في خبر جزيرة العرب زيادة لم تغير حكم الخبر، والزيادة كذلك مقبولة.

ومنها: أن هذا الحديث الذي فيه الأمر بالإخراج من الحجاز فيه

1 نيل الأوطار 8/66، وسبل السلام 4/1367.

ص: 356

الأمر بإخراج أهل نجران، وليس نجران من الحجاز، فلو كان لفظ الحجاز مخصصاً للفظ جزيرة العرب، أو دالاّ على أن المراد بجزيرة العرب الحجاز فقط، لكان في ذلك إهمال لبعض الحديث وإعمال لبعض وهو باطل.

وأيضاً غاية ما في حديث أبي عبيدة الذي صرح فيه بلفظ أهل الحجاز مفهومه معارض لمنطوق ما في حديث ابن عباس المصرح فيه بلفظ جزيرة العرب، والمفهوم لا يقوى على معارضة المنطوق فكيف يرجع إليه؟ 1

أقول وبالله التوفيق:

أن الإمام الشوكاني فحل من فحول العلماء وعالم له وزنه وثقله بين العلماء وقوله هذا يمكن الرد عليه بما يلي:

1-

أن الأصل ثبوت التقرير للكفار في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم في جزيرة العرب فقد أقر مجوس هجر بالإقامة في البحرين وهي من جزيرة العرب، وأقر أهل الذمة باليمن وهي من جزيرة العرب وإلى غير ذلك من الوقائع التي تدل على أن الأصل هو تقرير الكفار في الجزيرة العربية، وأن المراد بعدم تقريرهم في الأحاديث السابقة إنما في الحجاز فقط ولا يمكن أن يترك الأصل إلا بدليل ولا دليل.

2-

أن إطلاق الكل وإرادة الجزء يدل عليه نفي اليهود من الحجاز،

1 انظر: نيل الأوطار 8/66.

ص: 357

وعدم نفيهم من غيرها من أراضي الجزيرة العربية، ما عدا أهل نجران، فقد نفاهم لسبب خاص بهم.

3-

وقوله بأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بإخراج أهل نجران وهي من جزيرة العرب يرد عليه بما سبق أنه نفاهم وأمر بإجلائهم لنقضهم العهد وأكلهم الربا وقد نهو عنه.

4-

وقوله بأن المفهوم من الأحاديث أن المراد بجزيرة العرب فيها هو الحجاز، هذا من مفاهيم اللقب وهو غير معمول به، يقال له وإن كان هذا من مفاهيم اللقب فقد أيدته وعضدته الأدلة التي أمر فيها النبي صلى الله عليه وسلم بإخراج اليهود من الحجاز.

وقال الصنعاني: "لا يخفى أن الأحاديث الماضية فيها الأمر بإخراج من ذكر من أهل الأديان غير دين الإسلام من جزيرة العرب. والحجاز بعض جزيرة العرب، وورد في حديث أبي عبيدة الأمر بإخراجهم من الحجاز وهو بعض مسمى جزيرة العرب، والحكم على بعض مسمياتها بحكم لا يعارض الحكم عليها كلها بذلك الحكم، كما قرر في الأصول أن الحكم على بعض أفراد العام لا يخصص العام وهذا نظيره وليست جزيرة العرب من ألفاظ العموم كما وهم فيه جماعة من العلماء، وغاية ما أفاده حديث أبي عبيدة زيادة التأكيد في إخراجهم من الحجاز لأنه دخل إخراجهم من الحجاز تحت الأمر بإخراجهم من جزيرة العرب، ثم أفرد بالأمر زيادة تأكيد لا أنه تخصيص أو نسخ.

ص: 358

وقد كان آخر كلامه صلى الله عليه وسلم: "أخرجوا المشركين من جزيرة العرب" كما قال ابن عباس رضي الله عنهما أوصى به عند موته.1

وأما القول بأنه صلى الله عليه وسلم أقرهم في اليمن بقوله لمعاذ بن جبل رضي الله عنه: "خذ من كل حالم ديناراً" فهذا كان قبل أمره صلى الله عليه وسلم بإخراجهم، فإن الأمر بإخراجهم كان في آخر حياته، فالحق وجوب إجلائهم من اليمن وغيره من جزيرة العرب.2

وكذلك أيضاً إقرار الرسول صلى الله عليه وسلم لمجوس هجر كان قبل الأمر بإخراجهم من جزيرة العرب.

وفعل عمر رضي الله عنه وغيره من الصحابة في إجلاء اليهود من الحجاز إلى بعض الأماكن في جزيرة العرب، لا يقاوم النص الصريح الثابت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم حيث أمر بإخراجهم من جزيرة العرب.

وأما قول الإمام الشافعي وغيره أنه لا يعلم أحداً أجلاهم من اليمن، فليس ترك إجلائهم بدليل، فإن أعذار من ترك ذلك كثيرة، وقد ترك أبو بكر رضي الله عنه إجلاء أهل الحجاز مع الاتفاق على وجوب إجلائهم لشغله بجهاد أهل الردة، ولم يكن ذلك دليلاً على أنهم لا يجلون، بل أجلاهم عمر رضي الله عنه.3

1 انظر: سبل السلام للصنعاني 4/1367، 1368.

2 انظر: سبل السلام 4/1368.

3 سبل السلام 4/1368.

ص: 359

أما إقرار أهل خيبر فإنه لم يقرهم صلى الله عليه وسلم إقراراً لازماً1، بل قال: نقركم ما شئنا وفي رواية "نقركم ما أقركم الله تعالى".2

أما أفعال الصحابة وأقوالهم في إقرار اليهود في الجزيرة العربية ما عدا الحجاز، فإنها لا تقوى على معارضة عموم الأحاديث السابقة التي أمرت بإجلائهم وعدم تقريرهم في جميع أنحاء الجزيرة العربية.

الرأي المختار:

وبعد عرض آراء الفقهاء في حكم استيطان جزيرة العرب، وذكر أدلتهم ومناقشتها يتضح لي أن ما ذهب إليه الحنفية، والمالكية فيه احتياط لأرض الإسلام الأولى وهي جزيرة العرب، ولكن الذي يبدو لي من النصوص أن ما ذهب إلى الشافعية والحنابلة أقرب إلى المعنى المراد فالحجاز هبي المرادة في الأحاديث التي تأمر بإجلاء الكفار من جزيرة العرب، وذلك للأسباب الآتية:

1-

لحديث أبي عبيدة رضي الله عنه أن آخر ما تكلم به الرسول صلى الله عليه وسلم أخرجوا يهود أهل الحجاز، فكان متأخراً عن الأحاديث التي أمر الرسول صلى الله عليه وسلم فيها بإخراجهم من جزيرة العرب عامة على فرض أنها هي المقصودة في

1 أحكام أهل الذمة 1/181.

2 أخرجه البخاري في صحيحه 2/48 كتاب الحرث والزراعة باب إذا قال رب الأرض أقرك ما أقرك الله. ومسلم في صحيحه 3/1187- 1188 كتاب المساقاة باب المساقاة والمعاملة بجزء من الثمر والزرع.

ص: 360

الأحاديث، فيكون حديث أبي عبيدة رضي الله عنه مخصصاً للعموم الوارد في الأحاديث السابقة.

2-

ولأن الرسول صلى الله عليه وسلم أقر اليهود بخيبر وهي من جزيرة العرب.

وكذلك أقرهم باليمن وأرسل معاذاً إليهم ليأخذ منهم الجزية وهي من جزيرة العرب، وأقر مجوس هجر بالبحرين وهي من جزيرة العرب وهذا مما يدل على أن المراد بالجزيرة في الأحاديث هي الحجاز خاصة.

3-

ولأن عمر وغيره من الصحابة رضي الله عنهم أمروا بإجلائهم من المدينة وغيرها إلى تيماء والشام والكوفة وكلها من جزيرة العرب.

4-

ولأن الحجاز له خصائص وأحكام يختص بها عن باقي جزيرة العرب منها أن الرسول صلى الله عليه وسلم ولد ونشأ فيه، وفيه تلقى الرسالة النبوية، وفيه انتشرت الدعوة الإسلامية سراً وعلانية حتى عمت جميع أنحاء الجزيرة العربية، وفيه أفضل الأماكن على وجه الأرض كالمسجد الحرام، والمسجد النبوي، فلهذه الخصائص، وغيرها كثير قد يكون هي المراد من الأحاديث التي يأمر فيها الرسول صلى الله عليه وسلم بإجلاء اليهود من جزيرة العرب.

وبهذا يتضح لنا أن الكفار - ذميين - كانوا أو مستأمنين أو غيرهم لا يجوز لهم استيطان الحجاز أما دخولهم للتجارة ولمصلحة المسلمين فإنه لا بأس بذلك، ومن غير تقييد بمدة ثلاثة أيام كما قال عمر رضي الله عنه لأن هذه المدة ربما تكون كافية في عهده لقضاء حوائجهم وبيع تجارتهم، أما في

ص: 361

وقتنا فقد لا تكفي، فتقدير المدة، إنما يخضع لولي أمر المسلمين الذي يسمح لهم بالدخول ويحدد لهم مدة البقاء بدون استيطان، بحسب الحاجة والمصلحة التي تعود على المسلمين، وله أن يوكل من يقوم مقامه بهذه المهمة من أفراد الرعية، وهذا هو ما عليه العمل في الوقت الحاضر.

أما جزيرة العرب غير الحجاز فلا بأس بإقامة غير المسلمين، فيها بدون تحديد لمدة الإقامة اتباعاً لفعل الصحابة رضي الله عنهم كأبي بكر وعمر فقد كانا أدرى بما يقصده النبي صلى الله عليه وسلم من إخراج اليهود والنصارى وغيرهم من الكفار من جزيرة العرب، وأن محل الإخراج هو الحجاز خاصة لما يتمتع به من المميزات والخصائص السابقة، وليكون القاعدة الأساسية للمسلمين ومركز الدعوة الإسلامية الذي يشع منه النور على سائر الأمة الإسلامية إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها.

ص: 362