المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌مقدمة: فى أوائل فبراير سنة 1950 جلست مع الأخ حسن عاشور - حسن البنا - الرجل والفكرة

[محمد عبد الله السمان]

الفصل: ‌ ‌مقدمة: فى أوائل فبراير سنة 1950 جلست مع الأخ حسن عاشور

‌مقدمة:

فى أوائل فبراير سنة 1950 جلست مع الأخ حسن عاشور نفكر في أمر، لم نظن معا أنه كان يخطر علي بال أحد .. فالذين يتوقع منهم أن يفكروا في مثل هذا الأمر بعضهم لهم ما يشغلهم خلف الأسوار الوهمية في طور سيناء ، أن خلف الأسوار الحقيقية في معظم سجون مصر ، والبعض الآخر لهم ما يشغلهم خارج الأسوار من الضغوط الإرهابية عليهم تلك التي كان يباشرها القلم السياسي من أروقة السفارة البريطانية بالقاهرة ولم تدع لإنسان أن يفكر،

ص: 6

كما لم تدع لأعصابه أن تحتمل مجرد التفكير في أى من الأمور .... ولو كان أمر معاشه فما بالك بأمر سوف يجر كثيرا من المتاعب التي قد لا يحتملها بشر

قال الأخ حسن عاشور:

بقيت أيام معدودة على الذكري الأولي للإمام الشهيد. فهل ستمر في صمت؟ أو على الأكثر سوف تختفي بها مشاعرنا وأحاسيسنا ليس أكثر؟

وقلت له:

عجيب أن تفكر فيما يشغل تفكيري منذ أيام ولكن ما الحيلة؟ إ الذين هم الآن خلف االأسلاك في الطور أو في " الهايكستب " والذين هم خلف

ص: 7

الأسوار في بعض سجون مصر لابد أن يحتفلوا بالذكري بوسائلهم الخاصة ولن يعدموا وسيلة أو أكثر ، إنهم لن يخشوا شيئا ولن تستطيع دولة القلم السياسي أن تفعل بهم أكثر مما فعلت .. نحن لم ننس بعد أنهم أحسن منا حالا .. فهم خلف الأسلاك أو الأسوار يملكون حرية الكلمة فيما بينهما وإن كانوا لا يملكون حرية الحركة إلا في أضيق الحدود

أما نحن فلا نملك حرية الكلمة ، ولا حرية الحركة ألسنتنا معقودة وخطواتنا مرصودة بالرغم من أننا خارج الأسلاك والأسوار .. !!

وقال الأخ حسن عاشور:

المهم

لا بد من عمل .. صحيح أن الأحكام العرفية

ص: 8

قائمة على قدم وساق .. والإرهاب مسلط - لا علي الألسنة والأبدان فحسب - بل على القلوب والعقول والمدارك

وأعجب من هذا كله ، أن الحراسة المشددة على قبر الإمام الشهيد لم ترفع ولم تخفف ..

وقلت: أنت تعلم أنني لا أملك إلا إيماني وقلمي .. إيماني يشجعني على أن أكتب شيئا ولا أحسب قلمي إلا مستعدا لأن يستجيب لإيماني ..

وقال الأخ حسن عاشور:

دع الباقي على الله ثم على ..

وفي يوم الذكري كان باعة الصحف يوزعون على الناس صورة للإمام الشهيد كتب عليها بضعة سطور،

ص: 9

قيل فيها كل شئ وقد حرصت على أن أوقع بإسمي لا رغبة في حب الظهور ولا إرضاء لشهوة غرور ولكن لعاملين اقتنعت بهما:

العامل الأول: الحيلولة دون أن ينشط القلم السياسي ويلقي الشبهات على عدد من الإخوان إلا تتجه أنظاره إلا إلى شخصي

وفي التحقيق معي أستطيع أن أنفي عن نفسي أي صلة بالصورة إذ ليس من المعقول أن أوقع على كلام ، فيه اتهام صريح للقصر بأنه هو الذي دبر اغتيال الإمام الشهيد ..

لعامل الآخر: التوقع من أن تأثير الكلام الممهور بالتوقيع أكثر تأثيرا لدي الناس من الكلام المجهول التوقيع وإن كان هذا التوقع لا ينتج ثماره في كل الأحوال ..

ص: 10

وهذا بالإضافة إلى أننا كنا حريصين على أن توزع النشرة على جمهور الناس، عن طريق باعة الصحف والمكتبات بسعر زهيد للغاية ولو أن النشرة جاءت بلا توقيع لأحجم معظم الموزعين عن عرضها وبيعها ..

* * *

هذه الخواطر

مضي عليها أكثر من ثمانية وعشرين عاما وقد قفزت إلى الذاكرة منذ أسابيع معدودة عندما بدأت مجلة الاعتصام في نشر سلسلة أحاديث الثلاثاء للإمام الشهيد من إعداد شيخنا العالم الجليل الوفي ، فضيلة الشيخ أحمد عيسى عاشور ، والذي كان قد سجلها بقلمه درسا درسا من فم الإمام الشهيد ..

ص: 11

وهذا ما جعلني أتحمس لتأليف كتاب موجز تحية لذكري الرجل والفكرة الرجل الذي ضحي بدمائه من أجل الفكرة .. والفكرة التي استولت على مشاعر الألوف المؤلفة من شباب المسلمين وكهولهم والبراعم المسلمة التي تفتحت عليها ..

وصمدت أمام هذه السنوات الطوال العجاف بكل ما حملت من مخططات الاستعمار وأداوته من الأنظمة الوطنية شكلا العميلة حقيقة والمسلمة لفظا والمتمردة على الإسلام جوهرا ومعني ..

ولم يكن عجيبًا ان يقول الأخ الكريم حسن عاشور ، عندما أبلغته ما أزمت عليه:" إن هذه الفكرة " راودتني - علم الله - منذ أيام حتى

ص: 12

لقد تحدثت بشأنها مع بعض الإخوة الأفاضل .. فعلى بركة الله .. "

وقلت: أجل على بركة الله .. وبعون الله .. وبتوفيق من الله عزوجل ..

* * *

وبعد:

فليس هذا الكتيب الصغير الحجم تاريخا للإمام الشهيد ولا تقويما لفكرة " الإخوان المسلمون " التي قامت على عاتقه منذ لحظتها الأولي وعلى عواتق الخلصاء من المسهمين في تأسيسها وإرساء قواعدها الذين منهم من قضي نحبه ومنهم من ينتظر وما بدلوا تبديلا

وإنما هو - أى هذا الكتيب - بمثابة قبص

ص: 13

من الخواطر ليسلط بصيصا مشعا من الضوء على أفكار الشباب المسلم الذي لم يشأ له حظه أن يري الرجل أو يلتقي به أو يستمع إليه ولا أن يعيش مع الفكرة التي دعا إليها الرجل يوم كانت ملء السمع والبصر في الآفاق الإسلامية القريبة والبعيدة وإنما قدر لهذا الشباب المسلم أن يعايش الفكرة بوجدانه وأحاسيسه ومشاعره بعد أن تلقت أفدح الضربات وأصبحت لا جزءا من المحنة

وإنما المحنة مجسدة فيها - بل بعد أن أصبحت - ولا تزال - قذي في أعين الأنظمة في ديار المسلمين قاطبة تخافها وتخوف منها وترهبها وترهب بها وبعد أصبحت - ولا تزال - مصدر فزع في نفوس الاستعمار بشتي ألوانه .. ومصدر

ص: 14

قلق في أدمغة القوي المعادية للإسلام بكل مذاهبها واتجاهاتها

إذن .. حسبنا من هذه العجالة أن يعرف شباب الإسلام اليوم شيئا عن الرجل والفكرة والرجل هو الإمام الشهيد الأعزل " حسن البنا " والفكرة هي " الإخوان المسلمون ".

محمد عبد الله السمان

ص: 15