الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فِي مَجَالِ الاِبْتِلَاءِ:
لقد اقتضت سنة الله في الحياة أن يكون لكل دعوة إلى الخير قاعدة وشواذ ولقد شملت هذه السنة أول ما شملت رسالات الرسل والأنبياء ثم من بعدهم دعوات المصلحين في كل زمان ومكان .. واقتضاء هذه السنة مرتبط بوجود الخير والشر في الحياة وعلى خطين متوازيين لا يلتقيان ..
ولم يكن مثيرًا للدهشة أن وُوجِهَتْ فكرة الإخوان المسلمين بالشواذ، بل ألا تواجه بهؤلاء الشواذ من داخلها من وخارجها على السواء، ولم يكن ليغيب عن ذهن الإمام الشهيد مثل هذا المعنى وفي رسالته:«دعوتنا» صنف الناس وموقفهم من الفكرة وموقف الفكرة منهم أصنافًا أربعة قال: كل الذي نريده من الناس أن يكونوا أمامنا واحدًا من أربعة:
مؤمن: شخص آمن بدعوتنا، وصدق بقولنا، وأعجب بمبادئنا، ورأى فيها خيرًا اطمأنت إليه نفسه، وسكن له فؤاده .. فهذا ندعوه إلى الانضمام إلينا ، والعمل معنا ، حتى يكثر به عدد المجاهدين ،
ويعلو بصوته صوت الداعين .. ولا معنى لإيمان لا يتبعه عمل ، ولا فائدة في عقيدة لا تدفع صاحبها إلى تحقيقها، والتضحية في سبيلها ..
متردد: شخص لم يستبن له وجه الحق ، ولم يتعرف في قولنا على معنى الإخلاص والفائدة، فهو متوقف متردد .. فهذا نتركه لتردده ونوصيه بأن يتصل بنا عن كثب ويقرأ عنا من قريب أو بعيد ويطالع كتاباتنا ويزور أنديتنا .. ويتعرف على إخواننا .. فسيطمئن بعد ذلك لنا - إن شاء الله ..
نفعي: شخص لا يريد أن يبذل معونته إلا إذا عرف ما يعود عليه من فائدة وما يجره هذا البذل له من مغنم .. فنقول له: حنانيك .. ! ليس عندنا من جزاء إلا ثواب الله - إن أخلصت، والجنة إن علم فيك خيرًا .. أما نحن فمغمورون جَاهًا، فقراء مَالاً .. شأننا التضحية بما معنا ، وبذل ما في أيدينا، ورجاؤنا رضوان الله
…
فإن كشف الله الغشاوة عن قلبه ، وأزاح كابوس الطمع عن فؤاده فسيعلم أن ما عند الله خير وأبقي وسينضم إلى كتيبة الله ليجود بما معه من عرض هذه الحياة الدنيا لينال ثواب الله في العقبى
…
وإن كانت الأخرى، فالله غني عمن لا يرى لله الحق الأول في نفسه وماله، ودنياه وآخرته، وموته وحياته ..
متحامل: شخص ساء فينا ظنه ، وأحاطت بنا شكوكه وريبه. فهو لا يرانا إلا بالمنظار الأسود القاتم، ولا يتحدث عنا إلا بلسان المتحرج المتشكك، ويأبي إلا أن يلج في غروره، ويسدر في شكوكه، ويظل في أوهامه .. فهذا ندعو الله لنا وله، أن يرينا الحق حَقًّا ويرزقنا اتباعه، والباطل باطلاً ويرزقنا اجتنابه، وأن يلهمنا وإياه الرشد .. وهذا سنظل نحبه، ونرجو فيئه إلينا، واقتناعه بدعوتنا، وإنما شعارنا معه، ما أرشدنا إليه محمد - صَلَوَاتُ اللهِ عَلَيْهِ - من قبل «اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِقَوْمِي فَإِنَّهُمْ لَا يَعْلَمُونَ
…
»
* * *
بالرغم من أن فكرة الإخوان المسلمين كانت واضحة وضوح الشمس في رائعة النهار .. لا تعادي إلا من عادى الإسلام أو عاداه الإسلام، ولا تسالم إلا سالم الإسلام أو سالمه الإسلام، إلا أنها عانت الكثير من بعض الناس ، عن قصد وعن غير قصد، وبسبب وبغير سبب، لذلك كان لا بد أن يحدد الإخوان المسلمين موقف فكرتهم من مسائل عديدة، هذا الموقف مؤسس بادئ ذي بدء على الإسلام، كما يقول رائدها:
«دعوتنا إسلامية بكل ما تحتمل الكلمة من معان
…
فافهم فيها
ما شئت بعد ذلك ، وأنت في فهمك هذا مقيد بكتاب الله وسنة رسوله وسيرة السلف الصالحين من المسلمين .. فأما كتاب الله ، فهو أساس الإسلام ودعامته .. وأما سنة رسوله ، فهي مبينة الكتاب وشارحته .. وأما سيرة السلف الصالح فهم - رِضْوَانُ اللهِ عَلَيْهِمْ - منفذو أوامره، الآخذون بتعاليمه، وهم المثل العملية ، والصورة الماثلة لهذه الأوامر والتعاليم .. ».
إن «الوطنية» هي الشغل الشاغل، فدعاة الوطنية يعتبرون حدود الوطنية بالتخوم الأرضية ، والمعالم الجغرافية، بينما تعتبرها فكرة الإخوان بالعقيدة، فكل بقعة فيها مسلم يقول: لا إله إلا الله محمد رسول الله ، وطن عندنا، له حرمته وقداسته، وحبه والإخلاص له، والجهاد في سبيل نصره، وكل المسلمين في هذه الأقطار الجغرافية أهلنا وإخواننا، نهتم لهم، ونشعر بشعورهم، وَنُحِسُّ بإحساسهم، أما دعاة الوطنية المجردة - كما يقول الإمام الشهيد - فليسوا كذلك، لا يعنيهم إلا أمر تلك البقعة المحدودة الضيقة من رقعة الأرض، ويظهر ذلك الفارق العملي، فيما لو أرادت أمة أن تقوي نفسها على حساب غيرها، فنحن لا نرضى ذلك على حساب أى قطر إسلامي، وإنما نطلب القوة لنا جميعًا، ودعاة الوطنية المجردة لا يرون بذلك بأسًا، ومن هنا تتفكك الروابط، وتضعف القوى، ويضرب العدو بعضهم ببعض ..
ولدينا اليوم مَثَلٌ بل أمثلة للفارق العملي، بيننا وبين دعاة الوطنية المجردة:
قضايا الأقليات المسلمة المضطهدة التي تشن عليها حروب الإبادة العملية والمعنوية، في الدول الشيوعية، وفي الدول الصليبية، وحتى في الدول البوذية، بمفهوم دعاة الوطنية المجردة لا شأن لنا في مصر، ولا شأن للمسلمين في الدول المسلمة، بمحنة هذه الأقليات المسلمة، وبمفهوم فكرة الإخوان، يقع على عاتق الشعوب المسلمة في كل مكان، نصرة هذه الأقليات المعذبة، بل ما هو أفدح وأخس، أن الدول المسلمة تعامل أعداء الإسلام الذين يذيقون الأقليات المسلمة في بلادهم الأَمَرَّيْنِ .. معاملة الأصدقاء، وتقف من قضايا هذه الأقليات المسلمة موقفًا سلبيًا مخزيًا.
ويتفرع عن هذه المسألة مسألة جانبية، وإن بدت في الآونة الأخيرة مسألة جوهرية، إنها مسألة الوحدة الوطنية، وقد أشار إليها الإمام المرشد الشهيد:
«وأحب أن أنبهك إلى سقوط ذلك الزعم القائل: إن الجري على هذا المبدأ - مبدأ الوطنية في مفهوم فكر الإخوان - يمزق وحده الأمة التي تتألف من عناصر دينية مختلفة .. فإن الإسلام ، وهو دين
الوحدة والمساواة، كفل هذه الروابط بين الجميع، ما داموا متعاونين على الخير .. ».
وقد تراءى للسذج أن مفهوم الوطنية لدى فكرة الإخوان، يعني عدم الاهتمام بقضايا مصر والاشتغال بقضايا غيرها من الدول المسلمة، وحسبنا في الرد على هؤلاء أن الإخوان المسلمين كانوا أسبق الناس إلى العمل الفدائي ضد الاحتلال الانجليزي في القنال، وضد العدوان اليهودي مع المقاومة الوطنية في أزمة مدينة السويس ..
وثانية المسائل: مسألة القومية ..
لقد حدد فكر الإخوان المسلمين موقفهم من هذه المسألة على لسان مرشدهم الإمام الشهيد، فهو يرى أن القومية التي تهدف إلى أسمى المعاني لا يأباها الإسلام - وهو مقياس فكرة الإخوان - بل ينفسخ صدور الإخوان لها ويحضون عليها، ولكن الذي يرفضه فكر الإخوان، إنما هي قومية الجاهلية التي تهدف إلى التحلل من عقدة الإسلام ورباطه، بدعوى الاعتزاز بالجنس:
«فالإخوان المسلمون لا يؤمنون بهذه القومية الجاهلية، ولا بأشباهها ولا يقولون: فرعونية، وعربية، وفينيقية، وسورية، ولا شيئًا من هذه الألقاب والأسماء التي يتنابز بها الناس، لأنهم يؤمنون بما قاله
رسول الله .. الإنسان الكامل، بل أكمل معلم علم الإنسان الخير:" إِنَّ اللَّهَ قَدْ أَذْهَبَ عَنْكُمْ نَخْوَةَ الجَاهِلِيَّةِ، وَتَعَظُّمَهَا بالآبَاءِ .. النَّاسُ لآدَمَ، وَآدَمُ مِنْ تُرَابٍ .. لَا فَضْلَ لِعَرَبِيٍّ عَلَى عَجَمِيٍّ إِلَاّ بِالتَّقْوَى " .. ولسنا مع ذلك ننكر خواص الأمم ومميزاتها الخلقية .. ونعتقد أن العروبة لها من ذلك النصيب الأوفى والأوفر .. ليس معنى هذا أن تتخذ الشعوب هذه المزايا ذريعة إلى العدوان».
ومما لا جدال فيه - بعد هذا - أن رابطة العقيدة في مفهوم فكر الإخوان ، هي أقدس الروابط ، هي أقدس من رابطة الدم ، ورابطة الأرض ..
وثالثة المسائل مسألة الخلافات الدينية ..
إن دعوة الإخوان - كما يقول الإمام الشهيد - دعوة عامة تنتسب إلى طائفة خاصة، ولا تنحاز إلى أي رأي عرف عند الناس بلون خاص .. وهي تتوجه إلى صميم الدين ولبه ، ونود أن تتوحد وجهة الأنظار والهمم، حتى يكون العمل أجدى ، والإنتاج أعظم وأكبر .. فدعوة الإخوان دعوة بيضاء نقية ، غير ملوثة بلون، وهي مع الحق أينما كان .. تحب الإجماع ، وتكره الشذوذ، وإن أعظم ما مني به المسلمون الفرقة والخلاف ، وأساس ما انتصروا
به الحب والوحدة .. هذه قاعدة أساسية، وهدف معلوم لكل أخ مسلم ، وعقيدة راسخة في نفوسنا ، نصدر عنها ، وندعوا إليها .. !
ومع هذا الوضوح والجلاء والبيان لكل ذي بصرر وبصيرة مَعًا، لم تسلم فكرة الإخوان المسلمين من مناوئين ومنغصين لها، ومتحاملين وحاقدين عليها، بل ولم تسلم من التآمر عليها والتربص بها شَرًّا ..
* * *