المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

الفصل: ‌الفكرة نحو بعث جديد:

‌الفِكْرَةُ نَحْوَ بَعْثٍ جَدِيدٍ:

جاء في رسالة المؤتمر الخامس " للإخوان المسلمون" تحت عنوان " إسلام الإخوان ":

«وَاسْمَحُوا لِي أَنْ أَسْتَخْدِمَ هَذَا التَّعْبِيرَ وَلَسْتُ أَعَنِي بِهِ أَنْ لِلإِخْوَانِ المُسْلِمِينَ إِسْلَامًا جَدِيدًا غَيْرَ الإِسْلَامِ الذِي جَاءَ بِهِ مُحَمَّدٌ - صَلَوَاتُ اللهِ عَلَيْهِ - عَنْ رَبِّهِ وَإِنَّمَا أَعَنِي أَنْ كَثِيرًا مِنْ المُسْلِمِينَ فِي كَثِيرٍ مِنَ العُصُورِ خَلَعُوا عَلَى الإِسْلَامِ نُعُوتًا وَأَوْصَافًا وَحُدُودًا وَرُسُومًا مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ وَاسْتَخْدَمُوا مُرُونَتَهُ وَسَعَتِهِ اِسْتِخْدامًا ضَارًّا مَعَ أَنَّهَا لَمْ تَكُنْ إلَاّ لِلْحِكْمَةِ السَّامِيَةِ فَاخْتَلَفُوا فِي مَعْنَى الإِسْلَامِ اِخْتِلَافًا عَظِيمًا ، وَانْطَبَعَتْ لِلإِسْلَامِ فِي نُفُوسِ أَبْنَائِهِ صُوَرٌ عِدَّةٌ تُقَرِّبُ أَوْ تُبْعِدُ، أَوْ تَنْطَبِقُ عَلَى الإِسْلَامِ الأَوَّلِ الذِي مَثَّلَهُ رَسُولُ اللهِ - صَلَوَاتُ اللهِ عَلَيْهِ - وَأَصْحَابُهُ خَيْرَ تَمْثِيلِ ..

هَذِهِ الصَّوَرُ المُتَعَدِّدَةُ لِلإِسْلَامِ الوَاحِدِ فِي نُفُوسِ النَّاسِ. جَعَلَتْهُمْ يَخْتَلِفُونَ اِخْتِلَافًا بَيِّنًا فِي فَهْمِ الإِخْوَانِ المُسْلِمِينَ وَتَصَوُّرِ فِكْرَتِهِمْ، فَمِنَ النَّاسَ مِنْ يَتَصَوَّرُ الإِخْوَانَ المُسْلِمِينَ جَمَاعَةً وَعْظِيَّةً إِرْشَادِيَّةً

ص: 61

كُلُّ هِمَّهَا أَنْ تُقَدِّمَ لِلْنَاسِ العِظَاتِ فَتُزَهِّدَهُمْ فِي الدُّنْيَا وَتُذَكِّرَهُمْ بِالآخِرَةِ وَمِنْهُمْ مَنْ يَتَصَوَّرُ الإِخْوَانَ المُسْلِمِينَ طَرِيقَةً صُوفِيَّةً تُعْنَى بِتَعْلِيمِ النَّاسِ ضُرُوبَ الذِّكْرِ ، وَفُنُونَ العِبَادَةِ وَمَا يَتْبَعُ ذَلِكَ مِنْ تَجَرُّدٍ وَزَهَادَةٍ، وَمِنْهُمْ مِنْ يَظُنُّهُمْ جَمَاعَةً نَظَرِيَّةً فِقْهِيَّةً، كُلُّ هِمِّهَا أَنْ تَقِفَ عِنْدَ طَائِفَةٍ مِنْ الأَحْكَامِ تُجَادِلُ فِيهَا وَتُنَاضِلُ عَنْهَا وَتَحْمِلُ النَّاسَ عَلَيْهَا .. وَقَلِيلٌ مِنَ النَّاسِ خَالَطُوا الإِخْوَانَ المُسْلِمِينَ وَاِمْتَزَجُوا بِهِمْ وَلَمْ يَقِفُوا عِنْدَ حُدُودِ السُّمَاعِ وَلَمْ يَخْلَعُوا إِسلَامًا يَتَصَوَّرْنَهُ هُمْ، فَعَرَفُوا حَقِيقَتَهُمْ وَأَدْرَكُوا كُلَّ شَيْءٍ عَنْ دَعْوَتِهِمْ عِلْمًا وَعَمَلاً

»

وكان أن لخص الإمام الشهيد معنى الإسلام وصورته الماثلة في نفوس الإخوان حتى يكون الأساس الذي يدعون إليه ويعتزون بالانتساب له، والاستمداد منه واضحًا جَلِيًّا:

أولاً: إن أحكام الإسلام وتعاليمه شاملة ، تنتظم شؤون الناس في الدنيا والآخرة ..

ثانيًا: إن أساس التعاليم الإسلامية ومعينها هو كتاب الله تعالى وسنة رسوله - صَلَوَاتُ اللهِ وَسَلَامُهُ عَلَيْهِ -.

ثالثًا: إن الإسلام - كدين عام - انتظم كل شؤون الحياة في كل الشعوب والأمم، لكل العصور والأزمان.

ص: 62

إذن فالإخوان المسلمون لم يأتوا بإسلام جديد، وإنما اعتبر ما جاءوا به جديدًا في نظر البعض لأنهم لا يسمعوا عنه من قبل، ولقد رسخ في أذهانهم أن الإسلام كل الإسلام يتركز في العبادة، والسلوك الذاتي ليس أكثر. الفكر الإسلامي الأصيل قد توقف مدة منذ بضعة قرون، حتى أسدل عليه الستار منذ بداية عهد الاستعمار الأجنبي، ومع أن الإسلام هو الإسلام منذ طلوع شمسه وسيظل هو حتى يرث اللهُ الأرضَ ومن عليها، إلا أن المسلمين هم الذين لديهم القابلية للتغيير والتبديل ، والجمود والتطور ، والسلب والإنجاب والتردد والإقدام، لذلك لم يكن مثيرًا للدهشة أن يستقبل البعض دعوة الإخوان بكثير من الغرابة.

الإسلام: دين ودولة ، ومصحف وسيف. كلمات غريبة على الأذهان والأسماع مَعًا ، لقد تعود الناس أن يسمعوا أو يقرأوا أن الإسلام دين فحسب ،وهذا لا يعني - على الإطلاق - أن بقية المبادئ لا تمت إلى الإسلام بصلة ، وأنها من ابتكار الإخوان المسلمين. فهذه المبادئ الأربعة تشكل الفكرة الإسلامية الأصيلة وكان دور الإخوان هو بعث الحياة من جديد فيها وإزالة الغشاوة عن أعين المسلمين، تلك الغشاوة التي ظلت قابعة أَمَدًا طَوِيلاً .. وكانت محاولة البعث وإزالة الغشاوة، مبعث إثارة، لدى الاستعمار وأدواته.

ص: 63

وهما مَعًا أرباب المصلحة في أن يظل الفكر الإسلامي الأصيل بمعزل عن الحياة، عن حياة الشعوب المسلمة.

لقد فزع المستعمر ، وفزعت معه أدواته: الزعماء المتربعون على كراسي الحكم، والزعماء الذين ينتظرون دورهم ليتربعوا على كراسي الحكم لأنهم جميعًا اعتبروا أن فكرة الإخوان تخفي من ورائها انقلابًا يقلب الحياة رأس على عقب، والحق أن لهذا الفزع ما يبرره فالإسلام الذي يدعو إليه الإخوان هو الإسلام الذي رضيه الله لعباده دينا، وهذا الإسلام يرفض الاستعمار شكلاً وموضوعًا ليس هذا فحسب - بل يعتبر جهاده فرض عين لا فرض كفاية إذا قام به البعض سقط عن الآخرين. وهذا الإسلام نفسه ، يرفض الحكم الجاهلي شكلاً وموضوعًا أيضًا لا لأنه تخلى - فحسب - عن شريعة الله عز وجل ، بل لأنه أيضًا يقف عقبة كَأْدَاءَ في طريق الإسلام هي بمثابة صَدٍّ عن سبيل الله ، وجهاد هذا الحكم الجاهلي باللسان والقلم فرض كفاية إذا لم يقم به البعض أثم المسلمون جميعا.

لقد تراءى للمرجفين من الاستعمار وأعوانه أن حركة الإخوان إنما تهدف إلى إحداث انقلاب ضد الأنظمة الحاكمة كذلك انساق البعض وراء إرجاف الاستعمار وأعوانه ونسي هؤلاء

ص: 64

أن فكرة الإخوان تهدف أول ما تهدف إلى تصحيح مفاهيم الإسلام لدى المسلمين التي تعرضت للكثير من الضباب لأسباب عديدة وعوامل شتى أقربها إلى الأذهان عامل الاستعمار، وفقدان الدعاة الإسلاميين الفقهاء والخلصاء مَعًا.

يقول العالم الرحالة السيد أبو الحسن الندوي في رسالته " أريد أن أتحدث إلى الإخوان ":

«إِنَّ العَالَمَ الإِسْلَامِيَّ حَائِرٌ بَيْنَ مَوَادَّ خَامٍ مِنْ أَقْوَى المَوَادِّ وَأَفْضَلِهَا فِي الإِيمَانِ وَالقُوَّةِ وَالشَّجَاعَةِ ، وَبَيْنَ مُوَجِّهِينَ وَصِنَاعِيَّينَ لَا يَعْرِفُونَ قِيمَةَ هَذِهِ المَوَادَّ ، وَلَا يَعْرِفُونَ أَيْنَ يَضَعُونَهَا وَمَاذَا يَصْنَعُونَ مِنْهَا» .

إذن فقد كان الإخوان هم الصناع والخبراء المهرة الذين عرفوا قيمة هذه المادة الخام وعرفوا كيف يصنعونها وماذا يصنعون فيها وقد جاءوا في وقت حرج بلغ فيه السيل الزبى يواجه العالم الإسلامي فيه عالمًا لا يجد فيه غناءه ولا يجد فيه غَوْثًا ومعقلاً عن لصوص العالم المنظمين، أضعف أعضاء جسم العالم الإسلامي وقد كان واجبًا أن يكون أقواها وأصحها وأن يكون في العالم الإسلامي بمنزلة الرأس أو القلب في البدن وقد تضافرت عليه عوامل الإفساد والضعف فأحدثت فيه عِلَلاً كثيرة أورثته سقوط الهمة والجهل المطبق ، وجاء الاستعمار الأوروبي فأورثه التفسخ في الأخلاق.

ص: 65

والانحلال في الدين، وقامت الحكومات الشخصية فأورثته التملق والنفاق والخنوع للقوة والمادة، ثم كان أن خفت في العالم العربي صوت الدعوة الدينية ، وانقرض الرجال الذين كانوا يكافحون المادية ويكبحون جماحها، واستسلم العلماء ورجال الدين أمام تيار الغرب

فوضعوا أوزارهم للمدنية الغربية .. حتى أصبح هذا العالم منحلاً منهارًا متداعيًا، لا يمسكه الإيمان، ولا تحفظه القوة المعنوية ولا تقف في طريق اندفاعه دعوة قوية .. !!

لذلك وأمام هذا كله، كان لابد أن توجد الدعوة الإسلامية القوية، والدعاة الأقوياء، وأن يكون داعيتها الأول من طراز فريد، يتوافر في شخصية عبقرية فذة، وبصيرة نافذة، وَشَجَاعَةِ عَلِيٍّ وَحِكْمَةِ مُعَاوِيَةَ وَجُرْأَةَ أَبِي ذَرٍّ وَذَكَاءَ إِيَاسٍ ، وَزُهْدَ عُمَرَ بْنَ عَبْدِ العَزِيزِ خامس الخلفاء الراشدين.

ص: 66