المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌أَحْقَادُ الصِّغَارِ: أيها الإخوان: «أعلن لكم هذه الخطوة .. أدعوكم إلى الجهاد - حسن البنا - الرجل والفكرة

[محمد عبد الله السمان]

الفصل: ‌ ‌أَحْقَادُ الصِّغَارِ: أيها الإخوان: «أعلن لكم هذه الخطوة .. أدعوكم إلى الجهاد

‌أَحْقَادُ الصِّغَارِ:

أيها الإخوان:

«أعلن لكم هذه الخطوة .. أدعوكم إلى الجهاد العملي بعد الدعوة القولية

والجهاد بثمن ، وفيه تضحيات

وسيكون من نتائج جهادكم هذا في سبيل الله والإسلام ، أن يتعرض الموظفون منكم للاضطهاد، وما فوق الاضطهاد .. وأن يتعرض الأحرار منكم للمعاكسة وأكثر من المعاكسة .. وأن يدعى المترفون والمترفهون منكم إلى السجون ، وما هو أشق من السجن .. ولتبلون في أموالكم وأنفسكم .. فمن كان معنا في هذه الخطوة فليتجهز وليستعد لها ومن قعدت به ظروفه أو صعب عليه تكاليف الجهاد سواء أكان شعبة من شعب الإخوان ، أم فَرْدًا من أعضاء الجماعة .. فليبتعد عن الصف قليلاً .. وليدع كتيبة الله تسير .. ثم فليلقنا بعد ذلك في ميدان النصر - إن شاء الله .. ولا أقول لكم إلا كما قال إبراهيم من قبل:{فَمَنْ تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي وَمَنْ عَصَانِي فَإِنَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [إبراهيم: 36] .. ».

ص: 93

أردتُ أن أبدأ بكلمات الإمام الشهيد هذه ليسأل أي إنسان نفسه هل كان حسن البنا يعرف اللف والدوران .. أو المواربة والالتواء؟

إن خصوم الفكرة الإسلامية لم يكن يؤرقهم شيء كما كانت تؤرقهم صراحة الرجل ولو كان حسن البنا «لَوْلَبِيًّا» أو سياسيًا محترفًا، لما ابتليت دعوته بطوفان من الابتلاء والمحن الفاشية، ولما سالت قطرة من دمائه في سبيل الحق الصريح الذي طالما جهر به ..

ليعد هؤلاء الخصوم قراءة أقوال الرجل .. ويعيدوا النظر في سلوك الرجل، ونحن واثقون من أنهم سوف يقتنعون بأن صراحة الرجل فوق الشبهات .. إذا هم تجردوا من الهوى والغرض ..

* * *

ما أكثر الذين نالوا من الرجل والفكر إبان حياته .. وهؤلاء لا نجادلهم اليوم وقد تكفل الرجل بالرد عليهم .. وأيضًا ما أكثر الذين نالوا - ولا يزالون - من الرجل والفكرة بعد أن قضى الرجل نحبه شهيدًا في سبيل الله والحق .. وهؤلاء: فالذين يكتبون التاريخ بلسان القوة مِنْ عَلٍ، ومن مراكز السلطة وهم واثقون من أن إنسانًا - كائنًا من كان - لا يملك إلا تجاهلهم فضلاً عن التعقيب عليهم، وشأن هؤلاء شأن أولئك الذين نالوا من الرجل والفكرة ،

ص: 94

والجماعة تعيش محنتها .. لا تملك حرية الحركة فضلاً عن حرية الكلمة، هؤلاء ذوو مروءة ساقطة

وهم أهون لدينا من أن نناقشهم الحساب ..

سنترك وسائل الإعلام جانبًا .. ولا لوم عليها إذا كانت آزرت السلطة في عدوانها بالتشنيع على الرجل والفكرة والجماعة .. لأنها أداة للسلطة لا تملك إلا الطاعة

ولنترك جانبًا أيضًا الخصوم الصغار من الأقزام الحمر وغيرهم ..

لكن المثير للأسى أن يقف إلى جانب السلطة، من هم أحق الناس بالوقوف إلى جانب الحق .. أو على الأقل أن لا يقفوا إلى جانب الباطل .. ولو بالصمت ..

إثر المحنة التي ألمت بالجماعة أواخر عام 1965 م أصدر السيد توفيق عويضة الملازم سابقًا، والأمين العام حاليًا للمجلس الأعلى للشؤون الإسلامية بالقاهرة أصدر ملحقًا بمجلة " منبر الإسلام " في زهاء 150 صفحة يوزع مجانًا أسماه:" رأي الدين في إخوان الشياطين " كتب معظم مادته بعض علماء الأزهر وكتب افتتاحيته شيخ الأزهر الراحل الشيخ حسن مأمون ، وبالرغم من أن التهمة التي اتهم بها الإخوان من تلفيق أجهزة الأمن واستجابة لأوامر موسكو وبالرغم

ص: 95

من أن التحقيق مع الإخوان، والذي لم تعرفه محاكم التفتيش لم يسجل إلا بأحط أساليب الإرهاب أن الإخوان كانوا ينوون التآمر على عبد الناصر ودكتاتورية نظامه

بل لم يضبط مع الإخوان قطعة سلاح واحدة ، إلا أن المقالات التي كتبت في ملحق " منبر الإسلام " .. كان جميعها يدين الجماعة بالإرهاب ولقد تطوع بعض مشايخ الأزهر فحكم على الإخوان بالخروج على الإسلام ..

والمجال هنا لا يتسع لذكر الأسماء وقد عز علينا أن يلوثوا سمعتهم وضمائرهم من كنا نحسن الظن بهم وبرجولتهم واضطرونا إلى أن نسقطهم من أعيننا ..

ولا يستطيع الإنسان أن يجيب حتى اليوم عن هذا السؤال:

لماذا يقف بعض علماء الأزهر هذا الموقف من الإخوان؟ إن أول مكتب للإرشاد العام للإخوان المسلمين كان نصف أعضائه من أفاضل علماء الأزهر ، ثم إن فكرة الإخوان فكرة إسلامية محضة بلا أدنى جدال ..

إذن لماذا تصدر جماعة كبار العلماء بالأزهر البيانات إثر كل محنة تلم بالإخوان، وفيها اتهام لهم بأنهم مارقون من الإسلام ومحاربون لله ورسوله وساعون في الأرض فسادا؟؟ يوم تنفيذ

ص: 96

حكم الإعدام ظلمًا في الشهيد المجاهد الشيخ محمد فرغلي الذي كان واعظًا، كتب مفتش عام للوعظ في القاهرة متطوعًا في جريدة " الأهرام " يقول:«إن هيئة الوعظ والإرشاد بالأزهر تتبرأ من المدعو " محمد فرغلي "» . وإذا كان هذا المفتش العام بالوعظ يجهل قيمة الشيخ محمد فرغلي الفدائي بالقنال ، الذي أقض على الاحتلال الانجليزي مضاجعه حتى لقد كانت إذاعته تعلن عن مكافأة سخية «آلاف الجنيهات» لمن يأتي برأس الشيخ فرغلي أو رأس يوسف طلعت. أو حتى لمن يقبض على كليهما حَيًّا .. أقول: إذا كان مفتش الوعظ العام يجهل قدر الشيخ محمد فرغلي ، أفلم يكن من باب اللياقة أن يراعي حق الزمالة على الأقل ..

وخلال محنة عام 1948 في عهد الحكم السعدي قرر صاحب الفضيلة مدير المساجد بوزارة الأوقاف إجراء مسابقة بين خطباء المساجد موضوعها: الآية الكريمة: {قُلْ بِئْسَمَا يَأْمُرُكُمْ بِهِ إِيمَانُكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ} [البقرة: 93] وليس المعنى - هنا - في بطن الشاعر - إذ كان الهدف من السابقة هو إعطاء فرصة للأئمة لكي ينالوا من جماعة الإخوان ما شاء لهم أن ينالوا .. وفي الجعبة الكثير

ولكن .. وما أمر لكن هذه .. !

* * *

ص: 97

إن ما لقيته فكرة الإخوان من ابتلاء واضطهاد وإرهاب ، باشرت كل هذه وأكثر منها الأنظمة الحاكمة بأجهزة أمنها ووسائل إعلامها هو أكثر مما يستوعبه كتاب مهما بلغ من الضخامة لم تكد الدعوة تسترد أنفاسها في الآونة الأخيرة .. حتى انبرى لها البعض في محاولة لإثارة الشكوك حولها ، والمخاوف منها والتهجم على ماضيها وشيء طبيعي أن يخطط لهذه المحاولة الفكر اليساري في وضوح والفكر الصليبي من وراء حجاب وشيء طبيعي أيضًا أن يفزع هؤلاء وأولئك من وراء حجاب وشيء طبيعي أيضًا أن يفزع هؤلاء وأولئك لمجرد التقاط الدعوة لشيء من أنفساها لأن جميعهم قد توهموا أن الدعوة التي تلقت أعنف الضربات المتوالية على مسار زهاء ثلاثين عَامًا لا يمكن أن تقوم لها قائمة أو يثبت لها وجود بعد ذلك ومثل هذه النظرة لا تصدر إلا عن أناس قصيري النظر وذوي رؤية محدودة لمنطق الدعوات ذات المبادئ لا الشعارات .. فالمبادئ لا يقضي عليها ما دام لها جذور في أعماق الإيمان بها وإنما قد يضيق عليها ، أو يتربص بها ، أو تعلن الحرب الباردة حِينًا والمسخنة أحيانًا على أتباعها وعليها ذاتها

ومع ذلك تظل المبادئ مستقرة كالطود لا تفتها العواصف بل العواصف هي التي تتفتت عليها.

لقد أصدر - أخيرًا - الكاتب اليساري الدكتور رفعت السعيد،

ص: 98

كتابا عنوانه:" حسن البنا، متى، وكيف، ولماذا؟ "

ونحن لا يسعنا إلا أن نقدر في الكاتب شجاعته فهو لم يخف على القارئ يساريته هذه ناحية والأخرى أنه نشر كتابه والإخوان قادرون على مناقشة كتابه، والرد على ما فيه، ولو قدر لكتابه هذا أن يصدر منذ سنوات حين كان الإخوان يعيشون محنتهم وهم عاجزون عن الرد، لأسقطناه من أعيننا، وسمونا بأقلامنا أن نناقشه أو نرد عليه، وبالطبع لا يسمح المجال هنا بتعقب كل ما في الكتاب. وإنما هي مجرد لقطات سريعة، ولعل الظروف تسمح في القريب بمناقشة كتابه ولك ما يمكن أن أقوله: إن الإخوان وهم أصحاب فكر لا تضيق صدورهم بالنقد ،حتى ولو اعتمد على أهواء مغرضة وخلفيات حاقدة ، وهم يحفظون عن ظهر قلب قول الحق تبارك وتعالي:{ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ} [النحل: 125].

في مقدمة الكتاب يقول الكاتب عن حسن البنا:

" الرجل الذي استمتع بأكبر قدر من الإجلال .. وربما التقديس من مئات الآلاف من الأتباع والمريدين ..

«والأمر يصعب تصويره .. فالولاء الصوفي للإمام أو الشيخ

ص: 99

يصعب حجمه ومغزاه كتابة ، مهما استطالت الأسطر ومهما " استعارت" كل المترادفات البلاغية .. ويصبح الأمر أكثر تعقيدًا عندما يختلط خضوع المريد لشيخه ، التزامه بقسم البيعة بالطاعة الصماء التي تهدد الناكص عنها بالخروج - ليس فقط من ثياب الجماعة أو المريد بل ومن ثياب المسلم أيضًا .. ».

ونحن نأسف لأن الكاتب لم يوفق في ابتكار الصفات التي أضفاها على الرجل مثل القداسة والولاء الصوفي والطاعة الصماء. وربما كان للكاتب عذره فهو لم ير الرجل ولم يعايشه أو يحتك به .. وفي الصفحات الماضية رَدَدْتُ على مثل هذا التحامل الذي رَدَّدَهُ البعض من قبل وكان في هيئة الإخوان مكتب للإرشاد، وهيئة تأسيسية، ولم يحدث الرجل بقرار ملزم لأحد، أما أن يعتمد الكاتب - فيما بعد - على أقوال جاءت على لسان المرحوم محمود عبد اللطيف أو على لسان المرحوم هنداوي دوير ، يستشهد بها على «ديكتاتورية» الرجل فهذا ما لا يحسن بالكاتب الأريب، وهو يعلم ما اتخذ ضد الأخوين من أساليب الإرهاب التي استوردت عام 1954 من النازية بل وهو يعلم أن الأخوين كَانَا مُهَدَّدَيْنِ بِالمَوْتِ .. وتم ذلك بعد أسابيع معدودة ..

وللقارئ أن يدهش: من أين للكاتب أن الناكص عن البيعة لدى

ص: 100

الإخوان مهدد بالخروج من الإسلام؟ وهل في استطاعة الكاتب أن يأتي لنا بمثال واحد يثبت فيه أن الإخوان حكموا على أي إنسان فاصل الدعوة أو فاصلته الدعوة - بالخروج من الإسلام؟ لقد اعتزلت مجموعة ثم انشقت بعد ذلك مجموعة أخرى وقالوا في الإخوان والمرشد ما لم يقله مَالِكٌ في الخمر ،وبعد الثورة بأقل من عامين انشق أيضًا كان لهم مكانتهم ولا يزالون على قيد الحياة ، فهل حدث أن حكمت الجماعة على أي من هؤلاء بالخروج من الإسلام؟؟

وآمل أن يكون من حقنا أن نسأل الكاتب:

ماذا يفعل بإنسان إذا هو خرج على النظام الشيوعي؟ أي التهم توجه إليه إذا استطاع أن يفر ويهرب بجلده وعنقه؟ وأي العقوبات توقع عليه إذا قبضت عليه السلطات في أية دولة شيوعية؟

والإجابة ليست مشكلة من ناحية، ومن ناحية أخرى لا تقبل المغالطة ..

وليت الكاتب قرأ كتاب:" مذكرات الدعوة والداعية " قراءة مُتَأَنٍّ ليرى أسلوب المرشد في معاملة المنشقين بل المتآمرين على الدعوة وهي في سنواتها الأولى بمدينة الإسماعيلية

ونحن نزوده

ص: 101

أيضًا بكلمات للرجل ويرجع إليها الكاتب في رسالة:" دعوتنا " إن شاء ، قال:

«نلمتس العذر كل العذر لمن يخالفوننا في بعض الفرعيات، ونرى أن هذا الخلاف لا يكون أبدًا حائلاً دون ارتباط القلوب وتبادل الحب والتعاون على الخير .. وأن يشملنا وإياهم معنى الإسلام السابغ بأفضل حدوده وأوسع مشتملاته: ألسنا مسلمين وهم كذلك؟ وألسنا نحب أن ننزل على حكم اطمئنان نفوسنا وهم يحبون ذلك؟ وألسنا مطالبين بأن نحب لإخواننا ما نحب لأنفسنا؟ ففيم الخلاف إذن؟ ولماذا لا يكون رأينا مجالاً للنظر عندهم كرأيهم عندنا؟ ولماذا لا نتفاهم في جو الصفاء إذا كان هناك ما يدعو إلى التفاهم؟» .

ويقول الكاتب في المقدمة أيضًا:

«امتدادات الفكر الذي اجتهد الشيخ البنا في غرسه تتجدد الآن بصورة ملحة ، ولعلها أيضًا تتشعب بصورة تقلق أصدقاء الدعوة وأعداءها مَعًا، فهي مع تشعبها تتخذ مسارات متطرفة، بل وهو جاء في أحيان كثيرة، ومن ثم، فإن أية محاولة جادة لتفهم الامتدادات الحالية بتشعباتها وشظاياها، تصبح مستحيلة بغير إلقاء نظرة فاحصة إلى البئر التي انزاحت من مياهه كل هذه الموجات جميعا» .

واضح أن الكاتب يحاول أَنْ يُحَمِّلَ فكر حسن البنا مسؤولية ما حدث

ص: 102

أخيرًا من موجات متطرفة باسم الدين ويعني - بالطبع - (جماعة التكفير والهجرة)، بالرغم من أن هذه الجماعة أثناء المحاكمة هاجمت فكر الإخوان وأعلنت رفضه على لسان كبيرها، وبالرغم من أن فكر الإخوان هو فكر الإسلام ذاته، ولم يسجل مثل هذا الفكر المتطرف الذي يقصده الكاتب على تاريخ الإخوان، وتقولات أجهزة الأمن وأذنابها من وسائل الإعلام وغيرها تقولات ساقطة من أساسها ..

والذي يقتضيه الإنصاف من الكاتب المتجرد - وشاء الكاتب ألا يفعله - وهو أن هذه الموجات المتطرفة - على حد تعبيره - ليست إلا رد فعل لمجتمع الجاهلية الذي تعيشه الدول المسلمة اليوم، وللفراغ الديني الذي يعايشه الشباب المسلم، وإذا كان الكاتب يعترف أن هذه الموجات تقلق أصدقاء الدعوة وأعداءها فكيف يلقي تبعتها على فكر حسن البنا؟

حاول الكاتب في أماكن متفرقة من كتابه أن يغمز فكر الإخوان ويجعله مناوئًا للتجديد مغلقًا في وجه التقدم الحضاري الذي يتميز به الغرب ..

ويعجب الإنسان لمحاولة الكاتب هذه، فما عرف فكر الإخوان الجمود ولا التزمت ، ولا يعتبر اعتداد الإخوان بتراثهم وأصول دينهم أو إيمانهم بأن في معطيات الإسلام ما هو كفيل بالتقدم في

ص: 103

مجالات الإصلاح لا يعتبر هذا أو ذاك جمودًا وبلا أدنى عاطفة أو تعاطف، يعتبر فكر الإخوان هو الذي بعث الحياة والحركة من جديد في المفاهيم الإسلامية التي ظلت راكدة رَدْحًا كَبِيرًا من الزمن .. ولا أظن اليساريين يرضون أن يتهموا بالجمود والرجعية لأنهم ملتزمون بفكر ماركس أو إنجلز أو لينين ..

ثم من أين للكاتب أن فكر الإخوان قد رفض الحضارة الغربية رفضًا مطلقًا؟ إن فكر الإخوان يُقَوِّمُ أي فكر حضاري بمقياس الإسلام فهل يطلب منهم أن يقبلوا أو يتقبلوا حضارة مزعومة مناقضة للإسلام؟ إن الفكر الحضاري الذي يمكن أن يعيد الإنسانية هو في نظر الفكر الإسلامي فكر مقبول شكلاً وموضوعًا وأعجب من هذا أن الكاتب نقل من جريدة " الأهرام " خبرًا هو في حد ذاته دليل عليه لا له والعجيب أن تاريخ نشر الخبر هو يناير عام 1930 أي بعد إنشاء دعوة الإخوان بأقل من عامين يقول الخبر:

«إن الإخوان يقدمون للبيئة المصرية معهدًا علميًا متكاملاً بإنشائها قسمًا ليليًا للغات الحية، وآخر للفنون الجميلة، نذكر منها:

الموسيقى الشرقية وفن التمثيل من الناحية الأخلاقية، وأنشأت قسمًا للحفر - بالإضافة إلى القسم الرياضي - وبجانب هذه الأقسام اهتمت الجماعة

ص: 104

بتكوين مكتبة عامرة بالمؤلفات النفيسة والمطبوعات مما جعلها مرجعًا وافيًا بحاجة الأعضاء».

لقد نشر الكاتب ما نشرته جريدة " الأهرام " من زاوية خاصة به فقد لاحظ أن جريدة " الأهرام " المحافظة تتابع - بصورة غريبة - نشاط الجماعة مقرظة، ومؤيدة، ولست أدري ماذا يقصد الكاتب بهذا الكلام .. ؟ هنا يمكن أن نقول: إن المعنى في بطن الشاعر ..

وبعد ..

فقد حاول الكاتب ألا يكون كاتبًا متجردًا، فإن الاتهامات التي وجهها إلى الرجل والفكرة، وإلى سلوك الجماعة .. وإن التحليلات التي اتسمت بالهوى، والتي خرج منها الكاتب بمجموعة من الهجوم والتهجم، والسخرية والتهكم، ليشوه صورة الفكر والرجل والجماعة، هذه أو تلك لا تجعلنا ننكر حق الكاتب في إبداء رأيه حُرًّا .. أو نحمله فوق طاقته كي يكون مؤرخًا متجردًا وخلاصة ما نود أن نقوله: ليس مثيرًا للدهشة أن يصدر هذا الكتاب عن كاتب يساري ملتزم .. وإنما المثير حَقًّا ألا يصدر عنه مثل هذا الكتاب .. ورحم الله الشاعر العربي:

وَعَيْنُ الرِّضَا عَنْ كُلِّ عَيْبٍ كَلِيلَةٌ *

*

* وَلَكِنَّ عَيْنَ السُّخْطِ تُبْدِي المَسَاوِيَا

ورحم الله امرءًا عرف قدر نفسه .. !

* * *

ص: 105