الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
شَجَاعَةُ عَلِيٍّ .. وَحِكْمَةُ مُعَاوِيَةَ:
حدثنا الأخ الأستاذ محمد عبد الحميد من رجال التربية والتعليم، ومن الدعاة الأوائل في جماعة الإخوان، قال:«عندما التحقت بكلية الآداب جامعة القاهرة، فكرت في الانضمام إلى إحدى الجمعيات الدينية، ورأيت أن أستشير عالمًا جليلاً، ومفكرًا كبيرًا، وصديقًا لوالدي، إنه الشيخ طنطاوي جوهري، فقال لي: " عليك بالشيخ حسن البنا، فإنه فيه شجاعة علي، وحكمة معاوية "» .
إن الشيخ طنطاوي جوهري بفلسفته، قَوَّمَ الرجلَ بكلمتين موجزتين سهلتين: الشجاعة والحكمة، وكا مُوَفَّقًا كل التوفيق في تعبيره، وحين ربط بين الشجاعة والحكمة، فهما صفتان متلازمتان، وخصيصتان مترابطتان، لا غنى لكلتيهما عن الأخرى، وإلا فقدت أي منهما قيمتها، فالشجاعة بلا حكمة مثلاً قد تتحول إلى طيش أو تهور لا تحمد عقباه، والحكمة بلا شجاعة هي أيضًا بلا وجود يذكر، ولا يمكن أن تقوم لها قائمة، ما لم تكن هناك شجاعة تدفع بها إلى الوجود .. إلى الحياة.
وشجاعة حسن البنا ليست شجاعة جسدية، مما يحتاج إلى سواعد مفتولة وعضلات قوية، بل هي شجاعة من طراز آخر، شجاعة مقوماتها: الإقدام، والقدرة على إعلان الحق وتعرية الباطل، ورفض المساومة على حساب المبدأ، ورفض التراجع عن معنى من المعاني آمن به، واطمأن قلبه إليه، وشجاعة حسن البنا مكانها الطبيعي هو القلب، والقلب هو محل الإيمان بالله، والثقة فيه، والاعتزاز به، والاطمئنان إليه.
وحكمة حسن البنا كذلك من طراز آخر، ليست كحكمة الفلاسفة، لأن حكمة الفلاسفة مصدرها العقل وحده، فإذا نطق بها الفيلسوف انفصلت عنه، وتركها لتلامذته، يتأثرون بها، وينشرونها، وقد تعيش حكمة الفيلسوف آمادًا طوالاً، يحفظها البعض عن ظهر قلب، أما حكمة حسن البنا، فليس مصدرها العقل وحده، بل أيضًا الإيمان والوجدان، ولا يمكن أن تنفصل عنه، لأنها ليست - فحسب - جزءًا من إيمانه ووجدانه، بل جزءًا من كيانه كله، إنها حكمة ليست للتأمل، وليست مجرد كلمات تسحر الألباب، وتجتذب الانتباه، وإنما هي سلوك يطابق المنهج، وخطة عمل لتطبيق المبدأ، وفي إيجاز كانت حكمة حسن البنا حكمة تدب فيها الحركة والحياة.
* * *
لسنا في حاجة إلى ضرب الأمثلة عن المواقف التي تشهد بشجاعة حسن البنا الأدبية، حسبنا أن نشير إلى أقل القليل من هذه المواقف.
في بداية الربع الثاني من هذا القرن بدأت فكرة الإخوان تشق طريقها إلى حياة الناس، مُنْشِئُهَا ومؤسسها، ومفكرها، وواضع حجر الأساس في بنائها، هو حسن البنا. لكن كيف كانت ظروف مصر التي نبتت على أرضها فكرة الإخوان؟ الاحتلال الإنجليزي جاثم على صدر البلاد، ومنطقة القنال التي بدأت منطلقًا لفكرة الإخوان يتمركز في أرضها جنود الاحتلال، أي أن القاعدة البريطانية ألقت بكل ثقلها في منطقة الإسماعيلية، وفي نفس مدينة الإسماعيلية نبتت الفكرة، لكن من كان يحكم مصر على الحقيقة؟. نحن لم ننس أنه كان في مصر حكومة ينتمي أعضاؤها إلى مصر بحكم شهادات الميلاد، وأنه كان في مصر أحزاب سياسية تسعى إلى الحكم، وتتزلف إلى السفارة البريطانية «الحاكم الحقيقي لمصر» كي تحظى بالقرب من كراسي الحكم. أما الشعب المصري، فقد كانت الغالبية الساحقة منه تعيش في سلبية مطلقة، لا تدري عن السياسة شيئًا، ولا تباليها إِنْ شَرَّقَتْ أَوْ غَرَّبَتْ. أما القلة القليلة من الشعب فهي التي كانت تشتغل بالسياسة بمفهومها الحزبي وليس بمفهومها الوطني، لأن مصالحها ارتبطت بالأحزاب لا بالوطن.
ونحن لم ننس أن هذه الأحزاب السياسية كانت لعبة السفارة البريطانية، ولعبة القصر أيضًا، بل كان القصر نفسه لعبة السياسة البريطانية في مستوياتها العليا، وكذلك لم ننس أنه كان في مصر المخابرات البريطانية، وربيبها القلم السياسي، يعد على الناس أنفاسهم، فضلاً عن حركاتهم وسكناتهم.
وفي إيجاز يمكن أن نقول: إن الشعب المصري كان يفتقد القيادة الصادقة وطنيتها، فالحزب الوطني - وهو يكاد يكون الحزب اليتيم المخلص لمصر - فقد ظله، لقد ألزم نفسه بشعار مثالي لا يصلح لدنيا السياسة، ولا سيما إذا كانت بريطانيا طرفًا فيها، هذا الشعار هو:«لا مفاوضة إلا بعد الجلاء» وتماثل الحزب الوطني للاندثار دون أن يتحقق شعاره الذي كانت الحكمة تنقصه.
والأزهر، هل كان في حالة تؤهله لقيادة الشعب المصري؟.
الأزهر أدى دوره المشرف في الحملة الفرنسية على مصر، وهذا دوره يحسب له في تاريخه، ولم يظهر له وجود يذكر بعد ذلك إلا في ثورة عام 1919، وهي ثورة - مهما قيل فيها - مرتجلة لعبت الغوغائية فيها دورًا رئيسيًا، والفرق بين الموقفين للأزهر، هو أن الأزهر في مواجهة الحملة الفرنسية كان مستقل الإرادة، ودافعه العقيدة الدينية، بينما كان موقفه في ثورة عام 1919 بلا إرادة مستقلة له،
حركته السياسية لا العقيدة، بل إن الحزبية كان لها دور رئيسي في الحركة، ولم يكن عجيبًا في غوغائية هذه الثورة التي أسهم الاستعمار نفسه في التخطيط لها، أن يعانق الصليب الهلال، أو يعانق الهلال الصليب، وأن يغني لهذه التقدمية شاعر القطرين خليل مطران:
الشَّيْخُ وَالقِسِّيسُ قِسِّيسَانِ *
…
*
…
* وَإِنْ تَشَأْ فَقُلْ هُمَا شَيْخَانِ
وليس الوضع في مصر أحسن حالاً من الأوضاع في سائر بلاد المسلمين، وليس مثلي أن يصور هذه الأوضاع في دقة كما صورها داعية إسلامي كبير، ورحالة واسع الاطلاع والخبرة بأوضاع الإسلام والمسلمين، إنه العلامة أبو الحسن الندوي، ففي رسالته الموجزة " أريد أن أتحدث إلى الإخوان " يقول:
«إن العالم الإسلامي حائر اليوم بين دين لا يسهل عليه العمل به، والقيام بمطالبه لعادات نشأ عليها، وحكومات أفسدته، وتعليم أزاغه، وشهوات لا تتفق مع عقيدته ورسالته، وبين جاهلية لا ينشرح لها صدره لإيمان لا تزال له بقية فيه، وقومية عجنت مع الاسلام وحضارة تخمرت مع الدين.
إن العالم الاسلامي حائر بين شعوب مسلمة بسيطة في عقليتها ودينها، وحكومات داهية لم تنشرح صدور رجالها لهذا الدين ولم تطاوعهم
نفوسهم على العمل به، ولكنهم يصرون على أن يحكموا هذه الشعوب التى تؤمن بهذا الدين، ولا يرون حياتهم وشرفهم إلا في البقاء في الحكومة ولا يرون لهم محلاً في الحياة إلا الزعامة والحكومة ولا موضعًا في العالم إلا المجتمع الإسلامي الذي ولدوا ونشأوا فيه فالشعوب في تعب منهم وهم منها في بلاء وعناء.
إن العالم الإسلامي حائر بين فطرته التي تنزعه إلى الدين وتاريخه الذي يدفعه إلى الإيمان والجهاد والكتاب الذي يقبل به إلى الآخرة ويبعث فى نفسه الثورة على المجتمع الفاسد، والحياة الزائفة، وبين التربية العصرية التى تزين له المادية وتطبعه على الجبن والضعف، والزعامة التي تفرض عليه الاتكال على الغير، والاعتماد على العدو والفرار من الزحف.
إن العالم الإسلامي حائر بين شباب ثائر ودم فائر وذهن متوقد وأزهار تريد أن تتفتح وبين قيادة شائخة شائبة قد أفلست فى العقلية والحياة وحرمت الابتكار والإبداع والشجاعة والمغامرة!.»
هذا ما قاله العلامة الندوي أواسط عام 1370 هـ أي منذ أكثر من ربع قرن، عن أوضاع العالم الإسلامي، ولا يمكن لإنسان - كائنًا من كان هذا الإنسان - أن يضطلع بأعباء فكرة جريئة تتصدى لكل هذه الأوضاع الغارقة إلى آذانها في الجاهلية الأولى التي يجب أن يحسب ألف حساب لا لقدراتها المادية فحسب، بل
أيضًا لمساندة الاستعمار والأنظمة الوطنية لها، لا سيما إذا كان يراد لهذه الفكرة أن تكون عالمية، وليست محلية قاصرة على مصر، وحتى لو قدر لها أن تكون محلية قاصرة على مصر، فإنها لا بد أن تنعكس على العالم الإسلامي لمركز مصر ذي الأهمية الخاصة. ومصر في ظروفها لم تكن أحسن حالاً من مكة إبان ظهور الدعوة الإسلامية.
لا جدال في أن هذه الخواطر كلها وأكثر منها قد مرت بذهن حسن البنا، درسها وتعمق في دراستها، وأجهد فكره وذهنه وتقصى كل ذرة من أبعادها. ومع ذلك فقد أقدم على إبراز الفكرة إلى حيز الوجود، وهذه هي الشجاعة الأدبية ومصدرها الإيمان، ودافعها الاستعداد لكل تضحية.
بعد مصرع النقراشي رئيس الحكومة، كانت كل الدلائل تشير إلى أن هناك أمورًا تدبر لحسن البنا، سحبت منه رخصة مسدسه، وانتزع منه المسدس، ورفض للمرة الثانية طلبه إلى الحكومة باعتقاله، وتركت له حرية التنقل بلا أدنى حراسة، ولمحته ظهر أحد الأيام في سيارة قريبًا من «قصر العيني» وتقدمت إلى السيارة لأحييه. ثم التقيت بشقيقه الضابط المرحوم عبد الباسط البنا في أحد الاجتماعات التي كنا نعقدها بعيدًا عن أعين الرقباء، وسلمته وريقة صغيرة ليحملها إلى الإمام الشهيد، قلت له فيها: «نرجو الإقلال جهد الاستطاعة
من الحركة والتنقل، ليست حياتكم ملكًا خاصًا بفضيلتكم». وكان رده السريع آية من كتاب الله بلا تعليق:«{أَيْنَمَا تَكُونُوا يُدْرِكْكُمُ الْمَوْتُ وَلَوْ كُنْتُمْ فِي بُرُوجٍ مُشَيَّدَةٍ} [النساء: 78]» .
وكدت أخجل من نفسي، فإيمان الرجل كان أكبر من التهديد بالموت ومن الموت ذاته، إن القائد الذي يغرس في قلوب جنوده مثل هذا المعنى:«المَوْتُ فِي سَبِيلِ اللهِ أَسْمَى أَمَانِينَا» . لا يمكن أن يخشى الموت بحال من الأحوال.!!
* * *
لم يكن في مقدور أحد في مصر أن يمس من قريب أو بعيد القصر، فضلاً عن الجالس على العرش، لكن حسن البنا في إحدى محاضرات الثلاثاء، وكان يتحدث عن العدل الاجتماعي، قال بصوت جهوري خرق أسماع ذوي الجلابيب من أعين القلم السياسي:«نُرِيدُ أَنْ نَتَسَاءَلَ: كَمْ تَمْلِكُ الأُسْرَةُ المَالِكَةُ فِي مِصْرَ؟؟» . صراحة وشجاعة لم تكونا لتتوافر إلا في شخصية كشخصية حسن البنا. وفي الوقت كان زعماء مصر يتبارون في التزلف إلى القصر وإلى الجالس على العرش.
كان الرجل واثقًا من ربه. واثقًا من إيمانه، ثم واثقًا من نفسه، فهو لا يطلب رزقًا عند أحد، ولا يسعى إلى جاه أو منصب لدى
ذي جاه أو صاحب سلطان، كان فقيرًا زاهدًا، لكن زهده لم ينشأ عن فاقة، وإنما نشأ عن قناعة، على الرغم من الظروف الصعبة التي كانت تصادفه، وهذه هي الشجاعة في أرفع مستوياتها.
* * *
قلتُ: إن الشجاعة والحكمة شيئان متلازمان، أو صنوان من أصل واحد، فإذا كانت الشجاعة تعني الشجاعة الأدبية: إقدامًا وثباتًا على المبدأ، ومساندة للحق، ومواجهة للباطل، فإن الحكمة هي ضوابط هذه الشجاعة، هي بمثابة قياس الضغط الجوي.
كان معاوية رضي الله عنه يقول: «لَوْ كَانَ بَيْنِي وَبَيْنَ النَّاسِ شَعْرَةً مَا انْقَطَعَتْ، إِنْ شَدُّوهَا أَرْخَيْتُهَا، وَإِنْ أَرْخَوْهَا شَدَدْتُهَا» . وكان يقول: «وَإِنِّي لَا أَضَعُ سَيْفِي حَيْثُ تَصْلُحُ العَصَا
…
». وهذه هي الحكمة في أجلى معانيها.
في رجب عام 1366 بعث الإمام الشهيد بخطاب مفتوح إلى ملك مصر، ورئيس حكومتها مصطفى النحاس، إلى ملوك العالم الإسلامي، وأمرائه وحكامه ورجالاته المبرزين من ذوي المكانة الدينية والدنيوية، ونحن إذ نقتطف من هذا الخطاب المسهب عبارات سريعة، إنما
ليقف القارئ على بعض ما كانت تتمتع به شخصية حسن البنا من شجاعة وحكمة مَعًا:
«إِنَّ اللهَ وَكَّلَ إِلَيْكُمْ أَمْرَ هَذِهِ الأُمَّةِ، وَجَعَلَ مَصَالِحَهَا وَشُؤُونَهَا، وَحَاضِرَهَا وَمُسْتَقْبَلَهَا أَمَانَةً لَدَيْكُمْ، وَوَدِيعَةً عِنْدَكُمْ، وَأَنْتُمْ مَسْؤُولُونَ عَنْ ذَلِكَ كُلِّهِ بَيْنَ يَدَيْ اللهِ تبارك وتعالى، وَلَئِنْ كَانَ الجِيلُ الحاضِرُ عِدَّتَكُمْ، فَإِنَّ الجِيلَ الآتي مِنْ غِرْسِكُمْ، وَمَا أَعْظَمَهَا أَمَانَةً، وَأَكْبَرَهَا تَبِعَةً أَنْ يُسْأَلَ الرَّجُلُ عَنْ أُمَّةٍ: وَكُلُّكُمْ رَاعٍ .. وَكُلُّكُمْ مَسْؤُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ
…
إِنَّكُمْ سَتَرَوْنَ أَمَامَكُمْ طَرِيقَيْنِ: كُلٌّ مِنْهُمَا يَهِيبُ بِكُمْ أَنْ تُوَجِّهُوا الأُمَّةَ وِجْهَتَهُ، وَتَسْلُكُوا بِهَا سَبِيلَهُ، فَأَمَّا الأَوَّلُ فَطَرِيقُ " الإِسْلَامِ " وَأُصُولَهُ وَقَوَاعِدَهُ وَحَضَارَتَهُ وَمَدَنِيَّتَهُ، وَأَمَّا الطَّرِيقُ الثَّانِي فَطَرِيقُ " الغَرْبِ " وَمَظَاهِرَ حَيَاتِهِ وَنَظْمِهَا وَمَنَاهِجِهَا، وَعَقِيدَتُنَا أَنَّ الطَّرِيقَ الأَوَّلَ، طَرِيقُ " الإِسْلَامِ " وَقَوَاعِدَهُ وَأُصُولَهُ هُوَ الطَّرِيقُ الوَحِيدُ الذِي يَجِبُ أَنْ يَسْلُكَ، وَأَنْ تُوَجُّهَ إِلَيْهِ الأُمَّةُ الحَاضِرَةُ وَالمُسْتَقْبِلَةُ
…
هَا هُوَ الغَرْبُ يَظْلِمُ وَيَجُورُ، وَيَطْغَى وَيُحَارُ وَيَتَخَبَّطُ، فَلَمْ يَبْقَ إلَاّ أَنْ تَمْتَدَّ يَدٌ " شَرْقِيَّةٌ " قَوِيَّةٌ، يُظَلِّلُهَا لِوَاءُ اللهِ، وَتَخْفِقُ عَلَى رَأَّسِهَا رَايَةُ القُرْآنِ، وَيُمِدُّهَا جُنْدُ الإِيمَانِ القَوِيُّ المَتِينُ، فَإذَا بِالدُّنْيَا
مُسَلَّمَةُ هَانِئَةٌ، وَإذَا العَوَالِمُ كُلُّهَا هَاتِفَةٌ: الحَمْدُ للهِ الذِي هَدَانَا لِهَذَا، وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلَا أَنْ هَدَانَا اللهُ. وَمِنَ المُبَرِّرَاتِ التِي اِتَّخَذَهَا بَعْضُ الذِينَ سَلَكُوا سَبِيلَ الغَرْبِ: أَنَّهُمْ أَخَذُوا يُشَهِّرُونَ بِرِجَالِ الدِّينِ المُسْلِمِينَ، مِنْ حَيْثُ مَوْقِفِهِمْ المُنَاوِئِ لِلْنَّهْضَةِ الوَطَنِيَّةِ، وَتَجَنِّيهِمْ عَلَى الوَطَنِيِّينَ، وَمُمَالأَتِهِمْ لِلْغَاصِبِينَ، وَإِيثَارَهُمْ المَنَافِعَ الخَاصَّةِ، وَالمَطَامِعَ الدُّنْيَوِيَّةِ عَلَى مَصْلَحَةِ البَلَدِ وَالأُمَّةِ. وَذَلِكَ - إِنْ صَحَّ - فَهُوَ ضُعْفٌ مِنْ رِجَالِ الدِّينِ أَنَفْسُهُمْ، لَا فِي الدِّينِ ذَاتِهِ، وَهَلْ يَأْمُرُ الدِّينُ بِهَذَا؟ وَهَلْ تُمْلِيهِ سيرَةُ الأَجِلَاّءِ وَالأَفَاضِلِ مِنْ عُلَمَاءِ الأُمَّةِ الإِسْلَامِيَّةِ، الذِينَ كَانُوا يَقْتَحِمُونَ عَلَى المُلُوكِ وَالأُمَرَاءِ أَبْوَابَهُمْ وَسُدُودَهُمْ، فَيُقْرِعُونَهُمْ وَيَأْمُرُونَهُمْ وَيَنْهَوْنَهُمْ وَيَرْفُضُونَ أَعَطِيَّاتِهِمْ، بَلْ وَيَحْمِلُونَ السِّلَاحَ فِي وُجُوهِ الجَوْرِ وَالظُّلْمِ».
هذه مقتطفات سريعة، والرسالة مطولة فيها برنامج إصلاحي على أسس إسلامية قويمة، بعث بها الإمام الشهيد إلى المسؤولين في إباء وشجاعة. وبالرغم من ثقته أنه إنما يخاطب قلوبًا غُلْفًا، وآذانًا صُمًّا، إلا أن الحكمة اقتضت أن يبلغ، وقد أعذر من أنذر!.
* * *