المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌حول بحث جامعي في قراءات القرآن - حصوننا مهددة من داخلها

[محمد محمد حسين]

الفصل: ‌حول بحث جامعي في قراءات القرآن

- 5 -

‌حول بحث جامعي في قراءات القرآن

هاك نموذجاً للدراسات الإِسلامية كما أراد لها طه حسين أن تكون حين اقترح في كتابه (مستقبل الثقافة في مصر) إنشاء معهد للدراسات الإِسلامية بكلية الآداب. وذلك هو البحث الذي تقدمت به إحدى المتخرجات في قسم اللغة العربية بجامعة الإِسكندرية للحصول على درجة الماجستير سنة 1385 (1965 م)، وموضوعه (دراسة في أصوات المد في التجويد القرآني). وهو بحث يقوم على مجازفات تجمع بين الانحراف والجهل، يريد أن يشكك في سلامة النص القرآني. تقدمت السيدة تغريد عنبر بهذا البحث الذي أعدته تحت إشراف الدكتور حسن عون الأستاذ في قسم اللغة العربية بالكلية، وكتب الأستاذ المشرف تقريراً يؤكد فيه سلامة البحث وصلاحيته للمناقشة، وناقشته لجنة مكونة منه ومن الشيخ أمين الخولي الأستاذ في كلية الآداب بجامعة القاهرة والدكتور إبراهيم أنيس الأستاذ في دار العلوم، وكلاهما عضو في مجمع اللغة العربية (1). وأعلن عن موعد المناقشة، وشهدها جمع كبير

(1) وثلاثتهم ينتمون إلى الأزهر، بدءوا دراستهم فيه حتى الثانوية العامة. ثم التحق أولهم بكلية الآداب فحصل على الليسانس من قسم اللغة العربية، وكان زميلاً لي في الدرس. ثم بعث إلى فرنسا للحصول على الدكتوراه، فعاد بالدكتوراه وبزوجة فرنسية. والتحق ثانيهم بمدرسة القضاء الشرعي التي أنشأها سعد زغلول حين كان وزيراً للمعارف في وزارة صهره مصطفى باشا فهمي صديق الإِنجليز الحميم. وكان الشيخ مُحَمَّدْ عبده قد كتب تقريراً يوصي فيه بإِنشاء هذه المدرسة، بتوجيه من اللورد كرومر، الذي كان يرغب في إنشاء مدرسة لتخريج قضاة الشرع بعيداً عن (الأزهر)، الذي عجز عن تطويره بما يلائم مصالح الاستعمار. =

ص: 219

لم أكن بينهم، ولكني عرفت من بعض الحاضرين أن الشيخ أمين الخولي بدأ مناقشته برد الطالبة عن الكتابة في الموضوع أصلاً لأنها تجهل أوَّلياته، وندد بما تضمنه بحثها من أحكام تستخف بعقائد المسلمين ومقدَّساتهم. ثم كانت المفاجأة في ما انتهت إليه اللجنة آخر الأمر وأعلنته على الناس حين قررت منح الطالبة درجة الماجستير بمرتبة جيد جداً. واشترطت اللجنة في قرارها هذا أن لا يطبع البحث إلا بعد تعديل بعض أجزائه. واستناداً إلى هذا الشرط تقدم أحد أساتذة الكلية ممن شهد المناقشة بطلبٍ إلى مجلس الكلية يدعوه إلى التمهل في الموافقة على قرار اللجنة حتى يراجع البحث ويعرف ما فيه من وجوه الخلل التي نصَّت اللجنة على وجوب تعديلها وإصلاحها قبل نشره مطبوعاً على الناس. ودعاني ذلك الزميل لأن أنظر في البحث لأرى فيه رأيي. وقرأت البحث فهالني ما فيه. وتقدمت بمذكرة إلى مدير الجامعة وإلى عميد الكلية أطلب التوقف عن منح الدرجة، واستجابت الجامعة للطلب فتوقفت عن توثيق قرار لجنة المناقشة. وعند ذلك ظهر أعوان الشر ودعاة الهدم يشنِّعون بي ويهاجمونني ويغرون الدولة بي في السِّر والعَلَن، بين مهاجمات صحفية ظاهرة ورسائل إلى الجهات المسؤولة مجهولة الكاتب، يتهمونني عندها بالرجعية وبعداوة الثورية والتقدمية وبما شئت من أمثال هذه التهم التي لا يمكن تمثُّل حقيقتها أو تحديدُ حدودها أو إدراكُ ماهيّاتها. وتبين أن وراء هذه القضية أعواناً وأنصاراً لم يَدُرْ في الحسبان أن يقفوا وراء قضية خاسرة مثلها. فيهم من يرأس جماعة إسلامية كبرى، وفيهم من هو على رأس هيئة إسلامية ضخمة، وفيهم من يشغل مناصب رفيعة. واستكتب الدكتور حسين سعيد (وزير التعليم العالي وقتذاك، ومحافظ الرُّويْتَري في المنطقة، والأستاذ السابق بكلية العلوم) الأستاذ عبد السلام هارون الأستاذ بكلية دار العلوم تقريراً يدافع فيه عن البحث دفاعاً حاراً أعير على أثره إلى كلية الآداب بجامعة الكويت عند إنشائها رئيساً لقسم اللغة العربية فيها. وخاضت صحف كثيرة في القضية، تندب حرية البحث، وتتباكى على كرامة العلم والعلماء. وتزعمت السيدة

= والتحق ثالثهم بمدرسة (دار العلوم) التي أنشئت أيضاً لتخريج مدرس عصري للغة العربية

بعيداً عن ذلك (الأزهر) نفسه، ثم بعث إلى إنجلترا للحصول على الدكتوراه في الدراسات

اللغوية (General Linguistics)، فحصل عليها وأصبح أول داعية لها في مصر.

ص: 220

أمينة السعيد هذه الحملة، فنشرف في صحيفة (المصور) سلسلة من المقالات في ست حلقات متتالية، بدأت بالعدد 2172 الصادر في 7 صفر 1386 (27 - 5 - 1966 م) تحت عنوان "كرامة العلم والعلماء تضيع في جامعة الإِسكندرية"، واستمرت على التوالي تحت عنوان (حول كرامة البحث العلمي) و (حول كرامة العلم والعلماء الضائعة في جامعة الاسكندرية) حتى انتهت في العدد 2177 الصادر في 12 ربجع الأول 1386 (1 - 7 - 1966 م). وحشدت الكاتبة في هذه السلسلة فتاوى من استكتبتهم من أساتذة الجامعات وعلماء الدين. وأنا أسرد للتاريخ أسماء الذين اشتركوا في الدفاع عن هذا البحث منهم، وأترك للقارىء أن يحكم عليهم بعد أن يقرأ نماذج مما جاء في البحث، في نص المذكرتين اللتين كتبتهما في الموضوع. وأنا أورد أسماءهم حسب ترتيب ظهورها في هذه الحملة الصحفية: الدكتور عبد الصبور شاهين المدرس بدار العلوم - الشيخ عبد اللطيف دراز وكيل الأزهر السابق - الدكتور مصطفى زيد الأستاذ بدار العلوم - الأستاذ عبد السلام هارون الأستاذ بدار العلوم - الدكتور مُحَمَّدْ طه الحاجري الأستاذ بآداب الاسكندرية - الدكتور محمود حافظ الأستاذ بحقوق القاهرة - الشيخ عبد الحميد السايح رئيس محكمة الاستئناف الشرعية بالأردن (1) - الشيخ علي الخفيف الأستاذ السابق بحقوق القاهرة - الشيخ فرج السنهوري الأستاذ السابق بحقوق القاهرة ورئيس لجنة تعديل قوانين الأحوال الشخصية ووزير الأوقاف السابق - الدكتور محمود محمود مصطفى الأستاذ بحقوق القاهرة - الدكتور عبد العزيز الأهواني الأستاذ بآداب القاهرة - الدكتور عبد القادر القط الأستاذ بآداب عين شمس - الأستاذ عبد الحميد الدواخلي الأستاذ بآداب القاهرة.

بعض هؤلاء من المتأثرين بالتحررية الغربية (اللِّبرالية) في الدفاع عن

(1) من حق الشيخ عبد الحميد السايح أن أقول إنه كان أكثر هؤلاء تحفظاً، فقد قرر في كلمته أنه (لم يطلع على الرسالة ولا على قرار مجلس الكلية ولا على قرار اللجنة الممتحنة) ثم قال (ولكني على ضوء آداب الإِسلام العامة ومبادئه أقول إن الاسلام يقدر جهود المجتهد سواء أصاب أو أخطأ عملاً بالحديث الشريف المعروف. وأنه لا اجتهاد مع النص، وأن الاجتهاد يعتبر دائمًا إذا كان نتيجة بحث علمي وليس شيه انحرأف متعمد لهدم الإِسلام أو المساس بأي من أصوله العدد 2175).

ص: 221