الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
حرية الرأي. وبعضهم من طالبي الظهور الذين يحبون أن يروا أسماءهم وصورهم في الصحف. وبعضهم ممن تورطوا فيما لا عِلْمَ لهم به. وبعضهم ممن صُوّر له الأمر على أنه توريط لصاحبة البحث في تهمة الإِلحاد بقصد إيذائها، مع أن هذه التهمة لا تؤذي أحداً في أيامنا هذه لسوء الحظ. وبعضهم ممن تربطه صلة بصاحبة البحث أو بالمشرف عليه أو بعضوي لجنة المناقشة الآخرين.
وأيًّا ما كان الأمر فقد دعتني الظروف التي أحاطت بهذا الموضوع وقتذاك إلى أن أكتفي بالمذكرة التي تقدمت بها إلى الجامعة، والتي ضمَّنتها نصوصاً من البحث تثبت انحرافه وفساده. ثم أردفتُ هذه المذكرة بمذكرة أخرى تقدمت بها إلى الجامعة أيضاً، ورددت فيها على بعض ما جاء في آراء من استكتبتهم صحيفة (المصور) في حملتها، ومن حاولوا التهوين من خطورة ما جاء في بحث الطالبة المرفوض.
وفيما يلي نص المذكرتين:
المذكرة الأولى
بسم الله الرحمن الرحيم
تقدمت الطالبة تغريد السيد عنبر إلى كلية الآداب بجامعة الإِسكندرية ببحث موضوعه: "دراسة في أصوات المدّ في التجويد القرآني" للحصول على درجة الماجستير من قسم اللغة العربية. وقد نوقش البحث في 7 - 10 - 1965 واقترحت اللجنة التي ناقشته أن يمنح درجة الماجستير. ولكن مجلس الكلية والجامعة لم يوافقا بعد على هذا الاقتراح.
والبحث المذكور يقوم عليه اعتراضان أساسيان يمنعان من إقراره أو إجازته: أولهما: هو أن قسم اللغة العربية ليس مختصاً بإِعداد بحوث تتصل بالقرآن جملة، وبالتجويد القرآني على وجه أخص، لأن تلاميذ القسم وأساتذته على السواء غير مزودين بالأدوات التي تسمح بتوجيه البحث أو تناوله على هذا
المستوى العالي. فالطالب يفقد أدني شروط اللياقة، وهي الإلمام بالقرآن وتصوره، فضلاً عن حفظه، وتصحيح تلاوته في القراءة المتداولة المروية عن (حفص)، فضلاً عن معرفة الوجوه المختلفة لقراءته. وذلك كله إلى فقدان ما ينبغي توافره من أدوات البحث الأساسية، كالعلم بالحديث والسنن وأخبار الصدر الأول من وجوهها المختلفة، والتمييز بين صحيحها وضعيفها وفاسدها، سنداً ومَتْناً، والإِحاطة التامة بذلك، إحاطة تعصم صاحبها من الوقوع تحت تأثير السخيف الضعيف من الروايات، لأنه لا يعرف ما ورد في نقضه من روايات أخرى.
ووجود هذه المواد القرآنية في برامج الدراسة بالكلية لا يبرر السماح بإِعداد الدراسات العليا فيها. فهي موجودة بوصفها مادة مساعدة على كمال تصور الدراسات الأدبية واللغوية. لا على أنها مادة تخصص. شأنها في ذلك شأن مادتي التاريخ الإِسلامي والفلسفة الإِسلامية، يدرسهما الطالب في قسم اللغة العربية، ولكن هذه الدراسة لا تبيح له أن يتقدم فيهما بدراسات عليا.
والاعتراض الثاني - وهو نتيجة للاعتراض الأول ومترتب عليه - هو أن الطالبة قد وقعت في أخطاء فادحة نتيجة للجهل ونتيجة للتعرض لما لا تعرفه، وهي أخطاء تمس العقيدة، بل تهدم الأساس الأصيل الذي يقوم عليه الإِسلام، وتؤذي إيمان المؤمنين في أعز ما يعتزّون به وهو القرآن. وذلك بما زعمته الطالبة وأكدته في أكثر من موضع من أن القرآن الذي يتعبد به المسلمون ليس منزّلاً من عند الله، أو هو منزّل من عند الله بمعناه لا بلفظه، وهو ما لم يجرؤ أحد من المسلمين على القول به، بل ما لم يجرؤ الملاحدة على الجهر به في وطن إسلامي.
زعمت الطالبة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يغيِّر ويبدّل في النص القرآني. فجاء في ص 8 س 8، بعد كلام عن استخدام الرسول عليه الصلاة والسلام للهجات العرب المختلفة في أحاديثه العامة:
(ولما كان الرسول يفعل ذلك في أحاديثه العامة معهم، فمن الأولى أن يفعله في الأمر الأهم الذي أتوه من أجله. من الطبيعي أن يستبدل في النص
القرآني لفظة بأخرى يعلم أنها أكثر شيوعاً في تلك البيئة. أو يرى أنها تحمل شحنات من المعاني تفهم الفكرة أكثر، أوأن يفير في نظام الجملة ليجعلها أكثر وضوحاً، أو ليكسبها بلاغة أكثر في نظر القوم الذين يقرأ أمامهم).
بل لقد زعمت الطالبة أن النص القرآني لم يتعرّض للتغيير والتبديل على يد رسول الله صلى الله عليه وسلم وحده، بل تعرض لهذا التغيير والتبديل على أيدي المسلمين الأولين من الصحابة، لأن القرآن في زعمها ليس منزّلًا من عند الله بلفظه، ولكنه منزّل بمعناه. فجاء في صفحة 10 سطر 4:
(ويبدو لي الأمر على النحو التالي: حين نزل القرآن في أول عهده، كان الهدف الأول للمسلمين نشر الدعوة الإِسلامية. وطبيعي أن يتركز الاهتمام على الفكرة وأن ينشغل بها الجميع. فكان الرسول يقرأ النص ويغير فيه حسب الظروف، ويسمح لمن يقرأ عليه بقدر من المخالفة. وكذلك الأمر فيما يتعلق بالأداء).
وأكدت الطالبة هذا الزعم الفاسد في مواضع أخرى من بحثها حين قالت (ص 11 س 7):
(على أن الرسول عليه السلام كان يبيح الاختلاف ولا يعمد إلى التخطىء. كان يتسامح عليه السلام في النص بعض الشيء. وطبيعي أن يكون التسامح أيضاً في الجانب الأدائي إن لم يكن على نطاق أوسع).
وقالت (ص 11 س 11):
(كان كل ما يهم الرسول عليه السلام هو المحافظة على الفكرة. هذا بالاضافة إلى أن الرسول عليه السلام لم يضع في اعتباره فكرة التخطىء لمجرد اختلاف لفظين يؤديان معنى واحداً).
وقالت (ص 11 س 16):
(ولكن الرسول عليه السلام كان حريصاً على الاعتدال وإباحة الاختلاف، ما دامت الفكرة لم تتغير، والعبارة لم تخرج عن حدود العربية السليمة).
وواضح من الكلمة الأخيرة في هذه العبارة أن كل ما اشترطته الطالبة في العبارة القرآنية هو مجرد السلامة. والسلامة أدق مرتبةً من البلاغة. والبلاغة أدق مرتبةً من الاعجاز والقرآن قد وصف نفسه بأنه معجز في أكثر من موضع. فقال تعالى:
وتكرر هذا المعنى نفسه في سورة يونس (10 - 38) وفي سورة هود (11 - 13) وفي سورة الطور (32 - 34).
بل زاد على ذلك فجعله معجزاً للإِنس والجن. فقال تعالى:
وتصر الطالبة على ما زعمته من النزول بالعبارة القرآنية إلى مرتبة السلامة والصحة وحسب، حين تقول بعد ذلك (ص 12 س 2):
(وكان الرسول عليه السلام إذ يفعل ذلك مطمئناً على النص القرآني، لأنه باللغة العربية بين أصحاب تلك اللغة. فالخلافات بينهم لن تكون خلافاً بين خطأ وصواب. ولكنها كلها خلافات في داخل إطار الصواب، يسبِّب وجودَها العواملُ التي لا بد منها، من لَهْجية وشخصية واجتماعية).
وزعمت الطالبة أن المسلمين لم يتفقوا على نص موحَّد للقرآن. وكل ما وصلوا إليه في زعمها هو شيء يشبه النص الموحد. فكانوا حين يرددون القرآن يحرصون - حسب تعبيرها -.
(على الاتفاق على ما يشبه النص الموحّد. وقَبِل منهم الرسول عليه السلام ذلك، لأنه كان مطمئناً إلى أن التحريف لن يدخل القرآن. فلغته هي
العربية بين قوم يتكلمون بها. وفي الغالب لم يكن الفرد من الصحابة ليغير النص في كل مرة يقرأ بها - ص 13 س 14).
وتعود الطالبة إلى تأكيد تلك المزاعم الفاسدة فتقول (ص 37 س 7):
(وعرض الأمر على هذا النحو يساعد على هدم فكرة التوقيف في قراءة القرآن، تلك الفكرة التي لا يقرّها الدرس اللغوي أو الواقع التاريخي).
ثم قالت بعد استطراد أكدت فيه أن اختلاف الأداء وقع من الرسول نفسه عليه الصلاة والسلام، ثم من أصحابه عليهم رضوان الله، ثم من المسلمين عند تدوين المصحف على عهد سيدنا عثمان (ص 37 - س 16):
(وهكذا تتضافر العوامل المختلفة على رفض فكرة التوقيف. كلُّ ما يمكن أن يقال إن قراءة القرآن اتفقت أصولها مع أصول الأداء العربي. ثم بعد ذلك تلونت بلون الظروف المختلفة)(هذه القراءات التي بين أيدينا يصعب جداً الادعاء بأنها كانت القراءات الملتزمة على عهد الرسول عليه السلام، بسبب تدخل عوامل التطور واللهجات، ثم عامل الاختيار، التي جعلت القارئ ينتخب قراءة من عدة قراءات تعلمها).
* * *
ومن الواضح أن نفي فكرة التوقيف هو نفي لتواتر القرآن، ونفي أن يكون النص القرآني الذي يتعبد به المسلمون ويحيطونه بكل أسباب الرعاية ويحرصون على صورته الكتابية إلى حد الاحتفاظ بالرسم العثماني الأول، مع مخالفته في بعض الأحيان لقواعد الإِملاء العصرية، هذا النص القرآني الذي كان الحفاظ عليه هو سبب تمسك المسلمين من غير العرب بالحروف العربية في باكستان وفي أفغانستان وفي إيران حتى الآن، وفي بلاد التركمان إلى ما قبل الانقلاب البلشفي، وفي تركيا إلى ما قبل الانقلاب الكمالي، وفي أندونيسيا إلى سنوات قليلة مضت، هذا النص بكل ما حَفَّه من أسباب العناية ليس هو النصَّ الذي أنزل على رسول الله صلى الله عليه وسلم، والذي وعد الله سبحانه وتعالى بحفظه حين قال - جلّ من قال -
{إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ (9)} [الحجر: 9]
ذلك إلى أن التعديل الذي طرأ على النص القرآني - كما زعمته الطالبة - بوضع كلمة مكان كلمة أو بالتقديم والتأخير هو تعديل في الصياغة. والتعديل في الصياغة تعديل في المعنى وفي المضمون، يترتب عليه تعديل في التشريع وتعديل في العقيدة نفسها. وهو في الوقت نفسه تعديل في الصفة البلاغية للكلام. لأن البلاغة تقوم في المكان الأول على اختيار الكلمات وعلى ترتيبها، وهو ما يسميه أهل ذلك الفن بالنَّظْم أو الأسلوب. بحيث يمكن أن تنتفي صفة البلاغة عن الكلام البليغ إذا حدث تغيير وتبديل في كلماته أو في ترتيب هذه الكلمات. والقرآن هو مصدر العقيدة ومصدر التشريع الأول في الإِسلام. ومدار ذلك كله على النص. وهو معجز لا شك بإِجماع علماء المسلمين. وهو بقراءاته جميعاً منزَّل بلفظه من عند الله. ومن فضول القول والإِسراف في تبديد الوقت والجهد أن نتكلم في ذلك أو نقيم الحجة عليه. فإِجماع المسلمين منعقد على أن القرآن يُعتَمد فيه على السماع والنقل المتواتر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم عن جبريل عليه السلام في كل كلمة من كلماته. هذا شيء ثابت ثبوتاً قطعياً، عقيدةً، وتاريخاً، وعقلاً. والنصوص فيه والأدلة متواترة متراكمة من كل وجه من هذه الوجوه. وشهادة القرآن بذلك صريحة. وتكفىِ فيها مراجعة الآيات 16/ 102، 18/ 27، 26/ 192، 27/ 6، 56/ 77، 75/ 18، 80/ 12، 85/ 12 من سور: النحل، الكهف، الشعراء، النمل، الواقعة، القيامة، عبس، البروج.
ومع ذلك كله فالبحث يقوم على المجازفة المنافية للمنهج العلمي، وهي مجازفة لا تحُمَل إلا على الجهل أو سوء القصد. فالقضايا العلمية لا تقوم على برد التوهم والتخيل، ولا سيما إذا كانت تتصل بدين الدولة وبمقدَّسات الأمة، كما جاء في (ص 36) حين عرضت الطالبة لجمع (أبي بكر بن مجاهد) للقراءات السبع فقالت:
(ويبدو لي، كفروض عقلية، ساعد على استنتاجها التعرف عام ملابسات الجو وتفحص عمل ابن مجاهد ..) والاستنتاج العلمي لا يقوم، حين يعجز الطالب عن فهم النصوص والتمييز ما بين كلمة وكلمة. فالطالبة تروي عن خالويه أنه قال: (وقرأ أعرابي: "شرًّا يَرَهْ، وخيراً يَرَه" قدَّم وللدين وللدين تهمةً تهمةً
وأخَّر .. وقرأ آخر "لأجلسنّ لهم" بدلاً من "لأقعدَنّ لهم". وتروي عن سيبويه أنه قال: ربما قرأ الجفاة من الأعراب في سورة الإِخلاص "ولم يكن أحدٌ كفؤا". وكذلك "ما هذا بشرٌ" بدلاً من "ما هذا بشراً" في سورة يوسف. ثم تعتبر هذه الأخطاء قراءات قرآنية يرجع السبب فيها إلى (إحساس أولئك الأعراب بأن اللغة لغتهم، وبأن هذا النص جاء بتلك اللغة التي يتكلمونها. فعاملوه كأي نص لغوي آخر يسمحون لأنفسهم فيه ببعض التصرف ما دام المعنى لن يتغير والبناء لن يفسد - ص 18).
وفساد هذا الاستنتاج مبنيٌّ على فساد فهم النصوص. فالقراءات المروية مجهَّلة غير منسوبة لقائل، وهو ما يسمى في مصطلح الحديث بالتدليس. فهي مروية عن (أعرابي) أو عن (آخر) أو عن (الجفاة من الأعراب). والرواية الأخيرة مضعفة بقول الراوي (وربما). هذا إلى أن نسبة هذه الروايات للأعراب يدل على أن المقصود هو تصوير جهلهم وجفائهم. وقد كان الأعراب في كتب الأدب والفقه على السواء رمزاً لجفاء الطبع والإِغراق في الجهل. كالذي يحدث الآن حين نروي بعض النوادر والطرائف وننسبها لأهل الريف أو الصعيد. والأعراب موصوفون بذلك في كتاب الله عز وجل:
{الْأَعْرَابُ أَشَدُّ كُفْرًا وَنِفَاقًا وَأَجْدَرُ أَلَّا يَعْلَمُوا حُدُودَ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ} [التوبة: 97]
{قَالَتِ الْأَعْرَابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا وَلَمَّا يَدْخُلِ الْإِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ} [الحجرات: 14]
* * *
وبعد، فهذه نماذج مما جاء في بحث الطالبة. وهي مؤذية ومفسدة للعلم وللدين، وللجامعة وللمجتمع. والبحث مطبوع على آلة (الجستتنر). وهو بذلك يعتبر منشوراً ومتداولًا. وقد توافرت فيه شروط العلنية ولم يعد محصوراً بين جدران الجامعة بعد مناقشته مناقشة علنية. ولا بد للجامعة من أن