الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المطلب الثالث: دلائل نبوته صلى الله عليه وسلم
أيد الله تبارك وتعالى رسوله صلى الله عليه وسلم بالدلائل، والمعجزات الكثيرة الدالة على وجوب الإيمان به وصدق رسالته وهذه الدلائل والمعجزات فاقت الألف معجزة كما ذكر ذلك غير واحد من العلماء1 ومنها ما هو حسي ومنها ما هو معنوي، وكذلك هي متنوعة فمنها ما كان قبل مولده كبشارات الأنبياء به ومنها ما كان وقت ولادته كقصة الفيل والعجائب التي حدثت عام مولده الدالة على نبوته، ومنها ما كان عند مبعثه كالقرآن الكريم وانشقاق القمر ونبع الماء بين أصابعه صلى الله عليه وسلم وغيرذلك.
ومن تلك الدلائل ما استمر بعد وفاته صلى الله عليه وسلم كالقرآن الكريم، وما أخبر به من المغيبات كعلامات الساعة، وما يحدث بعده. ولقد ألف عدد من العلماء مؤلفات في هذا الشأن جمعوا فيها تلك الدلائل والمعجزات2.
وإن من أعظم دعائم الإيمان معرفة المسلم لهذه الدلائل وأخذ العظة والعبرة منها وذلك بتدبر ما فيها من حكم وآيات دلت على صدق رسالة نبينا صلى الله عليه وسلم. والمقام هنا لا يستوعب إيراد هذه الدلائل والمعجزات، ولكني سأشير إلى بعض هذه الدلائل إشارات سريعة على سبيل المثال:
أ- القرآن الكريم:
1 الجواب الصحيح لمن بدل دين المسيح لشيخ الإسلام ابن تيمية (1/ 140) .
2 من تلك المؤلفات: دلائل النبوة لأبي نعيم الأصبهاني، ودلائل النبوة لقوام السنة الأصبهاني، ودلائل النبوة للبيهقي، والخصائص الكبرى للسيوطي.
هو أعظم الآيات والبراهين والدلائل والمعجزات التي أعطيها النبي صلى الله عليه وسلم، وليس من آية أبدع ولا أروع منه.
فهو المعجزة الخالدة التي أعطاها الله لرسوله صلى الله عليه وسلم لتكون خالدة كخلود رسالته، ومشمهودة لكل من أتى بعد زمانه ليعم الانتفاع بها ولتقوم بها الحجة على أهل كل زمان إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها ولقد تعهد الله بحفظه وبقائه فقال تعالى:{إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} 1 فكان في هذا الحفظ دوامه وبقاؤه إلى قيام الساعة. ولقد ميز الله نبيه بهذه المعجزة عن سائر إخوانه من الأنبياء كما جاء في حديث أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "ما من الأنبياء نبي إلا أعطي من الآيات ما مثله آمن عليه البشر، وإنما كان الذى أوتيته وحي أوحاه الله إلي، فأرجو أني أكثرهم تابعا يوم القيامة"2.
وفى تخصيص النبي صلى الله عليه وسلم للقرآن بالذكر هنا دون المعجزات الأخرى التي أعطيها- والتي تزيد على الألف- إشارة إلى عظم هذه المعجزة ومكانتها حتى أنه أصبح غيرها بالنسبة إليها كلا شيء لشيء.
ولقد تضمنت هذه المعجزة وجوها متعددة من الإعجاز، فالقرآن الكريم معجز بلغته وفصاحته وبيانه وبلاغته وأحكامه وتشريعاته وبما حواه من أخبار
1 الآية (9) ش سورة الحجر.
2 أخرجه البخارى في صحيحه، كتاب الاعتصام بالكتاب والسنة، باب قول النبي صلى الله عليه وسلم:"بعثت بجوامع الكلم" واللفظ له، انظر فتح الباري (3/ 247) ح 7274. وأخرجه مسلم في صحيحه، كتاب الإيمان: باب وجوب الإيمان برسالة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم إلى جميع الناس ونسخ الملل بملته. انظر (1/ 92، 93) .
وقصص، ومغيبات، وعلوم، فهو معجز من جميع الوجوه، ولقد تحدى الله قوم النبي صلى الله عليه وسلم على أن يأتوا بمثله أو بشيء منه، فالقرآن الكريم نزل بلغتهم فهم يعرفون حروفه ومعانيه، إضافة إلى أنه نزل في أوان وزمان بلغت فيه قريش ذروة الفصاحة والبلاغة والبيان، فلقد كان فيهم أولوا الأحلام والنهى والأفهام والألسن الحداد، والقرائح الجياد، والعقول السداد.
فالتحدي كان لهم بأمر يعرفون طريقه ولهم بجنسه عهد بل إنهم نبغوا فيه وبلغوا فيه ذروته.
ولذلك فقد توهم كفار قريش في بداية أمرهم أن باستطاعتهم الإتيان بمثله وقدروا أن في وسعهم معارضته فقالوا: {لَوْ نَشَاءُ لَقُلْنَا مِثْلَ هَذَا إِنْ هَذَا إِلَاّ أَسَاطِيرُ الأَوَّلِينَ} 1.
فجاءهم التحدي من الله على ثلاث مراحل هي:
المرحلة الأولى:
التحدي بالإتيان بمثل القرآن وذلك كما جاء في قوله تعالى: {أَمْ يَقُولُونَ تَقَوَّلَهُ بَلْ لا يُؤْمِنُونَ فَلْيَأْتُوا بِحَدِيثٍ مِثْلِهِ إِنْ كَانُوا صَادِقِينَ} 2.
المرحلة الثانية:
تحداهم بالإتيان بعشر سور مثله حيث قال تبارك وتعالى: {أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ فَأْتُوا بِعَشْرِ سُوَرٍ مِثْلِهِ مُفْتَرَيَاتٍ وَادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ} 3.
المرحلة الثالثة:
حيث تحداهم تبارك وتعالى بالإتيان بسورة واحدة فقال تعالى: {وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِّنْ مِثْلِهِ وَادْعُوا شُهَدَاءَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ
1 الآية (31) من سورة الانفال.
2 الآيتان (33- 34) من سورة الطور.
3 الآية (13) من سورة هود.
صَادِقِينَ} 1، فعجزوا عن الإتيان بسورة واحدة مع شدة الاجتهاد وقوة الأسباب فقد كانوا حريصين على تكذيبه وإبطاله بكل طريق ولكن مع هذا كله فقد عجزوا عن ذلك.
ولقد أخبر الله بعجزهم عند تحديه إياهم بالإتيان بسورة من مثله فقال تعالى: {فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا وَلَنْ تَفْعَلُوا فَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ} 2.
ولما عجزوا عن الإتيان بما تحداهم به قطع الله طمعهم على أن يأتوا بمثله فقال تعالى: {قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الإنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيراً} 3.
وبعد مرحلة قطع الطمع أنزل الله فواتح السور كـ {الم، الر، المر} وغيرها تقريعا وتوبيخا للكفار، مخبرا لهم أن ما تحداهم به مكون من حروف هي حروف العربية التي يتحدثون بها والتي بلغوا ذروتها فهم أفصح العرب، والقرآن نزل بلغة العرب، ولقد جرت سنة الله بأن يعطي كل رسول من المعجزات ما
1 الآية (23) من سورة البقرة.
2 الآية (24) من سورة البقرة.
3 الآية (8) من سررة الاسراء.
يناسب ما اشتهر به قومه، فلقد أعطى موسى العصا لاشتهار من أرسل إليهم بالسحر وما يتعلق به، وأعطى عيسى معجزة إحياء الموتى وإبراء الأكمه والأبرص والأعمى لاشتهار قومه بالطب وهكذا، فأعطى نبينا محمدا صلى الله عليه وسلم القرآن لما اشتهرت به قريش من الفصاحة والبيان.
فهذا ما كان من أمر التحدي الذى تحدى الله به أهل مكة وغيرهم من العرب الذين نزل القرآن بلغتهم، وسأعرض لذكر بعض جوانب هذا الإعجاز القرآني الذى عجز الكفار أن يأتوا بمثل هذا القرآن من جهتها وهى ما يلي:
أولا:
تحداهم بفصاحة القرآن وعلو أسلوبه، وأحكامه، ودقة تعبيره، ولذا تكلف بعض سفهاء الأحلام منهم أن يأتوا بسور خيل لهم أنها على نمطه وشاكلته، فأضحكوا على أنفسهم العقلاء، وأما ذووا العقل والرأي منهم فأسلموا أنفسهم إلى العجز وأيقنوا من قرارة نفوسهم أنه الحق وأنه من عند الله لا من كلام البشر ولكن أكثرهم يجهلون فأبوا إلا الكفر أنفة واستكبارا.
ثانيا:
تحداهم بتشريعه الكامل الموافق لمقتضى العقل والفطرة، الهادي جميع البشر إلى سواء السبيل من جوانب الحياة كلها عقيدة وعبادة واقتصادا وسياسة وأدبا وأخلاقا مع بقاءه كذلك صالحا لهداية العالم وإصلاحه في جميع جوانب الحياة إلى يوم القيامة.
ثالثا:
تحداهم بما تضمنه القرآن من الأخبار الغيبية التفصيلية المسهبة، وبوقوف
الرسول صلى الله عليه وسلم من إخوانه المرسلين السابقين موت المصدق لهم المبين لتحريف أقوامهم شرائعهم، المعلن لخزاياهم وفضائحهم في خروجهم على أنبيائهم بيان الواثق بنفسه المؤمن بما أوحي إليه من ربه، وهو أمي عاش في أمة أمية، ومن أمته أهل الكتاب الذين فضحهم بسوء صنيعهم مع رسلهم وفى شرائعهم ومع ذلك لاذوا بالصمت ولم يردوا عليه ما اتهمهم به تبرئة لأنفسهم ودفعا للنقيصة والعار عنها، فكان ذلك إيذانا بأنه رسول الله الصادق الأمين وأن ما جاء به إنما هو وحي من رب العالمين1.
ولقد تضمن القرآن الكريم جوانب أخرى من الإعجاز فنحن في زمان انتشر فيه سلطان العلم المادي وتباهى الإنسان بمعرفته لكثير من الأمور التي خفيت عمن قبله من الأجيال، ولكن كثيرا من هذه الأمور التي يدعي الإنسان اكتشافها ومعرفتها، نجد أن القرآن الكريم قد تحدث عنها وبينها فعلى سبيل المثال تكوين الإنسان في بطن أمه تحدثت عنه آيات كئيرة من القرآن قبل أربعة عشر قرنا من الزمان بينما لم يتعرف علماء الطب على ذلك إلا في زمن متأخر وكذا الأمر بالنسبة لكثير من الأمور الأخرى كتكوين الأرض وعلوم البحار وعلوم الحيوان وشتى أنواع العلوم الأخرى، وقد اهتم عدد من العلماء المسلمين بهذا الشأن فأنشؤوا ما يسمى "بهيئة الإعجاز العلمي في القرآن" لبيان سبق القرآن في توضيح كثير من أمور العلم التي يدعي كثير من العلماء الماديين أنها لم تعرف إلا في هذا الزمان.
وهذا كله شاهد بأن كتاب الله العزيز يبقى المعجزة الخالدة التي لا تنتهي
1 انظر مجلة البحوث الإسلامية، العدد التاسع (ص 27- 28) مقال بعنوان بيان ما يسمى معجزة محمد الخالدة والمعجزة القرآنية إعداد هيئة كبار العلماء.
عجائبها، قال تعالى:{وَلَقَدْ صَرَّفْنَا لِلنَّاسِ فِي هَذَا الْقُرْآنِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ فَأَبَى أَكْثَرُ النَّاسِ إِلَاّ كُفُوراً} 1
فالقرآن يبقى معجزا في عصر العلم كما كان معجزا في عصر الفصاحة والبلاغة.
ومن الآيات الحسية التي أعطيها النبي صلى الله عليه وسلم زمن بعثته:
ب- انشقاق القمر:
قال تعالى: {اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ، وَإِنْ يَرَوْا آيَةً يُعْرِضُوا وَيَقُولُوا سِحْرٌ مُسْتَمِرٌّ} 2.
وعن أنس بن مالك رضي الله عنه: "أن أهل مكة سألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يريهم آية فأراهم انشقاق القمر"3.
وعن عبد الله بن مسعود4 رضي الله عنه قال: "انشق القمر على عهد النبي صلى الله عليه وسلم شقين، فقال: "اشهدوا" 5.
ج- نبع الماء بين أصابعه:
فعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: "أتي رسول الله صلى الله عليه وسلم بإناء وهو
1 الآية (89) من سورة الإسراء.
2 الآيتان (1، 2) من سورة القمر.
3 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب المناقب: باب سؤال المشركين أن يريهم النبي صلى الله عليه وسلم آية، فأراهم انشقاق القمر. انظر: فتح الباري (6/ 631) ح 3637
4 عبد الله بن مسعود الهذلي، أسلم قديما، وهاجر الهجرتين، وشهد بدرا والمشاهد بعدها، وكان أول من جهر بالقرآن بمكة وكان من فقهاء الصحابة، توفي عام 32 هـ بالمدينة.
الإصابة: (1/360، 362) رقم 4954.
5 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب المناقب: باب سؤال المشركين أن يريهم النبي صلى الله عليه وسلم آية، فأراهم انشقاق القمر. انظر: فتح الباري (6/ 631) ح 3636.
بالزوراء1 فوضع يده في الإناء فجعل الماء ينبع من بين أصابعه، فتوضأ القوم. قال قتادة: قلت لأنس كم كنتم؟، قال: ثلائمائة، أو زهاء ثلاثمائة"2 وقد روى حديث نبع الماء من بين أصابعه صلى الله عليه وسلم جماعة من الصحابة منهم أنس وجابر وابن مسعود3.
د- إشباع العدد الكثير من الطعام القليل:
عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: "قال أبو طلحة4 لأم سليم5: لقد سمعت صوت رسول الله صلى الله عليه وسلم ضعيفا أعرف فيه الجوع، فهل عندك من شيء؟، قالت: نعم، فأخرجت أقراصا من شعير ثم أخرجت خمارا
1 الزوراء: موضع بالمدينة عند سوقها في ذلك الوقت. وفاء الوفاء (4/ 1229) .
2 أخرجه البخاري في صحيحه واللفظ له، كتاب المناقب: باب علامات النبوة في الإسلام. انظر: فتح الباري (6/580) ح 3572، وأخرجه مسلم في صحيحه، كتاب الفضائل: باب في معجزات النبي صلى الله عليه وسلم (7/ 49) .
فائدة: قال ابن حجر في فتح الباري (6/ 585) : "حديث نبع الماء من أصابعه صلى الله عليه وسلم جاء من رواية أنس عند الشيخين وأحمد وغيرهم من خمسة طرق. وعن جابر بن عبد الله من أربعة طرق وعن ابن مسعود عند البخاري والترمذي، وعن ابن عباس عند أحمد والطبراني من طريقين. وعن ابن أبي ليلى والد عبد الرحمن عند الطبراني". انتهى كلامه.
3 الشفا (1/402) .
4 أبو طلحة: اسمه زيد بن سهل بن الأسود الأنصاري النجاري الخزرجي، مشهور بكنيته، شهد العقبة ثم شهد بدرا وما بعدها من المشاهد، توفي عام 31 هـ وقيل 34 هـ.
الإصابة (1/ 549) ت رقم 2905.
5 أم سليم بنت ملحان بن خالد الأنصارية وهى أم أنس خادم رسول الله صلى الله عليه وسلم اشتهرت بكنيتها واختلف في اسمها فقيل سهلة وقيل رميلة وقيل غير ذلك. أسلمت مع السابقين من الأنصار، ولها مواقف مشهودة تدل على فضلها ومكانتها. الإصابة (4/ 441، 442) ت رقم 1321.
لها، فلفت الخبز ببعضه ثم دسته تحت يدي، ولاثتني ببعضه، ثم أرسلتني إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: فذهبت به فوجدت رسول الله صلى الله عليه وسلم في المسجد ومعه الناس، فقمت عليهم. فقال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم:"آرسلك أبو طلحة؟ "، فقلت: نعم. قال: بطعام؟، قلت: نعم، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لمن معه:"قوموا"، فانطلق وانطلقت بين أيديهم حتى جئت أبا طلحة فأخبرته. فقال أبو طلحة: يا أم سليم قد جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم بالناس وليس عندنا ما نطعمهم. فقالت: الله ورسوله أعلم. فانطلق أبو طلحة حتى لقي رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو طلحة معه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"هلمي يا أم سليم ما عندك"، فأتت بذلك الخبز، فأمر به رسول الله صلى الله عليه وسلم ففت، وعصرت أم سليم عكة فأدمته، ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فيه ما شاء أن يقول. ثم قال:"ائذن لعشرة" فأذن لهم، فأكلوا حتى شبعوا ثم خرجوا. ثم قال:"ائذن لعشرة" فأذن لهم فأكلوا حتى شبعوا ثم خرجوا. ثم قال: "ائذن لعشرة" فأذن لهم فأكلوا حتى شبعوا ثم خرجوا. ثم قال: "ائذن لعشرة" فأكل القوم حتى شبعوا والقوم سبعون أو ثمانون رجلا"1.
وأحاديث تكثير الطعام القليل تعددت، وتكررت في مواطن متعددة ورويت عن بضعة عشر من الصحابة، ورواها عنهم أضعافهم من التابعين ثم من لا يُعد بعدهم، وأكثر هذه الأحاديث مروية في الصحيح وأكثرها في قصص مشهورة، ومجامع مشهورة، ولا يمكن التحدث عنها إلا بالحق، ولا يسكت
1 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب المناقب: باب، علامات النبوة في الإسلام. انظر فتح الباري (6/ 586) ح 3578.
الحاضر لها على ما أنكر منها1.
هـ- ما أطلع عليه من الغيوب وما سيكون في المستقبل:
"والأحاديث في هذا الباب بحر لا يدرك قعره، ولا ينزف غمره، وهي من جملة معجزاته المعلومة على القطع"2 ومنها على سبيل المثال حديث حذيفة ابن اليمان قال: "قام فينا رسول الله صلى الله عليه وسلم مقاما ما ترك شيئا يكون في مقامه ذلك إلى قيام الساعة إلا حدث به، حفظه من حفظه ونسيه من نسيه، قد علمه أصحابي هؤلاء وإنه ليكون منه الشيء نسيته فأراه فأذكره كما يذكر الرجل وجه الرجل إذا غاب عنه ثم إذا رآه عرفه"3.
وبعد فهذا جزء يسير جدا من دلائل نبوته المعنوية والحسية وصدق رسالته صلى الله عليه وسلم، أيد الله بها نبيه ليقيم الحجة على الخلق فيحيا من حيي عن بينة ويهلك من هلك عن بينة.
فيجب على كل مسلم أن يتدبر في دلائل نبوته صلى الله عليه وسلم ويطَّلع عليها، فإن فيها عظة وعبرة وتزيد من إيمان المرء ويقينه بنبوة خاتم المرسلين وإمامهم، الذي أعطاه الله من الآيات والبراهين ما لم يعط أحدا من الأنبياء قبله.
1 الشفا (1/ 419) بتصرف.
2 الشفا (1/ 470) وقد ذكر طرفا من هذه الأحاديث فمن أراد الاستزادة فليرجع إليه.
3 أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب الفتن: باب إخبار النبي صلى الله عليه وسلم فيما يكون إلى قيام الساعة (8/ 172) .