الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المطلب الثاني: ثواب المحبة في الآخرة
أما على صعيد الثواب الأخروي فمن أعظم ما ورد في ذلك تلك البشارة التي وردت على لسان النبي كلها والتي استبشر لها الصحابة رضوان الله عليهم ولم يفرحوا بشيء بعد الإسلام أشد من فرحهم بها.
فعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: يا رسول الله متى الساعة؟ قال: "وما أعددت للساعة؟ "
قال: حب الله ورسوله. قال: "فإنك مع من أحببت".
قال أنس: فما فرحنا بعد الإسلام فرحا أشد من قول النبي صلى الله عليه وسلم "فإنك مع من أحببت ".
قال أنس: فأنا أحب الله ورسوله وأبا بكر وعمر فأرجو أن أكون معهم وإن لم أعمل بأعمالهم1.
وعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: "جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال يارسول الله كيف ترى في رجل أحب قوما ولما يلحق بهم؟ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "المرء مع من أحب" 2.
ولاشك أن هذه البشرى عامة للأمة جميعها بمعنى أن من تحققت فيه محبة
1 تقدم تخريجه (ص 312) .
2 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الأدب، باب علامة الحب في الله.
انظر:/ فتح الباري (10/ 557) ح 6169، وأخرجه مسلم في صحيحه، كتاب البر والصلة والأدب، باب المرء مع من أحب (8/ 43) واللفظ له.
الله ورسوله فهو مستحق لتلك البشرى، ولكن مما يجدر التنبيه عليه ههنا مرة أخرى أنه لا يكفي مجرد دعوى محبة الله ومحبة النبي صلى الله عليه وسلم باللسان فقط بل لابد من تحقيق المتابعة له، وكل ما يوصل إلى تحقيق المحبة، فمرافقة النبي صلى الله عليه وسلم في الجنة لابد أن يصاحبها اجتهاد ممن يطلبها، وإن كان ليس من شرط ذلك الاجتهاد في الطاعة أن يصل إلى درجة إجتهاد النبي صلى الله عليه وسلم ومما يشهد لهذا ويؤكده ما ورد في حديث ربيعة بن كعب الأسلمي1 أنه قال: كنت أبيت عند النبي صلى الله عليه وسلم فأتيته بوضوئه وحاجته فقال لي: "سل". فقلت: يارسول الله أسألك مرافقتك في الجنة. فقال: " أو غير ذلك؟ ". قلت: هو ذاك. قال: "فأعني على نفسك بكثرة السجود"2.
فطلب النبي صلى الله عليه وسلم من الصحابي الذي سأل مرافقته في الجنة أن يكثر من صلاة النافلة، وفي هذا دليل على أن العمل مطلوب ممن أراد أن يصل إلى هذه الأمنية العظيمة وأن مجرد تمني القلب وقول اللسان لا يكفي لتحقيق ذلك.
ومما يؤكد أن نوال شرف مرافقة النبي صلى الله عليه وسلم في الجنة متعلق باتباع شريعته وطاعته، قوله تعالى:{وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقاً} 3 ومن الثواب الأخروي الذي يناله المحب لله ولرسوله هو غفران الذنوب وهذا ما دل عليه قوله تعالى: {قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ
1 رببعة بن كعب بن مالك الأسلمي، صحابي، كان من أهل الصفة مات سنة ثلاث وستين من الهجرة. الإصابة (1/ 498)
2 أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب الصلاة، باب فضل السجود والحث عليه (2/ 52) .
3 الآية (69) من سورة النساء.
لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ} 1
فأخبر سبحانه في هذه الآية عن مغفرته لذنوب الذين حققوا محبته ومحبة نبيه على الوجه المطلوب منهم، وهذه منة امتن الله بها على أهل محبته، إذ وعدهم إن هم اتبعوا رسوله صلى الله عليه وسلم وأطاعوه أنه يجزيهم على فعلهم ذلك، ويكرمهم بشرف محبته لهم ويتوج ذلك الشرف العظيم والمنزلة العالية بأن يمحو عنهم خطاياهم ويكفر عنهم سيئاتهم التي اكتسبوها.
ولاشك أن حصول هذين الأمرين أي "المحبة" و "المغفرة" هما غاية ما يتمنى المؤمن الفوز به، فأي فوز أعظم وأكبر من الفوز برضى الله وغفرانه.
فرضى الله هو سبيل كل نعيم دائم مقيم، وغفرانه هو الأمان من كل عذاب أليم. ومن ثمرات محبته صلى الله عليه وسلم ما ورد في ثواب ذكره الذي هو أحد علامات ودلائل محبته فعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:"من صلى علي واحد ة صلى الله عليه عشرا"2 والصلاة معناها هنا الثناء، فهي ثناء على الرسول صلى الله عليه وسلم وإرادة من الله أن يعلي ذكره ويزيده تعظيما وتشريفا والجزاء من جنس العمل، فمن اثنى على رسول الله صلى الله عليه وسلم جزاه الله من جنس عمله بأن يثني عليه ويزيد تشريفه وتكريمه3. فهذه ثمرة من ثمرات الذكر الذي هو علامة من علامات المحبة.
ومما ورد كذلك حديث أبي بن كعب قال: قلت: يارسول الله، إني أكثر الصلاة عليك، فكم أجعل لك من صلاتي؟
1الآية (9) من سورة آل عمران.
2 أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب الصلاة، باب الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم بعد التشهد (2/ 17) .
3 جلاء الأفهام (ص 79) .
قال: "ما شئت". قلت: الربع؟ قال: "ما شئت، وإن زدت فهو خير". قلت: النصف؟ قال: "ما شئت، وإن زدت فهو خير". قلت: الثلثين؟ قال: "ما شئت وإن زدت فهو خير". قال: أجعل لك صلاتي كلها. قال: "إذا تكفى همك ويغفر لك ذنبك"1.
والعبارة الأخيرة هي موطن الشاهد ههنا، فهذا من الثواب الحاصل من المحبة لأن من أحب شيئا أكثر من ذكره، "وكما أن الذكر من نتائج الحب، فالحب أيضا من نتائج الذكر، فكل منهما وشمر الآخر، وزرع المحبة إنما يسقى بماء الذكر، وأفضل الذكر ما صدر عن المحبة2.
وقد سبق بيان معنى الحديث3.
وعلى العموم فإن ثواب كل طاعة من الطاعات إنما هو في الحقيقة ثمرة للمحبة وذلك لأن المحبة أصل كل عمل من أعمال الإيمان والدين.
1 تقدم تخريجه (ص 327) .
2 روضة المحبين (ص 265) .
3 انظر (ص 327) .