الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المطلب الثالث: دليل الإجماع على وجوب طاعته
.
الإجماع من الأمة منعقد على وجوب طاعة الرسول صلى الله عليه وسلم واتباعه في جميع ما جاء به من ربه عز وجل، وذلك لثبوت الأمر بهذا في كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، بل إن الأمر بوجوب طاعته صلى الله عليه وسلم يعد من الأمور المعلومة من الدين بالضرورة التي لا يعذر إنسان بجهلها.
وقد حكى الشافعي رحمه الله تعالى إجماع الصحابة والتابعين ومن بعدهم، على أن من استبانت له سنة رسوله صلى الله عليه وسلم لم يكن له أن يدعها لقول أحد.
ولم يسترب أحد من أئمة الإسلام في صحة ما قاله الشافعي فإن الحجة الواجب اتباعها على الخلق كافة إنما هو قول المعصوم الذي لا ينطق عن الهوى1.
وقد تمثل إجماع الأمة على وجوب طاعة الرسول صلى الله عليه وسلم واتباعه في اعتبار السنة هي المصدر الثاني من مصادر التشريع وذلك بعد المصدر الأول الذي هو القرآن الكريم2.
والمقصود بالسنة هنا ما صح عن النبي صلى الله عليه وسلم من أقواله وأفعاله وتقريراته. فالصحابة والتابعون وتابعوهم ومن سار على نهجهم يؤمنون بهذا الأصل الذي هو سنة المصطفى صلى الله عليه وسلم ويوجبون العمل والاحتجاج بها، ويعتبرونها مصدرا مستقلا في التشريع، فلا يجب عرض ما جاء عنه صلى الله عليه وسلم على القرآن، بل يجب اتباعه وطاعته مطلقا سواء كان ما أمر به في الكتاب أو لم يكن
1 الرسالة التبوكية لابن القيم (ص 37) .
2 مجموع الفتاوى (11/ 339) .
ولقد كان من مظاهر ذلك الإجماع الاعتناء بسنته وحفظها ونقلها، وتعليمها في كل عصرمن العصور.
فلقد اعتُني بالسنة فنقلها الخلف عن السلف، وحافظوا عليها، ووضعوا لها القواعد التي اعتنت بسلامتها سندا ومتنا.
والنقول عن السلف من الصحابة والتابعين وتابعيهم ومن سار على نهجهم في وجوب طاعته صلى الله عليه وسلم واتباع ما جاء به وتعظيمهم لسنته والعمل بها كثيرة جدا. ومن تلك النقول ما يلي:
أ- الصحابة رضوان الله عليهم أجمعين.
- أبو بكر الصديق رضي الله عنه:
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: لما توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وارتد من ارتد من العرب، قال أبو بكر الصديق رضي الله عنه: والله لأقتلن من فرق بين الصلاة والزكاة. فقال له عمر رضي الله عنه: كيف تقاتلهم وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: "أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله فإذا قالوها عصموا مني دمائهم وأموالهم إلا بحقها". فقال أبو بكر الصديق: أليست الزكاة من حقها؟، والله لو منعوني عناقا1 كانوا يؤدونها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم لقاتلتهم على منعها. فقال عمر رضي الله عنه: فما هو إلا أن عرفت أن الله قد شرح صدر أبي بكر للقتال فعرفت أنه الحق"2.
1 العناق هي الأنثى من أولاد المعز ما لم يتم له سنة. النهاية (3/ 311) .
2 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الزكاة: باب وجوب الزكاة، انظر: فتح الباري (3/ 262) ح 1399، وأخرجه مسلم في صحيحه، كتاب الإيمان: باب الأمر بقتال الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله محمد رسول الله (1/ 28) .
فهذه الحادثة تمثل مدى تمسك خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم بما كان عليه الرسول صلى الله عليه وسلم وحرصه على تطبيق شرعه في وقت ارتد فيه أكثر العرب في جزيرة العرب، ولم يبق على الإسلام سوى أهل المدينة ومكة والطائف، ولقد تابع الصحابة أبا بكر في موقفه ذلك فقاتلوا أهل الردة بما فيهم مانعي الزكاة فكان موقفهم ذلك أوضح دليل على تعظيم السنة ووجوب العمل بها.
وقد جاءت الجدة إلى الصديق رضي الله عنه تسأله عن ميراثها فقال لها: ليس لك في كتاب الله شيء، ولا أعلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قضى لك بشيء وسأسأل الناس. ثم سأل رضي الله عنه الصحابة فشهد عنده بعضهم بأن النبي صلى الله عليه وسلم أعطى الجدة السدس فقضى لها بذلك1.
وفي هذا دليل على: تمسك الصديق بسنة المصطفى والعمل بها، وقال رضي الله عنه:"لست تاركا شيئا كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعمل به إلا عملت به، إني أخشى إن تركت شيئا من أمره أن أزيغ"2.
وعن ابن سيرين3 قال: "لم يكن أحد أهيب بما لا يعلم من أبي بكر
1 أخرجه مالك في الموطأ، كتاب الفرائض: باب ميراث الجدة (ص 346) رقم،1087 وأخرجه أبو داود في السنن، كتاب الفرائض: باب ما جاء في ميراث الجدة (3/ 316، 317) ح 2894، وأخرجه الترمذي في السنن، كتاب الفرائض: باب ما جاء في ميراث الجدة (4/ 419، 420) ح 2100، 2101، وأخرجه ابن ماجه في السنن، أبواب الفرائض، باب ميراث الجدة (2/ 120) ح 2756.
2 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب فرض الخمس: باب فرض الخمس فتح الباري (6/ 197) ح 3093، وأخرجه مسلم في صحيحه، كتاب الجهاد والسير: باب قول النبي صلى الله عليه وسلم: "لا نورث وما تركنا صدقة"(5/ 155) .
3 محمد بن سيرين الأنصاري مولاهم، مولى أنس بن مالك، تابعي جليل كان إمام وقته، مات سنة 110 هـ. تهذيب التهذيب (9/ 214، 217) .
رضي الله عنه، ولم يكن أحد بعد أبي بكرأهيب بما لا يعلم من عمررضي الله عنه وإن أبا بكر نزلت به قضية فلم يجد في كتاب الله منها أصلا، ولا في السنة أثرا فاجتهد برأيه، ثم قال هذا رأي فإن كان صوابا فمن الله، وإن يكن خطأ فمني وأستغفر الله"1.
- عمر بن الخطاب رضي الله عنه:
ورد عنه أنه كان يقول: "إن أصدق القيل قيل الله، ألا وإن أحسن الهدي هدي محمد وشر الأمور محدثاتها وكل محدثة ضلالة...."2
وكان عمر رضي الله عنه يوصي عماله أن يقضوا بين الناس بكتاب الله فإن لم يجدوا القضية في كتاب الله فبسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم فعن الشعبي3 عن شريح4 أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه كتب إليه إن جاءك شيء في كتاب الله فاقض به ولا يلتفتك عنه الرجال، فإن جاءك ما ليس في كتاب الله فانظر سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم فاقض بها، فإن جاءك ما ليس في كتاب الله ولم يكن فيه سنة من رسول الله صلى الله عليه وسلم فانظر ما اجتمع عليه الناس فخذ به، فإن جاءك ما ليس في كتاب الله ولم يكن في سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يتكلم فيه أحد من قبلك فاختر أي الأمرين شئت: إن شئت أن تجتهد برأيك ثم تقدم فتقدم، وإن
1 إعلام الموقعين (1/ 54) .
2 السنة للالكائي (1/ 84) ح 100، والبدع والنهي عنها لابن وضاح (ص 24) .
3 عامر بن شراحيل الشعبي: أهله من حمير اليمن، قال فيه مكحول: "ما رأيت أحدا أعلم بسنة ماضية من الشعبي وقد تولى القضاء في عهد عمر بن عبد العزيزعلى الكوفة، توفي سنة 105 هـ وقيل قبل ذلك. تهذيب التهذيب (5/ 65- 69) .
4 شريح بن الحارث بن قيس الكندي، القاضي،، مخضرم، ثقة، استقضاه عمر. مات قبل الثمانين أوبعدها. تهذيب التهذيب (4/ 326، 328) .
شئت أن تتأخر فتأخر ولا أرى التأخر إلا خيرا لك"1.
وروى البخاري بسنده عن أبي وائل2 قال: جلست إلى شيبة في هذا المسجد، قال: جلس إلي عمر في مجلسك هذا فقال: هممت أن لا أدع فيها صفراء ولا بيضاءإلا قسمتها بين المسلمين. قلت: ما أنت بفاعل. قال: لم؟ قلت: لم يفعله صاحباك. قال: هما المرءان يقتدى بهما"3.
وعن عبد الله بن عمررضي الله عنهما قال: قيل لعمرألا تستخلف؟، قال: إن أستخلف فقد استخلف من هو خير مني أبو بكر، وإن أترك فقد ترك من هو خير مني رسول الله صلى الله عليه وسلم. فأثنوا عليه، فقال: راغب وراهب4 وددت أني نجوت منها كفافا لا لي ولا علي لا أتحملها حيا وميتا"5.
1 أخرجه الدارمي في السنن (1/ 60) ، وأورده السيوطي في مفتاح الجنة (ص 46) وعزاه للبيهقي والدارمي.
2 شقيق بن سلمة الأسدي أبو وائل الكوفي، أدرك النبي صلى الله عليه وسلم ولم يره. قال ابن معين:"ثقة لا يسأل عن مثله" مات سنة 82 هـ. تهذيب التهذيب (4/ 361، 363) .
3 أخرجه في صحيحه، كتاب الاعتصام بالكتاب والسنة: باب الاقتداء بسنن رسول الله صلى الله عليه وسلم. انظر: فتح الباري (13/ 249) ح 1275.
4 قال ابن حجر: "قال ابن بطال: يحتمل أمرين: أحدهما: أن الذين أثنوا عليه إما راغب في حسن رأيي فيه وتقريري له، وإما راهب من إظهار ما يضره من كراهته. أو المعنى راغب فيما عندي وراهب مني. أو المراد الناس راغب في الخلافة وراهب منها، فإن وليت الراغب فيها خشيت أن لا يعان عليها، وان وليت الراهب منها خشيت أن لا يقوم بها.
وذكر القاضي عياض توجيها آخر: أنهما وصفان لعمر أي راغب فيما عند الله، وراهب من عقابه فلا أعول على ثنائكم وذلك يشغلني عن العناية بالاستخلاف عليكم فتح الباري (3/ 207) .
5 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الأحكام: باب الاستخلاف واللفظ له. انظر: فتح الباري (13/ 255، 256) . وأخرجه مسلم في صحيحه، كتاب الإمارة: باب الاستخلاف وتركه (6/4، 5) .
وجاء في رواية لمسلم قال عبد الله: فوالله ما هوإلا أن ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبا بكرفعلمت أنه لم يكن ليعدل برسول الله صلى الله عليه وسلم أحدا وأنه غير مستخلف"1.
فعمر بن الخطاب رضي الئه عنه تمسك بسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم وقدمها على سنة أبي بكر مع أن العمل بها جائز عنده.
ولما قبل رضي الله عنه الحجر الأسود قال: "أما والله إني لأعلم أنك حجر لا تضر ولا تنفع ولولا أني رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم استلمك ما استلمتك"2.
- عثمان بن عفان3 رضي الله عنه:
عن زينب بنت كعب بن عجرة4 أن الفريعة بنت مالك بن سنان5 وهي أخت أبي سعيد الخدري، أخبرتها: "أنها جاءت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم تسأله أن ترجع إلى أهلها في بني خدرة، وأن زوجها خرج في طلب أعبد له أبقوا حتى إذا كان بطرف القدوم لحقهم فقتلوه. قالت: فسألت رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أرجع إلى أهلي فإن زوجي لم يترك لي مسكنا يملكه ولا نفقة. قالت: فقال
1 أخرجه في صحيحه، كتاب الإمارة، باب الاستخلاف وتركه (6/ 5)
2 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الحج: باب الرمل في الحج والعمرة، واللفظ له. انظر: فتح الباري (3/ 471) ح 1605، وأخرجه مسلم في صحيحه، كتاب الحج: باب استحباب تقبيل الحجر الأسود في الطواف (4/ 67) .
3 عثمان بن عفان، ولد بعد الفيل بست سنين، أسلم على يد الصديق، وقد تزوج بنتي رسرل الله صلى الله عليه وسلم: رقية وأم كلثوم ولذلك سمي ذا النورين، وقد ولي الخلافة سنة 24 هـ، وقعت في عهده الفتنة فقتل رضي الله عنه سنة 35 هـ. تهذيب التهذيب (7/ 139، 142) .
4 زينب بنت كعب بن عجرة صحابية تزوجها أبو سعيد الخدري. الإصابة (4/ 312) .
5 الفريعة بنت مالك بن سنان الخدرية، صحابية جليلة وقصتها مذكورة في الحديث الذي معنا. الإصابة (4/ 375) .
رسول الله صلى الله عليه وسلم: "نعم". قالت: فانصرفت حتى إذا كنت في الحجرة (أو في المسجد) نادانى رسول الله صلى الله عليه وسلم، أو أمر لي فنوديت له، فقال:"كيف قلت؟ "، قالت: فرددت عليه القصة التي ذكرت له من شأن زوجي. قال: "امكثى في بيتك حتى يبلغ الكتاب أجله". قالت: فاعتددت فيه أربعة أشهر وعشرا. قالت: فلما كان عثمان أرسل إلي فسألني عن ذلك فأخبرته وقضى به"1.
والشاهد من هذا الحديث أن عثمان لما أشكل عليه حكم اعتداد المرأة في بيتها بعد وفاة زوجها، أرسل إلى الفريعة بنت مالك يسألها فأخبرته أن النبي صلى الله عليه وسلم أمرها بعد وفاة زوجها أن تمكث في بيته حتى يبلغ الكتاب أجله. فقضى عثمان رضي الله عنه بسنة المصطفى صلى الله عليه وسلم.
- علي بن أبي طالب رضي الله عنه:
لما بلغه أن عثمان رضي الله عنه ينهى عن متعة الحج، أهل علي رضي الله عنه بالعمرة والحج جميعا وقال:"ما كنت لأدع سنة النبي صلى الله عليه وسلم لقول أحد"2. وعنه رضي الله عنه أنه قال: "ألا إني لست بنبي ولا يوحى إلي ولكني
1 أخرجه الإمام مالك في الموطأ (2/ 591) في الطلاق، باب مقام المتوفي عنها زوجها في بيتها وأخرجه أبو داود في السنن، كتاب الطلاق، باب في المتوفي عنها تنتقل (2/ 723، 724) ح 2300، وأخرجه الترمذي في سننه، كتاب الطلاق: باب ما جاء أين تعتد المتوفي عنها زوجها واللفظ له، وقال: هذا حديث حسن صحيح (3/ 508) ح 1204، وأخرجه النسائي، في السنن الصغرى: كتاب الطلاق باب مقام المتوفي عنها زوجها في بيتها حتى تحل (6/ 199) .
2 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الحج: باب التمتع والقران والإفراد بالحج
…
انظر فتح الباري (3/ 421) ، وأخرجه مسلم في صحيحه كتاب الحج، باب جواز التمتع (4/ 46) .
أعمل بكتاب الله وسنة محمد صلى الله عليه وسلم ما استطعت"1.
- أبي بن كعب وضي الله عنه 2:
روي عنه أنه قال: "عليكم بالسبيل والسنة فإنه ما على الأرض من عبد على السبيل والسنة ذكر الله في نفسه ففاضت عيناه من خشية ربه فيعذبه الله أبدا، وما على الأرض من عبد على السبيل والسنة ذكر الله في نفسه فاقشعر جلده من خشية الله إلا كان مثله كمثل شجرة قد يبس ورقها فهي كذلك إذ أصابتها ريح شديدة، فتحات عنها ورقها، إلا حط الله خطاياه كما تحات من الشجرة ورقها، فإن اقتصادا في سبيل وسنة خير من اجتهاد في خلاف سبيل وسنة وموافقة بدعة، وانظروا أن يكون عملكم إن كان اجتهادا واقتصادا أن يكون على منهج الأنبياء وسنتهم"3.
- عبد الله بن عباس رضي الله عنهما:
روي عنه أنه قال: "من أحدث رأيا ليس في كتاب الله ولم تمض به سنة من رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يدر ما هو عليه إذا لقي الله عز وجل"4.
وعنه رضي الله عنه قال: "عليك بتقوى الله والاستقامة واتبع ولا تبتدع"5
1 أورده القاضي عياض في الشفا (2/ 556) .
2 أبي بن كعب الأنصاري، كان من أصحاب العقبة الثانية وشهد بدرا فما بعدها سيد القراء وهو أول من كتب للنبي صلى الله عليه وسلم، توفي سنة 22 هـ. الإصابة (1/ 31- 32) .
3 أخرجه ابن المبارك في الزهد (2/ 21، 22) واللالكائي في شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة (1/ 54) ، وأبو نعيم في الحلية (1/ 252- 253) .
4 أخرجه الدارمي في سننه، باب الفتيا وما فيه من الشدة (1/ 57) وأخرجه ابن وضاح في البدع والنهي عنها، باب تغيير البدع (ص 38) . وأورده الشاطبي في الاعتصام (1/ 81) .
5 أخرجه الدارمي في سننه، باب من هاب الفتيا وكره التنطع والتبدع (1/ 53) .
- عبد الله بن مسعود رضي الله عنه:
روي عنه رضي الله عنه أنه قال: "اتبعوا ولا تبتدعوا فقد كفيتم" 1، وعنه أنه قال:"إنا نقتدي ولا نبتدئ ونتبع ولا نبتدع ولن نضل ما تمسكنا بالأثر"2. وعنه رضي الله عنه أنه قال: "الاقتصاد في السنة خير من الاجتهاد في البدعة"3.
- عبد الله بن عمررضي الله عنهما:
فعن سالم بن عبد الله4 أن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: "سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "لا تمنعوا نساءكم المساجد إذا استأذنكم إليها". فقال بلال بن عبد الله5: والله لنمنعهن. قال: فأقبل عليه عبد الله فسبه سبا سيئا ما سمعته سبه مثله قط. وقال: أخبرك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وتقول والله لنمنعهن6.
1 أخرجه الدارمي في سننه، باب في كراهة أخذ الرأي (1/ 69) ، وأخرجه ابن وضاح في البدع والنهي عنها، باب ما يكون من بدعة (ص 10) ، وأخرجه اللالكائي في السنة (1/ 86) ح 104، وقال الهيثمي في مجمع الزوائد (1/ 181) : رجاله رجال الصحيح.
2 أخرجه اللالكائى في السنة (1/ 86) ح 106.
3 أخرجه الحاكم في المستدرك (1/ 103) وقال على شرطهما وأقره الذهبي، واللالكائى في السنة (1/ 55) ح 14، وابن وضاح في البدع والنهي عنها (ص 11) وابن عبد البر في جامعه (2/ 230) . وقال الهيثمي في مجمع الزوائد (1/ 188) رجاله ثقات.
4 سالم بن عبد الله بن عمر بن الخطاب، أحد فقهاء المدينة السبعة ومن أفاضل التابعين، مات سنة 106 هـ. تهذيب التهذب (3/ 437، 438) .
5 بلال بن عبد الله بن عمر بن الخطاب، ذكره مسلم في الطبقة الأولى من المدنيين وعده يحي القطان في فقهاء أهل المدينة. تهذيب التهذيب (1/ 554) .
6 أخرجه بهذا اللفظ مسلم في صحيحه، كتاب الصلاة: باب خروج النساء إلى المساجد (2/ 32) .
قال رضي الله عنه: "يا معشر القراء استقيموا فقد سبقتم سبقا بعيدا، فإن أخذتم يمينا وشمالا لقد ضللتم ضلالا بعيدا"1.
قال ابن حجر: "فقوله: "يا معشر القراء" المراد بهم العلماء بالقرآن والسنة العباد. وقوله: "استقيموا" أي اسلكوا طريق الاستقامة وهي كناية عن التمسك بأمر الله فعلا وتركا. وقوله "سبقتم" بفتح أوله كما جزم به ابن التين وحكى غيره ضمه والأول المعتمد، والمراد أنه خاطب بذلك من أدرك أوائل الإسلام فإذا تمسك بالكتاب والسنة سبق إلى كل خير لأن من جاء بعده إن عمل بعمله لم يصل إلى ما وصل إليه من سبقه إلى الإسلام، وإلا فهو أبعد منه حسا وحكما. وقوله "فإن أخذتم يمينا وشمالا" أي خالفتم الأمر المذكور. وكلام حذيفة منتزع من قوله تعالى: {وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ} "2.
ب- من أقوال التابعين ومن بعدهم:
- عمر بن عبد العزيز3 رحمه الله تعالى:
فمما نقل عنه أنه كتب عامل له يسأله عن الأهواء؟، فكتب إليه: "أما بعد فإني أوصيك بتقوى الله والاقتصاد في أمره واتباع سنته
1 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الاعتصام، باب الاقتداء انظر: فتح الباري (3/ 350)
2 فتح الباري (13/ 257) باختصار يسير.
3 عمر بن عبد العزيز، الخليفة الأموي الصالح عده بعضهم خامس الخلفاء، ولي الخلافة عام 99 هـ، وتوفي عام 101 هـ، وله أخبار في العدل والزهد كثيرة. تذكرة الحفاظ (1/ 118) .
وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، وترك ما أحدث المحدثون بعده مما جرت به سنته وكفوا مؤنته، فعليك بلزوم السنة فإنها لك بإذن الله عصمة
…
"1
وروي عنه أنه قال: "سن رسول الله صلى الله عليه وسلم وولاة الأمر من بعده سننا، الأخذ بها تصديق بكتاب الله، واستكمال لطاعة الله وقوة على دين الله، من عمل بها فهو مهتد، ومن استنصر بها فهو منصور ومن خالفها اتبع غير سبيل المؤمنين، وولاه الله ما تولى، وأصلاه جهنم وساءت مصيرا"2.
- محمد بن مسلم الزهري3:
روي عنه أنه قال: "كان من مضى من علمائنا يقولون الاعتصام بالسنة نجاة، والعلم يقبض قبضا سريعا، فنعش العلم ثبات الدين والدنيا، وفي ذهاب العلم ذهاب ذلك كله"4.
- مجاهد بن جبر5:
روي عنه أنه قال عند تفسير قوله تعالى: {فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ} الآية.
1 الشريعة للآجري (ص 48) ، وكتاب البدع والنهي عنها لابن وضاح (ص 30) ، وكتاب الاعتصام للشاطبي (1/ 50) ، وجامع بيان العلم وفضله (ص 21) .
2 الشريعة للآجري (ص 48) ، وجامع بيان العلم وفضله (2/ 32) ، والاعتصام للشاطبي (1/ 87) .
3 تابعي من أهل المدينة، أول من دون الحديث وهو من كبار الحفاظ الفقهاء، لقي بعض الصحابة قال مالك:"بقي ابن شهاب وما له في الدنيا نظير"، توفي عام 124 هـ.
التذكرة (108) ، والبداية (9/ 345) .
4 أخرجه الدارمي في سننه (1/ 45) باب اتباع السنة.
5 هو مجاهد بن جبر المكي تابعي إمام في التفسير، مات في السجود عام 104 هـ وقيل 103 هـ. التذكرة (92) ، والتهذيب (10/ 42) .
قال الرد إلى الله: الرد إلى كتابه، والرد إلى الرسول: الرد إلى السنة"1.
- أبو العالية2:
روي عنه أنه قال: "تعلموا الإسلام، فإذا تعلمتموه فلا ترغبوا عنه، وعليكم بالصراط المستقيم فإنه الإسلام، ولا تحرفوا الصراط يمينا أو شمالا، وعليكم بسنة نبيكم، وما كان عليه أصحابه"3.
- أيوب السختياني4:
روي عنه أنه قال: "إذا حُدث الرجل بسنة فقال: دعنا من هذا وأنبئنا عن القرآن، فاعلم أنه ضال"5.
ج- الأئمة الأربعة:
- أبو حنيفة النعمان6:
روي عنه قوله رحمه الله: "إذا جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم فعلى الرأس والعين،
1 أخرجه الطبري في تفسيره (8/ 505) .
2 أبو العالية رُفيع - بضم الراء مصغرا - بن مهران الرياحي - مولى امرأة من بني رياح، قال أبو بكر ابن أبي داود:"ليس أحد أعلم بالقرآن بعد الصحابة من أبي العالية"، توفي عام 13 هـ. التذكرة (61) ، والطبقات (7/ 112) ، واللباب (2/ 46) .
3 أخرجه ابن وضاح في البدع والنهي عنها (ص 32) ، وأورده الشاطبي في الإعتصام (1/ 85)
4 هو: أبو بكر أيوب بن أبي تميمة السختيانى - بفتح السين - نسبة إلى عمل السختيان وبيعه - وهي الجلود الضأنية - قال ابن سعد: "كان أيوب ثفة ثبتا في الحديث جامعا عدلا ورعا كثير العلم حجة"، توفي سنة 131 هـ. انظر: الطبقات (7/ 246) ، واللباب (2/ 108)
5 أورده السيوطي في مفناح الجنة (ص 35) وعزاه للبيهقي.
6 أبو حنيفة هو النعمان بن ثابت التيمي مولاهم الكوفي، أحد الأئمة الأربعة وإليه ينتسب الأحناف ولد سنة 80 هـ، وتوفي سنة 150 هـ. البداية (10/ 107) .
وإذا جاء عن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم نختار من قولهم، وإذا جاء عن التابعين زاحمناهم"1
وروي عنه قوله: "آخذ بكتاب الله، فما لم أجد فبسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإن لم أجد في كتاب الله ولا سنة أخذت بقول أصحابه، آخذ بقول من شئت منهم، وأدع قول من شئت منهم ولا أخرج من قولهم إلى قول غيرهم
…
"2.
- مالك بن أنس (إمام دار الهجرة) :
قال رحمه الله تعالى: "من ابتدع في الإسلام بدعة يراها حسنة فقد زعم أن محمدا خان الرسالة، لأن الله يقول: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ} ، فما لم يكن يومئذ دينا فلا يكون اليوم دينا"3.
وكان رحمه الله كثيرا ما يقول:
وخير أمور الدين ما كان سنة
…
وشر الأمور المحدثات البدائع4
ومن قوله كذلك: "قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد تم هذا الأمر واستكمل، فإنما ينبغي أن نتبع آثار رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا نتبع الرأي"5.
وجاء رجل إلى مالك فسأله عن مسألة فقال له: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم كذا وكذا، فقال الرجل: أرأيت، فقال مالك:{فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} 6
1 المدخل إلى السنن الكبرى للبيهقي (ص 111) بتحقيق محمد ضياء الرحمن الأعظمي.
2 المدخل إلى السنن (ص 204) .
3 الإعتصام للشاطبي (1/ 49) .
4 الاعتصام للشاطبي (1/ 85) .
5 المصدر السابق (1/ 105) .
6 المدخل إلى السنن الكبرى للبيهقي (ص 201) .
- محمد بن إدريس الشافعي:
ورد عنه أنه قال: "الحجة في كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم واتفاق الأئمة"1، وقال:"ليس في سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا اتباعها"2
وروى رحمه الله يوما حديثا فقال له رجل: أتأخذ بهذا يا أبا عبد الله؟، فقال: متى ما رويت عن رسول الله حديثا صحيحا فلم آخذ به فأشهدكم أن عقلي قد ذهب"3.
وروي عنه أنه قال: "إذا وجدتم في كتابي خلاف سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم فقولوا بسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ودعوا ما قلت"4.
وروي عنه أنه قال: "آمنت بما جاء عن الله، وبما جاء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم على مراد رسول الله"5.
- أحمد بن حنبل (إمام أهل السنة) :
ورد عنه قوله: "أصول السنة عندنا التمسك بما كان عليه أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم والاقتداء بهم وترك البدع وكل بدعة فهي ضلالة، وترك الخصومات والجلوس مع أصحاب الأهواء، وترك المراء والجدال والخصومات في الدين.
1 رسالة التقليد لابن القيم (ص 83) .
2 الشفا (2/ 558) .
3 المدخل إلى السنن الكبرى للبيهقي (ص 205) رقم 250، وأخرجه ابن أبي حاتم في آداب الشافعي ومناقبه (ص 67) ، وأبو نعيم في الحلية (9/ 106) ، والخطيب في الفقيه والمتفقه (1/ 150) ، وأورده السيوطي في مفتاح الجنة في الاحتجاج بالسنة (ص 49، 50) .
4 أخرجه الخطيب في الفقيه والمتفقه (1/ 150) ، والمدخل إلى السنن (ص 205) ، والحلية (9/ 107) .
5 مجموع الفتاوى (4/ 2) .
والسنة عندنا آثار رسول الله صلى الله عليه وسلم، والسنة تفسر القرآن وهي دلائل القرآن، وليس في السنة قياس، ولا تضرب لها الأمثال ولا تدرك بالعقول ولا الأهواء إنما هي الاتباع وترك الهوى"1.
وقال أيضا: "الاتباع أن يتبع الرجل ما جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه ثم هو بعد مع التابعين مخير"2.
وما أوردته من آثار وأقوال عن السلف ههنا إنما هو عبارة عن نماذج لما ورد عنهم في هذا الشأن3.
ويتضح من خلال تلك النصوص إجماع سلف الأمة وأئمتها على وجوب الأخذ بسنة المصطفى صلى الله عليه وسلم والتمسك بها في كل الجوانب واتباع ما جاء به صلى الله عليه وسلم اعتقادا وقولا وعملا. والتحذير من مخالفة السنة والابتداع فيها وتقديم الهوى والرأي عليها.
1 السنة للالكائي (1/ 156) .
2 إيقاظ همم أولي الأبصار (ص 113) .
3 من أراد الاستزادة من أقوال السلف في هذا الشأن فعليه بالكتب التالية:
أ- أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة للحافظ اللالكائي.
ب- المدخل إلى السنن الكبرى للبيهقي.
ج- الأمر بالاتباع والنهي عن الابتداع للسيوطي.
د- مفتاح الجنة في الاحتجاج بالسنة للسيوطي