المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌المطلب الأول: تعريف الإيمان عموما - حقوق النبي صلى الله عليه وسلم على أمته في ضوء الكتاب والسنة - جـ ١

[محمد بن خليفة التميمي]

فهرس الكتاب

- ‌مقدمة

- ‌تمهيد

- ‌الباب الأول: وجوب الإيمان بالنبي صلى الله عليه وسلم وطاعته واتباع سنته

- ‌الفصل الأول: وجوب الإيمان بالنبي صلى الله عليه وسلم

- ‌المبحث الأول: تعريف الإيمان وبيان معنى شهادة أن محمدا رسول الله

- ‌المطلب الأول: تعريف الإيمان عموما

- ‌المطلب الثاني: تعريف الإيمان بالنبي صلى الله عليه وسلم

- ‌المطلب الثالث: معنى شهادة أن محمدا رسول الله صلى الله عليه وسلم

- ‌المطلب الرابع: نواقض الإيمان بالنبي صلى الله عليه وسلم

- ‌المبحث الثاني: وجوب الإيمان بنبوته ورسالته صلى الله عليه وسلم

- ‌المطلب الأول: معنى النبوة والرسالة

- ‌المطلب الثاني: الأدلة من القرآن والسنة على وجوب الإيمان به صلى الله عليه وسلم

- ‌المطلب الثالث: دلائل نبوته صلى الله عليه وسلم

- ‌المبحث الثالث: وجوب الإيمان بعموم رسالته صلى الله عليه وسلم

- ‌المطلب الأول: الأدلة من القرآن على عموم رسالته

- ‌المطلب الثاني: الأدلة من السنة على عموم رسالته

- ‌المطلب الثالث: دليل الإجماع على عموم رسالته

- ‌المبحث الرابع: وجوب الإيمان بأنه صلى الله عليه وسلم خاتم النبيين

- ‌المطلب الأول: معنى ختم النبوة

- ‌المطلب الثاني: الأدلة من القرآن الكريم على ختم النبوة

- ‌المطلب الثالث: الأدلة من السنة على ختم النبوة:

- ‌المطلب الرابع: ما ورد عن الصحابة رضوان الله عليهم في تأكيد عقيدة ختم النبوة

- ‌المطلب الخامس: إجماع الأمة

- ‌‌‌المبحث الخامس: وجوب الإيمان بأن النبي صلى الله عليه وسلم قد بلغ الرسالة وأكملها

- ‌المبحث الخامس: وجوب الإيمان بأن النبي صلى الله عليه وسلم قد بلغ الرسالة وأكملها

- ‌المبحث السادس: وجوب الإيمان بعصمته صلى الله عليه وسلم

- ‌المطلب الأول: تعريف العصمة

- ‌المطلب الثاني: الجوانب التي عصم فيها النبي صلى الله عليه وسلم

- ‌المطلب الثالث: مسألة وقوع الخطأ منه

- ‌الفصل الثاني: وجوب طاعته ولزوم سنته والمحافظة عليها

- ‌المبحث الأول: الأدلة على وجوب طاعته

- ‌المطلب الأول: الأدلة من القرآن

- ‌المطلب الثاني: الأدلة من السنة على وجوب طاعته صلى الله عليه وسلم

- ‌المطلب الثالث: دليل الإجماع على وجوب طاعته

- ‌المبحث الثاني: منهج السلف في اتباعه وطاعته

- ‌المطلب الأول: منهجهم في الاتباع

- ‌المطلب الثاني: محاربة السلف لما يناقض الاتباع

- ‌المبحث الثالث: التحذير من معصية الرسول صلى الله عليه وسلم وحكم من خالفه

- ‌المطلب الأول: الأدلة من القرآن الكريم على التحذير من معصية الرسول صلى الله عليه وسلم وحكم من خالفه

- ‌المطلب الثاني: الأدلة من السنة على التحذير من معصية الرسول صلى الله عليه وسلم وحكم من خالفه:

- ‌الباب الثاني: وجوب محبته صلى الله عليه وسلم

- ‌الفصل الأول: بيان المعنى الصحيح لمحبته والأدلة على وجوبها

- ‌المبحث الأول: المعنى الصحيح لمحبته

- ‌المطلب الأول: تعريف المحبة

- ‌المطلب الثاني: أقسام المحبة:

- ‌المطلب الثالث: حقيقة المحبة الشرعية:

- ‌المطلب الرابع: المعنى الصحيح لمحبة النبي صلى الله عليه وسلم وانقسام الناس فيها:

- ‌المبحث الثاني: الأدلة على وجوب محبته صلى الله عليه وسلم

- ‌المطلب الأول: الأدلة من القرآن على وجوب محبته صلى الله عليه وسلم

- ‌المطلب الثاني: الأدلة من السنة على وجوب محبته صلى الله عليه وسلم

- ‌المطلب الثالث: ما جاء عن الصحابة في شأن محبته صلى الله عليه وسلم

- ‌الفصل الثاني: علامات محبته صلى الله عليه وسلم والثواب المترتب عليها

- ‌المبحث الأول: علامات محبته صلى الله عليه وسلم

- ‌المطلب الأول: من علامات محبته اتباعه والأخذ بسنته صلى الله عليه وسلم

- ‌المطلب الثاني: من علامات محبته الإكثار من ذكره صلى الله عليه وسلم

- ‌المطلب الثالث: من علامات محبته صلى الله عليه وسلم تمني رؤيته والشوق إلى لقائه

- ‌المطلب الرابع: من علامات محبته صلى الله عليه وسلم النصيحة لله ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين عامتهم

- ‌المطلب الخامس: من علامات محبته صلى الله عليه وسلم تعلم القرآن الكريم

- ‌المطلب السادس: من علامات محبته صلى الله عليه وسلم محبة من أحبهم النبي صلى الله عليه وسلم

- ‌المطلب السابع: من علامات محبته صلى الله عليه وسلم بغض من أبغض الله ورسوله

- ‌المطلب الثامن: من علامات محبته صلى الله عليه وسلم الزهد في الدنيا

- ‌المطلب التاسع: التحذير من علامات المحبة البدعية

- ‌المبحث الثاني: ثواب محبته صلى الله عليه وسلم

- ‌المطلب الأول: ثمار المحبة في الحياة الدنيا

- ‌المطلب الثاني: ثواب المحبة في الآخرة

الفصل: ‌المطلب الأول: تعريف الإيمان عموما

‌الباب الأول: وجوب الإيمان بالنبي صلى الله عليه وسلم وطاعته واتباع سنته

‌الفصل الأول: وجوب الإيمان بالنبي صلى الله عليه وسلم

‌المبحث الأول: تعريف الإيمان وبيان معنى شهادة أن محمدا رسول الله

‌المطلب الأول: تعريف الإيمان عموما

المطلب الأول: تعريف الإيمان عموما.

أ- المعنى اللغوي لكلمة "آمن":

الإيمان مصدر آمن يؤمن إيمانا فهو مؤمن

أ- ويرى جمع من أهل اللغة أن الإيمان في اللغة معناه: التصديق وقد حكوا الإجماع على ذلك قال الأزهري1: "واتفق أهل العلم من اللغويين وغيرهم أن الإيمان معناه التصديق"2.

واستدلوا لذلك بقوله تعالى حكاية عن إخوة يوسف لأبيهم {وَمَا أَنْتَ بِمُؤْمِنٍ لَنَا وَلَوْ كُنَّا صَادِقِينَ} 3 فقالوا معناه ما أنت بمصدق لنا4.

2-

أما علماء السلف5 فيقولون إن الإيمان يأتي في اللغة لمعنيين هما:

أ- بمعنى صدق به وذلك إذا عدي بالباء كما في قوله تعالى {آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ

} الآية6 أي صدق الرسول7.

ب- وبمعنى أقر له وذلك إذا عدي باللام كما في قوله تعالى {وَمَا أَنْتَ بِمُؤْمِنٍ لَنَا وَلَوْ كُنَّا صَادِقِينَ} ، وقوله تعالى {فَآمَنَ لَهُ لُوط} 8.

1 هو: محمد بن أحمد بن الأزهر الهروي أبو منصور أحد الأئمة في اللغة والأدب ولد سنة 282هـ وتوفي سنة 370هـ وهو صاحب كتاب تهذيب اللغة. انظر الأعلام للزركلي (5/311) .

2 تهذيب اللغة (5/513) .

3 الآية (7) من سورة يوسف.

4 لسان العرب لابن منظور، مادة آمن (13/23) .

5 شرح العقيدة الأصفهانية لشيخ الإسلام ابن تيمية (ص 143) .

6 الآية (285) من سورة البقرة.

7 تفسير القرطبى (3/ 425) .

8 الآية (6) من سورة العنكبوت.

ص: 22

وقد اعترض السلف على حصر أهل اللغة لمعنى الإيمان بالتصديق فقط وقالوا: "إن الإيمان وإن كان يتضمن التصديق فليس هو مجرد التصديق، وإنما هو الإقرار1 والطمأنينة أيضا"2 واستدل السلف لقولهم بالأمور التالية:

أولا: إن الترداف التام ممتنع بين التصديق والإيمان من عدة وجوه، يوضحها الجدول التالي

الإيمان

التصديق

- إن كلمة آمن تتعدى بالباء وباللام وقد تقدم التمثيل لذلك.

- إن كلمة آمن تتضمن ثلاثة معان هي: الأمن، والتصديق، والأمانة

- إن لفظ الإيمان لا يستعمل إلا في الخبر عن الغائب لأن فيه أصل معنى الأمن والائتمان وهذا إنما يكون في الخبر عن الغائب، فلا يقال لمن قال طلعت الشمس آمنا له وإنما يقال صدقناه ولهذا لم يأت في القرآن وغيره لفظ آمن له إلا في الخبر عن الغائب

- إن لفظ الإيمان ضده الكفر، والكفر لا يختص بالتكذيب فقط بل هو أعم منه، إذ يمكن أن يكون مخالفة ومعاداة بلا تكذيب ومع ذلك يسمى كفرا كما لو قال شخص: أنا أعلم أنك صادق، ولكن لا أتبعك بل أعاديك وأبغضك وأخالفك، فهذا كفر أعظم.

- أما كلمة "صدق" فلا تتعدى باللام فلا يقال "صدق له" إنما يقال "صدق به" فهي تتعدى بالباء وبنفسها فيقال صدقه.

- أما كلمة صدق فلا تتضمن معنى الأمن والأمانة.

- أما لفظ التصديق فيستعمل في كل مخبر عن مشاهد أو غيب، فمن قال السماء فوقنا، قيل له: صدقت

- أما لفظ التصديق ضده التكذيب فقط.

1 الإقرار: متضمن لمعنيين هما: قول القلب الذي هو التصديق. وعمل القلب الذي هو الانقياد. مجموع الفتاوى (7/ 638- 639) .

2 الصارم المسلول لابن تيمية (ص519) .

ص: 23

وبهذا يتبين عدم الترداف التام بين اللفظين، وأن الإيمان ليس التصديق فقط1 كما أن الكفر ليس التكذيب فقط.

ثانيا: من المعلوم أن كلام الله وشرعه إنما هو خبر وأمر.

فالخبر: يستوجب تصديق الخبر.

والأمر يستوجب الانقياد له والاستسلام، وهو عمل في القلب، جماعه: الخضوع والانقياد للأمر، وإن لم يفعل المأمور به.

فإذا قوبل الخبر بالتصديق، والأمر بالانقياد، فقد حصل أصل الإيمان في القلب وهو "الطمأنينة والإقرار" فإن اشتقاقه من الأمن الذي هو القرار والطمأنينة، وذلك إنما يحصل إذا استقر في القلب التصديق والانقياد. فلو فُسِّر الإيمان بالتصديق فقط، كما قال أهل اللغة، فإن التصديق إنما يعرض للجزء الأول من الشرع فقط الذي هو الخبر، ولا يعرض للجزء الثاني وهو الأمر، لأن الأمر ليس فيه تصديق من حيث هو أمر.

ومن المعلوم أن إبليس لم يكفر بسبب عدم تصديقه، فإنه سمع أمر الله فلم يكذب رسولا، ولكن لم ينقد للأمر ولم يخضع له، واستكبر عن الطاعة فصار كافرا، قال تعالى:{إِلَاّ إِبْلِيسَ أَبَى وَاسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ} 2 فسماه الله كافرا وسلب عنه وصف الإيمان لاستكباره وعدم انقياده لأمرالله له بالسجود لآدم.

لازم القول بأن الإيمان مجرد التصديق فقط.

وهذا موضع زاغ فيه خلق من الخلف تخيل لهم أن الإيمان ليس في الأصل

1 انظر شرح العقيدة الطحاوية (ص380 - 381) .

2 الآية (4) من سورة البقرة.

ص: 24

إلا التصديق، ثم يرون مثل إبليس وفرعون مما لم يصدر عنه تكذيب أو صدر عنه تكذيب باللسان لا بالقلب وكفره من أغلظ الكفر فيتحيرون.

ومثل هؤلاء القوم لو أنهم هُدوا لما هُدي إليه السلف الصالح لعلموا أن الإيمان قول وعمل أعني في الأصل قولا في القلب، وعملا في القلب، فإن الإيمان بحسب كلام الله ورسالته- وكلام الله ورسالته يتضمن أخباره وأوامره- فيصدق القلب أخباره تصديقا يوجب حالا في القلب بحسب المصدق به، والتصديق هو من نوع العلم والقول، وينقاد لأمره ويستسلم، وهذا الانقياد والاستسلام هو من نوع الإرادة والعمل، ولا يكون مؤمنا إلا بمجموع الأمرين فمتى ترك الانقياد كان مستكبرا فصار من الكافرين وإن كان مصدقا، لأن الكفر أعم من التكذيب، فالكفر يكون تكذيبا وجهلا، ويكون استكبارا وظلما، ولهذا لم يوصف إبليس إلا بالكفر والاستكبار دون التكذيب، ولهذا كان كفر من يعلم مثل اليهود ونحوهم من جنس كفر إبليس، وكان كفر من يجهل مثل النصارى ونحوهم ضلالا وهو "الجهل" ألا ترى أن نفرا من اليهود جاءوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم وسألوه عن أشياء، فأخبرهم، فقالوا: نشهد أنك نبي، ولم يتبعوه، وكذلك هرقل وغيره، فلم ينفعهم هذا العلم وهذا التصديق.

ألا ترى أن من صدق الرسول بأن ما جاء به هو رسالة الله، وقد تضمنت خبزا وأمرا، فإنه يحتاج إلى مقام ثان، وهو تصديق خبر الله وانقياده لأمر الله، فإذا قال:"أشهد أن لا إله إلا الله" فهذه الشهادة تتضمن تصديق خبره والانقياد لأمره. "وأشهد أن محمدا رسول الله" تضمنت تصديق الرسول فيما جاء به من عند الله.

ص: 25

فبمجموع هاتين الشمهادتين يتم الإقرار.

فلما كان التصديق لا بد منه في كلا الشهادتين- وهو الذي يتلقى الرسالة بالقبول- ظن من ظن أنه أصل لجميع الإيمان وغفل عن أن الأصل الآخر لا بد منه وهو الانقياد، وإلا فقد يصدق الرسول، ظاهرا وباطنا ثم يمتنع من الانقياد للأمر، إذ غايته في تصديق الرسول أن يكون بمنزلة من سمع الرسالة من الله سبحانه كإبليس"1.

ثالثا: ما استدل به أهل اللغة على أن معنى الإيمان في قوله تعالى {وَمَا أَنْتَ بِمُؤْمِنٍ لَنَا وَلَوْ كُنَّا صَادِقِينَ} هو التصديق غير مسلم.

إذ يرى علماء السلف أن تفسيرها بـ "أقررت" أقرب من تفسيرها بـ " صدقت " وذلك لأن لفظ "آمن" متى عُدّي باللام يكون بمعنى "أقر" وليس بمعنى "صدق"، إذ لا يكون بمعنى صدق الا إذا عُدّي بالباء أوبنفسه.

ب- المعنى الشرعي للإيمان:

تنوعت عبارات السلف في تعريف الإيمان:

أ- فتارة يقولون: الإيمان قول وعمل.

2-

وتارة يقولون: هو قول وعمل ونية.

3-

وتارة يقولون: هو قول وعمل ونية واتباع سنة 2.

4-

وتارة يقولون: الإيمان: قول اللسان، واعتقاد بالقلب، وعمل بالجوارح يزيد بالطاعة وينقص بالمعصية3.

1 الصارم المسلول (ص 519- 520) بتصرف.

2 هذه التعريفات الثلاثة أوردها شيخ الاسلام ابن تيمية في كتابه الايمان. انظر (ص 162) .

3 مجمرع الفتاوى (7/642) .

ص: 26

قال شيخ الإسلام ابن تيمية1 بعد أن أورد التعريفات الثلاثة الأول: "وكل هذا صحيح"2 وعلل ذلك بقوله3:

"فمن قال إن الإيمان قول وعمل فمرداه قول اللسان والقلب وعمل القلب والجوارح".

وقول اللسان وعمل الجوارح معروفان.

وأما المقصود من قول القلب: فهو إقراره ومعرفته وتصديقه.

وأما عمله: فهو انقياده لما صدق به.

ومن عبر عن الإيمان بهذا التعريف ليس مراده كل قول أو عمل وإنما المراد ما كان مشروعا من الأقوال والأعمال.

كما أن تعبير بعض السلف بهذه العبارة في تعريف الإيمان إنما جاء في معرض الرد على المرجئة4 الذين جعلوه قولا فقط، فقال بعض السلف ردا عليهم: بل قول وعمل5.

1 هو شيخ الاسلام تقي الدين أحمد بن عبد الحليم بن عبد السلام بن عبد الله بن الخضر بن محمد ابن تيمية النميرى، الحرّاني الدمشقي، ولد سنة إحدى وستين وستمائة (661هـ) بحران، وتوفي سنة ثمان وعشرين وسبعمائة

(728 هـ) بدمشق، اشتهر رحمه الله بالعلم والزهد والورع والعبادة والجهاد والدفاع عن عقيدة السلف وقد ألف في سيرته المؤلفات الكثيرة.

انظر: "كتاب الشهادة الزكية في ثناء الأئمة على ابن تيمية" تأليف مرعي بن يوسف الحنبلي.

2 كتاب الإيمان لشيخ الاسلام ابن تيمية (ص 162) .

3 كلام شيخ الإسلام نقلته بتصرف من كتابه الايمان (ص 162- 163) .

4 المرجئة هم الذين أرجؤوا العمل عن مسمى الإيمان وهم خمس طوائف سيأتي ذكرهم.

5 قال شيخ الاسلام ابن تيمية: "الناس لهم في مسمى الكلام والقول عند الإطلاق أربعة أقوال:

ا- فالذي عليه السلف والفقهاء والجمهور أنه يتناول اللفظ والمعنى جميعا.

2-

وقيل: بل مسماه اللفظ، والمعنى ليس جزء مسماه بل هو مدلول مسماه، وهذا قول كثير من أهل الكلام من المعتزلة وغيرهم وطائفة من المنتسبين الى السنة، وهو قول النحاة لأن صناعتهم متعلقة بالألفاظ.

3-

وقيل: مسماه هو المعنى وإطلاق الكلام على اللفظ مجاز لأنه دال عليه وهذا قول ابن كلاب ومن اتبعه.

4-

وقيل: بل هو مشترك بين اللفظ والمعنى وهو قول بعض المتأخرين من الكلابية ولهم قول ثالث يروى عن أبي الحسن أنه مجاز في كلام الله حقيقة في كلام الآدميين" كتاب الإيمان (ص 162) .

ص: 27

وأما من عرفه بقوله هو قول وعمل ونية، فمقصوده بزيادة لفظ "ونية": أن القول يتناول الاعتقاد وقول اللسان.

وأما العمل فقد لا يفهم منه النية فزاد ذلك1.

وأما من عرفه بأنه قول وعمل ونية واتباع سنة، فقد زاد لفظة "واتباع سنة" لأن ذلك كله لا يكون محبوبا لله إلا باتباع السنة2.

قال شيخ الإسلام ابن تيمية: "وقد سئل سهل بن عبد الله التستري3 عن الإيمان ما هو؟، فقال: قول وعمل ونية واتباع سنة.

لأن الإيمان إذا كان قولا بلا عمل فهو كفر.

وإذا كان قولا وعملا بلا نية فهو نفاق.

وإذا كان قولا وعملا ونية بلا سنة فهو بدعة4.

وأجمع التعاريف الواردة وأشملها هو: أن الإيمان قول اللسان واعتقاد بالجنان وعمل الجوارح يزيد بالطاعة وينقص بالمعصية.

1 كتاب الإيمان (ص 163) .

2 كتاب الإيمان (ص 163) .

3 هو: سهل بن عبد الله بن يونس التستري أبو محمد ولد سنة (200 هـ) وتوفي سنة (283 هـ) ، عامة كلامه في تصفية الأعمال من المعائب، وأسند الحديث وأسند عنه.

شذرات الذهب (3/ 182) ، والأعلام (3/143) .

4 كتاب الإيمان (ص 163) .

ص: 28

وهذا التعربف هو الذي يميز قول السلف في مسمى الإيمان عن قول غيرهم من الفرق1 ولهذا كان هذا التعريف هو أجمع التعاريف الواردة عن السلف وأكثرها دقة في بيان قولهم.

ج- دلالة اسم الإيمان:

تتحدد دلالة اسم "الإيمان" بحسب سياق الكلام الذي تستعمل فيه هذه اللفظة فلفظ "الإيمان" إما أن يستعمل:

أ- مطلقا: أي يذكر مطلقا عن لفظ "العمل" و"الإسلام".

2-

أو مقيدا: فتارة يقرن بالعمل الصالح، وتارة يقرن بالإسلام.

فإذا استعمل مطلقا: "فجميع ما يحبه الله ورسوله من أقوال العبد وأعماله

1 الذين خالفوا السلف في مسمى الإيمان هم:

أ- المرجئة بطوائفهم الخمس:

ا- الجهمية: وقالوا الإيمان هو معرفة القلب فقط: أى المعرفة الفطرية التي هي المعرفة بربوبية الله.

2-

الأشاعرة: وقالوا الإيمان هو التصديق فقط أي التصديق بما جاء به النبي صلى الله عليه وسلم من عند الله.

3-

الماتريدية: وقولهم في الإيمان مثل قول الأشاعرة.

4-

الكرامية: قالوا الإيمان قول باللسان فقط.

5-

مرجئة الأحناف (أو مرجئة الفقهاء) قالوا: الإيمان قول باللسان وتصديق بالجنان. وهو قول الكلابية. وكل هذه الطوائف الخمسة أخرجت العمل عن الإيمان.

ب- الخوارج: قالوا الإيمان قول واعتقاد وعمل ولكنهم يكفرون من أخل بشيء من هذه الثلاثة ويقولون بأنه كافر في الدنيا وفى الآخرة خالد في النار.

ج- المعتزلة: وقالوا بقول الخوارج إلا أنهم يقولون إنه في الدنيا في منزلة بين منزلتين بمعنى أنه ليس بمؤمن ولا كافر، واتفقوا معهم في باقي الأمور.

انظر تفاصيل هذه الأقوال: في كتاب الإيمان لابن تيمية، والجزء السابع من مجموع الفتاوى، وشرح العقيدة الطحاوية (ص 373- 392) وكتاب النبوات (ص 199) .

ص: 29

الباطنة والظاهرة، يدخل في مسمى الإيمان عند عامة السلف والأئمة- من الصحابة والتابعين وتابعيهم- الذين يجعلون الإيمان قولا وعملا، يزيد بالطاعة وينقص بالمعصية، ويدخلون جميع الطاعات- فرضها ونفلها- في مسماه"1.

ويلاحظ هنا أن لفظ "الإيمان" على هذا الاستعمال يكون مرادفا للفظ "العبادة" والعبادة كما هو معروف هي: اسم جامع لكل ما يحبه الله ويرضاه من الأعمال والأقوال الظاهرة والباطنة.

ومن استعمال الشارع للفظ الإيمان بهذا المعنى ما جاء في الصحيحين من حديث أبي هريرة2 رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "الإيمان بضع وسبعون شعبة أو بضع وستون شعبة، فأفضلها قول لا إله إلا الله، وأدناها إماطة الأذى عن الطريق، والحياء شعبة من الإيمان"3.

فالإيمان في هذا الحديث شمل جميع أمور الدين بما في ذلك أمور الإسلام. ومن هذا الاستعمال أيضا ما جاء في حديث عبد الله بن عباس4 رضي الله

1 مجموع الفتاوى (7/ 642) .

2 أبو هريرة بن عامر واختلف في اسمه إلى عدة أقوال: منها أنه عبد الرحمن، وهو دوسي أسلم عام خيبر وشهدها ثم لازم رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى قبضه الله إليه، وكان من أحفظ الصحابة رضي الله عنهم، توفي عام 57 هـ. أسد الغابة (2/ 167) .

3 أخرجه البخارى في صحيحه، كتاب الإيمان، باب أمور الدين.

انظر: فتح الباري (1/51) ح 9 وأخرجه مسلم - واللفظ له - كتاب الإيمان، باب شعب الإيمان (1/ 46) .

4 عبد الله بن عباس بن عبد المطب الهاشمي- ابن عم رسول الله صلى الله عليه وسلم ولد قبل الهجرة بثلاث سنوات في الشعب أثناء الحصار، وكان رضي الله عنه ترجمان القرآن وحبر الأمة لعلمه وفهمه، توفي سنة 84هـ.

الإصابة (6/ 167- 173) .

ص: 30

عنهما: أن وفد عبد القيس1 لما أتوا النبي صلى الله عليه وسلم أمرهم بأربع ونهاهم عن أربع: "أمرهم بالإيمان بالله وحده، قال: أتدرون ما الإيمان بالله وحده؟، قالوا: الله ورسوله أعلم. قال: شهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمدا رسول الله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وصيام رمضان، وأن تعطوا من المغنم خمس

" الحديث2.

فلفظ الإيمان استعمل في الحديث مطلقا فدخل فيه الأمور الظاهرة مع أنها من أمور الإسلام كما جاء في حديث جبريل المشهور.

وأما إذا استعمل اسم الإيمان مقيدا كما في قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ} 3، وقوله {الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ} 4.

وفول النبي صلى الله عليه وسلم في حديث جبريل المشهور: "الإيمان أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر وبالقدر خيره وشره "5.

فهنا قد يقال: إنه متناول لذلك وإن عطف ذلك عليه من باب عطف

1 هي قبيلة كبيرة كانوا يسكنون البحرين ينسبون إلى عبد القيس بن أفْصى- بسكون الفاء بعدها مهملة بوزن أعمى- ابن دُعمِيّ- بضم ثم سكون المهملة وكسر الميم بعدها تحتانية ثقيلة- ابن جَديلة -بالجيم وزن كبيرة- ابن أسد بن ربيعة بن نزار. انظر: فتح الباري (8/85) .

2 أخرجه البخارى في صحيحه واللفظ له: كتاب الإيمان، باب أداء الخمس من الإيمان. انظر: فتح الباري (1/129) ح 53، وأخرجه مسلم في صحيحه: كتاب الإيمان، باب الأمر بالإيمان بالله ورسوله وشرائع الدين والدعاء إليه (1/35 - 36) .

3 الآية (77) من سورة البقرة وغيرها.

4 الآية (63) من سورة يونس.

5 أخرجه بهذا اللفظ مسلم في صحيحه: كتاب الإيمان، باب الإيمان ما هو وبيان خصاله (1/29) . والحديث أخرجه البخاري في صحيحه: كتاب الإيمان، باب سؤال جبريل بلفظ:"الإيمان أن تؤمن بالله وملائكته، ولقائه، ورسله، وتؤمن بالبعث". انظر: فتح الباري (1/ 114) ، ح 50.

ص: 31

الخاص على العام كقوله تعالى: {وَمَلائِكَتِهِ وَرُسُلِهِ وَجِبْرِيلَ وَمِيكَالَ} 1، وقوله:{وَإِذْ أَخَذْنَا مِنَ النَّبِيِّينَ مِيثَاقَهُمْ وَمِنْكَ وَمِنْ نُوحٍ وَإِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَم} الآية2.

وقد يقال إن دلالة الاسم تنوعت بالإفراد والاقتران كلفظ الفقير والمسكين، فإن أحدهما إذا أفرد تناول الآخر، وإذا جمع بينهما كانا صنفين: كما في آية الصدقة، ولا ريب أن فروع الإيمان مع أصوله كالمعطوفين، وهي مع جميعه كالبعض مع الكل".

قلت: إن القول بأن عطف ذلك عليه من باب عطف الخاص على العام ينطبق على الآية وهي قوله تعالى {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ} ، وقوله تعالى {الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ} .

والقول بأن دلالة الاسم تنوعت بالإفراد والاقتران ينطبق على حديث جبريل حيث ذكر الإسلام والإيمان فأصبح كل واحد منهما يختص بأمور معينة فالإسلام اختص بالأمور الظاهرية، والإيمان اختص بالأمور الاعتقادية الباطنية.

"فلفظ الإسلام والإيمان إذا أفرد كل واحد من الاسمين دخل في مسمى الآخر إما تضمنا وإما لزوما، ودخوله فيه تضمنا أظهر، وكون أحدهما لا يدخل في الآخر عند الاقتران لا يدل على أنه لا يدخل فيه عند انفراد الآخر، وهذه قاعدة جليلة من أحاط بها زالت عنه إشكالات كثيرة أشكلت على كثير من الناس"3.

1 الآية (98) من سورة البقرة.

2 الآية (7) من سورة الأحزاب.

3 مجموع الفتاوى (7/647 - 648) .

ص: 32

خلاصة القول:

إن اسم الإيمان إذا أفرد: تناول جميع أمور الدين الظاهرة والباطنة كما في حديث الشعب.

وإذا اقترن اسم الإيمان مع الإسلام دل الإيمان على الأمور الباطنة ودل الإسلام على أمور الدين الظاهرة كما في حديث جبريل.

وإذا اقترن العمل مع الإيمان: فهو من باب عطف الخاص على العام1 كما في قوله تعالى {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ} .

1 قال شارح الطحاوية: "اعلم أن عطف الشيء على الشيء يقتضي المغايرة بين المعطوف والمعطوف عليه مع الاشتراك في الحكم الذي ذكر لهما، والمغايرة على مراتب:

ا- أعلاها: أن يكونا متباينين ليس أحدهما هو الآخر، ولا جزءا منه، ولابينهما تلازم، كقوله تعالى:{خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَجَعَلَ الظُّلُمَاتِ وَالنُّورَ} الآية (1) من سورة الأنعام، وقال تعالى:{وَأَنْزَلَ التَّوْرَاةَ وَالإِنْجِيلَ} الآية (3) من سورة آل عمران، وهذا هو الغالب.

2-

ويليه: أن يكون منهما تلازم، كقوله تعالى:{وَلا تَلْبِسُوا الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ وَتَكْتُمُوا الْحَقَّ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ} الآية (42) من سورة البقرة، وقال تعالى:{وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ} الآية (92) من سورة المائدة.

3-

الثالث: عطف بعض الشيء عليه كقوله تعالى: {حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلاةِ الْوُسْطَى} الآية (238) من سورة البقرة، وقال تعالى:{مَنْ كَانَ عَدُوّاً لِلَّهِ وَمَلائِكَتِهِ وَرُسُلِهِ وَجِبْرِيلَ وَمِيكَال} الآية (238) من سورة البقرة وقال تعالى: {وَإِذْ أَخَذْنَا مِنَ النَّبِيِّينَ مِيثَاقَهُمْ وَمِنْك} الآية (7) من سورة الأحزاب، وفى مثل هذا وجهان: أحدهما: أن يكون داخلا في الأول، فيكون مذكورا مرتين. والثاني: أن عطفه عليه يقتضي أنه ليس داخلا فيه هنا وإن كان داخلا قيه منفردا كما قيل في لفظ "الفقراء والمساكين" ونحوهما، تتنوع دلالته بالإفراد والاقنران.

4-

الرابع: عطف الشيء على الشيء لاختلاف الصفتين، كقوله تعالى:{غَافِرِ الذَّنْبِ وَقَابِلِ التَّوْبِ} الآية (3) من سورة غافر. شرح العقيدة الطحاوية (ص 387- 388) .

ص: 33