المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌المطلب الرابع: نواقض الإيمان بالنبي صلى الله عليه وسلم - حقوق النبي صلى الله عليه وسلم على أمته في ضوء الكتاب والسنة - جـ ١

[محمد بن خليفة التميمي]

فهرس الكتاب

- ‌مقدمة

- ‌تمهيد

- ‌الباب الأول: وجوب الإيمان بالنبي صلى الله عليه وسلم وطاعته واتباع سنته

- ‌الفصل الأول: وجوب الإيمان بالنبي صلى الله عليه وسلم

- ‌المبحث الأول: تعريف الإيمان وبيان معنى شهادة أن محمدا رسول الله

- ‌المطلب الأول: تعريف الإيمان عموما

- ‌المطلب الثاني: تعريف الإيمان بالنبي صلى الله عليه وسلم

- ‌المطلب الثالث: معنى شهادة أن محمدا رسول الله صلى الله عليه وسلم

- ‌المطلب الرابع: نواقض الإيمان بالنبي صلى الله عليه وسلم

- ‌المبحث الثاني: وجوب الإيمان بنبوته ورسالته صلى الله عليه وسلم

- ‌المطلب الأول: معنى النبوة والرسالة

- ‌المطلب الثاني: الأدلة من القرآن والسنة على وجوب الإيمان به صلى الله عليه وسلم

- ‌المطلب الثالث: دلائل نبوته صلى الله عليه وسلم

- ‌المبحث الثالث: وجوب الإيمان بعموم رسالته صلى الله عليه وسلم

- ‌المطلب الأول: الأدلة من القرآن على عموم رسالته

- ‌المطلب الثاني: الأدلة من السنة على عموم رسالته

- ‌المطلب الثالث: دليل الإجماع على عموم رسالته

- ‌المبحث الرابع: وجوب الإيمان بأنه صلى الله عليه وسلم خاتم النبيين

- ‌المطلب الأول: معنى ختم النبوة

- ‌المطلب الثاني: الأدلة من القرآن الكريم على ختم النبوة

- ‌المطلب الثالث: الأدلة من السنة على ختم النبوة:

- ‌المطلب الرابع: ما ورد عن الصحابة رضوان الله عليهم في تأكيد عقيدة ختم النبوة

- ‌المطلب الخامس: إجماع الأمة

- ‌‌‌المبحث الخامس: وجوب الإيمان بأن النبي صلى الله عليه وسلم قد بلغ الرسالة وأكملها

- ‌المبحث الخامس: وجوب الإيمان بأن النبي صلى الله عليه وسلم قد بلغ الرسالة وأكملها

- ‌المبحث السادس: وجوب الإيمان بعصمته صلى الله عليه وسلم

- ‌المطلب الأول: تعريف العصمة

- ‌المطلب الثاني: الجوانب التي عصم فيها النبي صلى الله عليه وسلم

- ‌المطلب الثالث: مسألة وقوع الخطأ منه

- ‌الفصل الثاني: وجوب طاعته ولزوم سنته والمحافظة عليها

- ‌المبحث الأول: الأدلة على وجوب طاعته

- ‌المطلب الأول: الأدلة من القرآن

- ‌المطلب الثاني: الأدلة من السنة على وجوب طاعته صلى الله عليه وسلم

- ‌المطلب الثالث: دليل الإجماع على وجوب طاعته

- ‌المبحث الثاني: منهج السلف في اتباعه وطاعته

- ‌المطلب الأول: منهجهم في الاتباع

- ‌المطلب الثاني: محاربة السلف لما يناقض الاتباع

- ‌المبحث الثالث: التحذير من معصية الرسول صلى الله عليه وسلم وحكم من خالفه

- ‌المطلب الأول: الأدلة من القرآن الكريم على التحذير من معصية الرسول صلى الله عليه وسلم وحكم من خالفه

- ‌المطلب الثاني: الأدلة من السنة على التحذير من معصية الرسول صلى الله عليه وسلم وحكم من خالفه:

- ‌الباب الثاني: وجوب محبته صلى الله عليه وسلم

- ‌الفصل الأول: بيان المعنى الصحيح لمحبته والأدلة على وجوبها

- ‌المبحث الأول: المعنى الصحيح لمحبته

- ‌المطلب الأول: تعريف المحبة

- ‌المطلب الثاني: أقسام المحبة:

- ‌المطلب الثالث: حقيقة المحبة الشرعية:

- ‌المطلب الرابع: المعنى الصحيح لمحبة النبي صلى الله عليه وسلم وانقسام الناس فيها:

- ‌المبحث الثاني: الأدلة على وجوب محبته صلى الله عليه وسلم

- ‌المطلب الأول: الأدلة من القرآن على وجوب محبته صلى الله عليه وسلم

- ‌المطلب الثاني: الأدلة من السنة على وجوب محبته صلى الله عليه وسلم

- ‌المطلب الثالث: ما جاء عن الصحابة في شأن محبته صلى الله عليه وسلم

- ‌الفصل الثاني: علامات محبته صلى الله عليه وسلم والثواب المترتب عليها

- ‌المبحث الأول: علامات محبته صلى الله عليه وسلم

- ‌المطلب الأول: من علامات محبته اتباعه والأخذ بسنته صلى الله عليه وسلم

- ‌المطلب الثاني: من علامات محبته الإكثار من ذكره صلى الله عليه وسلم

- ‌المطلب الثالث: من علامات محبته صلى الله عليه وسلم تمني رؤيته والشوق إلى لقائه

- ‌المطلب الرابع: من علامات محبته صلى الله عليه وسلم النصيحة لله ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين عامتهم

- ‌المطلب الخامس: من علامات محبته صلى الله عليه وسلم تعلم القرآن الكريم

- ‌المطلب السادس: من علامات محبته صلى الله عليه وسلم محبة من أحبهم النبي صلى الله عليه وسلم

- ‌المطلب السابع: من علامات محبته صلى الله عليه وسلم بغض من أبغض الله ورسوله

- ‌المطلب الثامن: من علامات محبته صلى الله عليه وسلم الزهد في الدنيا

- ‌المطلب التاسع: التحذير من علامات المحبة البدعية

- ‌المبحث الثاني: ثواب محبته صلى الله عليه وسلم

- ‌المطلب الأول: ثمار المحبة في الحياة الدنيا

- ‌المطلب الثاني: ثواب المحبة في الآخرة

الفصل: ‌المطلب الرابع: نواقض الإيمان بالنبي صلى الله عليه وسلم

‌المطلب الرابع: نواقض الإيمان بالنبي صلى الله عليه وسلم

إن مما ينبغي معرفته بعد توضيح معنى الإيمان بالنبي صلى الله عليه وسلم وتبيين شروط الشهادة ومراتبها أن تعرف نواقض هذا الأمر ومبطلاته حتى يحترز المسلم من الوقوع فيها، فعن حذيفة بن اليمان1 رضي الله عنه قال: "كان الناس يسألون رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الخير وكنت أسأله عن الشر مخافة أن يدركني

" الحديث2.

وعن عمر بن الخطاب3 رضي الله عنه: "إنما تنقض عرى الإسلام عروة عروة إذا نشأ في الإسلام من لا يعرف الجاهلية"4.

ولهذا كان الصحابة رضوان الله عليهم أعظم هذه الأمة إيمانا لكمال معرفتهم بالخير والشر، وكمال محبتهم للخير وبغضهم للشر، لما علموه من حسن حال الإيمان والعمل الصالح، وقبح حال الكفر والمعاصي".

ولمعرفة نواقض الإيمان به صلى الله عليه وسلم نقول:

1 حذيفة بن اليمان العبسي، شهد أحدا وكان من كبار الصحابة وصاحب سر رسول الله صلى الله عليه وسلم، توفى عام 36هـ الإصابة (1/ 316، 317) ، ت رقم 1647.

2 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الفتن: باب كيف الأمر إذا لم تكن جماعة؟،

انظر: فتح الباري (3/ 35) ح 7084. وأخرجه مسلم في صحيحه، كتاب الإمارة: باب الأمر بلزوم الجماعة عند ظهور الفتن وتحذير الدعاة إلى الكفر. انظر: (6/ 20) .

3 عمر بن الخطاب بن نفيل: ولد بعد الفيل بثلاث عشرة سنة، كان إسلامه فتحا على المسلمين، شهد المشاهد كلها، توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو عنه راض، ولي الخلافة بعد الصديق واستشهد سنة 23 هـ، قتله أبو لؤلؤة المجوسي. الإصابة (2/ 511، 511) رقم 5738.

4 تيسير العزيز الحميد (ص 90) .

ص: 48

لما كان الإيمان به صلى الله عليه وسلم يعني تصديقه وتصديق ما جاء به صلى الله عليه وسلم، والانقياد له، فإن الطعن في أحد هذين الأمرين ينافي الإيمان ويناقضه فالنواقض على هذا الاعتبار يمكن تقسيمها إلى قسمين:

القسم الأول: الطعن في شخص الرسول صلى الله عليه وسلم.

القسم الثاني: الطعن فيما أخبر به الرسول صلى الله عليه وسلم مما هو معلوم من الدين بالضرورة، إما بإنكاره أو بانتقاصه.

القسم الأول: الطعن في شخص الرسول صلى الله عليه وسلم:

ومما يدخل تحت هذا القسم نسبة أي شيء للرسول عليه الصلاة والسلام مما يتنافى مع اصطفاء الله له لتبليغ دينه إلى عباده، فيكفر كل من طعن في صدق الرسول صلى الله عليه وسلم أو أمانته أو عفته أو صلاح عقله ونحو ذلك.

كما يكفر من سب الرسول صلى الله عليه وسلم، أو عابه، أو ألحق به نقصا في نفسه أو نسبه أو دينه، أو خصلة من خصاله، أو عرّض به، أو شبهه بشيء على طريق السب له أو الإزراء عليه أو التصغير لشأنه أو الغض منه أو العيب له، فهو ساب له والحكم فيه حكم الساب يقتل كفرا، وكذلك من لعنه، أو دعا عليه، أو تمنى مضرة له، أو نسب إليه مالا يليق بمنصبه على طريق الذم، أو عبث في جهته العزيزة بسخف من الكلام وهُجر1 ومنكر من القول وزور، أو عيره بشيء مما جرى من البلاء والمحنة عليه، أو تنقصه ببعض العوارض البشرية الجائزة المعهودة لديه"2.

1 الهجر بالضم: القبيح من الكلام. لسان العرب (5/ 253) .

2 الشفا للقاضي عياض (2/ 932) بتحقيق علي محمد البجاوي.

ص: 49

فالساب إن كان مسلما فإنه يكفر ويقتل بغير خلاف، وهو مذهب الأئمة الأربعة وغيرهم.

وإن كان ذميا فإنه يقتل أيضا في مذهب مالك1 وأهل المدينة وهو مذهب أحمد2 وفقهاء الحديث وهو المنصوص عن الشافعي3 نفسه كما حكاه غير واحد"4.

وهذا الحكم على الساب والمستهزئ، يستوي فيه الجاد والهازل بدليل قوله تعالى:{وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ، لا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ} 5.

وهذا نص في أن الاستهزاء بالله وبآياته وبرسوله كفر، (فالسب المقصود بطريق الأولى) ، وقد دلت هذه الآية على أن كل من تنقص رسول الله صلى الله عليه وسلم جادا أو هازلا فقد كفر.

1 مالك بن أنس، إمام دار الهجرة، وأحد أئمة أهل السنة المشهورين، وإليه تنسب المالكية له مؤلفات عدة على رأسها (الموطأ) الكتاب المشهور، ولد بالمدينة، وتوفى بها عام 179 هـ. الديباج المذهب (1/ 82- 135) والبداية (10/ 174) .

2 أبو عبد الله أحمد بن محمد بن حنبل الإمام المشهور في الفقه والحديث ونصرة الإسلام، إمام أهل السنة والجماعة أعز الله به السنة وقمع به البدعة وفضائله أكثر من أن تحصر توفي سنة 241 هـ تاريخ بغداد (4/ 412) وطبقات الحنابلة (1/4) .

3 محمد بن إدريس الشافعي الإمام المشهور أحد الأئمة الأربعة، ولد بغزة بفلسطين ثم سافرت به أمه إلى مكة، كان ذكيا فطنا برع في الأدب واللغة ثم أقبل على الحديث والفقه وله مصنفات عدة من أشهرها: الأم والرسالة، توفي بمصر سنة204 هـ. تاريخ بغداد (2/ 56) والتذكرة (367) .

4 الصارم المسلول على شاتم الرسول لشيخ الإسلام ابن تيمية (ص 4 و 8) بتصرف.

وقد تعرض شيخ الإسلام لهذه المسائل مفصلة في هذا الكتاب فمن أراد الاستزادة فليرجع إليه.

5 الآيتان (65، 66) من سورة التوبة.

ص: 50

وقد رُوي عن رجال من أهل العلم منهم ابن عمر1 ومحمد بن كعب2 وزيد ابن أسلم3 وقتادة- دخل حديث بعضهم في بعض- أنه قال رجل من المنافقين في غزوة تبوك: "ما رأيت مثل قرائنا هؤلاء أرغب بطونا، ولا أكذب ألسنا، ولا أجبن عند اللقاء، يعني رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه القراء، فقال له عوف ابن مالك4: كذبت ولكنك رجل منافق، لأخبرن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فذهب عوف إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ليخبره، فوجد القرآن قد سبقه، فجاء ذلك الرجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد ارتحل وركب ناقته، فقال: يارسول الله إنما كنا نلعب ونتحدث حديث الركب نقطع به عناء الطريق.

قال ابن عمر: كأني أنظر إليه متعلقا بنسعة5 ناقة رسول الله صلى الله عليه وسلم وإن الحجارة لتنكب رجليه، وهو يقول: إنما كنا نخوض ونلعب، فيقول له رسول الله صلى الله عليه وسلم:"أبالله وآياته ورسوله كنتم تستهزئون" ما يلتفت إليه،

1 عبد الله بن عمر بن الخطاب، ولد بعد البعثة بثلاث سنوات وهاجر وهو ابن عشر سنين، وقد كان من أشد الصحابة تتبعا للسنة ومن أكثرهم عبادة مع زهد وورع توفي عام 84 هـ.

الإصابة (2/ 338- 341) ت رقم 4834.

2 هو محمد بن كعب بن سليم القرظي المدني، كان أبوه من سبي قريظة، ثقة، عالم، ولد سنة أربعين على الصحيح، ومات سنة 120 هـ وقيل غير ذلك. وقال عنه ابن حبان: كان من أفاضل أهل المدينة علما وفقها. تهذيب التهذيب (9/ 420، 422) .

3 زيد بن أسلم المدني الفقيه: كان عالما بالتفسير وكان له حلقة بالمسجد النبوي توفي عام 136 هـ تهذيب التهذيب (3/ 395) .

4 عوف بن مالك بن أبي عوف الأشجعي الغطفاني، صحابي جليل، شهد مؤتة، وشهد الفتح وكانت معه راية قومه يومئذ وشهد فتح الشام، توفي سنة ثلاث وسبعين بالشام.

تهذيب التهذيب (8/ 168) ، والبداية (8/ 346) .

5 النِّسْعة بكسر فسكون: سير مضفور يجعل زمامًا للبعير. لسان العرب (8/352) .

ص: 51

ولا يزيده عليه"1.

فهؤلاء لما تنقصوا النبي صلى الله عليه وسلم حيث عابوه والعلماء من أصحابه واستهانوا بخبره أخبر الله أنهم كفروا بذلك وإن قالوه، استهزاء فكيف بما هو أغلظ من ذلك؟ 2.

ومن الأدلة على كفر الطاعن في شخص الرسول صلى الله عليه وسلم قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَأَعَدَّ لَهُمْ عَذَاباً مُهِيناً} 3.

واللعن: الإبعاد عن الرحمة، ومن طرده عن رحمته في الدنيا والآخرة لا يكون إلا كافرا4.

وفي هذه الآية قرن الله بين أذى النبي صلى الله عليه وسلم وأذاه كما قرن في آيات أخر بين طاعته وطاعة نبيه، وفى هذا وغيره بيان لتلازم الحقين، وأن جهة حرمة الله تعالى ورسوله جهة واحدة، فمن أذى الرسول فقد أذى الله، ومن أطاعه فقد أطاع الله، لأن الأمة لا يصلون ما بينهم وبين ربهم إلا بواسطة النبي صلى الله عليه وسلم، وليس لأحد منهم طريق غيره ولا سبب سواه، وقد أقامه الله مقام نفسه في أمره ونهيه وإخباره وبيانه فلا يجوزأن يفرق بين الله ورسوله في شيء من هذه الأمور5.

ومن الأدلة الواردة في السنة حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنهما6 قال:

1 تفسبر ابن كثير (2/ 367) .

2 الصارم المسلول (ص31 - 33) .

3 الآية (57) من سورة الأحزاب.

4 الصارم المسلول (ص 41) .

5 الصارم المسلول (ص 40- 41) بتصرف.

6 جابر بن عبد الله الأنصارى: شهد العقبة الثانية وهو صغير وشهد المشاهد كلها بعد أحد، وكان من المكثرين الحفاظ. للسنّة، توفي سنة 74 هـ وقيل غير ذلك.

الإصابة (1/ 214) ت رقم 1026.

ص: 52

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من لكعب بن الأشرف1 فإنه قد آذى الله ورسوله"، فقام محمد بن مسلمة2 فقال: يارسول الله أتحب أن أقتله؟، قال: "نعم

" الحديث3. فعلم من هذا الحديث أن من آذى الله ورسوله كان حقه أن يقتل كما قتل كعب بن الأشرف والأدلة من الكتاب والسنة على هذه المسألة كثيرة ولا مجال لاستيعابها هنا.

- الإجماع: وقد أجمعت الأمة على قتل منتقصه من المسلمين وسابه، وكذلك حكى غير واحد الإجماع على قتله وتكفيره.

وقال الإمام إسحاق بن راهوية4 أحد الأئمة الأعلام: "أجمع المسلمون على أن من سب الله، أو سب رسوله صلى الله عليه وسلم، أو دفع شيئا مما أنزل الله عز وجل، أو قتل نبيا

1 كعب بن الأشرف الطائي، من بني نبهان، كانت أمه من بني النضير فدان باليهودية وكان سيدا في أخواله اليهود. أدرك الاسلام ولم يسلم، وأكثر من هجو النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه وتحريض القبائل عليهم وإيذائهم والتشبب بنسائهم. خرج إلى مكة بعد وقعة بدر فندب قتلى قريش فيها، وحض على الأخذ بثأرهم، وعاد إلى المدينة، فأمر النبي صلى الله عليه وسلم بقتله، فانطق إليه نفر من الأنصار، فقتلوه في ظاهر حصنه. تاريخ الطبري (3/ 2) .

2 محمد بن مسلمة الأنصاري، من فضلاء الصحابة شهد بدرا وما بعدها إلا غزوة تبوك فإنه تخلف بإذن النبي صلى الله عليه وسلم له أن يقيم في المدينة، مات بالمدينة سنة ثلاث وأربعين وقيل غير ذلك. الإصابة (3/ 363، 364) رقم (8 78) .

3 أخرجه البخاري في صحيحه- واللفظ له - كتاب المغازي باب قتل كعب بن الأشرف. انظر: فتح الباري (7/ 336) ح 4037، وأخرجه في مواضع أُخر. وأخرجه مسلم في صحيحه، كتاب الجهاد: باب قتل كعب بن الأشرف. انظر: (5/184) .

4 إسحاق بن إبراهيم بن مخلد المعروف بابن راهوية المروزي قال عنه الخطيب البغدادي: كان أحد أئمة المسلمين وعَلَما من أعلام الدين اجتمع له الحديث والفقه والحفظ والصدق والورع والزهد توفي سنة 238 هـ. تاريخ بغداد (6/ 345) .

ص: 53

من أنبياء الله عز وجل أنه كافر بذلك وإن كان مقرا بكل ما أنزل إليه".

وقال الخطابي1: "لا أعلم أحدا من المسلمين اختلف في وجوب قتله". وقال محمد بن سحنون2: أجمع العلماء على أن شاتم النبي صلى الله عليه وسلم والمتنقص له كافر، والوعيد جاء عليه بعذاب الله له، وحكمه عند الأمة القتل ومن شك في كفره وعذابه كفر"3.

ومن المعلوم أن سب النبي صلى الله عليه وسلم تعلق به عدة حقوق:

1-

حق الله سبحانه:

من حيث كفر برسوله، وعادى أفضل أوليائه وبارزه بالمحاربة، ومن حيث طعن في كتابه ودينه، فإن صحتهما موقوفة على صحة الرسالة، ومن حيث طعن في ألوهيته، فإن الطعن في الرسول طعن في المرسل وتكذيبه تكذيب لله تبارك وتعالى وإنكار لكلامه وأمره وخبره وكثير من صفاته.

2-

وتعلق حق جميع المؤمنين:

من هذه الأمة ومن غيرها من الأمم به، فإن جميع المؤمنين مؤمنون به خصوصا أمته فإن قيام أمر دنياهم ودينهم وآخرتهم به، بل عامة الخير الذي يصيبهم في الدنيا والآخرة بواسطته وسفارته فالسب له أعظم عندهم من سب أنفسهم وآبائهم وأبنائهم وسب جميعهم، كما أنه أحب إليهم من أنفسهم

1 أبو سليمان حمد ويقال أحمد بن محمد بن إبراهيم الخطابي البستي أحد المشاهير الأعيان، والفقهاء المجتهدين المكثرين، له من المصنفات معالم السنن وشرح البخاري وغير ذلك، توفي بمدينة بست سنة 388 هـ. البداية:(11/ 324) .

2 محمد بن عبد السلام (سحنون) بن سعيد بن حبيب التنوخى، أبو عبد الله فقيه مالكي، مناظر كثير التصانيف، توفي سنة 256هـ. الوافي بالوفيات:(3/86) والأعلام (6/204، 205) .

3 الصارم المسلول (ص 3- 4) .

ص: 54

وأولادهم وآبائهم والناس أجمعين.

3-

وتعلق حق رسول الله صلى الله عليه وسلم به:

من حيث خصوص نفسه، فإن الإنسان تؤذيه الوقيعة في عرضه أكثر مما يؤذيه أخذ ماله، وأكثر مما يؤذيه الضرب، بل ربما كانت عنده أعظم من الجرح ونحوه، خصوصا من يجب عليه أن يظهر للناس كمال عرضه وعلو قدره لينتفعوا بذلك في الدنيا والآخرة، فإن هتك عرضه وعلو قدره قد يكون أعظم عنده من قتله، فإن قتله لا يقدح عند الناس في نبوته ورسالته وعلو قدره كما أن موته لا يقدح في ذلك، بخلاف الوقيعة في عرضه فإنها قد تؤثر في نفوس بعض الناس من النفرة عنه وسوء الظن به ما يفسد عليهم إيمانهم ويوجب لهم خسارة الدنيا والآخرة

"1.

وبهذا يعلم أن السب فيه من الأذى لله ولرسوله ولعباده المؤمنين ما ليس في غيره من الأمور كالكفر والمحاربة.

وبما تقدم ذكره من الأدلة يتضح انتقاض إيمان من طعن في شخص الرسول صلى الله عليه وسلم بسب أو استهزاء أو انتقاص سواء كان في ذلك جادا أو هازلا.

ويستثنى من ذلك المكره بدليل قوله تعالى: {إِلَاّ مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالإِيمَانِ} 2 فالآية نزلت في عمار بن ياسر3 حين عذبه المشركون حتى يكفر بمحمد صلى الله عليه وسلم فوافقهم على ذلك مكرها وجاء معتذرا إلى النبي صلى الله عليه وسلم فأنزل الله

1 الصارم المسلول (ص 293- 294) .

2 الآية (106) من سورة النحل.

3 عمار بن ياسر حليف بني مخزوم من السابقين الأولين هو وأبوه وأمه، هاجر إلى المدينة، وشهد المشاهد كلها، قتل بصفين سنة 37 هـ. الإصابة (2/505، 506) رقم: 5706.

ص: 55

هذه الآية، وروى أن مما قاله أنه سب النبي صلى الله عليه وسلم وذكر آلهتهم بخير، فشكا ذلك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال:"يا رسول الله ما تركت حتى سببتك وذكرت آلهتهم بخير، قال: "كيف تجد قلبك؟ " قال: مطمئنا بالإيمان، فقال: "إن عادوا فعد" وفي ذلك أنزل الله: {إِلَاّ مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالإِيمَانِ} ، ولهذا اتفق العلماء على أن المكره على الكفر يجوز له أن يوالي إبقاء لمهجته، ويجوز له أن يأبى، كما كان بلال1 رضي الله عنه يأبى عليهم ذلك، وهم يفعلون به الأفاعيل

"2.

القسم الثاني: من نواقض الإيمان بالنبي صلى الله عليه وسلم:

الطعن فيما أخبر به الرسول لا- مما هو معلوم من الدين بالضرورة- إما بإنكاره أو انتقاصه.

فإذا اجتمعت الشروط التالية في المنكر وهي:

أ- أن يكون ذلك الأمر المنغص من الأمور التي أجمعت عليها الأمة وأن يكون من الأمور المعلومة من الدين بالضرورة: أي أن يكون علمه منتشرا كالصلوات الخمس وصوم شهر رمضان، وعموم رسالته3.

ب- أن لا يكون المنكر حديث عهد بالإسلام لا يعرف حدوده فهذا إذا أنكر

1 بلال بن رباح الحبشي مؤذن رسول الله صلى الله عليه وسلم، أحد السابقين إلى الإسلام الذين عذبوا بمكة، وكان أمية بن خلف يخرجه إذا حميت الظهيرة: فيطرحه على ظهره في بطحاء مكة ثم يأمر بالصخرة العظيمة على صدره، ثم يقول لا يزال على ذلك حتى يموت أو يكفر بمحمد صلى الله عليه وسلم، فيقول وهو على ذلك أَحَدٌ أَحَدٌ، فمرَّ به أبو بكر فاشتراه منه وأعتقه، ومناقبه كثيرة، شهد المشاهد كلها مع النبي صلى الله عليه وسلم، مات بالشام سنة عشرين. الإصابة (1/ 169) رقم 736.

2 تفسير ابن كثير (2/ 587، 588) بتصرف.

3 انظر صحيح مسلم بشرح النووي (1/ 205) .

ص: 56

شيئا من الأمور المعلومة من الدين بالضرورة جهلا به فانه لا يكفر1.

ج- أن لا يكون المُنكِر مكرها على ذلك، فإن المكره له حكم آخر كما قدمنا ذلك.

والمُنكِر في هذه الحالة يحكم بكفره وانتقاض إيمانه. والمنتقص لأمور الدين إذا كان غير مكره فإنه يكفر سواء كان جادا في ذلك أم هازلا.

والأمثلة على هذا القسم كثيرة جدا نذكر منها على سبيل المثال ما يختص بجانب الإيمان برسالة النبي صلى الله عليه وسلم.

أولا: "أن يعتقد أن غير هدي النبي صلى الله عليه وسلم أكمل من هديه وأن حكم غيره أحسن من حكمه كالذين يفضلون القانون الوضعي على حكم الشرع ويصفون الشريعة الإسلامية بالقصور والرجعية وعدم مسايرة التطور، وهذا من أعظم المناقضة لشهادة أن محمدا رسول الله.

ثانيا: من أبغض شيئا مما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم ولو عمل به فهو كافر"2.

ثالثا: اعتقاد الإنسان أنه يسعه الخروج عن شريعة النبي صلى الله عليه وسلم.

ولهذا الأمر صورتان:

الأولى: أن لا يرى وجوب تصديق الرسول صلى الله عليه وسلم ولا وجوب طاعته فيما أمر به وإن اعتقد مع ذلك أن الرسول صلى الله عليه وسلم عظيم القدر علما وعملا وأنه يجوز تصديقه وطاعته ولكنه يقول إنه لا يضر اختلاف الملل إذا كان المعبود واحدا ويرى أنه تحصل النجاة والسعادة بمتابعة الرسول وبغير متابعته وهذا هو

1 انظر صحيح مسلم بشرح النووي (1/ 205) .

2 الجامع الفريد: رسالة نواقض الإسلام للشيخ محمد بن عبد الوهاب (ص 282) .

ص: 57

قول الفلاسفة والصابئة1 وهذا القول لا ريب في كفر صاحبه "فمن نواقض الإسلام أن يعتقد الإنسان عدم كفر المشركين ويرى صحة مذهبهم، أو يشك في كفرهم"2.

وهذا القول هو الذي ينادي به في وقتنا الحاضر من يدعون إلى وحدة الأديان ويروج لهم في ذلك الماسونية3 اليهودية4

الثانية: من يرى طلب العلم بالله من غير خبره، أو العمل لله من غير أمره، وهؤلاء وإن كانوا يعتقدون أنه يجب تصديق الرسول أو تجب طاعته، لكنهم في سلوكهم العلمي والعملي غير سالكين هذا المسلك بل يسلكون مسلكا آخر إما من جهة القياس والنظر، وإما من جهة الذوق والوجدان، وإما من جهة التقليد، وما جاء عن الرسول إما أن يعرضوا عنه وإما أن يردوه إلى ما سلكوه.

وإضافة إلى هذه النواقض فإن الإيمان بالنبي صلى الله عليه وسلم ينتقض أيضا بالنواقض العامة الأخرى للإسلام وهي:

1-

الشرك في عبادة الله تعالى:

قال الله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ} 5

1 مجموع الفتاوى (7/ 639) .

2 الجامع الفريد (ص 282) .

3 الماسونية: عبارة فرنسية معناها البناؤون الأحرار، والماسونية حركة يهودية سرية تعمل تحت ستار التآخي بين الأديان وهدفها الرئيسي السيطرة على العالم عن طريق أصحاب الجاه والنفوذ في بقاع العالم، وذلك بواسطة المحافل التي تقيمها في بقاع كثيرة من العالم.

انظر: "كتاب الماسونية ذلك العالم المجهول"، لصابر طعيمة.

4 كتاب الولاء والبراء (ص 344) .

5 الآية (48) من سورة النساء.

ص: 58

وقال تعالى: {لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ} 1، وقال تعالى:{وَلَوْ أَشْرَكُوا لَحَبِطَ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} 2، وقال تعالى:{إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ} 3

2-

أن يجعل بينه وبين الله وسائط:

يدعوهم ويسألهم الشفاعة فيما لا يقدر عليه إلا الله، ويتوكل عليهم فهذا كافر بالإجماع4.

قال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ عِبَادٌ أَمْثَالُكُمْ} 5

وقال تعالى: {يَدْعُو مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لا يَضُرُّهُ وَمَا لا يَنْفَعُهُ ذَلِكَ هُوَ الضَّلالُ الْبَعِيدُ، يَدْعُو لَمَنْ ضَرُّهُ أَقْرَبُ مِنْ نَفْعِهِ لَبِئْسَ الْمَوْلَى وَلَبِئْسَ الْعَشِيرُ} 6، وقال تعالى:{وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلا تَدْعُو مَعَ اللَّهِ أَحَداً} 7.

3-

السحر:

ومنه الصرف والعطف فمن فعله أو رضي به كفر8 بدليل قوله تعالى:

1 الآية (65) من سورة الزمر.

2 الآية (88) من سورة الأنعام.

3 الآية (72) من سورة المائدة.

4 الجامع الفريد (ص 282) .

5الآية (194) من سورة الأعراف.

6 الآيتان (12- 13) من سورة الحج.

7 الآية (18) من سورة الجن.

8 الجامع الفريد (ص 282) . والمراد بالصرف: التفريق بين الزوجين. والعطف: الجمع بينهما.

ص: 59

{وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولا إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلا تَكْفُرْ} 1.

4-

"مظاهرة المشركين ومعاونتهم على المسلمين "2:

والدليل على ذلك قوله تعالى: {وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ} 3 وهذا من أعظم النواقض التي وقع فيها سواد الناس اليوم في الأرض وهم بعد ذلك يحسبون على الإسلام ويتسمون بأسماء إسلامية، فلقد صرنا في عصر يُستحى فيه أن يقال للكافر يا كافر.

ومظاهرة المشركين أخذت صورا شتى فمن الميل القلبي إلى انتحال مذاهبهم الإلحادية إلى مجاراتهم في تشريعاتهم، إلى كشف عورات المسلمين لهم، إلى كل صغير وكبير في حياتهم

"4

5-

الإعراض عن دين الله تعالى:

لا يتعلمه ولا يعمل به5 والدليل على ذلك فوله تعالى: {وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ ذُكِّرَ بِآياتِ رَبِّهِ ثُمَّ أَعْرَضَ عَنْهَا إِنَّا مِنَ الْمُجْرِمِينَ مُنْتَقِمُونَ} 6.

ولا فرق في جميع هذه النواقض يين الهازل والجاد والخائف، إلا المكره وكلها من أعظم ما يكون خطرا، وأكثر ما يكون وقوعا فينبغي للمسلم أن يحذرها ويخاف منها على نفسه7،

1 الآية (102) من سورة البقرة.

2 الجامع الفريد (ص 383) .

3 الآية (51) من سورة المائدة.

4 كتاب الولاء والبراء في الإسلام تأليف محمد بن سعيد القحطاني (ص 83) بتصرف بسيط.

5 الجامع الفريد (ص 284) .

6 الآية (22) من سورة السجدة.

7 الجامع الفريد (ص 384) .

ص: 60

ومعرفة المسلم لهذه الأمور تجعله على بصيرة من أمره، وتكسبه وتزيده معرفة لأمور عقيدته، فبضدها تتميز الأشياء.

ص: 61