المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌المطلب الثاني: الجوانب التي عصم فيها النبي صلى الله عليه وسلم - حقوق النبي صلى الله عليه وسلم على أمته في ضوء الكتاب والسنة - جـ ١

[محمد بن خليفة التميمي]

فهرس الكتاب

- ‌مقدمة

- ‌تمهيد

- ‌الباب الأول: وجوب الإيمان بالنبي صلى الله عليه وسلم وطاعته واتباع سنته

- ‌الفصل الأول: وجوب الإيمان بالنبي صلى الله عليه وسلم

- ‌المبحث الأول: تعريف الإيمان وبيان معنى شهادة أن محمدا رسول الله

- ‌المطلب الأول: تعريف الإيمان عموما

- ‌المطلب الثاني: تعريف الإيمان بالنبي صلى الله عليه وسلم

- ‌المطلب الثالث: معنى شهادة أن محمدا رسول الله صلى الله عليه وسلم

- ‌المطلب الرابع: نواقض الإيمان بالنبي صلى الله عليه وسلم

- ‌المبحث الثاني: وجوب الإيمان بنبوته ورسالته صلى الله عليه وسلم

- ‌المطلب الأول: معنى النبوة والرسالة

- ‌المطلب الثاني: الأدلة من القرآن والسنة على وجوب الإيمان به صلى الله عليه وسلم

- ‌المطلب الثالث: دلائل نبوته صلى الله عليه وسلم

- ‌المبحث الثالث: وجوب الإيمان بعموم رسالته صلى الله عليه وسلم

- ‌المطلب الأول: الأدلة من القرآن على عموم رسالته

- ‌المطلب الثاني: الأدلة من السنة على عموم رسالته

- ‌المطلب الثالث: دليل الإجماع على عموم رسالته

- ‌المبحث الرابع: وجوب الإيمان بأنه صلى الله عليه وسلم خاتم النبيين

- ‌المطلب الأول: معنى ختم النبوة

- ‌المطلب الثاني: الأدلة من القرآن الكريم على ختم النبوة

- ‌المطلب الثالث: الأدلة من السنة على ختم النبوة:

- ‌المطلب الرابع: ما ورد عن الصحابة رضوان الله عليهم في تأكيد عقيدة ختم النبوة

- ‌المطلب الخامس: إجماع الأمة

- ‌‌‌المبحث الخامس: وجوب الإيمان بأن النبي صلى الله عليه وسلم قد بلغ الرسالة وأكملها

- ‌المبحث الخامس: وجوب الإيمان بأن النبي صلى الله عليه وسلم قد بلغ الرسالة وأكملها

- ‌المبحث السادس: وجوب الإيمان بعصمته صلى الله عليه وسلم

- ‌المطلب الأول: تعريف العصمة

- ‌المطلب الثاني: الجوانب التي عصم فيها النبي صلى الله عليه وسلم

- ‌المطلب الثالث: مسألة وقوع الخطأ منه

- ‌الفصل الثاني: وجوب طاعته ولزوم سنته والمحافظة عليها

- ‌المبحث الأول: الأدلة على وجوب طاعته

- ‌المطلب الأول: الأدلة من القرآن

- ‌المطلب الثاني: الأدلة من السنة على وجوب طاعته صلى الله عليه وسلم

- ‌المطلب الثالث: دليل الإجماع على وجوب طاعته

- ‌المبحث الثاني: منهج السلف في اتباعه وطاعته

- ‌المطلب الأول: منهجهم في الاتباع

- ‌المطلب الثاني: محاربة السلف لما يناقض الاتباع

- ‌المبحث الثالث: التحذير من معصية الرسول صلى الله عليه وسلم وحكم من خالفه

- ‌المطلب الأول: الأدلة من القرآن الكريم على التحذير من معصية الرسول صلى الله عليه وسلم وحكم من خالفه

- ‌المطلب الثاني: الأدلة من السنة على التحذير من معصية الرسول صلى الله عليه وسلم وحكم من خالفه:

- ‌الباب الثاني: وجوب محبته صلى الله عليه وسلم

- ‌الفصل الأول: بيان المعنى الصحيح لمحبته والأدلة على وجوبها

- ‌المبحث الأول: المعنى الصحيح لمحبته

- ‌المطلب الأول: تعريف المحبة

- ‌المطلب الثاني: أقسام المحبة:

- ‌المطلب الثالث: حقيقة المحبة الشرعية:

- ‌المطلب الرابع: المعنى الصحيح لمحبة النبي صلى الله عليه وسلم وانقسام الناس فيها:

- ‌المبحث الثاني: الأدلة على وجوب محبته صلى الله عليه وسلم

- ‌المطلب الأول: الأدلة من القرآن على وجوب محبته صلى الله عليه وسلم

- ‌المطلب الثاني: الأدلة من السنة على وجوب محبته صلى الله عليه وسلم

- ‌المطلب الثالث: ما جاء عن الصحابة في شأن محبته صلى الله عليه وسلم

- ‌الفصل الثاني: علامات محبته صلى الله عليه وسلم والثواب المترتب عليها

- ‌المبحث الأول: علامات محبته صلى الله عليه وسلم

- ‌المطلب الأول: من علامات محبته اتباعه والأخذ بسنته صلى الله عليه وسلم

- ‌المطلب الثاني: من علامات محبته الإكثار من ذكره صلى الله عليه وسلم

- ‌المطلب الثالث: من علامات محبته صلى الله عليه وسلم تمني رؤيته والشوق إلى لقائه

- ‌المطلب الرابع: من علامات محبته صلى الله عليه وسلم النصيحة لله ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين عامتهم

- ‌المطلب الخامس: من علامات محبته صلى الله عليه وسلم تعلم القرآن الكريم

- ‌المطلب السادس: من علامات محبته صلى الله عليه وسلم محبة من أحبهم النبي صلى الله عليه وسلم

- ‌المطلب السابع: من علامات محبته صلى الله عليه وسلم بغض من أبغض الله ورسوله

- ‌المطلب الثامن: من علامات محبته صلى الله عليه وسلم الزهد في الدنيا

- ‌المطلب التاسع: التحذير من علامات المحبة البدعية

- ‌المبحث الثاني: ثواب محبته صلى الله عليه وسلم

- ‌المطلب الأول: ثمار المحبة في الحياة الدنيا

- ‌المطلب الثاني: ثواب المحبة في الآخرة

الفصل: ‌المطلب الثاني: الجوانب التي عصم فيها النبي صلى الله عليه وسلم

‌المطلب الثاني: الجوانب التي عصم فيها النبي صلى الله عليه وسلم

أ- العصمة في التبليغ ودعوى الرسالة:

وهذه العصمة هي التي عليها المناط، فبها يحصل المقصود من البعثة فتبليغ شرع الله إلى الخلق هي مهمة الرسل من أولهم إلى آخرهم فهم الواسطة بين الله وبين خلقه الذين أرسلوا إليهم، فبطريقهم يهتدي البشر ويرشدون إلى دين الله إذ هم المبلغون عن الله أمره ونهيه وشرعه.

ولذلك فقد أوجب الله العصمة لأنبيائه ورسله في هذا الجانب حتى تصل الرسالة إلى العباد كاملة تامة غير منقوصة ولا محرفة، وبذلك تقوم الحجة على العباد.

ولقد دلت نصوص القرآن والسنة على عصمة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم في هذا الجانب، وانعقد إجماع الأمة على ذلك.

فمن القرآن:

ا- قوله تعالى: {وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى، إِنْ هُوَ إِلَاّ وَحْيٌ يُوحَى} ، فالآية نص في عصمة لسانه صلى الله عليه وسلم من كل هوى وغرض فهو لا ينطق إلا بما يوحى إليه من ربه ولا يقول إلا ما أمر به فيبلغه إلى الناس كاملا موفورا من غير زيادة ولا نقصان.

وهذه الآية شهادة وتزكية من الله لنبيه ورسوله محمد صلى الله عليه وسلم في كل ما بلغه للناس من شرع الله.

2-

وقوله تعالى: {وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنَا بَعْضَ الأَقَاوِيلِ، لأَخَذْنَا مِنْهُ بِالْيَمِينِ ثُمَّ

ص: 130

لَقَطَعْنَا مِنْهُ الْوَتِينَ فَمَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ عَنْهُ حَاجِزِينَ} 1، فالآيات نصت على أن الله سبحانه وتعالى لا يؤيد من يكذب عليه بل لابد أن يظهر كذبه وأن ينتقم منه.

ولو كان محمد صلى الله عليه وسلم من هذا الجنس كما يزعم الكافرون فيما حكاه الله عنهم {أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِباً} 2 - وحاشاه صلى الله عليه وسلم من ذلك- لأنزل الله به من العقوبة ما ذكره في هذه الآيات، وحيث إن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يقع له شيء من ذلك فلم يهلكه الله ولم يعذبه، فهو على هذا لم يتقول على الله ما لم يقله ولم يفتر شيئا من عند نفسه، وبهذا تثبت عصمته في كل ما بلغه عن ربه عز وجل.

قال ابن كثير بعد أن فسر هذه الآيات: "والمعنى في هذا بل هو صادق راشد لأن الله عز وجل مقر له ما يبلغه عنه ومؤيد له بالمعجزات الباهرات والدلالات القاطعات"3.

3-

وقوله تعالى: {وَإِنْ كَادُوا لَيَفْتِنُونَكَ عَنِ الَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ لِتَفْتَرِيَ عَلَيْنَا غَيْرَهُ وَإِذاً لَاتَّخَذُوكَ خَلِيلاً، وَلَوْلا أَنْ ثَبَّتْنَاكَ لَقَدْ كِدْتَ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئاً قَلِيلاً، إِذاً لأَذَقْنَاكَ ضِعْفَ الْحَيَاةِ وَضِعْفَ الْمَمَاتِ ثُمَّ لا تَجِدُ لَكَ عَلَيْنَا نَصِيراً} 4. وهذه الآيات دالة على عصمة الله وتثبيته لنبيه صلى الله عليه وسلم في تبليغ ما أوحى إليه، ومعناها مقارب لمعنى الآيات التي ذكرناها قبلها "فقد أخبر تعالى عن تأييده

1 الآيات (44 إلى 47) من سورة الحاقة.

2 الآية (24) من سورة الشورى.

3 تفسير ابن كثير (4/ 417) .

4 الآيات (73، 74، 75) من سورة الإسراء.

ص: 131

لرسوله صلوات الله عليه وسلامه وتثبيته وعصمته وسلامته من شر الأشرار وكيد الفجار، وأنه تعالى هو المتولي أمره ونصره، وأنه لا يكله إلى أحد من خلقه بل هو وليه وحافظه وناصره ومؤيده ومظفره ومظهر دينه على من عاداه وخالفه في مشارق الأرض ومغاربها"1.

وأما الأدلة من السنة على ذلك فمنها:

أ- حديث طلحة بن عبيد الله2 وجاء فيه قوله صلى الله عليه وسلم:

"ولكن إذا حدثتكم عن الله شيئا فخذوا به، فإني لن أكذب على الله" 3 والحديث نص على عصمته صلى الله عليه وسلم من الكذب فيما يخبر به عن الله.

2-

حديث عبد الله بن عمرو4 رضي الله عنهما قال: "كنت أكتب كل شيء أسمعه من رسول الله صلى الله عليه وسلم أريد حفظه، فنهتني قريش فقالوا: إنك تكتب كل شيء تسمعه من رسول الله صلى الله عليه وسلم، ورسول الله صلى الله عليه وسلم بشر يتكلم في الغضب والرضا، فأمسكت عن الكتاب، فذكرت ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: "اكتب فوالذي نفسي بيده ما خرج مني إلا حق" 5.

1 تفسير ابن كثير (3/ 53) .

2 طلحة بن عبيد الله بن عثمان التيمي القرشي أبو محمد، أحد العشرة المبشرين بالجنة، وأحد الثمانية السابقين للإسلام، توفي سنة ست وثلاثين من الهجرة. الإصابة (2/ 220، 222) .

3 تقدم تخريجه (ص 122) .

4 عبد الله بن عمرو بن العاص أسلم قبل أبيه وكان رضي الله عنه فاضلا، حافظا عالما، توفي بالشام سنة 65 هـ وقيل غير ذلك. الإصابة (2/ 343- 344) .

5 أخرجه الإمام أحمد في مسنده (2/ 162، 192) ، وأبو داود في سننه، كتاب العلم: باب في كتاب العلم (4/ 60) خ 3646، والحاكم في المستدرك (1/104، 105) وصححه ووافقه الذهبي.

ص: 132

3-

حديث أبي هريرة رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: "إني لا أقول إلا حقا"، قال بعض أصحابه: فإنك تداعبنا يا رسول الله. قال: "إني لا أقول إلا حقا"1.

دليل الإجماع:

نقل غير واحد من العلماء إجماع الأمة واتفاقها على عصمته صلى الله عليه وسلم في تبليغ ما أوحي إليه من ربه عز وجل.

قال القاضي عياض: "وأجمعت الأمة في ما كان طريقه البلاغ أنه معصوم فيه من الإخبار عن شيء منها بخلاف ما هو به، لا قصدا ولا عمدا ولا سهوا ولا غلطا"2.

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية: "إن الأنبياء صلوات الله عليهم معصومون فيما يخبرون به عن الله سبحانه، وفى تبليغ رسالاته باتفاق الأمة ولهذا وجب الإيمان بكل ما أوتوه..... والعصمة فيما يبلغونه عن الله ثابتة فلا يستقر في ذلك خطأ باتفاق المسلمين"3

ب- العصمة من الكفر والشرك:

الحديث عن عصمته صلى الله عليه وسلم في هذا الجانب ذو شقين هما:

الأول: عصمته قبل مبعثه صلى الله عليه وسلم.

الثانى: عصمته بعد مبعثه صلى الله عليه وسلم.

1 أخرجه أحمد في مسنده (2/340، 360) . والترمذي في سننه، كتاب البر والصلاة: باب مما جاء في المزاح (4/ 357) ح 1990 وقال: هذا حديث حسن صحيح

2 الشفا (2/ 746) .

3 مجموع الفتاوى (10/ 289، 290) .

ص: 133

أما الشق الأول: وهو عصمته من الشرك والكفر قبل بعثته ونزول الوحي إليه كلها فقد دلت النصوص الثابتة على أن النبي صلى الله عليه وسلم معصوم منذ نشأته من الكفر والشرك فلم يعهد عنه صلى الله عليه وسلم أنه سجد لصنم أو استلمه أو إلى غير ذلك من أمور الشرك التي كان يفعلها قومه. فقد فطره الله على معرفته والاتجاه إليه وحده وهذا هو المعلوم من سيرته. فمن النصوص التي يستدل بها على هذا الأمر ما يلى:

-حديث أنس بن مالك رضي الله عنه: "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أتاه جبريل وهو يلعب مع الغلمان فأخذه فصرعه فشق عن قلبه فاستخرج القلب، فاستخرج منه علقة، فقال: هذا حظ الشيطان منك، ثم غسله في طست من ذهب بماء زمزم ثم لأمه، ثم أعاده في مكانه، وجاء الغلمان يسعون إلى أمه - يعنى ظئره1 - فقالوا: إن محمدا قد قتل، فاستقبلوه وهو منتقع اللون، قال أنس وقد كنت أرى أثر ذلك الخيط في صدره"2.

فالحديث نص على إخراج جبريل لحظ الشيطان منه صلى الله عليه وسلم وتطهيره لقلبه فلا يقدر الشيطان على إغوائه إذ لا سبيل له عليه. وهذا دليل على تنزيهه من الشرك منذ صغره صلى الله عليه وسلم.

-وعن زيد بن حارثة رضي الله عنه قال: كان صنم من نحاس يقال له إساف أو نائلة يتمسح به المشركون إذا طافوا، فطاف رسول الله صلى الله عليه وسلم فطفت معه، فلما مررت مسحت به، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا تمسه، فقال زيد: فطفت فقلت في نفسي لأمسنه حتى أنظرما يكون فمسحته،

1 أي مرضعته.

2 أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب الإيمان، باب الإسراء برسول الله صلى الله عليه وسلم (1/ 101، 102) .

ص: 134

فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ألم تنه؟، قال زيد: فوالذى هو أكرمه وأنزل عليه الكتاب ما استلم صنما حتى أكرمه الله بالذي أكرمه وأنزل عليه"1.

وهذا الحديث نص في بعده صلى الله عليه وسلم عن عبادة الأوثان التي كان عليها أهل مكة فنهيه لزيد - الذي كان ابنه بالتبني في ذلك الحين - يؤكد نفرته صلى الله عليه وسلم من تلك الأوثان التي كان يعكف عليها أهل مكة.

ولقد كان النبي صلى الله عليه وسلم لا يحضر مع أهل سكة ما يقيمونه من أعياد لأصنامهم فعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: حدثتني أم أيمن2 قالت:. كان ببوانة صنم يحضره قريش يوما في السنة، وكان أبو طالب3 يحضره مع قومه، وكان يكلم رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يحضر ذلك العيد مع قومه فيأبى حتى رأيت أبا طالب غضب عليه، ورأيت عماته غضبن عليه يومئذ أشد الغضب وجعلن يقلن: إنا نخاف عليك مما تصنع من اجتناب، آلهتنا وجعلن يقلن يا محمد: ما تريد أن تحضر لقومك عيدا ولا تكثر لهم جمعا فلم فىيزالوا به حتى ذهب فغاب عنهم ما شاء الله ثم رجع إلينا مرعوبا فزعا فقلن عماته: ما دهاك؟ قال:

1 أخرجه الحاكم في المستدرك (3/ 216- 217) وقال حديث صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه. وأخرجه أبو نعيم في دلائل النبوة (ص 145) . وأخرجه البيهقي في دلائل النبوة (2/ 34) بتحقيق عبد المعطي قلعجي. وأورده ابن كثير في البداية والنهاية (2/ 288) . وأورده السيوطي في الخصائص الكبرى (1/ 151، 152) .

2 أم أيمن مولاة النبي صلى الله عليه وسلم وحاضنته واسمها بركة بنت ثعلبة، وهي أم أسامة بن زيد بن حارثة. الإصابة (4/ 415، 416) .

3 أبو طالب بن عبد المطلب عم النبي صلى الله عليه وسلم، شقيق أبيه كفل النبي صلى الله عليه وسلم وذب عنه ونصره بعد بعثته ولم يمت على الإسلام. الإصابة (4/ 115، 118) .

ص: 135

"إني أخشى أن يكون بي لمم"، فقلن: ما كان الله ليبتليك بالشيطان وفيك من خصال الخير ما فيك فما الذي رأيت؟ قال: "إني كلما دنوت من صنم منها تمثل لي رجل أبيض طويل يصيح بي وراءك يا محمد لا تمسه" فما عاد إلى عيد لهم حتى تنبئ" 1.

كما عصم صلى الله عليه وسلم من الحلف بأسماء تلك الأصنام التي كان يعبدها قومه ويحلفون بها تعظيما لها فقد جاء في قصة بحيرى الراهب2 أنه استحلف النبي صلى الله عليه وسلم باللات والعزى حينما لقيه بالشام في سفرته مع عمه أبي طالب وهو صبي لما رأى فيه علامات النبوة فقال بحيرى للنبي صلى الله عليه وسلم: يا غلام أسألك باللات والعزى إلا ما أخبرتني عما أسألك عنه، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم:"لا تسألني باللات والعزى شيئا فوالله ما أبغضت بغضهما شيئا قط"3.

والنصوص في مثل هذا كثيرة وقد عني بجمعها من ألف في دلائل النبوة مثل الحافظ أبي نعيم الأصبهاني4 فقد عقد فصلا في كتابه دلائل النبوة بعنوان:

1 أخرجه أبو نعيم في دلائل النبوة (ص 144) . وأورده السيوطي في الخصائص الكبرى (1/ 151) وعزاه إلى ابن سعد وأبي نعيم وابن عساكر.

2 راهب من رهبان النصارى يقال إنه كان من عبد القيس وكان اسمه: جرجيس.

البداية (2/ 286) .

3 أخرجه أبو نعيم في دلائل النبوة (ص 125- 128) ، وأخرجه البيهقي في دلائل النبوة (2/ 26، 27) بتحقيق عبد المعطي قلعجي. وأورده السيوطي في الخصائص الكبرى (1/ 142، 144) وعزاه للبيهقي.

4 أحمد بن عبد الله بن أحمد الأصبهاني وأبو نعيم. حافظ مؤرخ من الثقات في الحفظ والرواية، ولد ومات بأصبهان عام 430 هـ من مؤلفاته: حلية الأولياء ودلائل النبوة. الأعلام (1/ 157) .

ص: 136

"ذكر ما خصه الله عز وجل به من العصمة وحماه من التدين بدين الجاهلية

" وقد أورد تحت هذا العنوان العديد من الأحاديث والشواهد في هذا الشأن1.

وكذلك فعل البيهقي2 في دلائل النبوة أيضا فعقد عنوانا لهذا الموضوع فقال:

"باب ما جاء في حفظ الله تعالى رسوله صلى الله عليه وسلم في شبيبته عن أقذار الجاهلية ومعائبها، لما يريده به من كرامته برسالته حتى يبعث رسولا"3.

ومثلهما السيوطي في الخصائص الكبرى4 حيث قال: "باب اختصاصه صلى الله عليه وسلم بحفظ الله إياه في شبابه عما كان فيه أهل الجاهلية"5.

الإجماع:

نقل الجرجاني6 إجماع الأمة على عصمة الأنبياء من الكفر والشرك قبل النبوة وبعد حيث قال: "وأما الكفر فأجمعت الأمة على عصمتهم منه قبل النبوة وبعدها ولا خلاف لأحد منهم في ذلك"7.

1 انظر (ص 143- 147) .

2 أحمد بن الحسين البيهقي، صاحب التصانيف المشهورة ومنها: السنن الكبرى، وشعب الإيمان، ودلائل النبوة، ولد سنة 384 هـ وتوفي سنة 458 هـ. تذكرة الحفاظ (3/ 1132) والأعلام (1/116)

3 انظر (2/ 30، 42) .

4 عبد الرحمن بن أبي بكر السيوطى حافظ مؤرخ أديب له نحو (600 مصنف) ولد سنة 849 هـ وتوفي سنة 911 هـ. الأعلام (3/ 301- 302) .

5 انظر: (1/ 148، 152) .

6 هو: علي بن محمد بن علي المعروف بالشريف الجرجاني ولد سنة 740 هـ وتوفي سنة 816 هـ له كتاب التعريفات، وشرح المواقف وغيرهما. الأعلام (5/ 7) .

7 شرح المواقف (ص 134) .

ص: 137

وهذا هو الحق فالله سبحانه وتعالى قد نزه نبيه صلى الله عليه وسلم عن الكفر والشرك وعصمه من الوقوع فيهما وذلك داخل في باب إعداده لتحمل الرسالة، ومثل ذلك صيانة الله لنسبه الذى تناسل منه فعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لم يلتق أبواي على سفاح، لم يزل الله ينقلني من الأصلاب الطيبة إلى الأرحام الطاهرة مصفى مهذبا لا تتشعب شعبتان إلا كنت في خيرهما"1.

وكل ذلك حتى لايبقى لمنتقص حجة يتعلق بها لتنفير الناس من رسول الله صلى الله عليه وسلم فمن المعلوم أن كفار قريش كانوا حريصين أشد الحرص على تجريح النبي صلى الله عليه وسلم ووصفه بما ينقص من قدره ويحط من شأنه لتنفير الناس منه وصدهم عن دعوته فلقد رموه واتهموه بالسحر والجنون وغير ذلك من النقائص ولكن لم يكن الشرك والكفر من ضمن ما رموه به فسكوتهم عن ذلك دليل على أنهم لم يجدوا سبيلا إليه إذ لو كان لنقل، وما سكتوا عنه كما لم يسكتوا عند تحويل القبلة كما حكى الله ذلك عنهم في قوله تعالى:{مَا وَلَاّهُمْ عَنْ قِبْلَتِهِمُ الَّتِي كَانُوا عَلَيْهَا} 2.

وبهذا يتبين أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن على دين قومه من عبادة الأصنام وتعظيمها، فقد عصمه الله من ذلك فلم يجعل لكفار قريش طريقا عليه فلذلك لجؤوا إلى تلفيق التهم الباطلة المتناقضة كاتهامه بالسحر تارة وبالجنون تارة وبالكهانة تارة أخرى.

1 أخرجه أبو نعيم في دلائل النبوة (ص 24) من عدة طرق والحديث له شواهد متعددة أوردها السيوطي في الخصائص الكبرى (1/ 63، 66) .

2 الآية (142) من سورة البقرة.

ص: 138

وإذا كان الله قد عصم نبيه صلى الله عليه وسلم فيما هو دون الشرك من الأمور المنكرة التي كان عليها أهل الجاهلية ففي ذلك دليل على أن عصمته من أمور الشرك من باب أولى.

فعن جابر بن عبد الله رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان ينقل معهم الحجارة للكعبة وعليه إزاره فقال له العباس عمه: يا ابن أخي لو حللت إزارك فجعلته على منكبك دون الحجارة، قال فحله فجعله على منكبه فسقط مغشيا عليه فمارؤي بعد ذلك عريانا صلى الله عليه وسلم"1.

إزالة ما يوهم عدم إيمان نبينا وضلاله قبل بعثته:

وردت بعض النصوص التي قد يتوهم منها البعض أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان على كفر وضلال قبل بعثته، وسوف أعرض لهذه النصوص وأبين التوجيه الصحيح لها بما يبين الحق ويصحح الفهم ويزيل ما يقع من الوهم إن شاء الله.

أ- فمن تلك النصوص قول الله تعالى للنبي صلى الله عليه وسلم: {وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحاً مِنْ أَمْرِنَا مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلا الإِيمَانُ} 2.

فقد يتوهم البعض أن هذه الآية تعني انتفاء معرفة النبي للإيمان بالكلية قبل بعثته بمعنى أنه لم يكن مؤمنا.

والجواب على ذلك أن هذه الفهم خاطئ لأن الإيمان في قوله {وَلا الإِيمَانُ} مصدر بمعنى المفعول فيكون المعنى المراد: أي ما يجب الإيمان به من الفرائض

1 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الصلاة: باب كراهية التعري في الصلاة وغيرها. انظر فتح الباري (1/ 474) ح 364 وأخرجه مسلم في صحيحه، كناب الحيض: باب الاعتناء بحفظ العورة (1/ 184) .

2 الآية (52) من سورة الشورى.

ص: 139

والأحكام الشرعية التي كلف بها علما وعملا، فالمنفي هو الإيمان التفصيلي لا الإجمالي.

فقد كان النبي صلى الله عليه وسلم قبل نزول الوحي إليه مبغضا للشرك وعبادة الأصنام ومتجها إلى الله وحده كما سبق الاستدلال على ذلك، فلما نزلت عليه الفرائض والأحكام الشرعية التي لم يكن يدري بها قبل الوحي آمن بها وطبقها. فهذا هو المعنى الصحيح للآية، كما ذكر ذلك علماء التفسير عند تفسيرها قال ابن كثير:" {مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلا الإِيمَانُ} على التفصيل الذي شرع لك في القرآن"1.

وقال الشوكاني2: "ومعنى {وَلا الإِيمَانُ} أنه كان صلى الله عليه وسلم لا يعرف تفاصيل الشرائع ولا يهتدي إلى معالمها وخص الإيمان لأنه رأسها وأساسها"3.

ب- ومن النصوص كذلك قول الله تعالى {وَوَجَدَكَ ضَالاً فَهَدَى} 4 فقد يتوهم البعض أن الآية تعني أن نبينا كان على ضلال قبل مبعثه وهذا فهم خاطئ وباطل ترده النصوص التي سبق إيرادها والتي نصت على أن النبي صلى الله عليه وسلم كان من أول حاله إلى نزول الوحي عليه معصوما من عبادة الأوثان وقاذورات أهل الفسق والعصيان.

وقد أشار إلى بطلان هذا اللهم القرطبي عند تفسيره لهذه الآية حيث قال:

1 تفسير ابن كثير (4/ 122) .

2 محمد بن علي بن محمد الشوكاني، فقيه مجتهد، من كبارعلماء اليمن له (114 مؤلفا) ولد سنة 1173 هـ وتوفي سنة 1250 هـ. الأعلام:(6/ 298) .

3 فتح القدير (4/ 530) .

4 الآية (7) من سورة الضحى.

ص: 140

"فأما الشرك فلا يظن به"1.

وأما المعنى الصحيح لهذه الآية فقد أشار العلماء إلى عدة معان صحيحة لهذه الآية تشترك جميعها في تنزيه النبي صلى الله عليه وسلم عن أن ينسب إليه شيء من الشرك أو الكفر قبل بعثته، ومن تلك المعاني ما يلي:

ا- أن يفسر الضلال هنا بمعنى الغفلة كما في قوله تعالى: {لا يَضِلُّ رَبِّي وَلا يَنْسَى} 2، وكما في قوله تعالى {وَإِنْ كُنْتَ مِنْ قَبْلِهِ لَمِنَ الْغَافِلِينَ} 3 والمعنى أنه وجدك غافلا عما يراد بك من أمر النبوة4.

2-

وقال بعضهم معنى (ضالا) لم تكن تدري ما القرآن والشرائع فهداك الله إلى القرآن وشرائع الإسلام، وهو بمعنى قوله تعالى:{مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلا الإِيمَانُ} وعلى هذا التفسير يكون المعنى: أي وجدك ضالا عن شريعتك التي أوحاها إليك لا تعرفها قبل الوحي إليك، فهداك إليها5.

3-

وقال بعضهم معنى الآية أى وجدك في قوم ضلال فهداهم الله بك6.

4-

وقال بعضهم الضلال بمعنى الطلب أي وجدك طالبا للقبلة فهداك إليها7 كما في قوله تعالى: {قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا} 8.

1 تفسيرالقرطبي (20/ 99) .

2 الآية (52) من سورة طه.

3 الآية (3) من سورة يوسف.

4 تفسير القرطبي (20/ 96) وفتح القدير (5/ 458) .

5 انظر: تفسير ابن كثير (5/ 523) وتفسير القرطبي (20/ 96، 97) ، وفتح القدير (5/ 458) .

6 انظر: تفسير القرطبي (20/ 97) وفتح القدير (5/ 458) .

7 انظر: تفسير القرطبي (20/ 97) وفتح القدير (5/ 458) .

8 الآية (144) من سورة البقرة.

ص: 141

قَبْلِهِ لَمِنَ الْغَافِلِينَ} 2.

فليس المقصود بالغفلة هنا الشرك والغواية إنما المقصود منها الغفلة عن قصة يوسف مع الله وإخوته كما يوضح ذلك سياق الآية. فهذه القصة وأمثالها لا تعلم إلا من الوحي فلهذا لا يلحقه نقص بسببها.

وهذا هو ما ذكره علماء التفسير عند هذه الآية.

قال القرطبي: "أي من الغافلين عما عرفناكه"3. وقال الشوكاني: "والمعنى أنك من قبل إيحائنا إليك من الغافلين عن هذه القصة"4.

د- ومن تلك النصوص ما رواه عثمان بن أبي شيبة5 بسنده عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه: "أن النبي صلى الله عليه وسلم قد كان يشهد مع المشركين مشاهدهم، فسمع ملكين من خلفه وأحدهما يقول لصاحبه: اذهب بنا حتى نقوم خلفه، فقال الآخر: كيف نقوم خلفه وإنما عهده باستلام الأصنام، فلم يعد بعد ذلك يشهد مع المشركين مشاهدهم"6.

1 انظر: تفسير القرطبي (20/ 97) بتصرف.

2 الآية (3) من سورة يوسف.

3 تفسير القرطبي (9/ 120) .

4 فتح القدير (3/4) .

5 هو: عثمان بن محمد بن أبي شيبة الكوفي العبسي، من حفاظ الحديث، وله من المصنفات: المسند، والتفسير، ولد سنة 156 هـ وتوفي سنة 239 هـ. تاريخ بغداد (11/ 382) .

6أخرجه ابن عدي في الكامل (4/ 1447) ، والخطيب في تاريخ بغداد (11/ 286)

وأبو يعلى الموصلي في مسنده، والعقيلى في الضعفاء، وابن الجوزي في العلل المتناهية (1/ 166) ، والبيهقي في دلائل النبوة (2/ 35) . وأورده الذهبي في الميزان (3/ 35) وأورده ابن حجر في لسان الميزان (3/ 53) وأورده ابن كثير في التاريخ (2/ 288) وأورده السيوطي في الخصائص الكبرى (1/ 152) .

ص: 142

والمنكر من هذا الحديث قوله عن الملك: "عهده باستلام الأصنام" والجواب عن هذا الحديث ذو شقين هما:

أولا: الكلام على سند الحديث:

تكلم العلماء على سند الحديث وأوردوا عللا منها:

ا- أن عثمان بن أبي شيبة لم يتابع عليه1.

ولكن الذهبي2 أجاب عن هذا بقوله: "عثمان لا يحتاج إلى متابع ولا ينكر له أن ينفرد بأحاديث لسعة ما روى، وقد يغلط، وقد اعتمده الشيخان في صحيحيهما

" 3.

2-

قال الدارقطني4: "يقال إن عثمان بن أبي شيبة وهم في إسناده، وغيره يرويه عن جرير5 عن سفيان بن عبد الله6 بن محمد بن زياد بن جدير مرسلا

1العلل المنناهية لابن الجوزي (1/ 167) .

2 محمد بن أحمد بن عثمان الذهبي، حافظ، مؤرخ، علامة محقق له تصانيف كثيرة كييرة تقارب المئة، منها: سير أعلام النبلاء، وتذكرة الحفاظ وغيرها، ولد سنة 673 هـ، وتوفي سنة 748 هـ. الأعلام (5/ 326) .

3 ميزان الاعتدال (3/ 35) .

4 علي بن عمر الدارقطني الشافعي إمام عصره في الحديث، ولد سنة 306 هـ وتوفي سنة 385 هوله كتاب " السنن" و "العلل". الأعلام (4/ 314) .

5 جرير بن عبد الحميد الضبي نزيل الري وقاضيها ثقة صحيح الكتاب مات سنة ثمان وثمانين ومائة. تهذيب التهذيب (2/ 75) .

6 سفيان بن عبد الله بن زياد بن جدير: مجهول، لسان الميزان (3/ 53) .

ص: 143

وهو الصواب1.

ومن كلام الدارقطني نتبين لنا علتان:

أ- أن الحديث مرسل وليس متصلا.

ب- جعله لسفيان الثوري2 مكان سفيان بن عبد الله وهذا وهم في السند فسفيان بن عبد الله مجهول، وأما الثوري فهو ثقة3.

3-

أن في سند عثمان بن أبي شيبة، عبد الله بن محمد بن عقيل4 وهو ضعيف عند القوم5.

وبهذا يتبين ضعف إسناد الحديث.

ثانيا: الكلام على متن الحديث

بالإضافة إلى ضعف هذا الحديث الذي لا تقوم به حجة فإن ظاهر اللقظ وهو قوله إنما عهده باستلام الأصنام يخالف ما عرف عن النبي صلى الله عليه وسلم من أنه لم يكن على شيء مما كان عليه أهل مكة من الشرك وذلك منذ ولادته إلى أن بعثه الله رسولا نبيا ليدعوهم إلى عبادة الله وحده لا شريك له وترك ما يعبد من دونه. ولقد سبق إيراد الأدلة على ذلك فليرجع إليها.

1 العلل المتناهية (1/167) .

2 سفيان بن سعيد بن مسروق الثوري، ثقة حافظ فقيه، عابد إمام حجة، مات سنة إحدى وستين ومائة. تهذيب التهذيب (4/111) .

3 لسان الميزان (3/53) بتصرف.

4 عبد الله بن محمد بن عقيل بن أبي طالب الهاشمي، كان خيرا فاضلا موصوفا بالعبادة، ولكن لم يكن متقنا في الحديث فضعفوه. تهذيب التهذيب (6/13 – 16) .

5 العلل المتناهية (1/167) .

ص: 144

وقد ذكر بعض العلماء: أن ظاهر الحديث ليس مرادا، فليس المقصود أنه باشر الاستلام، وإنما المقصود أنه شهد مباشرة المشركين استلام أصنامهم1.

الشق الثاني: عصمته صلى الله عليه وسلم من الكفر والشرك بعد النبوة:

بعث الله تعالى نبيه محمدا صلى الله عليه وسلم ليدعو الناس إلى عبادة الله وحده وترك ما هم فيه من الكفر والشرك.

ولقد كان صلى الله عليه وسلم في تطبيق ما أمر به هو المثل الأعلى الذي يحتذى به. قال تعالى: {قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ لا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ} 2.

فهو منزه عن كل ضلال وغواية كما أخبر الله بذلك في كتابه العزيز {مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى} 3 فهذه شهادة للرسول صلى الله عليه وسلم بأنه راشد تابع للحق ليس بضال ولا غاو، بل هو صلوات الله وسلامه عليه في غاية من الاستقامة والاعتدال والسداد والهداية.

وإجماع الأمة منعقد على ذلك قال الرازي4: "واجتمعت الأمة على أن الأنبياء معصومون عن الكفر والبدعة"5.

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية: "ففي الجملة كل ما يقدح في نبوتهم

1 ميزان الاعتدال (3/ 35) ، وتاريخ بغداد (11/ 286) .

2 الآيات (162، 163) من سورة الأنعام.

3 الآية (2) من سورة النجم.

4 هو محمد بن عمر الرازي الملقب بالفخر الرازي، ولد سنة 544 هـ وتوفي سنة 606 هـ. الأعلام (4/ 313) .

5 عصمة الأنبياء (ص 18) .

ص: 145

وتبليغهم عن الله تعالى فهم متفقون على تنزيههم عنه"1.

وقال الآمدي2: "فما كان منها كفرا فلا نعرف خلافا بين أهل الشرائع في عصمتهم عنه"3.

ولم يخالف هذا الإجماع إلا من لا يعتد بخلافهم4.

والمعلوم من خلال سيرته صلى الله عليه وسلم أنه كان حربا على الكفر والشرك على

1 منهاج السنة النبوية (1/ 130) .

2 علي بن محمد بن سالم التغلبي أبو الحسن سيف الدين الآمدي، أصولي باحث، ولد سنة 551 هـ وتوفي سنة 631 هـ، من أشهر مؤلفاته: الإحكام في أصول الأحكام. الأعلام (4/ 332) .

3 الإحكام في أصول الأحكام (1/ 128) .

4 الذين خالفوا في هذه المسألة هم:

أالأزارقة: وهم فرقة من فرق الخوارج وقد نقل عنهم أنهم قالوا بجواز بعثة نبي علم الله أنه يكفر بعد نبوته. انظر الإحكام في أصول الأحكام (1/128) ، والمواقف للإيجي (358، 359) .

ب- والفضيلية: رهم من فرق الخوارج ويقولون بجواز الكفر على الأنبياء من جهة كونهم يعتقدون جواز صدور الذنوب عن الأنبياء وكل ذنب هو كفر - على حسب اعتقادهم - فمن هذا الباب جوزوا صدور الكفر عنهم.

انظر: عصمة الأنبياء للرازي (ص 18) والإحكام في أصول الأحكام للآمدي (1/ 128) . ج- الرافضة: فقد جوزوا على الأنبياء إظهار الكفر على سبيل التقية عند خوف الهلاك، بل نقل عنهم أنهم أوجبوه. ويعللون ذلك بقولهم: إن إظهار الإسلام إن كان مفضيا إلى القتل كان إلقاء للنفس في التهلكة، وإلقاء النفس في التهلكة حرام لقوله تعالى:{وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَة} الآية 195 من سورة البقرة، وإذا كان إظهار الإسلام حراما كان إظهار الكفر واجبا. انظر: عصمة الأنبياء للرازي (ص 18) .

د- ذكر ابن حزم في كتابه الفصل (4/2) : "أنه رأى في كتاب أبي جعفر السمناني قاضي الموصل صاحب الباقلاني أنه كان يقول: كل ذنب دق أو جل فإنه جائز على الرسل حاشا الكذب في التبليغ فقط، قال: وجائز عليهم أن يكفروا".

ص: 146

اختلاف صوره وألوانه، فلم يدع طريقا أو سبيلا لهدم الشرك والكفر إلا وقد سلكه مستخدما في ذلك لسانه وسنانه، وهذا كله يؤكد عصمته صلى الله عليه وسلم من الكفر والشرك وهذا أمر مشتهر وأعظم من أن يحتاج إلى دليل يؤكده.

ج- عصمته من الكذب في غير الوحي والتبليغ.

من المعروف عن سيرته صلى الله عليه وسلم قبل البعثة وبعدها أنه متصف بكل خلق فاضل من صدق وأمانة وبر وصلة رحم وإحسان وجود إلى غير ذلك من محاسن الأخلاق التي جبله الله عليها منذ نشأته، وحري به صلى الله عليه وسلم أن يكون كذلك فقد اختاره الله لحمل الأمانة العظمى التي هي أداء الرسالة وتبليغها إلى الناس كافة، فكان لابد من إعداده لهذه المهمة، ولذا فقد فطره الله على كل خلق فاضل كريم وقد جمع الله له خصال الخير كلها، فلم يكن يدعى إلا بالأمين، ومن الأدلة التي يستدل بها على اتصافه بالصدق قبل بعثته ما يلي:

ا- قول خديجة بنت خويلد1 رضي الله عنها حينما أتاها النبي صلى الله عليه وسلم خائفا بعد أن لقيه جبريل في غار حراء وقال لها: "إني قد خشيت على نفسي"، فقالت له:"كلا أبشر، فوالله لا يخزيك الله أبدا، فوالله إنك لتصل الرحم وتصدق الحديث، وتحمل الكل، وتكسب المعدوم، وتقري الضيف، وتعين على نوائب الحق"2.

1 خديحة بنت خويلد بن أسد بن عبد العزى بن قصي القرشية الأسدية زوج النبي صلى الله عليه وسلم وأول من صدقت ببعثته مطلقا، توفيت بعد خروج بني هاشم من الشعب.

الإصابة (4/273 - 276) .

2 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب التفسير. انظر: فتح الباري (8/ 715) ح 4953.

ص: 147

2-

إجماع قرييش على الإقرار بصدقه حينما جمعها ليصدع بالدعوة جهرا فعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: "لما نزلت {وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ} 1 صعد النبي صلى الله عليه وسلم على الصفا فجعل ينادي: "يا بني فهريا بني عدي" - لبطون قريش - حتى اجتمعوا، فجعل الرجل إذا لم يستطع أن يخرج أرسل رسولا لينظر ما هو، فجاء أبو لهب2 وقريش، فقال: "أرأيتكم لو أخبرتكم أن خيلا بالوادي تريد أن تغير عليكم أكنتم مصدقي". قالوا: ما جربنا عليك إلا صدقا.

قال: "فإني نذير لكم بين يدي عذاب شديد

" الحديث3

فالشاهد من الحديث قولهم "ما جربنا عليك إلا صدقا" فالنبي صلى الله عليه وسلم انتزع منهم هذه الشهادة الجماعية بصدقه وانتفاء الكذب عنه، لعلمه بما قد سيقع من تكذيبهم له عند إخبارهم بأمر الرسالة.

3-

على تكذيب قريش للنبي صلى الله عليه وسلم في دعوة النبوة إلا أن أحدا منهم لم يجرؤ على وصفه بالكذب في سواها فقد قال أبو جهل4 للنبي صلى الله عليه وسلم: إنا لا نكذبك، ولكن نكذب الذي جئت به5 فأنزل الله تعالى: {فَإِنَّهُمْ لا

1 الآية (214) من سورة الشعراء.

2 اسمه عبد العزى بن عبد المطب وكنيته أبو عتبة وهو أحد أعمام الرسول صلى الله عليه وسلم، كان كثير الأذية لرسول الله صلى الله عليه وسلم والبغضة له ولدينه. تفسير ابن كثير (4/ 564) .

3 أخرحه البخاري في صحيحه كتاب التفسير: باب {وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الأَقْرَبِينَ} ، انظر: فتح الباري (18/ 501) ح 4770، واللفظ له.

4 اسمه عمرو بن هشام، وكان من أشد الناس عداوة للنبي صلى الله عليه وسلم قتل يوم بدر. ابن الأثير (1/ 23- 47) .

5 انظر: تفسير الطبري (7/ 182) .

ص: 148

يُكَذِّبُونَكَ وَلَكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآيَاتِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ} 1.

وكذلك عندما سأل الأخنس بن شريق2 أبا جهل بعد ما خلا به يوم بدر فقال: "يا أبا الحكم، أخبرني عن محمد أصادق هو أم كاذب؟ فإنه ليمر ههنا من قريش أحد غيري وغيرك يسمع كلامنا، فقال أبو جهل: ويحك، والله إن محمدا لصادق، وما كذب محمد قط، ولكن إذا ذهب بنو قصي باللواء والحجابة والسقاية والنبوة، فماذا يكون لسائر قريش؟ "3.

4-

ومما يستدل به كذلك جواب أبي سفيان4 لهرقل5 عندما سأله عن النبي صلى الله عليه وسلم، عندما أرسل إليه في ركب من قريش وكانوا تجارا بالشام في المدة التي كان رسول الله صلى الله عليه وسلم هادن فيها أبا سفيان وكفار قريش، فكان مما سأله عنه: فهل كنتم تتهمونه بالكذب قبل أن يقول ما قال؟

فقال أبو سفيان: لا

فقال هرقل: ما كان ليدع الكذب على الناس ويكذب على الله6.

1 الآية (33) من سورة الأنعام.

2 الأخنس بن شريق الثقفي، كان من المؤلفة، وشهد حنينا، ومات في أول خلافة عمر. الإصابة (1/ 39- 40) .

3 أخرجه الطبري في تفسيره (7/ 182) ، وأورده ابن كثير في تفسيره (2/ 130) .

4 اسمه صخر بن حرب بن أمية أبو سفيان القرشي الأموي، مشهور باسمه وكنيته، أسلم عام الفتح وشهد حنينا والطائف وكان من المؤلفة، توفي في آخر خلافة عثمان.

الإصابة (2/ 172، 173) .

5 هرقل هو ملك الروم، وهرقل اسمه- وهو بكسر الهاء وفتح الراء وسكون القاف- ولقبه قيصر، كما يلقب ملك الفرس كسرى ونحوه. فتح الباري (1/ 33) .

6 الحديث أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب بدء الوحي. انظر: فتح الباري (1/ 31) ح 7.

ص: 149

وبعد فهذه نماذج على صدقه صلى الله عليه وسلم وعصمته من الكذب قبل بعثته.

وكذا الحال بعد بعثته صلى الله عليه وسلم فهذه أخبار نبينا محمد صلى الله عليه وسلم وآثاره وسيره وشمائله معتنى بها مستوفاة تفاصيلها لم يرد في شيء منها تداركه صلى الله عليه وسلم لخبر صدر منه رجوعا عن كذبة كذبها، أو اعترافا بخلف في خبر أخبر به ولو وقع شيء من ذلك لنقل إلينا.

ومن المعلوم من دين الصحابة وعادتهم مبادرتهم إلى تصديق النبي صلى الله عليه وسلم في جميع أقواله والثقة بجميع إخباره في أي باب كانت وعن أي شيء وقعت دون توقف أو تردد في شيء منها أو استثبات عن حاله تلك هل وقع فيها سهوا أم لا"1.

وهذا كله يؤكد عصمته صلى الله عليه وسلم من الكذب بأي حال من الأحوال.

قال القا ي عياض: " وأما أقواله الدنيوية من إحباره عن أحواله وأحوال غيره وما يفعله أو فعله فقد قدمنا أن الخلف فيها ممتنع عليه في كل حال وعلى أي وجه من عمد أو سهو، أو صحة أو مرض، أو رضا أو غضب وأنه معصوم منه صلى الله عليه وسلم.

هذا فيما طريقه الخبر المحض مما يدخله الصدق والكذب، فأما المعاريض الموهم ظاهرها خلاف باطنها فجائز ورودها منه في الأمور الدنيوية لا سيما لقصد المصلحة كتوريته عن وجه مغازيه لئلا يأخذ العدو حذره.

وكما روي من ممازحته ودعابته لبسط أمته وتطييب قلوب المؤمنين من صحابته، وتأكيدا في تحببهم ومسرة نفوسهم، كقوله: "إني حاملك على

1 الشفا (2/768 – 769) .

ص: 150

ولد الناقة"1، وقوله للمرأة التي سألته عن زوجها: "أهو الذي بعينه بياض"2 وهذا كله صدق لأن كل جمل ابن ناقة، وكل إنسان بعينه بياض، وقد قال صلى الله عليه وسلم: "إني أمزح ولا أقول إلا حقا"3.

د- عصمته صلى الله عليه وسلم من الكبائر التي دون الشرك:

جبل الله نبيه محمدا صلى الله عليه وسلم على كل خلق فاضل كريم قال تعالى: {وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ} 4 فخلقه بأكرم السجايا، وجميل الأخلاق، وحسن الطوية وصفات الخير جميعها، كما نزهه عن كل ما يحط من قدره وينقص من منزلته، قال تعالى:{مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى} ، فهو صلى الله عليه وسلم منزه من كل ضلال وغواية، وقد كان من صيانة الله وحفظه له أن حماه من أقذار الجاهلية قبل مبعثه ونزول الوحي إليه، فهو معصوم عن كل ما يحط من قدره ويدق في شخصه ومما ورد في هذا الشأن من الأحاديث ما يلي:

- حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنه: "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان ينقل

1 أخرجه أبو داود في السنن، كتاب الأدب، باب ما جاء في المزاح (5/ 270- 271) ح 4998، وأخرجه الترمذي في السنن، كتاب البر والصلة: باب ما جاء في المزاح (4/ 357) ح 1989، وقال: هذا حديث حسن صحيح غريب.

2 عزاه السيوطي إلى ابن أبي الدنيا. انظر: مناهل الصفا (ص 233) ح رقم 1270.

3 أخرجه الإمام أحمد في المسند (2/ 340) ، وأخرجه الترمذي في السنن، كتاب البر والصلة: باب ما جاء في المزاح (4/ 357) وقال: حديث حسن صحيح. وأخرجه الطبراني في الصغير والأوسط والكبير عن ابن عمر كما في المجمع (8/ 89)، وقال الهيثمي:"وفيه من لم أعرفه" والطبراني في الأوسط عن أبي هريرة كما في المجمع (9/ 17) وقال الهيثمي: إسناده حسن. وانظر: الشفا (2/ 877، 878) .

4 الآية (4) من سورة القلم.

ص: 151

معهم الحجارة للكعبة وعليه إزاره، فقال له العباس عمه1: يا ابن أخي لو حللت إزارك، فجعلته على منكبك دون الحجارة، قال: فحله على منكبه فسقط مغشيا عليه فما رؤي بعد عريانا صلى الله عليه وسلم"2.

- وعن علي بن أبي طالب رضي الله عنه سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "ما هممت بشيء مما كان أهل الجاهلية يهمون به من النساء إلا ليلتين كلتاهما عصمني الله منهما، قلت ليلة لبعض فتيان مكة ونحن في رعاية غنم أهلنا، فقلت لصاحبي أبصر لي غنمي حتى أدخل مكة فأسمر بها كما يسمر الفتيان، فقال: بلى، فدخلت حتى إذا جئت أول دار مكة سمعت عزفا بالغرابيل والمزامير قلت: ما هذا؟ فقيل: تزوج فلان فلانة، فجلست أنظر وضرب الله على أذني فوالله ما أيقظني إلا مس الشمس، فرجعت إلى صاحبي فقال: ما فعلت؟، قلت: ما فعلت شيئا، ثم أخبرته بالذي رأيت، ثم قلت له ليلة أخرى: أبصر لي غنمي حتى أسمر بمكة، ففعل فدخلت فلما جئت مكة سمعت مثل الذي سمعت تلك الليلة فجلست أنظر وضرب الله على أذني فوالله ما أيقظني إلا مس الشمس فرجعت إلى صاحبي فقال: ما فعلت؟، قلت: لا شيء ثم أخبرته الخبر، فوالله ما هممت ولا عدت بعدهما لشيء من ذلك حتى أكرمني الله بنبوته"3.

1 العباس بن عبد المطلب بن هاشم القرشي الهاشمي عم الرسول صلى الله عليه وسلم، ولد قبل الرسول صلى الله عليه وسلم بسنتين يقال إنه أسلم وكتم إسلامه، هاجر إلى المدينة فبل الفتح بقليل، وشهد الفتح وثبت يوم حنين، مات بالمدينة سنة اثنتين وثلاثين. الإصابة (2/263) .

2 تقدم تخريجه (ص 139) .

3 أخرجه أبو نعيم في دلائل النبوة (ص 143) ، والبيهقي في دلائل النبوة (2/33، 34) ، وأورده السيوطي في الخصائص الكبرى (1/149، 150)، وعزاه لابن راهويه في مسنده وابن اسحاق والبزار والبيهقي وأبي نعيم وابن عساكر وقال: قال ابن حجر: إسناده حسن متصل ورجاله ثقات. وأورده ابن كثير في البداية (2/ 287) .

ص: 152

وعن علي رضي الله عنه قال: قيل للنبي صلى الله عليه وسلم: هل عبدت وثنا قط؟،

قال: "لا".

قالوا: فهل شربت خمرا قط؟

قال: "لا ومازلت أعرف أن الذي هم عليه كفر وما كنت أدري ما الكتاب ولا الإيمان"1.

فهذا عن عصمته قبل مبعثه فما بالك بعد مبعثه والأمر لا يتعلق بنفسه فقط بل يتعداه لغيره بكونه هو القدوة ومعلم الناس وهاديهم ومرشدهم بل إن كل قول من أقواله وكل فعل من أفعاله يعد تشريعا تأخذ به أمته إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها، فأمر عصمته صلى الله عليه وسلم من الكبائر أمر دلت عليه النصوص من القرآن والسنة ويكفي المسلم أن يقرأ في ذلك قوله تعالى:{وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ} فهذه تزكية من الله لرسوله صلى الله عليه وسلم توجب سلامته من كل ما يحط من منزلته ويقدح في نبوته بما في ذلك الكبائر.

وكذلك قوله صلى الله عليه وسلم: "أما والله إني لأخشاكم لله وأتقاكم له" الحديث2 ومما يندرج تحت هذه الخشية والتقوى، بُعده عن كل ما يسخط الرب عز وجل ومن ضمن ما يسخطه ارتكاب الكبائر، فهو صلى الله عليه وسلم أبعد الناس عنها لكمال

1 أورده السيوطي في الخصائص الكبرى (1/ 150) وعزاه لأبي نعيم وابن عساكر.

2 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب النكاح: باب الترغيب في النكاح. انظر: فتح الباري (9/ 104) ح 5063، وأخرجه مسلم في صحيحه، كتاب النكاح: باب استحباب النكاح لمن تاقت نفسه إليه. (4/ 128) .

ص: 153

لخشيته وتقواه لربه عزوجل، فلقد زكاه الله وطهر نفسه ولم يجعل للشيطان عليه من سبيل، وقد تقدم إيراد الحديث الذي جاء فيه أن جبريل شق قلب النبي صلى الله عليه وسلم وهو صغير فاستخرج منه علقة وقال: هذا حظ الشيطان منك1.

1 انظر تخريجه (ص 151) .

ص: 154